1- شهادة حسينقلي مستعان
بعد سنة من وفاة الشيخ «شريعت» قام أحد تلامذته المُقَرَّبين ومريديه المحبين وهو: «حسينقلي مستعان» بنشر أحد كتب شيخه «شريعت» وهو كتابه محو الموهوم، وقدَّم له بمقدمة بين فيها أهمية الكتاب وذكر نبذةً عن حياة مؤلفه المرحوم قال فيها:
«إن للمرحوم شريعت سنكلجي مؤلف هذه الرسالة والرسائل والكتب الأخرى حق عظيم عليّ من ناحية العلم والتربية، وعظمة هذا الحق المعنوي كبيرة إلى درجة لو قمت بشرح فضائله وكتبت عنه حتى آخر عمري لما أوفيته حقه.
عندما أُمِرْتُ بكتابة هذا التقديم لهذا الكتاب، قمت بمطالعة الصفحات المطبوعة من الكتاب محو الموهوم، ومرة أخرى قلت مرحى لهذا القلب الشجاع ولهذه اللهجة الصريحة والإحاطة والاطلاع الواسع الذي كان الأستاذ يتمتع به.
في رأيي إن أفضل الصفات الفضائل التي يمكن للإنسان أن يتحلى بها هي العلم والمعرفة وفي الوقت ذاته الشهامة والصراحة وثبات القدم، والتزامه بمعلوماته ومثابرته على العمل بها وهو ما يمكن أن نعبر عنه بصفة «العَمَل بالعلم». إن العلم في هذا العالم، بمعنى مطلق «المعرفة»، موجود كثيرًا، وفي ظني لا يمكن أن نعطي لهذا العلم وحده قيمة كبيرة؛ الأمر النادر جدًّا والذي له قيمة لا تقدر هي العمل بالعلم أي العلم الذي يترافق بالقدرة. إنه لمن الصعب جدًّا أن يعلم الإنسان شيئًا ويُوصل معلوماته إلى مقام اليقين والإيمان وتكون له الشجاعة التكلُّم بما عَلِمَه، وتكون له همة العمل به والدعوة إليه وتبليغه. إن الجهل الواقعي لا يزال مسيطرًا على العِلم الحقيقي، ليس في مجتمعنا فقط بل في جميع المجتمعات البشرية، وكل شعلة للعلم والفضيلة تواجه فضاءات لا حد لها مليئة بظلمة الجهل والغفلة. إن مصباح العلم يحترق شيئًا فشيئًا ويشع نوره ولكن هناك في ظلمات الجهل عواصف هائلة تسعى إلى إطفاء نور العلم، وكم من هذه المصابيح المضيئة - أي العلماء- يخفون جمال علمهم بستائر غليظة ليردُّوا عن أنفسهم هجمات أمواج الظلمات وعواصفها ويُؤْثِرون العزلة والسلامة غير مهتمِّين بغوغاء الجهلة. فإن كانوا من أهل اليقين، فإنهم يكتفون بإضاءة أنفسهم. أما المصباح الحقيقي فهو الذي يزيد من إشعاعه وضيائه وتألقه عندما يواجه الظلمات، ولا يخاف من احتراق ذاته، بل يقاوم ولا يسمح للضعف والفتور أن يتسربا إلى قلبه ونفسه. نعم قد ينحني مئات المرات أمام عواصف الظلمات المهولة لكنه سرعان ما يرفع رأسه من جديد، وفي نهاية المطاف يترك وَسَطَ تلك الظلمات آثارًا ومؤلفاتٍ واضحةً وظاهرةً ومشاعلَ تنير درب الباحثين عن الحقيقة.
إن ذلك المصباح المضيء الذي أنار العالم هو ذلك الرجل العالِم ذاته الذي يؤمن بعلمه ومعرفته ويعمل بمقتضاهما، ومهما كانت الحقيقة مُرة ومهما كانت مباينةً لأوهام العوام وخرافات الجُهَّال، ومهما دفعت أولئك الجهال إلى إبراز مخالفتهم وعنادهم ومعارضتهم لها، فإنه لا يتوانى عن التصريح بها، والسعي لإخراج الضالين من أودية الجهالة والضلالة المهلكة التي اعتادوا عليها، وليس لديه أي استعداد لترك بيان الحقائق حتى لو كان ثمن ذلك حياته. بل يسعى بشكل حثيث إلى هداية الخلق إلى النور وإرشادهم إلى الفلاح والسعادة، متحلِّيًا في أدائه لهذا الواجب المُقَدَّس بصراحة اللهجة والشجاعة.
لقد كان المرحوم شريعت سنكلجي واحدًا من هؤلاء الرجال الأفذاذ، ومن المؤكد أن الذين قالوا في الأشهر الأخيرة بعد رحيل ذلك الأستاذ العظيم: إنه ربما تمر قرون دون أن يحظى عالم الإسلام بوجود بمثل هذا الرجل، لم يبالغوا في كلامهم ولم يقولوا جُزافًا.....
ربما يبدو الأمر سهلًا ولكن الحقيقة هي أن الأمر في غاية الصعوبة أن يقوم شخص واحد في مواجهة آلاف الأشخاص من ذوي العقول الفارغة أو العلم الضحل وملايين الأشخاص المعتقدين والمتعبدين الذين سدّوا أعينهم وأسماعهم وضلوا عن فهم الحقيقة، ببيان الحقيقة بصوت عال وكتابتها بعبارات صريحة واضحة، ويبطل بها آلاف الكتب الخاطئة والأقاويل المجانبة للصواب.
فليمنحني القراء المحترمون الحق في اعتبار هذه الفضيلة للمرحوم شريعت أعلى من جميع فضائله الأخرى وأن أتحدث عنها قبل بيان نبذة عن حياة الفقيد.
وبعد بيانه لنبذة عن حياة «شريعت» ختم حسينقلي كلامه قائلاً:
«لقد أمضى [شريعت] عمره الذي بلغ 53 عامًا في التقوى والشهامة والدعوة والشجاعة فكانت حياته قرينة بالعلم والجهاد، ومن الجدير أن تُكْتَب كتب في شرح فضائله المعنوية وأخلاقه. عاش المرحوم شريعت حياته كلها رجلاً صالحًا نقيًّا طاهرًا، مستقيمًا وحسن الأخلاق ورحيمًا، وكان يؤثر أصدقاءه ويفديهم بنفسه ويريد الخير لأعدائه، كان مشفقًا ومنعمًا ومحبًّا لوطنه ومواطنيه وكان رجلاً موحِّدًا حقيقةً ومسلمًا واقعيًّا. كان توحيده عقليًّا وعلميًّا ووجدانيًّا وقلبيًّا في الوقت ذاته، كان يخاف الله وفي الوقت ذاته كان محبًّا وعاشقًا لله، وكان يعيش في قمة الزهد والتقوى بفضل هذا العشق الإلهي الذي يملأ صدره، لم يكن يأكل لقمة فيها شبهة حرام، ولا يرضى بتحمِّل منة السفلة، ومن النادر أن يمر عليه ليل لا يقوم فيه إلى مناجاة ربِّه وعبادته وذرف الدموع من خشيته ومحبته»[145].
[145] المصدر نفسه، ص 6 من المقدمة التي كتبها حسينقلي مستعان..