حقيقة أن للقرآن ظهرًا وبطنًا
إحدى الضلالات التي يطرحها غلاة الشيعة حول القرآن، والتي سببت بُعْد جزء مُهِمٍّ من المجتمع الشيعي عبر الزمن عن تعلم القرآن وحفظه وتدارسه، هي الادعاء بأن للقرآن ظاهرًا وباطنًا وأن الأئمة فقط هم الذي يعلمون باطن القرآن والمراد الحقيقي منه. عقد «شريعت» فصلاً بعنوان: «للقرآنِ ظهرٌ وبطنٌ» أتبعه بفصل عنوانه «المراد بالظاهر هو المفهوم العربي وبالباطن هو مراد الله تعالى من كلامه وخطابه»، نسف فيهما حجج الغلاة الباطنية وفنَّد ادعاءاتهم الباطلة وتأويلاتهم الفاسدة ، فقال:
«من الناس من زعم أن للقرآن ظاهرًا وباطنًا وربما نقلوا في ذلك بعض الأحاديث والآثار، فعن الحسن مما أرسله عن النبي ص أنه قال: «مَا أنزل اللهُ آيَةً إِلَّا وَ لَهَا ظَهْرٌ وَبَطْنٌ»[117]، وفي رواية أخرى: «إن للقرآن ظهرًا وبطنًا ولبطنه بطن إلى سبعة أبطن»[118].
فإذا كان المراد بالظاهر هو المفهوم العربي وبالباطن فهم مراد الله تعالى من تنزيل كتابه ومن كلامه وخطابه، وبعبارة أخرى أن المراد بالباطن هو الوقوف على مراد المتكلِّم وفهم المقصود من الخطاب فإن هذا القولَ قولٌ صحيحٌ وسديدٌ وفي غاية الإتقان ولا نزاع فيه.
أما إذا كان المراد من باطن القرآن إثبات معنى زائد على ما كان معلومًا عند صحابة النبيص وما تدبَّره التابعون من بعدهم، فلا بد من دليل قطعيٍّ يثبت هذه الدعوى لأنها أصلٌ يُحكم به على تفسير الكتاب فلا يكون ظنيًّا، وسنبيِّن للقرَّاء الكرام ههنا حقيقة هذا الأمر بما يرضي الله ورسوله:
1- الأحاديث التي وردت في هذا الباب والتي تقول إن للقرآن سبعة أبطن أو سبعين بطنًا كلها أحاديث مرسلة وليس لدينا أي حديث صحيح واحد في هذا الأمر أبدًا.
2- هذه الأحاديث من وضع الإسماعيلية ومختلقات فرقة الباطنية، لذا نجدها مذكورة في تفاسير الإسماعيلية وكتبهم، كما نجد في رسائل إخوان الصفاء الذين كانوا من زعماء الباطنية أن الكتب السماوية لها تنزيل ظاهري وهو معاني ألفاظها، ولها تأويلات خفية وهي المعاني المعقولة. وزعموا كذلك أن لواضعي الشـرائع [الأنبياء والرسل] أحكام ظاهرية وجلية، ولهم أسرار باطنية وخفية. وجاء في خطط المقريزي في الدعوة السادسة من دعوات الإسماعيلية التسع أنه عندما يصل المدعو إلى الرتبة الخامسة يبدأ الداعي بتفسير معاني شرائع الإسلام له من صلاة وصوم وزكاة وحج وطهارة وغيرها من الفرائض بأمور تخالف ظاهرها، وإذا طال زمن الدعوة وآمن المدعو بأن وضع أحكام الشريعة كان على سبيل الرمز الذي لوحظت فيه السياسة العامة وأن للشرائع معان غير معناها الظاهري، بدأ الداعي بدعوة المدعو إلى أقوال أفلاطون وأرسطو وفيثاغورث»[119].
ثم استشهد بقول الغزالي في كتابه «فضائح الباطنية»: «إن رتبة هذه الفرقة أخسّ من رتبة كل فرقة من فرق الضلال، إذ لا نجد فرقةً يُنقض مذهبها بنفس المذهب سوى هذه! إذ مذهبها إبطال النظر وتغيير الألفاظ عن موضوعاتها بدعوى الرموز وكل ما يُتصوَّر أن ينطلق به لسانهم إما نظرٌ أو نقلٌ: أمَّا النظر فقد أبطلوه، وأما اللفظ فقد جوَّزوا أن يُراد باللفظ غير موضوعه فلا يبقى لهم معتصمّ[120]»[121].
وختم الفصل بقوله:
«وإذا دققنا النظر بشكل صحيح أدركنا أن التأويلات الباردة التي ابتدعها الباطنية وبعض المتصوّفة واتبعهم في ذلك جماعة من أخباريي الإمامية عن علم أو عن جهل قد وجَّهت ضربة كبيرة للإسلام وسبَّبت وجود مهديين كُثُر وفي النتيجة أضعفت الإسلام وشتَّـتَتْ المسلمين.
وخلاصة الكلام أنه إذا أريد بالباطن ذلك البيان الذي تذكره الباطنية خلافًا للعقل والمنطق والحقيقة فهو كفر وضلال، وأما إذا أُريد بالباطن معرفة مقصد القرآن ومراده فهذا معنى صحيح ومقبول»[122].
وخَلُصَ إلى القول بأن «كل ما كان من المعاني العربية التي لا ينبني فهم القرآن إلا عليها؛ فهو داخل تحت الظاهر، وكل ما كان من المعاني التي تقتضي تحقيق المخاطب بوصف العبودية، والإقرار لِـلَّهِ بالربوبية؛ فذلك هو الباطن المراد والمقصود الذي أُنزل القرآن لأجله، لأن هدف القرآن وقصده بث روح الإنسانية لدى البشر وتوجيه الخلائق نحو خالق العالم»[123].
ولأهمية الموضوع زاده شريعت إيضاحًا وتفصيلاً في فصلين تاليين الأول عنوانه «لكلٍّ من ظاهر القرآن وباطنه شرط، فشرط الظاهر أن يوافق لغة العرب ولا يخالف الشرع»، ولخَّصه بقوله: «وخلاصة الكلام، كل معنى يُراد أخذه من ألفاظ القرآن لا بد أن يكون موافقًا لقواعد الكلام العربي وأن يكون معنىً يفهمه المخاطبون، كما أنه إذا كان العرب يستعملون لفظة معينة في معنى خاص لم يجز أن يُعطى لتلك اللفظة معنى آخر اتِّباعًا للهوى».
وعنوان الفصل التالي: «شرط فهم باطن القرآن أن يوافق لغة العرب ويشهد له الشرع، وتأويلات فرق الباطنية باطلة». ومضمونه واضح.
ومن أهم فصول الكتاب الأخرى:
- التفسير بالرأي وتقسيمه إلى جائز وممنوع
- مقاصد القرآن في وضع الشرائع والأحكام
- الناسخ والمنسوخ في القرآن
- المحكم والمتشابه في القرآن وبيان حقيقتهما.
[117] أخرجه أبو عبيد في «فضائل القرآن»، ص43، ومن طريقه البغوي في «شرح السنة»، 1، 262، رقم 122، بإسناد ضعيف، فيه علي بن زيد بن جدعان ضعيف، وهو مرسل. وأخرجه ابن جرير الطبري في «تفسير جامع البيان»، رقم 11، طبعة شاكر، والطبراني في «المعجم الكبير»، رقم 10090، والبزار في «المسند» ، رقم 2312، وابن حبان في «الصحيح»، 1، 276، رقم 75، عن ابن مسعود مرفوعًا: «أُنْزِلَ القرآنُ على سبعة أحرف، لكل آية منها ظهر وبطن». وإسناده ضعيف، فيه إبراهيم بن مسلم الهجري. وأخرجه ابن جرير الطبري في تفسيره أيضًا، رقم 10، من طريق آخر بإسناد فيه مبهم؛ فهو ضعيف. وتكلم البغويّ على شرح هذا الحديث بكلام مسهب حسن؛ فليُراجَع. وفي مصادر الشيعة الإمامية يروي الحرّ العاملي في وسائل الشيعة، ج 27، ص 196، رواية عن الإمام الباقر في هذا المعنى ونصها: «عَنِ فُضَيْلِ بْنِ يَسَارٍ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرٍ (ع) عَنْ هَذِهِ الرِّوَايَةِ مَا مِنَ الْقُرْآنِ آيَةٌ إِلَّا وَلَهَا ظَهْرٌ وَبَطْنٌ؟ قَالَ: ظَهْرُهُ [تَنْزِيلُهُ] وَبَطْنُهُ تَأْوِيلُه». [118] خبر لا أصل له ولا يوجد في أي مصدر حديثي معتبر لا الشيعية منها ولا السنية، ولم أجد من يرويه إلا أحد متأخري الأخباريين وهو ابن أبي جمهور الإحسائي رواه في كتابه، عوالي اللآلي العزيزية في الأحاديث الدينية، ج 4 ، ص 107 مرسلاً من دون سند! فلا اعتبار به. [119] شريعت سنكلجي، كليد فهم قرآن بانضمام براهين قرآن، ص 41 - 43. [120] أبوحامد الغزالي، فضائح الباطنية، ص 52- 53. [121] شريعت سنكلجي، كليد فهم قرآن بانضمام براهين قرآن، ص43. [122] المصدر نفسه، ص 43 - 44. [123] المصدر نفسه، ص 44 - 45.