سقوط الرمي عمّن لا يستطيع الوصول إلى موضع الجمار بدون استنابة
إن الأصل في هذا هو قول النبي ﷺ: «مَا نَهَيْتُكُمْ عَنْهُ فَاجْتَنِبُوهُ، وَمَا أَمَرْتُكُمْ بِهِ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ»[54] فكما أن واجبات الصلاة تسقط عمن لا يستطيعها، فكذلك واجبات الحج فإنها تسقط عمن لا يستطيعها؛ لأن واجبات الصلاة آكد من واجبات الحج، حيث إن واجبات الصلاة لو تعمد ترك واجب منها بدون عذر بطلت صلاته، بخلاف واجبات الحج، فإنه لو تعمد ترك واجب بدون عذر لم يبطل حجه، وإنما عليه دم.
ومتى كان أصل فرض الحج يسقط عمن لا يستطيعه بنص القرآن، فما بالك بسقوط الواجب المعجوز عنه، إذ هو أولى بالسقوط بدون استنابة، وليس عندنا ما يثبت الاستنابة في واجبات الحج عند العجز عنها.
لهذا أفتينا ضعاف الأجسام وكبار الأسنان والمصابين بالمرض من رجال ونساء الذين لا يستطيعون الوصول إلى الجمار، بأن الرمي يسقط عنهم بدون استنابة ولا دم، كما أن أصل الحج يسقط عمن لا يستطيعه سقوطًا كليًّا بنص القرآن، فما بالك بسقوط الرمي عمن لا يستطيعه، إذ هو من باب الأولى والأحرى، وقد أسقط النبي ﷺ طواف الوداع عن الحائض بدون استنابة، وقد عدّه الفقهاء من واجبات الحج، وهذا واضح جلي لا مجال للجدل في مثله، إذ ليس عندنا ما يثبت صحة التوكيل في سائر واجبات الحج أو مستحباته.
[54]رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة.