الإمامة والخلافة
بسم الله الرحمن الرحيم
أخي العزيز:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
طلبتَ منّي أن أكتبَ حولَ مذهب الإماميّة وفقهه إجمالاً فاستجبتُ لطلبكَ[4] وأسأل الله تعالى أن يصونَني بفضله العظيم مِن أيِّ تعصّبٍ جاهليّ ويُلهَمني البصيرةَ والإنصاف وسأسعى أن يكونَ كلامي موجزاً والله المستعانُ وعليه التكلانُ.
بُنيَ أساسُ مذهب الإمامية في مقابل المذاهب الأخرى الإسلامية على أنَّ الله اختار عليًّا ÷ وأحد عشر من أبنائه خلفاء لرسوله الأَكرم ص، وأنّ الشورى للمهاجرين والأنصار لاختيار خليفة النبي ص كان باطلاً وغير مشروع، ولكن هذا الادعاءُ مخالف للرسالة الصريحة التي نقلها الإمامية عن عليٍّ ÷ كما جاء في "نهج البلاغة": «إنه بايعني القوم الذين بايعوا أبا بكر وعمر وعثمان، على مابايعوهم عليه، فلم يكن للشاهد أن يختار ولا للغائب أن يرد، وإنما الشورى للمهاجرين والأنصار، فإن اجتمعوا على رجل وسموه إماماً كان ذلك لله رضاً فإن خرج عن أمرهم خارج بطعن أو بدعة ردّوه إلى ما خرج منه فإن أبى قاتلوه على اتباعه غَيرَ سبيل المؤمنين...». [5]
وهذه الرسالة جاءت أيضاً في كتاب وقعة صفين من تأليف نصر بن مزاحم المنقري المتوفى سنة 212ه وهو من الكتب المعتبرة والقديمة عند الشيعة، والذي أُعيدَ طبعُه في إيران أخيراً. [6]
مفاد هذه الرسالة يتوافق مع القرآن الكريم حيث يقولُ الله في سورة التوبة: ﴿وَٱلسَّٰبِقُونَ ٱلۡأَوَّلُونَ مِنَ ٱلۡمُهَٰجِرِينَ وَٱلۡأَنصَارِ وَٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُوهُم بِإِحۡسَٰنٖ رَّضِيَ ٱللَّهُ عَنۡهُمۡ وَرَضُواْ عَنۡهُ وَأَعَدَّ لَهُمۡ جَنَّٰتٖ تَجۡرِي تَحۡتَهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ خَٰلِدِينَ فِيهَآ أَبَدٗاۚ ذَٰلِكَ ٱلۡفَوۡزُ ٱلۡعَظِيمُ ١٠٠﴾ [التوبة: ١٠٠].
كما يلاحظ أنّ المهاجرين والأنصاري وُعِدوا بالجنة في هذه الآية الكريمة صراحة، وكذلك يقول الله فيهم: ﴿وَأَمۡرُهُمۡ شُورَىٰ بَيۡنَهُمۡ﴾ [الشورى: ٣٨].
وإذا اجتمعت جماعة من أهل الجنّة وتشاوروا بينهم واختاروا شخصاً إماماً للمسلمين، فهل هذا العمل مخالفٌ لرضى الله تعالى؟ أم هو كما يقول علي÷: «كان ذلك لله رضى»؟!
عجباً أنّ فرقة الإماميّة لا تعتني بما تروي عن عليٍّ ÷ بنفسها ولا بالآيات القرآنية الصريحة!!
قال علي ÷ في "نهج البلاغة": «والله ما كانت لي في الخلافة رغبة، ولا في الولاية إربة، ولكنكم دعوتموني إليها وحملتموني عليها» [7].
إن كانَ الله قد اختارَ عليًّا ÷ للخلافة وولاية المسلمين، فلماذا لم يكن راغباً فيها، وكان معرضاً عنها؟
وهل رسول الله ص كانَ معرضاً وراغباً عن نبوّته ورسالته أيضاً؟! إن كان الله قد اختار عليّاً ÷ للخلافة فلماذا بايع أبا بكر وعمر؟ كما صرحت بها كتبُ الشيعة "كالغارات" للثقفي، ومستدرك نهج البلاغة، وكتب أخرى لفرقة الإماميّة.
نقرأ مثلاً في كتاب "الغارات" لأبي إسحاق الثقفي المتوفى سنة 283هـ أنَّ عليّاً÷ لمّا قُتل محمدُ بن أبي بكر كتبَ رسالةً إلى أصحابه في مصرَ متذكراً أبا بكر يقول فيها: «فمشيت عند ذلك إلى أبي بكر فبايعتُه» [8].
ويقول في عمر س: «تولى عمرُ الأمورَ وكان مرضي السيرة، ميمون النقيبة» [9].
قال الجوهري في "الصحاح": «فلانٌ ميمونُ النقيبة إذا كانَ مبارك النفس» [10].
هذه مفاد رسائلَ عليّ ÷ نقلها الشيعة بأنفسهم غير أهل السنة، وصرح بها أسلاف الإمامية فهل يبايع عليٌّ الغاصب؟!
وهل البيعة من شخصٍ اختاره الله تعالى خليفةً لرسوله ص صحيحة؟!
وهل يثني ويمجد عليٌ ÷ غاصباً أو ظالماً ويعدُّه مرضي السيرةِ ميمونَ النقيبة؟ فلماذا لا ينصفون ولا يتّقون الله؟
جاءَ في كتاب "وقعة صفين" أن عليًّا ÷ قال في أبي بكر وعمر: «أحسنا السيرةِ وعدلا في الأمة» [11].
أما الشيعة الإمامية فتقول إنَّهما كانا ظالمين غاصبين، إننا إذا عرضنا ادعاء الإمامية على القرآن وجدنا أن الله يقول في المهاجرين: ﴿ٱلَّذِينَ إِن مَّكَّنَّٰهُمۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ أَقَامُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتَوُاْ ٱلزَّكَوٰةَ وَأَمَرُواْ بِٱلۡمَعۡرُوفِ وَنَهَوۡاْ عَنِ ٱلۡمُنكَرِۗ وَلِلَّهِ عَٰقِبَةُ ٱلۡأُمُورِ ٤١﴾ [الحج : ٤١].
أما الشيعة فتقول: لمّا أعطاهم الله القدرةَ غصبوا خلافة عليٍّ ÷ وظلموا وآذوا فاطمةَ الزهراء بكسر ضلعها [12].
يقول الله تعالى في سورة الحج: ﴿ٱلَّذِينَ أُخۡرِجُواْ مِن دِيَٰرِهِم بِغَيۡرِ حَقٍّ إِلَّآ أَن يَقُولُواْ رَبُّنَا ٱللَّهُۗ وَلَوۡلَا دَفۡعُ ٱللَّهِ ٱلنَّاسَ بَعۡضَهُم بِبَعۡضٖ لَّهُدِّمَتۡ صَوَٰمِعُ وَبِيَعٞ وَصَلَوَٰتٞ وَمَسَٰجِدُ يُذۡكَرُ فِيهَا ٱسۡمُ ٱللَّهِ كَثِيرٗاۗ وَلَيَنصُرَنَّ ٱللَّهُ مَن يَنصُرُهُۥٓۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ ٤٠ ٱلَّذِينَ إِن مَّكَّنَّٰهُمۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ أَقَامُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتَوُاْ ٱلزَّكَوٰةَ وَأَمَرُواْ بِٱلۡمَعۡرُوفِ وَنَهَوۡاْ عَنِ ٱلۡمُنكَرِۗ وَلِلَّهِ عَٰقِبَةُ ٱلۡأُمُورِ ٤١﴾ [الحج : ٤٠، ٤١].
أيحق لنا أن نعرض عن الآيات القرآنية ورسائل علي ÷ الموثقة، ونؤمن بادعاءات هذا وذاك، وبالتالي نضع الفرقة بين الأمة الإسلامية؟
ألم يقل الله سبحانه: ﴿وَلَا تَفَرَّقُواْ﴾ [آل عمران: ١٠٣]؟
ألم يقل علي ÷ في نهج البلاغة: «والزموا السواد الأعظم فإن يد الله مع الجماعة وإياكم والتفرقة»؟[13]
عجباً ذلك اليوم الذي ازدحم المسلمون فيه على باب عليٍّ ÷ وأرادوا منه أن يبايعوه وهو يقول: «دَعُوني والتمسوا غيري» [14].
وعاقبة الأمر أن رضي بها بعد أن كان مُصرًّا على نبذها.
إن كانَ قد اختاره الله لخلافة النبي ص فلماذا هذا الاستنكاف؟ ولماذا لم يقبل مهمته التي أعطاه الله إياها إلاَّ بعد الإصرار الكثير؟
ولماذا كان يقتدي بالخلفاء في الصلواتِ؟ كما صرّح به صاحب وسائل الشيعة: «قد أنكح رسولُ الله ص وصلّى عليٌّ ÷ وراءَهم» [15].
لماذا كان عليٌّ ÷ – بناءً على قولِ الإماميّة – يؤيد الظالمين والغاصبين والمبتدعين؟ هل هذا كلُّه كانَ لتقوية الإسلام؟![16]
لماذا لا يوجد في القرآني اسمٌ ووصفٌ للأئمة الاثني عشر، ولكن جاء الكلام بالتفصيل حول أصحاب الكهف وذي القرنين ولقمان وهارون وغيرهم؟
هل يمكن أن يسكت كتاب الهداية عما يسبب الاختلاف والفرقة بين الأمة في قرونٍ متعاقبة، ويبحث بالتفصيل في الأسلاف والقدماء؟ أين ذهبَ إنصافكم؟[17]
نجد علماء الإماميّة -هداهم الله إلى طريق الحق والصواب- يستشهدون بحديث الغدير مراراً وتكراراً، وأنَّ رسول الله ص اختار عليًّا ÷ للخلافة والنبيُّ ص حين كان في الطريق بين مكةَ والمدينة تحدّث بمناسبة خلافٍ كان قد حدث بين بعض الصحابة وعليٍّ ÷، عن ولاية عليٍّ ÷، أي محبته، لا عن خلافته، لأنه قال ص: «مَن كنتُ مولاه فهذا عليٌّ مولاه» ثم أتى بالقرينة وقال: «اللهم والِ من والاه، وعادِ من عاداه»[18] إذاً ما العلاقة بين المحبة والعونِ، وبين الخلافة؟
المولى هو الذي يجب أن نحَّبه، ليس معناه الخليفة أو الوصيُّ. أين ثبت أن مَفعَل جاءَ بمعنى أفعل كي يتضحَ أن المولى معناه أولى؟!
أليس في القرآن: ﴿... فَإِن لَّمۡ تَعۡلَمُوٓاْ ءَابَآءَهُمۡ فَإِخۡوَٰنُكُمۡ فِي ٱلدِّينِ وَمَوَٰلِيكُمۡ...﴾ [الاحزاب: ٥]؟
ألم يأت في سورة التحريم: ﴿... فَإِنَّ ٱللَّهَ هُوَ مَوۡلَىٰهُ وَجِبۡرِيلُ وَصَٰلِحُ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ...﴾ [التحريم: ٤]؟
هل (المولى) جاء بمعنى المتكفل والمراقب؟ وعلى هذا فالمؤمنون متكفلون بالنبيّ ص؟
يا له من فهم! فلماذا لم يفهم صحابة رسول الله ص الذين هم المخاطبون بهذه الكلمات في حديث الغدير بهذا المعنى الذي تدّعي الإمامية؟[19]
روى ابنُ عساكر عن حفيد عليٍّ ÷ حسن المثنى وهو يقول: «قيل: ألم يقل رسول الله من كنت مولاه فهذا علي مولاه؟ فقال: بلى! ولكن والله لم يعن رسول الله بذلك الإمارة والسلطان، ولو أراد ذلك لأفصح لهم به، فإنَّ رسول الله كان أفصح المسلمين، ولو كان الأمر كما قيل، لقال: رسول الله: يا أيها الناس هذا ولي أمركم والقائم عليكم من بعدي فاسمعوا له وأطيعوا، والله لئن كان الله ورسوله اختارا عليًّا لهذا الأمر وجعله القائم للمسلمين من بعده، ثم ترك عليّ أمر الله ورسوله لكان عليّ أول من ترك أمر الله ورسوله» [20].
انظروا كيف يحكم حفيدُ عليٍّ ÷، ثم يأتي أناس يحرفون رسائل علي وأولاده ولا يبالون بذلك، ليكون كلامهم وآراؤهم مقدمة على كلام علي وأولاده؟ وينسبوا الضلالة إلى أكثر المسلمين من صدر الإسلام حتى يومنا هذا، ألا يخافون من الحساب يوم القيامة؟
وقد يستدلون في بعض الأحيان بما جاء في صحيح البخاري ما نصه: «ايتوني بدواة وقرطاس أكتب لكم كتاباً لن تضلّوا بعدي أبداً» ثم يقولون إن النبي ص ترك الكتابة لأنّ عمر بن الخطاب قال: «حسبنا كتاب الله»[21] وكان النبيُّ ص طبقاً لرأي الإمامية يريد أن يكتب شيئاً حول خلافة علي ÷.
وللإجابة على ذلك نقول:
أولاً: كان النبي ص أميّاً وليس في استطاعته أن يكتب بنفسه، ولكن جاء في هذه الرواية «أن اكتب» وإن كان المقصود من الكتابة إملاؤها فيقول «أملي عليكم».
ثانياً: طبقاً لهذه الرواية فقد أراد النبي ص – معاذ الله – وقوع الضلالة في الأمة حيث قال: «أكتب لكم» ولم يكتب، والقرآن الكريم يقول: ﴿...ٱلۡيَوۡمَ يَئِسَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن دِينِكُمۡ فَلَا تَخۡشَوۡهُمۡ وَٱخۡشَوۡنِۚ ٱلۡيَوۡمَ أَكۡمَلۡتُ لَكُمۡ دِينَكُمۡ وَأَتۡمَمۡتُ عَلَيۡكُمۡ نِعۡمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ ٱلۡإِسۡلَٰمَ دِينٗا...﴾ [المائدة: ٣].
ثالثاً: إن كان هذا الأمر من الله سبحانه فكيف يجوز أن يقالَ إنّ النبي ص ترك أمر الله لأجل مخالفة عمر بن الخطاب؟!
رابعاً: وإن كان الحديث صحيحاً، ولم يكتب النبيُّ ص شيئاً ولم يعيّن نائباً، فلماذا فرقة الإماميّة تخالف الأمةَ الإسلاميّة وتنسبُ الضلالة إلى الآخرين على أمرٍ لم يتمَّ بعد؟!
خامساً: من أين لهم أن النبي ص لو كتب هذه الرسالة فإنه سيختار اثني عشر إماماً من أهل بيته؟! هل عندهم علم الغيب؟ وكيف اطّلعوا على ما في ضمير رسول الله ص؟
سادساً: إن كانوا يعتمدون على صحيح البخاري فلماذا لا يقبلون هذا الحديث الذي يقول إن النبي ص صعد جبل أحد مع أبي بكر وعمر وعثمانَ وأشار النبيُّ ص إلى الجبل وقال: «فليس عليك إلاَّ نبيٌّ وصدّيقٌ وشهيدان» [22].
ويقولون: عندنا روايات كثيرة في عليٍّ ÷ يجب علينا أن نتّبعها.
ونحن نقول: هناك روايات كثيرة أيضاً في أبي بكر وعمرَ توجب علينا اتباعهما، ويمكن الجمع بين هذه الروايات ولا خلاف بين بعضها البعض أبداً كما جاء عن الرسول ص أنَّه قال: «اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر» [23].
وكما قال ص: «إني لا أدري ما بقائي فيكم فاقتدوا باللذين من بعدي، وأشار إلى أبي بكر وعمر»[24] رواه الترمذي في صحيحه والآخرون بأسانيد مختلفة.
نحن لا ننكر فضل عليٍّ ÷ وأهل البيت البتة، وكذا فضل عليٍّ على سائر الخلفاء[25]، ولكن مسألة اختياره من الله للخلافة أمرٌ لا يتوافق مع أحاديث عليٍّ÷ نفسه التي جاءتنا من طرق الشيعة الإمامية فضلاً عن الروايات التي رواها أهلُ السنة.
مثلاً إضافةً على ما سبق يقول المسعودي الذي تعدُّه الشيعة من أنفسهم[26] في كتابه مروج الذهب: «دخل الناسُ على علي ÷ يسألونه، فقالوا يا أمير المؤمنين: أرأيت إن فقدناك ولا نفقدك أنبايع الحسن؟ قال: لا آمركم ولا أنهاكم، وأنتم أبصر» [27].
ويقول أيضاً قال الناس لعليٍّ ÷: «ألا تعهد يا أمير المؤمنين؟ قال: لا؛ ولكني أتركهم كما تركهم رسول الله ص» [28].
هذه آثارٌ رواها الشيعة الإمامية عن عليٍّ ÷ في كتب تاريخهم وحديثهم، وقد نقل أهلُ السنة والشيعة والزيدية[29] عنه ÷ ما يشبه هذه الآثار في كتبهم، مثل ما رواه أحمدُ بن حنبل في "مسنده"[30] قريباً من تلك الآثار التي نقلها الإمامية وهي من حجتنا عليهم عند الله.
مثل ما جاء في "مستدرك الوسائل"، و"وسائل الشيعة"، و"بحار الأنوار" للمجلسي أن عليًّا÷ قال: «والواجب في حكم الله وحكم الإسلام على المسلمين بعد ما يموت إمامهم أو يقتل، ضالاً كان أو مهتدياً مظلوماً، حلال الدم أو حرام الدم، أن لا يعملوا عملاً ولا يحدثوا حدثاً، ولا يقدموا يداً أو رجلاً، ولا يبدؤوا بشيء قبل أن يختاروا لأنفسهم – (في بحار الأنوار لجميع أمرهم) – إماماً عفيفاً عالماً عارفاً بالقضاء والسنة» [31].
فهنا كما ترى أنَّ عليا ÷ يعدُّ الإمامة أمراً اختيارياً لا انتصابياً ومعيناً من الله سبحانه.
وبناءً على قول الإمامية: كيف يفهم سبعة وسبعون ألف شخص من حديث الغدير أنّ عليّاً اختاره الله تعالى لأمر الخلافة ثم سكتوا كلُّهم وقبلوا خلافة أبي بكر وذلك بعد مضيّ أقلّ من شهرين؟![32]
هل المهاجرون الأولونَ الذين وعدهم الله بالجنة في سورة التوبة كفروا كلُّهم؟!
لو فرضنا أنّ المهاجرين – معاذ الله – ارتدّوا واتخذوا أمر الله ورسوله وراءَ ظهورهم، فلماذا سكت الأنصارُ الذين لم ينتفعوا من هذا، ولم يختار الخليفة من بينهم؟!
ولماذا لم يطيعوا أمر الله ورسوله ولم يبايعوا عليّاً؟ ألم يكونوا هم الذين نصروا الرسول ص بعد أن همَّ قومه بقتله؟ أليسوا هم الذين ضحّوا بأنفسهم في سبيل الله؟ ألم يقل الله سبحانه فيهم: ﴿... وَٱلَّذِينَ ءَاوَواْ وَّنَصَرُوٓاْ أُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ حَقّٗاۚ لَّهُم مَّغۡفِرَةٞ وَرِزۡقٞ كَرِيمٞ ٧٤﴾ [الأنفال: ٧٤].
هل كل أولئك المؤمنون الحقيقيون تركوا أمر الله ورسوله في خلافة عليٍّ÷ بغير دليل وبدون نفع الدنيا والآخرة؟[33]
هل يمكن أن نغضُّ الطرف عن هذه الدلائل الواضحة كلّها؟!!
لقد وضح المقالُ إن استفادوا
ولكن أين مَن ترك العنادا؟!!
الادعاء الثاني للشيعة الإماميَّة أنّ أهلَ بيت النبيّ ص كانوا معصومين من أيّ سهوٍ أو خطأ أو نسيانٍ فلا خطأ في آرائهم أبداً، ومن هنا يجب على المسلمين أن يتبعوهم في أمور فقهية وتفسيرية ولا يجوز التمسك إلاّ بالأحاديث التي وردت في كتبهم [34].
وهذا الادعاء خطأ من وجوه:
أولاً: أجمع الإماميّة والآخرون على أنَّ النبيّ ص أرفعُ أهل بيته كلهم شرفاً ومنزلةً ومع ذلك لم يكن مصوناً من الخطأ كما ثبت هذا بالقرآن حيث قال الله تعالى مخاطباً النبيَّ ص: ﴿... لِمَ أَذِنتَ لهم...﴾ [التوبة: ٤٣]؟ ويقول في آية أخرى: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَآ أَحَلَّ ٱللَّهُ لَكَۖ تَبۡتَغِي مَرۡضَاتَ أَزۡوَٰجِكَ...﴾ [التحريم: ١].
هذه الآيات تُوضح أنَّ النبي أخطأ أحيانا وأذن للبعض أن يتخلفوا عن الجهاد، أو أوقع نفسه في المشقة، وحرم نفسه من الحلال لابتغاء مرضات أزواجه.
ولكن هناك فرق بين النبيّ ص والآخرين في أنّ الله تعالى كان يطلع نبيَّه ص على خطئه ويأمره بالإصلاح ولكن ليس هذا الارتباط إلاَّ بين الله والنبيّ ص، من هنا كان الآخرون يخطئون ولم يطلعهم الله على خطأهم لأنهم ليس لهم مقامُ النبوة، هذه القاعدة تشمل أهلَ بيت النبيّ ص أيضاً ونُقل عنهم أخطاء في التاريخ سيأتي ذكرها إن شاء الله تعالى.
ثانياً: جاء في القرآن آيات صريحة تنسب النسيانَ إلى رسول الله ص منها: ﴿... وَٱذۡكُر رَّبَّكَ إِذَا نَسِيتَ...﴾ [الكهف: ٢٤].
اتّفق المفسرون على أنَّ مشركي مكةَ سألوا الرسول ص عن أصحاب الكهف والنبيُّ ص وعدَهم أن يأخذ الجوابَ لهم من الوحي غداً ونسي أن يقول: (إن شاء الله) فقطعَ الله الوحيَ مدةً تنبيهاً للنبي ص وتربية له ثم نزلت هذه الآية: ﴿وَلَا تَقُولَنَّ لِشَاْيۡءٍ إِنِّي فَاعِلٞ ذَٰلِكَ غَدًا ٢٣ إِلَّآ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُۚ وَٱذۡكُر رَّبَّكَ إِذَا نَسِيتَ...﴾ [الكهف: ٢٣، ٢٤][35].
فكيف يكون أهل بيت النبي ص مصونين من كل أنواع النسيان والخطأ؟ ألم يقل الله سبحانه لنبيّه ص: ﴿... وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ ٱلشَّيۡطَٰنُ فَلَا تَقۡعُدۡ بَعۡدَ ٱلذِّكۡرَىٰ مَعَ ٱلۡقَوۡمِ ٱلظَّٰلِمِينَ ٦٨﴾ [الأنعام: ٦٨].
ثالثاً: التاريخ يبين أنّ أهل بيت النبي ص أخطأوا في مواضعَ متعددة، في الأحكام وغيرها.
مثلاً جاء في نهج البلاغة أنَّ عليّاً ÷ كتب رسالةً إلى واليه في شيراز يقول فيها: «أما بعد، فإنّ صلاح أبيك غرّني منك، وظننت أنك تتبع هديه وتسلك سبيله» [36].
ومنذر بن جارود هو الذي أخطأ فيه عليٌّ ÷ حيث أرسله والياً على شيراز فتسلّط على بيتالمال وسرق منه أربعة آلاف درهم ثم هرب إلى معاوية كما ذكر ذلك شارحوا نهج البلاغة.[37]
فكما ترى هنا حدث الخطأ، ولكنّ الله لم ينزل وحياً على عليٍّ ÷ ليخبره عن خيانةِ منذر بن جارود ولم يطلع على أحواله وسرقة أموال الناس إلاَّ بعد فراره.
وهناك شاهدٌ آخر وهو أنَّ الشيخ الطوسي يقول في كتابه تهذيب الأحكام: «صلى علي ÷ بالناس على غير طهر وكانت الظهر ثم دخل، فخرج مناديه إنَّ أمير المؤمنين صلى على غير طهر فأعيدوا، فليبلغ الشاهد الغائب» [38].
ومن هذا يتضح أن الخطأ والنسيان قد حدث من أهل البيت عليهم السلام.
كما روى محمد بن إدريس الحلي[39] – وهو من أعلام الشيعة الإمامية – في فصلٍ في كتابه السرائر قوله: «ذكرت لأبي عبد الله ÷ السّهو فقال: وهل يفلت من ذلك أحد؟ ربما أقعدت الخادم خلفي حتى يحفظ عليَّ صلواتي» [40].
وجاء في كتب علماء الشيعة الإمامية وتواريخهم أنّ الإمام الحسن ÷ كان يخالف أباه الفاضل في بعض الأمور السياسية والدينية، فإذا قلنا كان الحق مع الإمام الحسن ÷، فمعناه أنّ أباه قد أخطأ، وإذا قلنا الحق مع الأب فالابن هو المخطئ.
وكتب الدينوري المتوفى سنة 282هـ في كتابه أخبار الطوال بمناسبة ذهاب عليّ ÷ إلى حرب الجمل فقال: «فدنا منه الحسن فقال: يا أبت أشرت عليك حين قتل عثمان وراح الناس إليك وغدوا وسألوك أن تقوم بهذا الأمر ألا تقبله حتى تأتيك طاعة جميع الناس في الآفاق، وأشرتُ عليك حين بلغك خروج الزبير وطلحة بعائشة إلى البصرة أن ترجع إلى المدينة فتقيم في بيتك، وأشرتُ عليك حين حوصر عثمان أن تخرج من المدينة فإن قُتِل قُتِل وأنت غائب فلم تقبل رأيي في شيء من ذلك».
هل يمكن أن يقال إنّ الإمام الحسن ÷ كان معصوماً من كل خطأ ومع ذلك لم يقبل عليٌ÷ رأيه؟ بالتأكيد لا.
لذا يردُّ عليٌّ عليه ويقول له: «فقال عليّ ÷: أما انتظاري طاعة جميع الناس من جميع الآفاق، فإن البيعة لا تكون إلاَّ لمن حضر الحرمين من المهاجرين والأنصار، فإذا رضوا وسلّموا وجب على جميع الناس الرضا والتسليم وأما رجوعي إلى بيتي والجلوس فيه فإنَّ رجوعي لو رجعت كان غدراً بالأمة ولم آمن أن تقع الفرقة وتتصدّع عصا هذه الأمة، وأما خروجي حين حوصر عثمان فكيف أمنني ذلك؟ وقد كان الناس أحاطوا بعثمان فاكفف يا بني عمّا أنا أعلم به منك».[41]
وقد جاء نظيرُ هذه الاعتراضات والأسئلة والأجوبة في مصادر الشيعة الإمامية صراحة كما نقرأ في كتاب المجالس للشيخ المفيد، وفي كتاب بحار الأنوار للمجلسي أنَّ الإمام الحسن ÷ قال لأمير المؤمنين عليٍّ ÷: «اخرج من المدينة واعتزل فإنَّ الناس لابد لهم منك وإنَّهم ليأتونك ولو كنت بصنعا، أخاف أن يقتل هذا الرجل وأنت حاضره».
قال عليٌّ في جوابه: «يا بني أخرج من دار هجرتي؟ وما أظن أحداً يجتر عليّ هذا القول؟!»[42]
ورأينا أن عليّاً ÷ لم يصب في ظنه واتّهموه مع الأسف بأنَّه شارك في قتل عثمان. كما نقرأ شبيهَ تلك الآثار في الأمالي للشيخ الطوسي وهو من أساطين الإمامية[43]. كلُّ هذا يدلّ على أنّ الخطأ حدث بالفعل لأهل بيت النبيِّ ص.
دليل آخر يثبت ذلك وهي الأحاديث المتناقضة التي نُقلت عن الأئمة في الكتب الفقهية للشيعة الإمامية بحيث لم يمكّن لهم حملُها على التقية لأنَّه ليس هناك شيء يوجب الخوفَ والتقية كهذَين الحديثين الذين رُوي أحدهما عن جعفر الصادق والآخرُ عن ابنه موسى عليهم السلام.
جاء في باب الطهارة من كتاب وسائل الشيعة للشيخ الحرّ العاملي أنّ محمد بن يعقوب الكلبي روى عن عليّ بن إبراهيم عن أبيه عن أبي عمير عن حفص بن البختري عن جميل بن دراج عن أبي عبد الله الصادق أنه قال في زيارة القبور: «إنهم يأنسون بكم فإذا غبتم عنهم استوحشوا» [44].
وفي رواية أخرى روى محمد بن علي بن حسين (ابن بابويه) بإسناده إلى صفوان بن يحيى أنّه قال: «قلت لأبي الحسن موسى بن جعفر: بلغني أنَّ المؤمن إذا أتاه الزائر أنس به فإذا انصرف عنه استوحش فقال لا يستوحش» [45].
أمثال تلك الروايات تُثبتُ لنا أنّ للأئمة آراء مختلفة، وأحياناً متضادة لا يمكنُ أن تكونَ كلُّها صحيحةً.
وقصة اختلاف الإمامين الحسن والحسين عليهما السلام على قضية الصلح بين الحسن ومعاوية مشهورة بين الشيعة والسنة وقد جاءت في كتب الفريقين[46] وهي تدُّلُ على أنّ أحد الفاضلين قد أخطأ.
وهنا استدلّ الشيعة الإمامية بآية التطهير[47] الشريفة: ﴿... إِنَّمَا يُرِيدُ ٱللَّهُ لِيُذۡهِبَ عَنكُمُ ٱلرِّجۡسَ أَهۡلَ ٱلۡبَيۡتِ وَيُطَهِّرَكُمۡ تَطۡهِيرٗا ٣٣﴾ [الأحزاب: ٣٣].
فتدعي الشيعة أنّ هذه الآية تدل على عصمة أهل البيت عن كل أنواع الخطأ فنقول:
أولاً: إنّ رسول الله ص لم يكن بريئاً عن الخطأ بنص القرآن، فكيف بأهل بيته؟!
ثانياً: الآية المذكورة تدل على رفع الرجس عن أهل البيت، والخطأ ليس من الرجس، إنَّما الرجس سببه المعصية.
ثالثاً: هذه الآية تدل على الإرادة التشريعية في رفع الرجس عن أهل البيت، لا الإرادة الكونية التي تلزم الجبر.
وقد وردت نصوص كهذه في الطهارة لعموم المسلمين ولا تختص بأهل البيت كما قال تعالى: ﴿... وَلَٰكِن يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمۡ...﴾ [المائدة: ٦]. وهذا لا يدل على أنّ كل المؤمنين بريئون عن الخطأ والنسيان والمعصية.
والخلاصة أنَّ أهل البيت كسائر الناس ليسوا بمعصومين عن السهو والخطأ فأحاديث رسول الله ص حجّةٌ علينا لأنّه ص كان في حفظ الله ورعايته كما قال سبحانه: ﴿... فَإِنَّكَ بِأَعۡيُنِنَا...﴾ [الطور: ٤٧].
أما أهل البيت فليسوا كذلك وهكذا الأنبياء إذا نسوا أو أخطأوا ذكّرهم الله ليتم حجّته على الناس عن طريقهم كما قال سبحانه: ﴿... لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى ٱللَّهِ حُجَّةُۢ بَعۡدَ ٱلرُّسُلِ...﴾ [النساء : ١٦٥].
وقد ادعى الشيعة الإمامية أنَّه لا يجوز أن نأخذ الفقه الإسلامي إلاَّ عن أهل البيت لأنَّ النبيص قال: «إني تاركٌ فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي ما إن تمسّكتم بهما لن تضلوا أبداً»[48].
الجواب: هذا الحديث فرض صحّته – لأنّه جاء في بعض الروايات «كتاب الله وسنتي»[49] – لا يفيد وجوب أخذ الفقهاء الفقه الإسلامي عن طريق أهل البيت فقط، حيث قال الله سبحانه في كتابه الكريم: ﴿... فَلَوۡلَا نَفَرَ مِن كُلِّ فِرۡقَةٖ مِّنۡهُمۡ طَآئِفَةٞ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي ٱلدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوۡمَهُمۡ إِذَا رَجَعُوٓاْ إِلَيۡهِمۡ لَعَلَّهُمۡ يَحۡذَرُونَ ١٢٢﴾ [التوبة: ١٢٢]. فهذه الآية تدل صراحة على أنَّ انتقال الفقه الإسلامي إلى الناس لم يكن منحصراً عن طريق أهل البيت، بل كان يأتي من كل طائفة ينفرون إلى رسول الله ص ويتفقهون عنده ثم يرجعون إلى قومهم ويعلمونهم الأحكامَ، ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر.
كما جاء في التاريخ أنّ رسول الله ص كان يُرسلُ أصحابَه إلى الأقوام لتعليمهم أحكام الله كإرسال معاذ بن جبل إلى اليمن، وحادثة بئر معونة[50]، والرجيع[51] في التاريخ مشهورة، حيث أرسل رسول الله ص عدداً من أصحابه إلى بعض الأقوام ليعلّموهم الكتاب والأحكام، ولكن قتلهم الأعراب في الطريق.
والخلاصة أنَّ تبليغ دين الله لم يكن محدوداً ومنحصراً في أهل البيت كي يلزم منه وجوبُ أخذ الفقه منهم فقط، بل كان كبارُ الصحابة أيضاً مبلِّغين لهذا الدين، وقد كان النبيُّ ص يقول بعد الانتهاء من بعض خطبه: «فليبلغ الشاهد الغائب»[52] ويقول: «نَضَّرَ الله عبداً سمع مقالتي فوعاها وأدّاها إلى من لم يسمعها، فرُبّ حامل فقه ليس بفقيه، ورُبّ حامل فقه إلى من هو أفقه منه» [53].
ولأجل هذا فإننا إذا أردنا معرفة الفقه الإسلامي فإنه يجب علينا أن نرجع إلى آثار الصحابة التي جاءت في كتب الصحاح لأهل السنة ونسمي الصحابة فقهاءَ، كما يلزمنا أن نرجع إلى أحاديث أهل البيت التي جاءت في كتب الإمامية والزيدية ونبيّن الصحيح من السقيم وندرس فقهَ الإسلام من جميع الأطراف.
وبهذا يستطيع فقهاء أهل السنّة والزيدية أن يُـخرجا فقه الإمامية من مشكلة رئيسة وهي أنَّ فقهاءَ الإمامية خاصّة المعاصرين يعدّون خبرَ الآحاد حجّة، ويخصصونَ القرآن الكريمَ به، وبناءً على قولهم لا يكون خبر الواحد حجّة إلاّ عند انسداد باب العلم، أي إذا لم يوجد طريقٌ إلى العلم بالأحكام يميلون إلى الظن ضرورةً لأنّ خبر الواحد ظنيٌّ بدليل أنه لا يمكننا أن نوقن أنَّ الراوي لم يكذب، وبفرض حصول الاطمئنان على صدقه، لا نوقن أنَّه لم ينس، أو لم يخطئ، خاصّةً أنَّ الأئمة أجازوا أن تُروى الأحاديث بالمعنى رواية حديثٍ من أفراد متعددة ومع القرون المتعاقبة يقوي احتمال التغيير في مفاده، ولكن إذا راجعنا فقهَ الزيدية وأهل السنّة ورأينا حديثاً رُوي عن طرق متعددة وبأسانيد مختلفة فقد نطمئنُ إلى صحته، فخبر الواحد لا يكون حجةً إلاّ إذا كان باب العلم مسدوداً.
والحمد لله فهذا الباب ليس مسدوداً، ولكن فقهاء الإمامية لا يريدون الدخولَ منه ويكتفون بأخبار الآحاد الضعيفة والظنية، وبالتالي يصلون إلى أحكام عجيبة غريبة، خاصة أنّ الأئمة التزموا بالتقية خوفاً من خلفاء بني أمية وبني العباس ولم يظهروا آراءهم صراحةً.
ثم لا توجد كتب فقهية للشيعة يُعتمد عليها، لأنَّ تدوين كتبهم كانت بعد عصر الأئمة وجُمعت فيها الأخبار الصحيحة والسقيمة خلافاً لمذهب الزيدية لأنَّ بين أيديهم كتاب مجموع الفقه، أو المسند للإمام زيد كتبه تلميذه أبو خالد الواسطي على إملاء أستاذه، وهكذا فهناك كتب لفقهاء أهل السنة كالموطأ للإمام مالك، والأمّ للإمام الشافعي، والمسند للإمام أحمد بن حنبل رحمهم الله جميعاً.
ولكن لا يوجدُ كتابٌ فقهيٌّ لأئمة الشيعة[54]، حيث جمع الآخرون رواياتهم المتضادة والمختلفة في قرونٍ متأخرة كالكتب الأربعة: الكافي، والتهذيب، والاستبصار، ومن لا يحضره الفقيه. ومن هناك يلزم العلماء المنصفين المقارنة بين آثار الإمامية وروايات المذاهب الأخرى والمشاركة في هذا الأمر مشاركةً علمية، لأنَّ الله تعالى يقول: ﴿وَلَا تَقۡفُ مَا لَيۡسَ لَكَ بِهِۦ عِلۡمٌ...﴾ [الإسراء: 36].
والسلام عليكم على مَن اتبع الـهُدى واجتنب الـهوى.
.. إن الوحدة الإسلامية مطلب مُلِح في هذه المرحلة من حياة الأمة، وإن أعظم طريق للوحدة الإسلامية أن ينظر كل مسلم ما عنده من تراث وأفكار بعين الطالب للحق الباحث عن الحقيقة، لا يهمه أن يظهر الحق على لسانه أو لسان غيره سابراً أما يراه من روايات وأقوال جاعلاً القرآن وصحيح الروايات مطلبه ومقصده، وهذه الرسالة خطوة مباركة في طريق الوحدة الإسلامية.
كتبها الأستاذ الكبير حيدر علي قلمداران القُمي فأرجو منك أن تعيش في صفحاتها وأنت متجرد لطلب الحق والهدى.
[4] هذا أسلوب درج عليه بعض المؤلفين لشد القارئ وكأن الرسالة كتبت لأجله شخصياً. [5] نهج البلاغة، ص: 266. قال الشيخ الهادي كاشف الغطاء في كتابه مستدرك نهج البلاغة ص191: (إن اعتقادنا في كتاب نهج البلاغة أن جميع ما فيه من الخطب والكتب والوصايا والحكم والآداب حاله كحال ما يروى عن النبي صلى الله عليه وآله وعن أهل بيته في جوامع الأخبار الصحيحة والكتب المعتبرة). [6] وقعة صفين لابن مزاحم المنقري، ص: 29. [7] نهج البلاغة، ص: 321. [8] الغارات 1/304، مستدرك نهج البلاغة للميرجهاني 4/174، بحار الأنوار للمجلسي 33/568. [9] الغارات 1/307، مستدرك نهج البلاغة للميرجهاني 1/275، بحار الأنوار للمجلسي 33/569. [10] الصحاح للجوهري 1/227. [11] وقعة صفين لابن مزاحم المنقري، ص: 201. [12] يقول آية الله العظمى محمد حسين فضل الله منتقداً قصة كسر ضلع فاطمة: (.. أنت إذا كان واحد جاء وهجم على زوجتك ويريد أن يضربها، هل تقعد في بيتك وبالغرفة وتقول: لا حول ولا قوة إلا بالله؟! أو تهجم على الذي جاء يضرب زوجتك؟! علي بن أبي طالب سلام الله عليه، هذا الرجل الذي دوخ الأبطال يترك الجماعة يهجمون على الزهراء بهذا الشكل وهو قاعد في البيت ..) ثم يقول: (لماذا الزهراء تفتح الباب؟ .. أنت إذا كنت موجود في البيت وزوجتك موجودة ودق الباب أحد، خصوصاً إذا جاء رجال أمن ليعتقلوك، هل تقول لامرأتك: أنت اخرجي؟ ... يعني الإمام علي جبان، ما عنده غيرة؟!! يقولون: النبيص أوصاه، أوصاه بأن لا يفتح المعركة في الخلافة وليس أن لا يدافع عن زوجته) انظر الحوزة العلمية تدين الانحراف ص 27-28. [13] نهج البلاغة، ص: 184. [14] نهج البلاغة، ص: 136. [15] وسائل الشيعة 8/301. [16] من تناقض الشيعة في هذه المسألة أنهم يدعون أن الباعث لسكوت الإمام علي هو الحفاظ على بيضة الإسلام! ثم يزعمون أن أصل هذا الدين (الإمامة) اغتصب وضاع! كيف لدينٍ أن يكون محفوظاً وقد ضاع أصله؟! [17] وقد أسهب الشيخ محمد باقر سجودي في بيان هذا الموضوع في كتابه (لماذا لم يذكر اسم علي في القرآن؟). [18] بحار الأنوار 37/225. هذا الحديث المسمى بحديث الغدير يستدل به الشيعة على إمامة علي ÷ وينبغي التنبيه أنه لا يصح منه من طرق أهل السنة إلا قوله (من كنت مولاه فعلي مولاه) أما الزيادات الأخرى فلا تصح، انظر السلسة الصحيحة للألباني 4/330 – 344. [19] بل إن الإمام علي لم يحتج بهذا الحديث في السقيفة! فلو كان نصاً صريحاً على إمامته لم يتردد في ذكره في ذلك الموضع. [20] تاريخ مدينة دمشق لابن عساكر 13/69. [21] صحيح البخاري كتاب العلم، باب كتابة العلم برقم 114. [22] صحيح البخاري كتاب فضائل الصحابة باب قول النبي ص (لو كنت متخذا خليلاً) برقم 3496. [23] جامع الترمذي كتاب المناقب باب مناقب أبي بكر وعمر ب كليهما برقم 3662. [24] جامع الترمذي كتاب المناقب باب مناقب أبي بكر وعمر ب كليهما برقم 3663. [25] ما ذكره المؤلف من أنَّ أهل السنة لا ينكرون فضل علي وسائر أهل البيت فهذا حق وكتبهم تشهد بذلك، وأما قوله في تفضيل علي س على سائر الخلفاء، فإطلاق غير صحيح بل أجمع أهل السنة أن أبا بكر س أفضل الصحابة ويأتي بعده عمر س واختلفوا في المفاضلة بين علي س وبين عثمان س فجماهير أهل السنة على تفضيل عثمان س وعلى هذا فعلي س رابع الصحابة في الفضل رضي الله عنهم أجمعين وهذا لا يقتضي القدح في أحد منهم. [26] انظر الذريعة لآغا بزرك الطهراني 1/110. [27] مروج الذهب 2/412. [28] مروج الذهب 2/412. [29] الزيدية إحدى فرق الشيعة نسبتها ترجع إلى مؤسسها زيد بن علي زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم أجمعين الذي صاغ نظرية شيعية في السياسة والحكم وقد جاهد من أجلها وقتل في سبيلها، وكان يرى صحة إمامة أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم جميعاً، ولم يقل أحد منهم بتكفير أحد من الصحابة ومن مذهبهم جواز إمامة المفضول مع وجود الأفضل. [30] مسند أحمد بن حنبل 1/130 رقم الحديث 1078. [31] كتاب سليم بن قيس ص 291، بحار الأنوار 33/143-144 وسائل الشيعة 4/191 مستدرك الوسائل 7/123-124. [32] وذلك أن بين حادثة الغدير وحادثة السقيفة - التي تم تداول موضوع الخلافة فيها – قرابة الشهرين فالعهد بحديث الغدير وحادثته قريب جداً لكن مع ذلك لم يحتج بحديث الغدير لا علي ÷ ولا غيره من الصحابة على أحقيته بالخلافة كون حديث الغدير نصٌ على إمامته. [33] هذا ملحظ مهم من المؤلف وهو ما الباعث وراء ترك أمر رسول الله ص في خلافة علي ÷ وماهي المحصلة من ذلك؟! وما هي الفائدة الدنيوية التي فازوا بها جراء ذلك؟! وما هو الترهيب الذي نالهم حتى يحجموا عن أمر رسول الله ص؟! [34] ينسب الشيعة العصمة بهذا المعنى للأئمة مع أن القمي ذكر في كتابه "من لا يحضره الفقيه" وهو من الكتب الأربعة المعتبرة عند الشيعة أن نفي السهو عن النبي ص مذهب للغلاة، انظر 1/234، فكيف يكون بعد ذلك من ضروريات المذهب..؟!! انظر تنقيح المقال للمامقاني 3/240. [35] انظر زبدة التفاسير للملا فتح الله الكاشاني 4/99-100، التفسير الأصفى للفيض الكاشاني2/713، تفسير الطبري 15/284. [36] نهج البلاغة، ص: 461. [37] انظر شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 18/55-57. [38] تهذيب الأحكام للطوسي 3/40. [39] محمد بن إدريس الحلي، من كبار فقهاء الإمامية في القرن السادس الهجري وصاحب كتاب السرائر الذي عُرِفَ فيه بآرائه الجديدة الجريئة في الفقه وشدة انتقاده لمن سبقه، توفي سنة 598 هـ، انظر ترجمته في مقدمة كتابه السرائر بتحقيق محمد مهدي الخرسان. [40] السرائر للحلي ص 484، وانظر وسائل الشيعة للحر العاملي 8/253. [41] أخبار الطوال للدينوري، ص: 146. [42] بحار الأنوار 31/487، منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة لحبيب الله الهاشمي 4/38-39. [43] الأمالي للطوسي، ص: 714. [44] وسائل الشيعة للحر العاملي 3/222، الكافي للكليني 3/228. [45] وسائل الشيعة للحر العاملي 3/222. [46] حياة (زندكي) إمام حسين، تأليف محمد علي خليلي. [47] يطلق علماء الشيعة على هذا الجزء من آية رقم (33) من سورة الأحزاب بأنها آية التطهير وفي الحقيقة هي جزء من آية وردت في سياق كان المخاطب به أزوج النبي ص، مما يدل دخولهم في الآية قطعاً. [48] جامع الترمذي كتاب المناقب باب مناقب أهل البيت رقم 3786. [49] سنن الدار قطني 4/245، سنن البيهقي 10/114، الكافي للكليني 2/606، كمال الدين وتمام النعمة للصدوق ص235. [50] انظر مناقب آل أبي طالب لابن شهر آشوب 1/168-169، بحار الأنوار 20/21. [51] انظر مناقب آل أبي طالب لابن شهر آشوب 1/168، بحار الأنوار 20/147. [52] انظر: بحار الأنوار 73/348، . [53] انظر: الكافي للكليني 1/403، الأمالي للصدوق ص 432. [54] انظر كتاب أسطورة المذهب الجعفري للدكتور طه الدليمي فقد أفاض في هذه المسألة وأبانها بياناً شافياً.