حادثة اغتيال الأستاذ «قلمداران» والحوادث المؤلمة الأخرى في حياته
1- عندما نشر الأستاذ «قلمداران» كتابه «طريق الاتحاد - دراسة نصوص الإمامة» -قُبَيل انتصار الثورة - أرسل الشيخ مرتضي حائري نجل آية الله الشيخ عبدالكريم الحائري مؤسس الحوزة العلمية في قم رجلاً إلى الأستاذ وطلب منه أن يأتيه إلى بيته، ولما ذهب الأستاذ إلى بيت الحائري، قال له الحائري: أأنت ألفت كتاب «نصوص الإمامة»؟ فأجاب الأستاذ: أنا لا أقول أنا لم أكتبه! ولكن لا يُرى اسمي على الكتاب! قال له الحائري: يمكن أن تُقتل بسبب تأليف هذا الكتاب! قال الأستاذ: ما أسعدني! لو أُقتل من أجل عقيدتي، ثم قال له الحائري: لو بإمكانك أن تجمع الكتاب من السوق فافعل، ثم ادفنه أو أحرقه! فأجاب الأستاذ: ليس هذا بإمكاني، طبعه رجلٌ آخر ونشره، وأنت لو بإمكانك اشتر جميع النسخ واحرقها، ومن جانب آخر يطبع آلاف الكتب للدعاية للشيوعية وتبليغ البهائية، فلماذا لا تقفون أمام هذه الكتب ومؤلفيها؟!
وبعد مُضِيّ بضعة أشهر على انتصار الثورة، وفي ليلة العشرين من شهر رمضان المبارك سنة 1358 هجرية شمسية (1979م) عندما كان الأستاذ على عادته يأتي في هذا الشهر إلى مسقط رأسه قرية ديزيجان ويقيم فيها، دخل رجلٌ مأجور -أرسله المتعصبون عُميُ البصيرة وأفتوه بجواز قتل المرحوم قلمداران- بيتَ الأستاذ في منتصف الليل وأطلق عليه رصاصةً وهو نائم، ثم فرّ، ولكن رغم قرب المسافة من الهدف، جَرَحَت الرصاصُة بشرةَ رقبة قلمداران فقط واستقرَّت في أرض الغرفة!.
ونُقل عن الأستاذ أنه قبل يوم من حادثة الاغتيال جاءه رجلٌ من مدينة قم وسأله عن آرائه وعقائده، وكذا سأله عن الكتاب أيضاً!
مما لاشك فيه أن تأليف كتاب الخمس وطريق الاتحاد كانا من الأسباب الرئيسية لمحاولة اغتياله تلك.
على كل حال، لم يشأ الله أن يُقتل الأستاذ، وبعد هذا الحادث كان يأتي القرية ويداوم على أنشطته كما في السابق مؤمناً بقوله تعالى: ﴿قل لَّن يُصِيبَنَآ إِلَّا مَا كَتَبَ ٱللَّهُ لَنَا هُوَ مَوۡلَىٰنَا...﴾ [التوبة: 51].
طبقاً لرواية شهود العيان من أهل القرية الذين كانوا في تلك الليلة مشغولين بسقاية بساتينهم، يمكن شرح حادثة الاغتيال تلك بالصورة الآتية:
دخل ثلاثة أو أربعة أشخاص راكبين سيارةً إلى القرية في ليلة العشرين من شهر رمضان، وأوقفوا السيارة على جسر القرية جاهزةً ومستعدةً للفرار السريع. ودخل اثنان منهم منتصف الليل بيتَ الأستاذ وكَمَنَا في حديقة البيت بين الأشجار، وكان أبناء الأستاذ يقفلون الباب مرات عديدة من الداخل، ولكنهم كانوا يرون متعجبين أن البابَ مفتوحٌ، لكنهم لم ينتبهوا أصلاً إلى الكارثة التي تنتظرهم. وفي منتصف الليل بعدما رأى المهاجمون أن الكل قد ناموا، دخل الضارب معه المصباح الكاشف و مسدّسه، غرفةَ النوم الخاصة بالأستاذ. وكانت زوجة الأستاذ قلقة كثيرا تلك الليلة لا تستطيع النوم، وحينما رأت الوارد ظنت أنه ابنه علي فنادت: علي!
وخاف القاتل وأطلق النار بسرعة على الأستاذ وفرّ من البيت، وكانت زوجة الأستاذ تصرخ ولا تستطيع أن تتكلم من شدّة الفزع. وكذا الأولاد بعدما سمعوا صوت الطلقة النارية كانوا يصرخون ويقولون: قتلوا الحاجَ السيد، واجتمع أهالي القرية ونقلوا الأستاذ من القرية إلى مدينة قم وأدخلوه في مستشفى «كامكار». وبعد أيام جاء شابٌّ ومن ظاهره أنه كان من طلبة العلم وسأل عن الأستاذ، وتابعه ابن الأستاذ «قلمداران» فرأى أنه دخل إحدى الحوزات العلمية في محلة «يخجال قاضي» في مدينة قم.
2- والحادثة المؤلمة الأخرى التي أثرت على حياة الأستاذ هي وفاة أحد أبناءه في سنة 1360ش/ 1399ه ، وتألم الأستاذ كثيراً بسبب هذا الحادثة المؤسفة، حتى أدى ذلك إلى إصابته بجلطة دماغية، ولم يستطع أن يستمر في التأليف ولكنه لم يترك القراءة إلى حد الإمكان.
3- الحادثة المؤسفة الأخرى في حياة السيد «قلمداران» هي سجنه في سجن «ساحل» قم.
ذكر الأستاذ هذه الواقعة وقال: كنت في أحد الأيام مستلقياً على سرير المستشفى إثر السكتتين اللتين أصبت بهما، فجاء رجلان من قبل محكمة الثورة واعتقلاني بتهمة معارضة الثورة، وظفرا ببعض كتبي ونقلاني إلى السجن، وحتى أنهما لم يسمحا لي بأخذ الأدوية التي كنت أحتاج إليها، وكنت في ذاك الوقت مصابا بأمراض خطيرة وحتى أنني لم أستطع أن أسيطر على بولي، وكنت أحمل الجهاز الخاص للمواقع الضرورية. وفي السجن لم يكن معي إلا بطانية صغيرة، وكان زجاج الغرفة مكسوراً، وعانيت حتى الفجر من البرد القارص. و لم أستطِع أن أتناول طعام العَشاء؛ لأن بقية المسجونين نهبوا الطعام. ناولني فقط أحد المسجونين بقية طعامه. ولما رأيت الوضع في السجن نويت الصيام من فجر اليوم التالي.
وذهب أولادي إلى بيت آية الله المنتظري وكان آنذاك نائبا عن الخميني (وجديرٌ بالذكر أنه كان بين آية الله المنتظري وبين الأستاذ «قلمداران» معرفة قديمة وكان الأستاذ يقول: أن آية الله المنتظري كان يدرّس كتابي «الحكومة في الإسلام» في نجف آباد إصبهان)، وفي الصباح رأيت أن بعض حرس الثورة دخلوا السجن مضطربين وقدَّموا الاعتذار وأخرجوني من السجن واتصلوا بأبنائي كي يحضروا لي بعض الألبسة، ثم رهنوا وثيقة استملاك البيت وأطلقوني.
الآن تصوروا لولا فضل الله، ولو لم تكن هناك علاقات ودية بين الأستاذ وبين آية الله المنتظري كيف كانت الثورة وحرسها سيتعاملون معه؟!
وجديرٌ بالذكر أن إدارة الثقافة في قم أقامت معرضا باسم «مجاهدتهاي خاموش = المجاهدات الصامتة» في هذه المدينة ووضعوا بعض كتب الأستاذ على مرأى الناس كأن هذه الكتب تحمل الأفكار والعقائد الانحرافية، كما أنهم وضعوا بعض الوثائق والمستندات ضد آية الله المنتظري في هذا المعرض أيضاً.