2 و 3- شهادة العَمِيد الجنرال جهانبگلو والأستاذ عبدالرحمن فرامرزي
وكتب أحد تلامذة «شريعت» الآخرين وهو العَمِيد الجنرال جهانبگلو في مقال له نشره في مجلة «مِهْر» التي تصدر عن دائرة الثقافة والفن، العدد 1 من السنة الثالثة عشرة للمجلة الصادر في طهران بتاريخ 1346هـ.ش (1387هـ.ق/1968م)، عن أستاذه «شريعت» يقول:
«إحدى النجوم اللامعة في سماء المعرفة والإيمان في هذا العصر هو المرحوم العلامة الكبير الحاج شريعت سنكلجي، ولاشك أن سيرة العظماء إنما يفيد ذكرها إذا كانت تُبيِّن الخدمات التي قدموها لعالم البشرية والتضحيات التي قاموا بها في سبيل إصلاح المجتمع، أما ذكر زمان ولادتهم وطريقة عيشهم وكيفية مزاجهم وطبيعتهم ومحل سكنهم وتاريخ وفاتهم فأي نفع فيه للمجتمع؟
لقد كان المرحوم شريعت سنكلجي من نوادر الزمان ونوابغ العصر، رجلاً متبحِّرًا في العلوم الدينية ومتخصصًا في فهم القرآن الكريم وتفهيمه للناس وفهم وتدريس سنة نبي الإسلام ص الصحيحة القطعية وتعاليم الأئمة الأطهار سلام الله عليهم أجمعين، كما كان عالمًا متبحِّرًا في الأصول والكلام والفلسفة والعرفان، وكان صادقًا مخلصًا مؤمنًا بما يعلم به ويدعو إليه، وكان يحارب الجهل ويبطل الخرافات كما يحارب الإلحاد والبدع وإشاعة الكفر والزندقة، وكان يعارض دائمًا الأحاديث الموضوعة المُفتراة المنسوبة كذبًا لأولياء الدين، فكان ممسكًا بمعول هدم الأصنام مقتديًا في ذلك بإبراهيم خليل الرحمن÷. وكان يسعى ويبذل كل جهده لهداية الذين ضلوا طريق الحقيقة، وقد تحمَّل في هذا السبيل الكثير من الأذى والمضايقات والتهم وكان يتقبَّل ذلك بصدر رحب لعلَّه ينجح في توعية وهداية عدد من الباحثين عن حقيقة الدين.
كتب الأستاذ المرحوم السيد عبدالرحمن فرامرزي في العدد 31 من صحيفة كيهان الصادرة يوم الثلاثاء، 20 من الشهر العاشر من عام 1322هـ.ش [الموافق لـ11/1/1944م] عن المرحوم شريعت سنكلجي مقالة ونظم أشعارًا، ومما قال فيها:
«في رأيي لم يكن شريعت سنكلجي أقل من الشيخ محمد عبده مفتي الديار المصرية المعروف وباني النهضة الإصلاحية الإسلامية في مصر، لا بل لو قارنا البيئة التي عاش فيها شريعت سنكلجي وأساتذته بالبيئة التي عاش فيها الشيخ محمد عبده وأساتذته، فسوف نُذعن أن الشيخ «شريعت» كان أعظم من الشيخ «محمد عبده». وأنا لا أرى بين علماء الإسلام سوى الغزالي نظيرًا له. وكل من يعتبر هذا الكلام مبالغةً فليس عليه إلا أن يقارن بين كتب سنكلجي وكتب الغزالي».
ولقد كان المرحوم شريعت سنكلجي أيضًا من أولئك المصلحين الذين نذروا حياتهم لإعلاء كلمة التوحيد والجهاد ضد البدع والخرافات، وقد شمر عن ساعد الهمة والجد لتمزيق ذلك الستار الغليظ الذي ضربه الجهلة والغلاة على الإسلام الناصع ليبين للعالم بشكل عام ولمواطنيه بشكل خاص -بكل شجاعة وإيمان ولهجة صريحة لا مواربة فيها- الإسلام الأصيل النقي كما تَنَـزَّل به الوحي على النبي الأكرم ص، كي تتَّضح حقائق دين الإسلام المبين لكل الناس، ولا ريب أن ذلك البذر الذي بذره ذلك المرحوم في مزرعة القلوب النقية الطاهرة أثمر أشجارًا نضرةً سيستظل بظلالها مواطنوه عبر الأيام ويقطفون ثمارها الطيبة.
نعم كان شريعت سنكلجي شمسًا أدَّى طلوعها إلى غروب نجم الخرافيين والمنتفعين من الدين وأصحاب الحوانيت المذهبية المنتسبين للشريعة المحمدية. لقد كان عالمًا متنوِّرًا وفيلسوفًا دقيقًا ومسلمًا نقي الصدر ومُفَكِّرًا فذًّا.
لقد أدرك روح زمانه وكان يجعل أصول التريبة والتعليم الديني متطابقة مع الإسلام كما كان في عهد صدر الإسلام، وكان عابدًا تقيًّا ومحبًّا للبشرية، وكان لا يميز في دعوته بين أبيض وأسود ولا بين فقير وغني أو ملحد أو يهودي أو نصراني أو زردشتي أو هندوسي، بل كان يعتبر الجميع من أبناء البشر الذين يستحقون المحبة الهداية والإرشاد إلى جادة الحق والحقيقة وصراط الإنسانية، وكان يجعل في جلسة واحدة بعض العلماء الغربيين يعتقدون بالتوحيد ثم بِنُبُوَّة خاتم النبين ص وبالمعاد، وقد ناظر وتباحث مع بعض فضلاء الشرق المشاهير مثل الفيلسوف الهندي طاغور»[146].
[146] العميد الجنرال جهانبگلو، مقال: «سخني چند در باره مرحوم آية الله شريعت سنگلجي» [كلمات حول المرحوم آيت الله شريعت سنكلجي]، مجلة «مِهْر» الصادرة عن دائرة الثقافة والفن، العدد 1 من السنة 13 للمجلة الصادر في طهران بتاريخ 1346هـ.ش (1387هـ.ق/1968م)، ص 72 إلى 74.