[مقدمة المؤلِّف]
الحمد لِـلَّهِ الذيْ أَذِنَ لعباده بالدعاء، وجعل من الوسائل إليه الإيمانَ والتوبةَ والبكاءَ، والصلاةُ على محمد خاتَم الأنبياء وعلى آله وأتباعه الأتقياء.
الحمد والثناء لذات الله القُدُّوس والربِّ عظيم الشأن الذي فتح بكرمه وغناه وعزَّته أبواب اللطف والرحمة والرأفة لعباده وأَذِنَ للكبير والصغير والصالح والطالح والـمُطيع والعاصي والـمُؤمن والكافر إذناً عاماً أن يختلوا به في كل ساعة ودقيقة من الليل والنهار، في أيّ وقت شاؤوا فيُناجوه ويُخاطبوه دون واسطة، وقال في كتابه في سورة المؤمن (غافر)، الآية 60: ﴿>وَقَالَ رَبُّكُمُ ٱدۡعُونِيٓ أَسۡتَجِبۡ لَكُمۡ﴾ واعتبر في الآية ذاتها الدعاءَ عبادةً فقال في تتمة الآية: ﴿>إِنَّ ٱلَّذِينَ يَسۡتَكۡبِرُونَ عَنۡ عِبَادَتِي سَيَدۡخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ﴾ [غافر/60]. وأمر عباده بمُناجاته وأن يسألوه حاجاتهم ولم يضع بينه وبين عباده أميراً ولا حاجباً ولا بوَّاباً، ولا نصب وزيراً ولا عيَّن وكيلاً.
فليأته من أراد أن يأتيه وليطلب منه أيّ شيء يريده، فلا تكبُّر ولا تمنُّع ولا حاجب ولا بوَّاب بين يديه جَلَّ وعلى. يُمكن لكل إنسان أينما كان أن يناجيَ ربَّه ويكلِّمَه، واللهُ عليمٌ بكل قلب وبكل لسان، لا يحتاج إلى مترجم ولا إلى واسطة أو رشوة.
ولم يقلِ اللهُ أنْ تدعوا الـمُقرَّبين مني، ولا قال: ليأتني أحدكم بواسطة، بل قال: اجعلوا وسيلتكم الإيمان والتقوى والتضرُّع، فتوسلوا بها إليَّ لا أن تدعوا الوُسطاء وتتوسلوا بهم، كما قال تعالى في الآية 35 من سورة المائدة:
﴿>ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَٱبۡتَغُوٓاْ إِلَيۡهِ ٱلۡوَسِيلَةَ﴾.
ودعا اللهُ تعالى بجوده وكرمه عبادَه إلى الحضور إليه والوقوف بين يديه خمس مرات في اليوم والليلة، كي يُجدِّدوا عهد العبودية معه؛ فما أرحمه من ربٍّ! وما أعطفه على عباده! وما أعلمه بأسرارهم! وما أغناه عن الحاجة إليهم! فَشُكراً له ثم شُكراً له.
من أراد أن يدعوَ الله تعالى فيجدر به أن يقرأ الفصول الآتية: