ازالة الخفاء عن خلافة الخلفاء - جلد چهارم

الفصل الثاني

الفصل الثاني

في جنس من مقامات اليقين اشير إليه في قوله تعالى: ﴿أَشِدَّآءُ عَلَى ٱلۡكُفَّارِ رُحَمَآءُ بَيۡنَهُمۡ [الفتح: ٢٩]. وقوله  ج: «مَن أَحَبَّ لِلَّهِ، وَأَبْغَضَ لِلَّهِ، فَقَدِ اسْتَكْمَلَ إِيمَانَهُ»[١٠٤]، وقول عمر: «لو أن رجلاً صام النهار لا يفطر وقام الليل وتصدق وجاهد ولم يحب في الله  ويبغض فيه ما نفعه ذلك شيئاً»[١٠٥]، وحقيقة هذا الجنس أن يستولي نور اليقين على القوّة العاملة فيأتي على البهیمية والسبعية فيسخرهما ويأخذ بتلا بينهما.

فمن ذلك الشدة لأمر الله، ومن ذلك الشفقة على خلق الله، ومن ذلك الوقوف عند كتاب الله والورع في الشبهات والزهد في اللذات وغير ذلك.

وقد أخبرنا النبي  ج بثبوت هذا الجنس له حيث قال: رحم الله عمر يقول الحق وان كان مـرًّا تركه الحق وماله من صديق[١٠٦]، يعني صديقاً من أصدقاء الدنيا والا فطالبوا الحق احبّوه حبّاً شديداً وقد تواترت الاخبار بثبوت ذلك لعمر.

فمن ذلك قوله في حديث ايلاء النبي  ج من نسائه «يا رباح إِنِّى أَظُنُّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ  ج ظَنَّ أَنِّى جِئْتُ مِنْ أَجْلِ حَفْصَةَ وَاللَّهِ لَئِنْ أَمَرَنِى رَسُولُ اللَّهِ  ج بِضَرْبِ عُنُقِهَا لأَضْرِبَنَّ عُنُقَهَا قال ف رَفَعْتُ صَوْتِى»، الحديث من رواية مسلم وغيره[١٠٧].

ومن ذلك قوله في قصة اسلام أبي سفيان ومراجعة العباس في أمره وقول العباس مهلاً «يا عمر والله لو كان من رجال بنی عدي بن كعب ما فعلت هذا ولكنك قد عرفت انه من رجال بني عبد منافٍ فقال: مهلاً يا عباس فوالله لاسلامك يوم اسلمت كان أحب إليّ من اسلام الخطاب لو اسلم ومالي الا اني قد عرفت ان اسلامك كان أحب إلى رسول الله  ج من اسلام الخطاب»، الحديث من رواية محمد بن اسحق[١٠٨].

ومن ذلك قوله في قصة كسعة رجلٍ من الـمهاجرين رجلاً من الانصار ومقالة الـمنافق في ذلك قولاً شديداً «يَا رَسُولَ اللَّهِ دَعْنِى أَضْرِبْ عُنُقَ هَذَا الْمُنَافِقِ فَقَالَ: دَعْهُ لاَ يَتَحَدَّثُ النَّاسُ أَنَّ مُحَمَّدًا يَقْتُلُ أَصْحَابَهُ»، الحديث من رواية مسلم[١٠٩].

ومن ذلك قوله في حديث ابن صيادٍ «ذَرْنِى يَا رَسُولَ اللَّهِ حَتَّى أَقْتُلَهُ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ  ج: إِنْ يَكُنِ الَّذِى تَرَى فَلَنْ تَسْتَطِيعَ قَتْلَهُ»، الحديث من رواية الشيخين[١١٠].

ومن ذلك قوله في قصة حاطب بن أبي بلتعة وكتابته إلى قريش بخبر النبي  ج: «يا رسول الله امكني من حاطب، فإنه قد كفر فاضرب عنقه فقال رسول الله  ج: يا ابن الخطاب ما يدريك لعل الله قد اطلع على أهل بدرٍ فقال اعملوا ماشئتم فقد غفرت لكم فذرفت عينا عمر»، الحديث من رواية الشيخين عن عليّ وغيره[١١١].

ومن ذلك قوله في حديث ذي الخويصرة وقوله «يَا رَسُولَ اللَّهِ اعْدِلْ قَالَ عُمَرُ يَا رَسُولَ اللَّهِ ائْذَنْ لِى فِيهِ، فَأَضْرِبَ عُنُقَهُ. فَقَالَ: دَعْهُ فَإِنَّ لَهُ أَصْحَابًا، يَحْقِرُ أَحَدُكُمْ صَلاَتَهُ مَعَ صَلاَتِهِمْ»، الحديث من رواية الشيخين[١١٢].

ومن ذلك قوله في غزوة بدرٍ حين قال النبي  ج: «إني قد عرفت أن رجالا من بني هاشم وغيرهم قد أخرجوا كرها لا حاجة لهم بقتالنا، فمن لقي منكم أحدا من بني هاشم فلا يقتله، ومن لقي أبا البختري بن هشام فلا يقتله، ومن لقي العباس بن عبد الـمطلب فلا يقتله، فإنه إنما أخرج مستكرها، فقال أبو حذيفة بن عتبة: أتقتل آباؤنا وإخواننا وعشائرنا، ويترك العباس، والله لئن لقيته لألحمنه بالسيف، فبلغت رسول الله  ج فقال لعمر بن الخطاب: يا أبا حفص - قال عمر س: وإنه لأول يوم كناني فيه رسول الله  ج: أيضرب وجه عم رسول الله ج بالسيف؟ فقال عمر: يا رسول الله، ائذن لي فأضرب عنقه، فوالله لقد نافق»، الحديث من رواية ابن اسحاق[١١٣].

ومن ذلك اقامة الحد علي ابنه أبي شحمة واسمه عبدالرحمن لم يأخذه عند ذلك رأفةٌ في دين الله وهذا من اعجب الوقائع واختُلفت الروايات في صورتها ونحن نذكر ههنا روايتين كما ذكر الـمحب الطبري «عن مجاهد قال: تذاكرنا الناس في مجلس ابن عباس فأخذوا في فضل أبي بكر ثم في فضل عمر فلما سمع ابن عباس ذِكر عمر بكي بكاءً شديداً حتى اُغمي عليه فقال: رحم الله رجلاً قرأ القرآن وعمل بما فيه واقام حدود الله كما أُمر لا تأخذه في الله لومة لائم لقد رأيت عمر وقد اقام الحد على ولده فقتله فيه فقيل له يا ابن عم رسول لله  ج حدثنا كيف أقام عمر الحد على ولده؟ فقال: كنت ذات يوم في الـمسجد وعمر جالسٌ والناس حوله إذ اقبلت جاريةٌ فقالت: السلام عليك يا أمير الـمؤمنين فقال عمر: وعليكِ السلام ورحمة الله ألك حاجةٌ؟ قالت: نعم خذ ولدك هذا مني فقال عمر: اني لا أعرفك فبكت الجارية وقالت: يا أمير الـمؤمنين إن لم يكن ولدك من ظهرك فهو ولد ولدك فقال: أيّ أولادي؟ قالت: أبو شحمة فقال أبِحلال أم بحرامٍ؟ فقالت: من قِبلي بحلالٍ ومن جهته بحرامٍ قال عمر: وكيف ذاك اتقي الله ولا تقولي إلا حقاً؟ قالت: يا أمير الـمؤمنين كنت مارةً في بعض الأيام إذ مررتُ بحائط لبني النجار إذ أتى ولدك أبو شحمة يتمايل سكراً وكان شرب عند نسيكة اليهودي قالت ثم راودني عن نفسي وجرّني إلى الحائط ونال مني ما ينال الرجل من الـمرأة وقد اُغمي عليَّ فكتمت أمري عن عمي وجيراني حتى أحسستُ بالولادة فخرجت إلى موضع كذا وكذا ووضعت هذا الغلام وهممت بقتله ثم ندمت على ذلك فاحكُم بحكم الله بيني وبينه فامر عمر منادياً فنادى فاقبل الناس يُهرعون إلى الـمسجد ثم قام عمر فقال: لا تفرّقوا حتى آتيكم ثم خرج، ثم قال: يا ابن عباس اسرع معي فلم يزل حتى أتى منزله فقرع الباب وقال ههنا ولدي أبوشحمة قيل له انه على الطعام فدخل عليه وقال: كل يا بنيّ فيوشك أن يكون آخر زادك من الدنيا قال ابن عباس فلقد رأيت الغلام وقد تغيّر لونه وارتعد وسقطت اللقمة من يده فقال عمر: يا بني! من أنا؟ فقال: أنت أبي وأمير الـمؤمنين قال أفلي حقُ طاعة أم لا؟ قال لك طاعتان مفروضتان، لأنك والدي وأميرالـمؤمنين قال عمر: بحق نبيك وبحق أبيك هل كنت ضيفاً لنسيكة اليهودي فشربتَ الخمر عنده فسكرت؟ قال: قد كان ذلك وقد تبتُ، قال: رأس مال الـمؤمنين التوبة قال: يا بني أنشدك الله هل دخلت حائط بني النجار فرأيت امرأةً فواقعتها؟ فسكت وبكي قال عمر: لا بأس يا بنيّ أصدق فإن الله يحب الصادقين قال: قد كان ذلك وأنا تائبٌ نادمٌ فلما سمع ذلك عمر منه قبض على يده ولبّبه وجرَّه إلى الـمسجد وقال: يا أبت لا تفضحني وخذ السيف وقطعني ارباً ارباً قال ما سمعت قوله تعالى: ﴿وَلۡيَشۡهَدۡ عَذَابَهُمَا طَآئِفَةٞ مِّنَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ [النور: ٢]. ثم جره وأخرجه إلى بين يدي أصحاب رسول الله  ج في الـمسجد وقال: صدقت الـمرأةُ وأقرَّ أبو شحمة بما قالت وكان له مملوكٌ يقال له افلح فقال: يا افلح خذ ابني هذا إليك واضربه مائة سوط ولا تقصر في ضربه فقال: لا أفعل وبكي فقال يا غلام إن طاعتي طاعة الرسول  ج فافعل ما آمرك به قال: فنزع ثيابه وضجّ الناس بالبكاء والنحيب وجعل الغلام يشير إلى أبيه يا أبت أرحمني فقال له عمر وهو يبكي ربك يرحمك وانما افعل هذا كي يرحمك ويرحمني ثم قال: يا افلح اضرب فضربه وهو يستغيث وعمر يقول يا افلح اضرب فضربه وهو يستغيث وعمر يقول اضربه حتى بلغ سبعين فقال: يا أبت اسقني شربةً من ماءٍ فقال يا بني إن كان ربك يطهرك فسيسقيك محمد ج شربةً لا تُظمأ بعدها أبداً يا غلام اضربه فضربه حتى بلغ ثمانين فقال يا أبت السلام عليك فقال وعليك السلام إن رأيت محمداً فاقرأه مني السلام وقل له خلفت عمر يقرأ القرآن ويقيم الحدود يا غلام اضربه فلما بلغ تسعين انقطع كلامه وضعف فرأيت أصحاب رسول الله  ج قالوا يا عمر انظر كم بقي فأخّره إلى وقت آخر فقال كما لم يؤخّر الـمعصية لا تؤخر العقوبة وجاء الصريخ إلى أمه فجاءت باكيةً صارخةً وقالت: يا عمر احُج بكل سوطٍ حجةً ماشيةً واتصدق بكذا وكذا درهماً فقال: إن الحج والصدقة لا ينوب عن الحد يا غلام تمم الحد فضربه فلما كان آخر سوط سقط الغلام ميتاً فصاح وقال يا بني فحّص الله عنك الخطايا ثم جعل رأسه في حِجره وجعل يبكي ويقول بأبي من قتله الحق بأبي من مات عند انقضاء الحد بأبي من لم يرحمه أبوه وأقاربه فنظر الناس إليه فإذا هو قد فارق الدنيا فلم يُر يومٌ اعظم منه وفجّ الناس بالبكاء والخيب فلما كان أربعين يوماً اقبل علينا حذيفة ابن اليمان صبيحة يوم الجمعة فقال: إني رأيت رسول الله  ج في الـمنام وإذا الفتي معه وعليه حلتان خضراوان فقال رسول الله  ج: اقرأ عمر عني السلام وقل له هكذا أمرك الله أن تقرأ القرآن وتقيم الحدود وقال الغلام: يا حذيفة اقرأ ابي مني السلام وقل له طهرك الله كما طهرتني» أخرجه ابن أبي شيرويه الديلمي في كتابه الـمنتقي[١١٤].

وخرجه غيره مختصراً بتغير اللفظ وقال فيه «كان لعمر ابنٌ يقال له أبو شحمة فأتاه يوماً فقال: إني زنيتُ فأقِم عليَّ الحدّ قال: زنيتَ؟ قال: نعم حتى كرر عليه ذلك أربعاً قال: وما عرفت التحريم؟ قال: بلى قال معاشر الـمسلمين حدُّوه فقال أبو شحمة: معاشر الـمسلمين من فعل فعلي في جاهلية أو اسلامٍ فلا يحدني فقام علي بن أبي طالب وقال لولده الحسن فأخذ بيمينه وقال لولده الحسين فأخذ بيساره ثم ضرب ستته عشر سوطاً فاُغمي عليه ثم قال: إذا وافيت ربك فقل ضربني الحد من ليس لك في جنبيه حد ثم قام عمر حتى اقام عليه تمام الـمائة سوطاً فمات من ذلك فقال: أنا اوثر عذاب الدنيا على عذاب الآخرة، فقيل: يا أميرالـمؤمنين تدفنه من غير غسل ولا كفن قتل في سبيل الله، قال: بل نغسله ونكفّنه وندفنه في مقابر الـمسلمين فإنه لم يمت قتلاً في سبيل الله وانما مات محدوداً»[١١٥].

«وعن عمرو بن العاص قال بينا أنا بمنزلي بمصر إذ قيل هذا عبدالرحمن بن عمر وأبو سردعة يستأذنان عليك فقلت يدخلان فدخلا وهما منكسران فقالا اقم علينا حد الله فانا أصبنا البارحة شراباً وسكرنا قال فزبرتهما وطرقتهما فقال عبدالرحمن: إن لم تفعل خبرت والدي إذا قدمت عليه قال فعلمت إني إن لم اقم عليهما الحد غضب عليَّ عمر وعزلني قال فاخرجتهما إلى صحن الدار فضربتهما الحد ودخل عبدالرحمن بن عمر إلى ناحية بيتٍ في الدار فحلق رأسه وكانوا يحلقون مع الحدود والله ما كتبت لعمر بحرفٍ مما كان حتى إذا كتابه جاءني فيه بسم الله الرحمن الرحيم من عبدالله عمر إلى عمرو بن العاص عجبت لك يا ابن العاص وجرأتك على وخلافك عهدي فما رأيي الا اني عازلك تضرب عبدالرحمن في بيتك وتحلق رأسه في البيت وقد عرفت ان هذا يخالفني انما عبدالرحمن رجلٌ من رعيتك تصنع به ما تصنع بغيره من الـمسلمين ولكن قلت هو ولد أميرالـمؤمين وعرفت انه لا هوادة لأحدٍ من الناس عندي في حقٍ فإذا جاءك كتابي هذا فابعث به في عباءة علي قتب حتى يعرف سوء ما صنع فبعث به كما قال أبوه وكتب إلى عمر يعتذر عليه اني ضربته في صحن داري وبالله الذي لا يُحلف باعظم منه اني لاقيم الحد في صحن داري على الـمسلم والذمي وبعث بالكتاب مع عبدالله بن عمر فقدم بعبدالرحمن على أبيه فدخل وعليه عباءة لا يستطبع الـمشي من سوء مركبه فقال: يا عبدالرحمن فعلت وفعلت فكلمه عبدالرحمن بن عوف وقال يا أميرالـمؤمنين قد اقيم عليه الحدُّ فلم يلتفت إليه فجعل عبدالرحمن يصيح ويقول اني مريضٌ وأنت قاتلي وقال فضربه الحد ثانية وحبسه فمرض ثم مات، قلت قال ابوعمر في الاستيعاب: عبدالرحمن بن عمر الاوسط هو أبوشحمة وهو الذي ضربه عمرو بن العاص بمصر في الخمر ثم حمله إلى الـمدينة فضربه أبوه ادب الوالد ثم مرض ومات بعد شهر» هكذا يرويه معمرٌ «عن الزهري عن سالم عن أبيه وأما أهل العراق فيقولون انه مات تحت سياط عمر وذلك غلطٌ وقال الزبير اقام عليه عمرو حد الشراب فمرض ومات»[١١٦].

ومن ذلك اقامة الحد على قدامة بن مظعون خال ابن عمر وحفصة لم يأخذه عند ذلك رأفةٌ في دين الله ولم يخف لومة لائم نذكره كما ذكره الـمحب الطبري وأبوعمر «عن عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ وَكَانَ مِنْ أَكْبَرِ بَنِى عَدِىٍّ وَكَانَ أَبُوهُ شَهِدَ بَدْرًا مَعَ النَّبِىِّ  ج أَنَّ عُمَرَ اسْتَعْمَلَ قُدَامَةَ بْنَ مَظْعُونٍ عَلَى الْبَحْرَيْنِ، وَكَانَ شَهِدَ بَدْرًا، وَهُوَ خَالُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَحَفْصَةَ زوج النبي قال فقدم الجارود من البحرين فقال يا أمير الـمؤمنين إن قدامة بن مظعون قد شرب مسكراً وإني إذا رأيت حداً من حدود الله حق علي أن أرفعه إليك فقال له عمر من يشهد على ما تقول فقال أبو هريرة فدعا عمر أبا هريرة فقال علام تشهد يا أبا هريرة فقال لم أره حين شرب وقد رأيته سكران يقيء فقال عمر لقد تنطعت - أبا هريرة - في الشهادة ثم كتب عمر إلى قدامة وهو بالبحرين يأمره بالقدوم عليه فلما قدم قدامة والجارود بالـمدينة كلم الجارود عمر فقال أقم على هذا كتاب الله فقال عمر للجارود أشهيدٌ أنت أم خصم فقال الجارود أنا شهيد فقال قد كنت أديت شهادتك فسكت الجارود ثم قال لتعلمن أني أنشدك الله فقال عمر أما والله لتملكن لسانك أو لأسوءنك فقال الجارود أما والله ما ذاك بالحق أن يشرب ابن عمك وتسوءني فأوعده عمر فقال أبو هريرة وهو جالسٌ يا أمير المؤمنين إن كنت تشك في شهادتنا فسل بنت الوليد امرأة ابن مظعون فأرسل عمر إلى هند ينشدها بالله فأقامت هند على زوجها قدامة الشهادة فقال عمر إني يا قدامة جالدك فقال قدامة والله لو شربت كما يقولون ما كان لك أن تجلدني يا عمر قال ولم يا قدامة قال إن الله  قال: ﴿لَيۡسَ عَلَى ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ جُنَاحٞ فِيمَا طَعِمُوٓاْ إِذَا مَا ٱتَّقَواْ وَّءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ ثُمَّ ٱتَّقَواْ وَّءَامَنُواْ ثُمَّ ٱتَّقَواْ وَّأَحۡسَنُواْۚ وَٱللَّهُ يُحِبُّ ٱلۡمُحۡسِنِينَ ٩٣ [المائدة: ٩٣]. فقال عمر إنك أخطأت التأويل يا قدامة إذا اتقيت اجتنبت ما حرم الله ثم أقبل عمر على القوم فقال ماذا ترون في جلد قدامة فقال القوم لا نرى أن تجلده ما دام وجعاً فقال عمر إنه والله لأن يلقي الله تحت السياط أحب إلي من أن ألقى الله وهي في عنقي إي والله لأجلدنه ايتوني بالسوط فجاءه مولاه أسلم بسوط دقيقٍ صغير فأخذه عمر فمسحه بيده ثم قال لأسلم أخذتك دقرارة أهلك ايتوني بسوط غير هذا قال فجاءه أسلم بسوط تام فأمر عمر بقدامة فجلد فغاضب قدامة عمر وهجره فحجا وقدامة مهاجر لعمر حتى قفلوا من حجهم ونزل عمر بالسقيا ونام بها فلما استيقظ قال عجلوا علي بقدامة انطلقوا فائتوني به فوالله إني لأرى في النوم أنه جاءني آتٍ فقال لي سالم قدامة فإنه أخوك فلما جاءوا قدامة أبى أن يأتيه فأمر عمر بقدامة فجر إليه جراً حتى كلمه عمر فاستغفر له فكان أول صلحهما»، خرّج البخاري منه إلى قوله وهو خال ابن عمر وحفصة وتمامه خرجه الحميدي[١١٧].

ومن ذلك ايثاره في العطاء اقارب رسول الله  ج وأهل السوابق من الـمهاجرين والأنصار على اقاربه أخرج أبوعمر في الاستيعاب «أرسل عمر إلى الشفا بنت عبدالله العدوية ان اغدي إلى قالت فغدوت عليه فوجدت عاتكه بنت أسيد ابن أبي الفيض ببابه فدخلنا فتحدثنا ساعةً فدعا بنمطٍ فاعطاها إياه ودعا بنمط دونه فاعطانيه فقلت: تربت يداك يا عمر انا قبلها اسلاماً وأنا بنت عمك دونها وارسلتَ إليّ وجاءتك بنفسها قال: ما كنتُ رفعت ذلك إلا لك فلما اجتمعتما ذكرت انها اقرب إلى رسول الله  ج منك»[١١٨].

ومن ذلك رحمته وشفقته على الـمؤمنين، أبوحنيفة «عن علي بن الاقمر قال: كان عمر بن الخطاب س يطعم الناس بالـمدينة وهو يطوف عليهم بيده عصاً فمر برجل يأكل بشماله فقال: يا عبدالله كل بيمينك قال يا عبدالله انها مشغولةٌ قال فمضي ثم مرّ به وهو يأكل بشماله فقال يا عبدالله كل بيمينك قال يا عبدالله انها مشغولةٌ ثلاث مرات قال وما شغلها قال اصيبت يوم مؤتة قال فجلس عنده عمر س يبكي فجعل يقول له من يوضّيك؟ من يغسل رأسك وثيابك؟ من يصنع كذا وكذا فدعا له بخادمٍ وأمر له براحلةٍ وطعامٍ ما يصلحه وما ينبغي له حتى رفع أصحابُ محمد  ج أصواتهم يدعون الله لعمر س مما رأوا من رأفته بالرجل واهتمامه بأمر الـمسلمين»[١١٩].

البخاري «عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ خَرَجْتُ مَعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ س إِلَى السُّوقِ، فَلَحِقَتْ عُمَرَ امْرَأَةٌ شَابَّةٌ فَقَالَتْ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ هَلَكَ زَوْجِى وَتَرَكَ صِبْيَةً صِغَارًا، وَاللَّهِ مَا يُنْضِجُونَ كُرَاعًا، وَلاَ لَهُمْ زَرْعٌ وَلاَ ضَرْعٌ، وَخَشِيتُ أَنْ تَأْكُلَهُمُ الضَّبُعُ، وَأَنَا بِنْتُ خُفَافِ بْنِ إِيمَاءَ الْغِفَارِىِّ، وَقَدْ شَهِدَ أَبِى الْحُدَيْبِيَةَ مَعَ النَّبِىِّ  ج، فَوَقَفَ مَعَهَا عُمَرُ، وَلَمْ يَمْضِ، ثُمَّ قَالَ مَرْحَبًا بِنَسَبٍ قَرِيبٍ. ثُمَّ انْصَرَفَ إِلَى بَعِيرٍ ظَهِيرٍ كَانَ مَرْبُوطًا فِى الدَّارِ، فَحَمَلَ عَلَيْهِ غِرَارَتَيْنِ مَلأَهُمَا طَعَامًا، وَحَمَلَ بَيْنَهُمَا نَفَقَةً وَثِيَابًا، ثُمَّ نَاوَلَهَا بِخِطَامِهِ ثُمَّ قَالَ اقْتَادِيهِ فَلَنْ يَفْنَى حَتَّى يَأْتِيَكُمُ اللَّهُ بِخَيْرٍ. فَقَالَ رَجُلٌ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَكْثَرْتَ لَهَا. قَالَ عُمَرُ ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ، وَاللَّهِ إِنِّى لأَرَى أَبَا هَذِهِ وَأَخَاهَا قَدْ حَاصَرَا حِصْنًا زَمَانًا، فَافْتَتَحَاهُ، ثُمَّ أَصْبَحْنَا نَسْتَفِىءُ سُهْمَانَهُمَا»[١٢٠].

الـمحب الطبري «عن زيد بن اسلم عن أبيه أن عمر بن الخطاب طاف ليلةً فإذا بامرأةٍ في جوف دارٍ لها حولها صبيان يبكون وإذا قدرٌ على النار قد ملأتها ماءً فدني عمر من الباب فقال: يا أمة الله أيش بكاءُ هؤلاء الصبيان؟ فقالت: بكاءهم من الجوع قال: فما هذه القدر التي على النار؟ فقالت قد جعلت فيها ماءً اعللهم بها حتى ينامون واوهمهم أن فيها شيئا فجلس عمر يبكي قال ثم جاء إلى دار الصدقة وأخذ غرارةً وجعل فيها شيئا من دقيق وسمن وشحم وتمر وثياب ودراهم حتى ملأ الغرارة ثم قال يا اسلم احمل عليَّ، قلت: يا أمير الـمؤمنين انا احمله عنك قال لا اُمّ لك يا اسلم انا احمله لأني الـمسئول عنه في الآخرة قال فحمله على عاتقه حتى أتى به منزل الـمرأة وأخذ القدر وجعل فيها دقيقاً وشيئاً من شحم وتمر وجعل يحركه بيده وينفخ تحت القدر وکانت لحيته عظيمة فرأيت الدخان يخرج من خُلل لحيته حتى طبخ لهم ثم جعل يغرف لهم بيده ويطعمهم حتى شبعوا ثم خرج»[١٢١].

الـمحب الطبري «أن عمر كان يصوم الدهر وكان زمان الرمادة إذا امسي اُتي بخبز قد ثرد بالزيت إلى ان نحر يوماً من الایام جزوراً فاطعمها الناس وغر فواله طيبها فاتي به فإذا فدرٌ من سنامٍ ومن كبدٍ فقال: أيّ هذا؟ فقالوا: يا أميرالـمؤمنين من الجزور التي نحرنا اليوم فقال: بخ بخ بئس الوالي أنا ان اكلت طيبها واطعمت الناس كراديسها ارفع هذه الجفنة هات لنا غير هذا الطعام فاتي بخبز وزيت فجعل يكسر بيده ويثرد ذلك الخبز ثم قال: ويحك يا يرفا احمل هذه الجفنة حتى تأتي بها اهل بيت بثمغ[١٢٢]، فاني لم آتهم منذ ثلاثة أيام واحسبهم مُقفرين فضعها بين أيديهم»[١٢٣].

شرح الرمادة: الهلاك يشير -والله اعلم- إلى زمن القحط، والفدر القطع جمع فدرة وهي القطعة من اللحم إذا كانت مجتمعة وثمغ اسم مال معروف لعمر وروي أنه عام الرمادة لـما اشتد الجوع بالناس وكان عمر لا يوافقه الشعير والزيت ولا التمر وإنما يوافقه السمن فحلف لا يأتدم بالسمن حتى يفتح على الـمسلمين عامه هذا فصار إذا اكل خبز الشعير والتمر بغير ادم يقرقر بطنه في الـمجلس فيضع يده عليه ويقول إن شئت قرقر وإن شئت لا تقرقر مالَكَ عندي اُدم حتى يفتح الله على الـمسلمين روي أن زوجته اشترت له سمنا فقال ما هذا قالت من مالي ليس من نفقتك قال ما أنا بذائقه حتى يحيي الناس.

الـمحب الطبري «عن أبي هريرة قال: خرج عمر عام الرمادة فرأى نحواً من عشرين بيتاً من محارب فقال عمر: ما اقدمكم؟ قالوا: الجهد قال: وأخرجوا لنا جلد ميتة مشوياً كانوا يأكلونه ورُمّة العظام يستحفونها ويسفونها قال: فرأيت طرح رداءه ثم نزل يطبخ لهم ويُطعم حتى شبعوا ثم ارسل اسلم إلى الـمدينة فجاءه بابعرة فحملهم عليها ثم كساهم ثم لم يزل يختلف إليهم وإلى غيرهم حتى رفع الله ذلك»[١٢٤].

الـمحب الطبري «عن ابن عمر قال: قدمت رفقة من التجار، فنزلوا الـمصلى، فقال عمر لعبد الرحمن بن عوف: هل لك أن نحرسهم الليلة من السرق فباتا يحرسانهم، ويصليان ما كتب الله لهما فسمع عمر بكاء صبى فتوجه نحوه، فقال لأمه: اتقى الله وأحسنى إلى صبيك، ثم عاد إلى مكانه فسمع بكاءه، فعاد إلى أمه، فقال لها: مثل ذلك، ثم عاد إلى مكانه، فلما كان فى آخر الليل سمع بكاءه، فأتى أمه، فقال: ويحك إنى لأراك أم سوء، مالى أرى ابنك لا يقر منذ الليلة قالت: يا عبد الله قد أبرمتنى منذ الليلة إنى أريغه عن الفطام فيأبى، قال: ولم قالت: لأن عمر لا يفرض إلا للفطيم، قال: وكم له قالت: كذا وكذا شهرا، قال: ويحك لا تعجليه، فصلى الفجر وما يستبين الناس قراءته من غلبة البكاء فلما سلم قال: يا بؤسا لعمر كم قتل من أولاد الـمسلمين، ثم أمر مناديا فنادى ألا لا تعجلوا صبيانكم عن الفطام، فإنا نفرض لكل مولود فى الإسلام وكتب بذلك إلى الآفاق: إنا نفرض لكل مولود فى الإسلام»[١٢٥].

شرح: ابرمتني اضجرتني، اربعه احبسه واُمَرِّنه، البوسا خلاف النعمي.

الـمحب الطبري «عن انس بن مالك بينما أمير الـمؤمنين عمر يعسّ ذات ليلة إذ مر باعرابي جالسٍ بفناء خيمة فجلس إليه يحدثه ويسأله ويقول له ما اقدمك هذا البلاد؟ فبينا هو كذلك إذ سمع انيناً من الخيمة فقال: من هذا الذي اسمع انينه؟ فقال أمرٌ ليس من شأنك امرأةٌ تمخض فرجع عمر إلى منزله وقال: يا أم كلثوم شدي عليك ثيابك واتبعني قال ثم انطلق حتى انتهي إلى الرجل فقال له: هل لك أن تأذن لهذه الـمرأة أن تدخل عليها فتؤنسها؟ فأذن لها فدخلت فلم تلبث ان قالت: يا أمير الـمؤمنين بشر صاحبك بغلام فلما سمع قولها أميرالـمؤمنين وثب من جنبه فجلس بين يديه وجعل يعتذر غليه فقال لا عَليك إذا اصبحت فأتنا فلما اصبح أتاه ففرض لابنه في الذرية واعطاه»[١٢٦].

«ومن ذلك خشيته من الله تعالى وكونه وقافاً عند كتاب الله تعالى ومعني وقوف الانسان عند كتاب الله انه إذا هجس في نفسه داعيته غضبٍ أو شهوة ثم زجر بكتاب الله وسنة رسول الله  ج ازجر وتلاشت الداعية واضمحلت من ساعته كان لم يكن ويتكرر ذلك حتى يكون ملكة راسخةً‌».

البخاري «عن ابن عباس قال استأذن الحر بن قيس بن حصن لعمه عيينة بن حصن علي عمر فاذن له فلما دخل قال: فلما دخل قال يا ابن الخطاب والله ما تعطينا الجزل ولا تحكم بيننا بالعدل فغضب عمر حتى هم بأن يقع به فقال الحر يا أمير الـمؤمنين إن الله تعالى قال لنبيه ج: ﴿خُذِ ٱلۡعَفۡوَ وَأۡمُرۡ بِٱلۡعُرۡفِ وَأَعۡرِضۡ عَنِ ٱلۡجَٰهِلِينَ ١٩٩ [الأعراف: ١٩٩]. وإن هذا من الجاهلين فوالله ما جاوزها عمر حين تلاها عليه وكان وقافا عند كتاب الله»[١٢٧].

الشيخان «عن عمر قال سمعني النبي  ج وأنا أقول وأبي قال: ان الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم، قال عمر: فما خلفت بها ذاكراً ولا آثراً»[١٢٨]‌.

الـمحب الطبري «عن عبيدالله بن عباس قال: كان للعباس ميزابٌ على طريق عمر فلبس عمر ثيابه يوم الجمعة وقد كان ذُبح للعباس فرخان فلما وافا الـميزاب صُبّ ماءٌ بدم الفرخين فاصاب عمر فامر عمر بقلعه ثم رجع عمر فطرح ثيابه ولبس ثياباً غير ثيابه ثم جاء فصلي بالناس فأتاه العباس ثم قال: والله انه للموضع الذي وضعه رسول الله  ج فقال عمر للعباس: أنا اعزم عليك لـما صعدت على ظهر حتى تضعه في الـموضع الذي وضعه رسول الله  ج ففعل ذلك العباس»[١٢٩].

الشيخان «عَنْ أَبِى وَائِلٍ قَالَ جَلَسْتُ مَعَ شَيْبَةَ عَلَى الْكُرْسِىِّ فِى الْكَعْبَةِ فَقَالَ لَقَدْ جَلَسَ هَذَا الْمَجْلِسَ عُمَرُ قَالَ لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ لاَ أَدَعَ فِيهَا صَفْرَاءَ وَلاَ بَيْضَاءَ إِلاَّ قَسَمْتُهُ. قُلْتُ إِنَّ صَاحِبَيْكَ لَمْ يَفْعَلاَ. قَالَ هُمَا الْمَرْآنِ أَقْتَدِى بِهِمَا». وفي رواية قال عمر: «لا اخرج حتى اقسم مال الكعبة بين فقراء الـمسلمين قلت: ما أنت بفاعل قال: ولم؟ قلت: لأن رسول الله  ج رأى مكانه وأبوبكر وهما احوج إلى الـمال فلم يخرجاه فقام كما هو فخرج»[١٣٠].

الـمحب الطبري روي «ان عمر خرج ليلةً ومعه عبدالله بن مسعود فإذا هو بضوء نار فاتبع الضوء حتى دخل داراً فاذا شيخٌ جالسٌ وبين يديه شرابٌ وقينةٌ تغنيه فلم يشعر حتى هجم عمر عليه فقال: ما رأيت كالليلة اقبح من شيخ ينتظر اجله فرفع الشيخ رأسه وقال بل ما صنعت يا أميرالـمؤمنين اقبح انك تجسست وقد نهى الله تعالى عن التجسس وانك دخلت بغير إذن وقد نهى الله تعالى عن ذلك فقال عمر صدقت ثم خرج عاضّاً على ثوبه ويقول: ثكلت عمر امُه ان لم يغفر له، قال وهجر الشيخ مجالس عمر حيناً ثم انه جاءه شبيه الـمستحيي فقال له: اُدن مني فدنا منه فقال له: والذي بعث محمداً بالحق ما اخبرت أحداً من الناس بالذي رأيت منك ولا ابن مسعود وكان معي فقال الشيخ: وأنا والذي بعث محمداً بالحق ما عدت إليه إلى أن جلست هذا الـمجلس»[١٣١].

الـمحب الطبري «عن عبدالله بن عامر قال: رأيت عمر أخذ تبنةً من الأرض فقال: ليتني كنت هذه التبنة ليتني لم أخلق ليت أمي لم تلدني ليتني لم اكن شيئا ليتني كنت نسياً منسياً»[١٣٢].

الـمحب الطبري «عن مجاهد كان عمر يقول: لو مات جديٌ بطفّ الفرات لخشيت ان يطالب الله به عمر»[١٣٣].

شرح: الطّف اسم موضع بناحية الكوفة فلعله الـمراد واضيف إلى الفرات لكونه قريباً منه.

الـمحب الطبري «عن عبدالله بن عيسی قال: كان في وجه عمر خطان اسودان من البكاء»[١٣٤].

الـمحب الطبري «عن الحسن قال: كان عمر يبكي في ورده حتى يخر على وجهه ويبقي في بيته اياماً يُعاد»[١٣٥].

الـمحب الطبري «عن آبي جعفر قال: بينما عمر يمشي في طريق من طرق الـمدينه إذ لقيه عليٌ ومعه الحسن والحسین فسلم عليه عليٌ وأخذ بيده فاكتنفاهما الحسن والحسین وعن يمينهما وشمالهما، قال: فعرض له من البكاء ما كان يعرض له قال له عليٌ: ما يبكيك يا أميرالـمؤمنين؟ قال عمر: ومن أحقُّ مني بالبكاء يا عليُّ وقد وليت أمر هذه الأمة احكم فيها ولا أدري أمُسيءٌ أنا أم محسن؟ فقال له عليٌ: والله انك لتعدل في كذا وتعدل في كذا قال فما منعه ذلك من البكاء ثم تكلم الحسن بما شاء الله فذكر من ولايته وعدله فلم يمنعه ذلك فتكلم الحسین بمثل كلام الحسن فانقطع بكاءه عند انقطاع كلام الحسين فقال: أتشهدان بذلك يا ابني اخي فسكتا فنظرا إلى أبيهما فقال عليٌ: اشهدا وأنا معكما شهيدٌ»[١٣٦].

الـمحب الطبري «عن عبيد بن عمير قال: بينما عمر بن الخطاب يمر في الطريق فإذا هو برجل يكلم امرأةً فعلاه بالدرة فقال: یا أميرالـمؤمنين إنما هي امرأتـي فقام عمر س انطلق فلقى عبدالرحمن بن عوف فذكر ذلك له فقال له: يا أميرالـمؤمنين إنما أنت مؤدِّبٌ وليس عليك شئٌ وإن شئت حدثتك بحديث سمعته من رسول الله  ج يقول: إذا كان يوم القيمة نادي منادي إلا لايرفعن أحدٌ من هذه الأمة كتابه قبل أبي بكر وعمر»[١٣٧].

وفي رواية فقال له: «فلِم تقف مع زوجتك في الطريق تعرضان للمسلمين إلى غيبتكما فقال: يا أميرالـمؤمنين الآن قد دخلنا الـمدينة ونحن نتشاور أين ننزل؟ فدفع إليه الدرة وقال له: اقتص مني يا عبدالله فقال: هي لك يا أميرالـمؤمنين فقال: خذ واقتص مني فقال بعد ثلاثٍ هي لله، قال: الله لك فيها»[١٣٨].

الـمحب الطبري «عن عمر وقد كلمه عبدالرحمن باشارة عثمان وطلحة والزبير وسعد في هيبته وشدته فان ذلك ربما يمنع طالب الحاجة من حاجته فقال: والله لقد لنت للناس حتى خشيت الله في اللين واشتددت حتى خشيت الله في الشدة فأين الـمخرج وقام يجر رداءه وهو يبكي، وروى عنه أنه قرأ ﴿إِذَا ٱلشَّمۡسُ كُوِّرَتۡ حتى بلغ ﴿وَإِذَا ٱلصُّحُفُ نُشِرَتۡ١٠ فخر مغشياً عليه وبقى أياماً يعاد»[١٣٩].

أبوعمر روينا «عن عمر أنه قال حين احتضر ورأسه في حجر ابنه عبدالله ظلومٌ لنفسی غير اني مسلم أصلّي الصلاة كلـها وأصـوم»[١٤٠].

الغزالي «مر عمر يوماً بدار انسان وهو يصلي ويقرأ سورة الطور فوقف يستمع فلما بلغ قوله: ﴿إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَٰقِعٞ ٧ [الطور: ٧]. نزل عن حماره واستند إلى حائط فمكث زماناً ورجع إلى منزله ومرض شهراً يعودونه الناس ولا يدرون ما مرضه»[١٤١].

«ومن ذلك محاسته مع نفسه وانتصافه من نفسه وتواضعه للمؤمنين وقبول النصح منهم واعترافه على نفسه مما يدل قطعاً على أن سَورة نفسه منكسرةٌ بنور اليقين»[١٤٢].

مالك «عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِى طَلْحَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ وَخَرَجْتُ مَعَهُ حَتَّى دَخَلَ حَائِطًا فَسَمِعْتُهُ وَهُوَ يَقُولُ وَبَيْنِى وَبَيْنَهُ جِدَارٌ - وَهُوَ فِى جَوْفِ الْحَائِطِ - عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ بَخٍ بَخٍ وَاللَّهِ لَتَتَّقِيَنَّ اللَّهَ أَوْ لَيُعَذِّبَنَّكَ»[١٤٣].

الـمحب الطبري روي «أن عمر كان يقول: ما صنعت اليوم صنعت كذا وصنعت كذا ثم يضرب ظهره بالدرة»[١٤٤].

الـمحب الطبري روي «إن عمر كان إذا قيل له: اتق الله فرح وشكر قائله وكان يقول: رحم الله امرأً اهدى إلينا عيوبنا»[١٤٥].

«وعن طارق ابن شهاب قال: قدم عمر بن الخطاب الشام فلقيه الجنود وعليه ازارٌ وخُفان وعمامةٌ وهو آخذٌ برأس راحلته يخوض الـماء قد خلع خفيه وجعلهما تحت ابطه قالوا له: يا أميرالـمؤمنين الآن يلقاك الجنود وبطارقة الشام وأنت على هذه الحال قال عمر: إنا قومٌ اعزنا الله بالاسلام فلا نلتمس العز من غيره»[١٤٦].

«وعن عبدالله بن عمر أن عمر حمل قربة على عاتقة فقال له أصحابه: يا أميرالـمؤمنين ما حملك على هذا؟ قال: إن نفسي اعجبتني فاردت أن اذلها»[١٤٧].

«وعن زيد بن ثابت قال: رأيت على عمر مرقعة فيها سبعة عشر رقعةً فانصرفت بيتي باكياً ثم عدت في طريقي فإذا عمر وعلي عاتقه قِربة ماء وهو يخلل الناس فقلت: يا أميرالـمؤمنين! فقال: لي لا تتكلم وأقول لك فسرت معه حتى صبها في بيت عجوز وعدنا إلى منزله فقلت له في ذلك فقال انه حضرني بعد مضيك رسول الروم ورسول الفارس فقالوا: لله درك يا عمر قد اجتمع الناس على علمك وفضلك وعدلك فلما خرجوا من عندي تداخلني ما يتداخل البشر فقمت ففعلت بنفسي ما فعلت»[١٤٨].

«وعن محمد بن عمر الـمخزومي عن أبيه قال: نادي عمر بالصلاة جامعةٌ فلما اجتمع الناس وكثروا صعد الـمنبر وحمد الله وأثنى عليه بما هو اهله وصلى على محمد  ج ثم قال: أيها الناس لقد رأيتني أرعي على خالاتٍ لي من بني مخزوم فيقبضن لي القبضة من التمر والزبيب فاظل يومي وأيّ يوم ثم نزل، قال عبدالرحمن بن عوف: يا أميرالـمؤمنين مازدت على ان قمّئت نفسك يعني عبت قال: ويحك يا ابن عوف اني خلوت بنفسي فحدثتني قالت أنت أميرالـمؤمنين فمن ذا افضل منك فاردت أن اعرفها نفسها»[١٤٩].

وروي عنه انه قال في انصرافه من حجته التي لم يحج بعدها «الحمد لله ولا إله إلا الله يعطي من يشاء ما يشاء لقد كنت بهذا الوادي يعني ضجنان أرعى ابلاً للخطاب وكان فظاً غليظاً يتعبني إذا عملت ويضربني إذا قصرت وقد اصبحت وامسيت وليس دون الله أحدا اخشاه»[١٥٠].

وروي أنه قال يوماً على الـمنبر: «يا معاشر الـمسلمين ماذا تقولون لو مِلت برأسي إلى الدنيا كذا ومَيّل رأسه فقام إليه رجل فاستلّ سيفه وقال: اجل كنا نقول بالسيف كذا وأشار إلى قطعه فقال: اياي تعني بقولك؟ قال: نعم إياك اعني بقولي فنهره عمر ثلثاً وهو ينهره عمر فقال عمر: رحمك الله الحمد لله الذي جعل في رعيتي من إذا تعوجت قوَّمني»[١٥١].

«وعن محمد بن الزبير عن الشيخ التفت ترقوتاه من الكبر يخبره عن عمر استفتي في مسئلة فقال اتبعوني حتى انتهي إلى علي ابن أبي طالب فقال: مرحباً يا أميرالـمؤمنين فذكر الـمسئلة فقال: الا ارسلت إليّ؟ فقال: أنا أحق باتيانك»[١٥٢].

«وروي أن عمر جاءه برد من اليمن وكان من جيد ما حُمل إليه فلم يدر لـمن يعطيه من الصحابة ان اعطاه احداً غضب الآخر ورأي ان قد فضله عليه فقال عند ذلك: دُلوني على فتيً من قريش نشأ نشأة حسنة فسمّوا له الـمسور ابن مخرمة فدفع الرداء إليه فنظر إليه سعدٌ فقال: ما هذه الرداء؟ قال: كسانيه أميرالـمؤمنين فجاءه معه إلى عمر فقال: تكسوني هذا الرداء وتكسو ابن اخي مسوراً افضل منه؟ فقال له: يا ابا اسحاق إني كرهت أن أعطيه رجلاً كبيراً فيغضب أصحابه فاعطيته من نشأ نشأة حسنة لا يتوهم اني افضله عليكم قال سعدٌ: فاني قد حلفت لأضربن بالرداء الذي اعطيتني رأسك فخضع له عمر رأسه فقال له: يا ابا اسحاق وليرفق الشيخ بالشيخ»[١٥٣].

«وعن اسيد بن جابر قال: كان عمر بن الخطاب إذا أتى عليه امداد أهل اليمن يسألهم أفيكم اويس بن عامر حتى أتى على اويس بن عامر فقال: أنت اويس بن عامر؟ قال: نعم قال: من مراد ثم من قرن؟ قال: نعم قال: فكان بك برصٌ فبرأت منه إلا موضع درهم؟ قال: نعم قال: ألك والدةٌ؟ قال: نعم قال: سمعت رسول الله  ج يقول: يأتي عليك اويس بن عامر مع امداد أهل اليمن من مراد ثم من قرنٍ كان به برصٌ فبرأ منه إلا موضع درهم له والدةٌ هو لها برٌّ لو اقسم على الله لأبرّه فان استطعت أن يستغفر لك فافعل فاستغفِر لي فاستغفر له فقال له عمر: أين تريد؟ قال: الكوفة قال: الا اكتب لك عاملها؟ قال: اكون في غبرات الناس أحب إليّ قال: فلما كان من العام الـمقبل حج رجلٌ من اشرافهم فوافق عمر فسأله عن اويس فقال: تركته رثّ الهيئة قليل الـمتاع قال: سمعت رسول الله  ج وذكر الحديث ثم قال فان استطعت أن يستغفر لك فافعل فأتى اويساً فقال استغفرلي فقال أنت احدث عهدٍ بسفرٍ صالح قال استغفر لي قال أنت احدث عهد بسفرٍ صالح قال فاستغفر لي قال: لقيت عمر؟ قال: نعم فاستغفر له ففطن له الناس فانطلق علي وجهه»[١٥٤].

أبوعمر «خرج عمر من الـمسجد معه الجارود فإذا بامرأةٍ برزةٍ على الطريق فسلم عليه عمر فردت عليه السلام فقالت: هيهاً يا عمر عهدتك وأنت تسمي عميراً في السوق عكاظ فلم يذهب الأيام والليالي حتى سميت عمر ثم لم تذهب الأيام حتى سميت أميرالـمؤمنين فاتق الله في الرعية واعلم أنه من خاف الوعيد قرب عليه البعيد ومن خاف التموت خشى الفوت فقال: الجارود: قد اكثرت أيتها الـمرأة على أميرالـمؤمنين فقال عمر: دعها اما تعرفها هذه خولة بنت حكيم التي سمع الله قولها من فوق سبع سموات فعمر والله تعالى أحق أن يسمع لها»[١٥٥].

الـمحب الطبري «عن زيد الاُيامي قال: كتب أبوعبيدة بن الجراح ومعاذ بن جبل إلى عمر بن الخطاب أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّا عَهِدْنَاكَ وَأَمْرُ نَفْسِكَ لَكَ مُهِمٌّ، فَأَصْبَحَتَ قَدْ وَلَّيْتَ أَمْرَ هَذِهِ الأُمَّةِ أَحْمَرِهَا وَأَسْوَدِهَا، يَجْلِسُ بَيْنَ يَدَيْكَ الْوَضِيعُ وَالشَّرِيفُ، وَالْعَدُوُّ وَالصَّدِيقُ، وَلِكُلٍّ حِصَّتُهُ مِنَ الْعَدْلِ، فَانْظُرْ كَيْفَ أَنْتَ عِنْدَ ذَلِكَ يَا عُمَرُ؟ فَإِنَّا نُحَذِّرُكَ يَوْمًا تَعْنِي فِيهِ الْوُجُوهُ، وَتَجِفُّ فِيهِ الْقُلُوبُ، وَتَنْقَطِعُ فِيهِ الْحُجَجُ لِحَجَّةِ مَلِكٍ قَدْ قَهَرَهُمْ بِجَبَرُوتِهِ، وَالْخَلْقُ دَاخِرُونَ لَهُ يَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ، وَإِنَّا كُنَّا نَتَحَدَّثُأَنَّ أَمْرَ هَذِهِ الأُمَّةِ فِي آخِرِ زَمَانِهَا سَيَرْجِعُ إِلَى أنيَكُونُوا إِخْوَانَ الْعَلانِيَةِ أَعْدَاءَ السَّرِيرَةِ، وَإِنَّا نَعُوذُ بِاللَّهِ أنيَنْزِلَ كِتَابُنَا سِوَى الْمَنْزِلِ الَّذِي نَزَلَ مِنْ قُلُوبِنَا، فَإِنَّا إِنَّمَا كَتَبْنَا بِهِ نَصِيحَةً لَكَ، وَالسَّلامُ عَلَيْكَ، فَكَتَبَ إِلَيْهِمَا عُمَرُ بن الْخَطَّابِ س مِنْ عُمَرَ بن الْخَطَّابِ إِلَى أَبِي عُبَيْدَةَ بن الْجَرَّاحِ، وَمُعَاذِ بن جَبَلٍ س سَلامٌ عَلَيْكُمَا، أَمَّا بَعْدُ، أَتَانِي كِتَابُكُمَا تَذْكُرَانِ أَنَّكُمَا عَهِدْتُمَانِي وَأَمَرُ نَفْسِي لِي مُهِمٌّ، فَأَصْبَحَتُ قَدْ وُلِّيتُ أَمَرَ هَذِهِ الأُمَّةِ أَحْمَرِهَا وَأَسْوَدِهَا، يَجْلِسُ بَيْنَ يَدَيَّ الشَّرِيفُ وَالْوَضِيعُ، وَالْعَدُوُّ وَالصَّدِيقُ، وَلِكُلٍّ حِصَّةٌ مِنَ الْعَدْلِ، كَتَبْتُمَا: كَيْفَ أَنْتَ عِنْدَ ذَلِكَ يَا عُمَرُ؟ وَإِنَّهُ لا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ لَهُمْ عِنْدَ ذَلِكَ إِلا بِاللَّهِ، وَكَتَبْتُمَا تُحَذِّرَانِي مَا حُذِّرَتْ مِنْهُ الأُمَمُ قَبْلِنَا وَقَدِيمًا، وَإِنَّ اخْتِلافَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ بِآجَالِ النَّاسِ يُقَرِّبَانِ كُلَّ بَعِيدٍ، وَيَأْتِيَانِ بِكُلِّ جَدِيدٍ، وَيَأْتِيَانِ بِكُلِّ مَوْعُودٍ حَتَّى يَصِيرَ النَّاسُ إِلَى مَنَازِلِهِمْ مِنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ، كَتَبْتُمَا تُحَذِّرَانِي أَنَّ أَمَرَ هَذِهِ الأُمَّةِ سَيَرْجِعُ فِي آخِرِ زَمَانِهَا إِلَى أَنْ يَكُونُوا إِخْوَانَ الْعَلانِيَةِ أَعْدَاءَ السَّرِيرَةِ، وَلَسْتُمْ بِأُولَئِكَ وَلَيْسَ هَذَا بِزَمَانِ ذَلِكَ، وَذَلِكَ زَمَانٌ تَظْهَرُ فِيهِ الرَّغْبَةُ وَالرَّهْبَةُ، يَكُونُ رَغْبَةُ بَعْضِ النَّاسِ إِلَى بَعْضٍ لِصَلاحِ دُنْيَاهُمْ، كَتَبْتُمَا تَعُوذَانِ بِاللَّهِ أَنْ أُنْزِلَ كِتَابَكُمَا سِوَى الْمَنْزِلِ الَّذِي نَزَلَ مِنْ قُلُوبِكُمَا، وَأَنَّكُمَا كَتَبْتُمَا بِهِ نَصِيحَةً لِي، وَقَدْ صَدَقْتُمَا، فَلا تَدَعَا الْكِتَابَ إِلَيَّ، فَإِنَّهُ لا غِنَى بِي عَنْكُمَا»[١٥٦].

أبوبكر «عن يحيى بن عيسى عن الاعمش عن إبراهيم عن همام عن حذيفة قال: دخلت على عمر وهو قاعد على جذع في داره وهو يحدث نفسه فدنوت منه فقلت: ما الذي أهمك يا أمير الـمؤمنين، فقال هكذا بيده وأشار بها، قال: قلت: الذي يهمك والله لو رأينا منك أمرا ننكره لقومناك، قال: الله الذي لا إله إلا هو، لو رأيتم مني أمرا تنكرونه لقومتموه، فقلت: الله الذي لا إله إلا هو، لو رأينا منك أمرا ننكره لقومناك، قال: ففرح بذلك فرحا شديدا، وقال: الحمد لله الذي جعل فيكم أصحاب محمد من الذي إذا رأى مني أمرا ينكره قومني»[١٥٧].

«ابوالقاسم القشيري قسم عمر بن الخطاب س الحلل بين الصحابة من غنيمة فبعث إلى معاذ حُلة ثمينةً فباعها واشترى ستة اعبدٍ واعتقهم فبلغ عمر ذلك وكان يقسم الحلل بعده فبعث إليه حلةً دونها فعاتبه معاذ فقال عمر: لأنك بعت الأول فقال معاذ: وما عليك ادفع إليّ نصيبي وقد حلفت لاضربن بها رأسك فقال عمر: ها رأسي بين يديك وقد يرفق الشيخ بالشيخ»[١٥٨].

ومن تواضعه احالة القرآن والعلم على جماعةٍ وقوله: لو لا فلانٌ لهلك عمر لجماعةٍ.

الحاكم «عن موسى بن علي بن رباح اللخمي، عن أبيه، أن عمر بن الخطاب س خطب الناس فقال: من أراد أن يسأل عن القرآن فليأت أبي بن كعب، ومن أراد أن يسأل عن الحلال والحرام فليأت معاذ بن جبل، ومن أراد أن يسأل عن الـمال فليأتني، فإن الله تعالى جعلني خازنا» ‌وزاد في رواية:‌ «ومن أراد أن يسأل عن الفرائض فليأت زيد بن ثابت»[١٥٩].

«روي أن عمر امر برجم حاملٍ فقال معاذ: ان يكن لك عليها سبيلٌ فلا سبيل لك على ما في بطنها فرجع عن حكمه وقال: لو لا معاذ لهلك عمر»[١٦٠].

وروي «أن عمر امر برجم امرأةٍ فقال عليٌ: أما سمعت النبي  ج يقول: أَنَّ الْقَلَمَ رُفِعَ عَنْ ثَلاَثَةٍ عَنِ الْمَجْنُونِ حَتَّى يُفِيقَ، وَعَنِ الصَّبِىِّ حَتَّى يُدْرِكَ، وَعَنِ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ؟ قال: بلى فما ذلك قال انها مجنونة بني فلان فقال: لو لا علي لهلك عمر»[١٦١].

وروي «أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ س أُتِىَ بِرَجُلٍ قَدْ قَتَلَ عَمْدًا فَأَمَرَ بِقَتْلِهِ فَعَفَا بَعْضُ الأَوْلِيَاءِ فَأَمَرَ بِقَتْلِهِ فَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: كَانَتِ النَّفْسُ لَهُمْ جَمِيعًا فَلَمَّا عَفَا هَذَا أَحْيَا النَّفْسَ فَلاَ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَأْخُذَ حَقَّهُ حَتَّى يَأْخُذَ غَيْرُهُ قَالَ فَمَا تَرَى قَالَ أَرَى أَنْ تَجْعَلَ الدِّيَةَ عَلَيْهِ فِى مَالِهِ وَتَرْفَعَ حِصَّةَ الَّذِى عَفَا فَقَالَ عُمَرُ س: وَأَنَا أَرَى ذَلِكَ»[١٦٢].

«وقال لابن مسعود في بعض القضايا: كنيفٌ مُلئ علماً[١٦٣] ورجع إلى قول معاذٍ ليس بين الأب وابنه قصاصٌ[١٦٤] وإلى قول زيد بن ثابت في قصة قتل عبادة بن الصامت نبطياً أتقتل أخاك في عوض عبدك[١٦٥]؟ فرجع إلى غير ذلك من صور لا تحصي حتى قال يوماً الا لا تغالوا في مهور النساء فقالت امرأةٌ: أنأخذ بقولك أم بقول الله تعالى وتبارك ﴿وَءَاتَيۡتُمۡ إِحۡدَىٰهُنَّ قِنطَارٗا فَلَا تَأۡخُذُواْ مِنۡهُ شَيۡ‍ًٔا [النساء: ٢٠]. فنزل عمر من الـمنبر وقال: كل الناس اعلم من عمر حتى العجائز»[١٦٦].

«ومن ذلك تركه لذة العيش مع قدرته وعرض الناس عليه ذلك مما يدل قطعاً على أن نفسه لا تنقاد للشهوات»[١٦٧].

«والزهد زهدان زهدٌ يتقدم على نور اليقين ليكون تمهيداً له ومُعيناً علي حصوله وزهدٌ يُنتجه نور اليقين بمنزلة العاشق لا يجد طعم الطعام والـمتفكر جداً لا يجد في كثير من الـمطاعم ولا ملابس لذتها ولهذه النكته بسطنا حكايات الزهد في الفصلين جميعاً‌».

الـمحب الطبري «عن عطية بن فرقد أنه دخل على عمر وهو يكدم كعكاً شامياً ويتفوّق لبناً حازراً فقلت: يا أميرالـمؤمنين لو أمرت أن يصنع لك طعامٌ الين من هذا فقال: يا ابن فرقد أترى أحداً من العرب اقدر على ذلك مني؟ فقلت: ما أجد اقدر علي ذلك منك يا أميرالـمؤمنين فقال عمر: سمعت الله عيّر اقواماً فقال: ﴿أَذۡهَبۡتُمۡ طَيِّبَٰتِكُمۡ فِي حَيَاتِكُمُ ٱلدُّنۡيَا وَٱسۡتَمۡتَعۡتُم بِهَا [الأحقاف: ٢٠]. شرح: الكدم العضّ، والنفوق الشرب شيئا فشیئا من فوقت الفصيل إذا سقيته فواقاً فواقاً والفواق قدر ما بين حلبتين، والحازر بالحاء الـمهملة اللبن الحامض».

«وعن عمر أنه كان يقول: لو شئت لدعوت بصلاء وصناب وصلائق وكراكر واسنمة وافلاذٍ كثيرةٍ من لطائف اللذات ثم قال: ولكني لا ادعو بها ولا اقصد قصدها لئلا اكون من الـمتنعمين»[١٦٨].

«شرح: الصلاء بالكسر والـمد الشواء، والصناب الخردل الـمعمول بالزيت وهو صباغٌ يؤتدم به، والصلائق الرقائق واحدتها صليقة وقيل هي الحملان الـمشوية من صلقت الشاة إذا شويتها ويروي بالسين الـمهملة وهو كل ما صلق من البقول وغيرها، والكراكر جمع كركرةٍ وهي الثفنة التي في زور البعير وهي احدي الثفنات الخمس، والافلاذ جمع فلذ وهي القطعة وكانه أراد قطعاً من انواع شتى».

«وعنه أنه كان يقول: والله ما يمنعنا أن نأمر بصغار الـمعز فتسمط لنا ونأمر بلباب الحنطة فيخبز لنا ونأمر بالزبيب فينبذ لنا فنأكل هذا ونشرب هذا الا أنا نستبقي طيباتنا لانا سمعنا الله تعالى يقول يذكر اقواماً: ﴿أَذۡهَبۡتُمۡ طَيِّبَٰتِكُمۡ فِي حَيَاتِكُمُ ٱلدُّنۡيَا وَٱسۡتَمۡتَعۡتُم بِهَا»[١٦٩].

«وعنه أنه اشتهى سمكاً طرياً فأخذ يرفا راحلته فسار ليلتين مقبلاً وليلتين مدبراً واشترى مكتلاً فجاء به وقام يرفا إلى الراحلة يغسلها من العرق فنظرها عمر فقال: أعذّبت بهيمةً من البهائم في شهوة عمر والله لا يذوق عمر ذلك»[١٧٠].

وروي «أنه كان يداوم على اكل التمر ولا يداوم على اكل اللحم ويقول: اياكم واللحم فإن له ضراوةً كضراوة الخمر اي ان له عادةً نزاعةً إليه كعادة الخمر تقول فيه ضري بالكسر به ضراً وضراوةً وضراءً إذا اعتاده»[١٧١].

«وعن حفصة قالت: دخل عليَّ عمرُ فقدمت إليه مرقةً باردةً وصببت عليها زيتا فقال: ادامان في اناء واحدٍ لا أذوقه ابداً حتى القي الله»[١٧٢].

«وعن ابن عمر قال: دخل أميرالـمؤمنين عمر ونحن على مائدة فاوسعت له عن صدر الـمجلس فقال: بسم الله الرحمن الرحيم ثم ضرب بيده في لقمة فلقمها ثم ثني بأخري ثم قال: اني لأجد طعم وسم غير وسم اللحم فقال عبدالله: يا أميرالـمؤمنين اني خرجت إلى السوق اطلب السمين لاشتريه فوجدته غاليا فاشتريت بدرهمٍ من الـمهزول وجعلت عليه بدرهمٍ سمناً فقال عمر ما اجتمعا عند رسول الله  ج الا اكل أحدهما وتصدق بالآخر فقال عبدالله يا أميرالـمؤمنين فلن يجتمعا عندي أبداً إلا فعلت ذلك»[١٧٣].

«عن قتادة قال: كان عمر يلبس وهو خليفة يلبس جبة من صوف مرقوعة بعضها بأدم ويطوف فى الأسواق على عاتقه الدرة يؤدب الناس ويمر بالنكث والنوى فيلتقطه ويلقيه فى منازل الناس لينتفعوا به»[١٧٤].

شرح: النكث الغزل الـمنفوض من الاخبية والاكسية ليغزل ثانيةً.

«وعن انس قال: لقد رأيت بين كتفي عمر أربع رقاع في قميص له»[١٧٥].

«وعن الحسن قال: خطب عمر الناس وهو خليفةٌ وعليه ازار فيه اثنتا عشرة رقعةً»[١٧٦].

«وعن عامر بن ربيعة قال: خرج عمر حاجا من الـمدينة إلى مكة إلى أن رجع فما ضرب فسطاطاً ولا خباء كان يلقي الكساء والنطع على الشجر ویستظل تحتها»[١٧٧].

«وعن عمر أنه كان يقول: والله ما نعبأ بذات العيش ولكنا نستبقي طيباتنا لآخرتنا وكان س يأكل خبز الشعير ويأتدم بالزيت ويلبس الـمرقوع ويخدم نفسه»[١٧٨].

«وعن الاحنف ابن قيس قال: أخرجنا عمر في سرية إلى العراق ففتح الله علينا العراق وبلد فارس واصبنا فيها من بياض فارس وخراسان فحملناه معنا واكتسينا منها فلما قدمنا على عمر أعرض عنا بوجهه وجعل لا يكلمن فاشتد ذلك علينا فشكونا إلى عبدالله ابن عمر فقال: أن عمر زاهدٌ في الدنيا وقد رأى عليك لباساً لم يلبسه رسول الله  ج ولا الخليفة من بعده فأتينا منزلنا فنزعنا ما كان علينا وآتيناه في البزّة التي يعهدها منا فقام فسلّم علينا على رجلٍ رجلٍ واعتنق رجلاً رجلاً حتى كانه لم يرنا فقدمنا إليه الغنايم فقسمها بيننا بالسوية فعرض بالغنائم شئٌ من انواع الخبيص من اصفر واحمر فذاقه عمر فوجده طيب الطعم طيب الريح فاقبل علينا بوجهه وقال: يا معشر الـمهاجرين والأنصار ليقتلن منكم الابن اباه والاخ أخاه على هذا الطعام ثم أمر به فحمل إلى اولاد من قُتل من الـمسلمين بين يدي رسول الله ج من الـمهاجرين والآنصار ثم آن عمر قام وانصرف ولم يأخذ لنفسه شيئاً»[١٧٩].

وروي «أن أصحاب رسول الله  ج اجتمعوا في الـمسجد زهاء خمسين رجلاً من الـمهاجرين فقالوا: أما ترون إلى زهد هذا الرجل وإلى جبته وقد فتح الله على يديه ديار كسرى وقيصر وطرفي الشرق والغرب ووفود العرب والعجم يأتونه فيرون عليه هذه الجبة قد رقعها اثنا عشرة رقعةً فلو سألتموه أصحاب محمد  ج ان يغيّر هذه الجبة بثوب لين فيهاب منظره ويغدي عليه بجفنة من الطعام ويراح بجفنة يأكله من حضره من الـمهاجرين والأنصار فقال القوم باجمعهم ليس لهذا القول إلا علي بن أبي طالب فإنه صهره فكلموه فقال: لست بفاعل ذلك ولكن عليكم بازواج النبي  ج فإنهن أمهات الـمؤمنين يجترين عليه قال الاحنف بن قيس فسألوا عائشة وحفصة وكانتا مجتمعتين فقالت عائشة اسأله عن ذلك وقالت حفصة ما أراه يفعل وسيتبين لك فدخلتا عليه فقربهما وادناهما فقالت عائشة: أتأذن لي أن اكلمك؟ قال: كلمي يا أم الـمؤمنين فقالت: ان رسول الله  ج قد مضي إلى جنة ربه ورضوانه لم يرد الدنيا ولم ترده وكذلك مضي أبوبكر علي اثره وقد فتح الله عليك كنوز كسري وقيصر وديارهما وحمل إليك أموالهما وذلل طرف الـمشرق والـمغرب ونرجوا من الله تعالى الـمزيدَ ورسل العجم يأتونك ووفود العرب يردون إليك وعليك هذه الجبة قد رقعتها اثني عشرة رقعةً فلو غيرتها بثوب الين يهاب فيه منظرك ويغدي عليك بجفنة من طعامٍ ويراح عليك باخري تأكل انت ومن حضرك من الـمهاجرين والانصار فبكى عمر عند ذلك بكاءً شديداً ثم قال: اني سألتك بالله هل تعلمين أن رسول الله  ج شبع من خبز بر عشرة أيام أو خمسة أو ثلاثة او جمع بين عشاءٍ وغداءٍ حتى الحق بالله؟ قالت: لا قال أنشدك بالله هل تعلمين أن رسول الله  ج ما قرب إليه طعامٌ على مائدة في ارتفاع شبرٍ من الأرض الا كان يأمر بالطعام فيوضع على الأرض ويأمر الـمائدة فترفع قالت: نعم اللهم ثم قال لهما: أنتما زوجتا رسول الله ج وأمهات الـمؤمنين ولكما على الـمؤمنين حقٌ وعليّ خاصة أتيتماني ولكن ترغّبانني في الدنيا واني لاعلم أن رسول الله  ج لبس جبةً من الصوف فربما حك جلده من خشونتها اتعلمان ذلك؟ قالتا: نعم قال: فهل تعلمان ان رسول الله  ج كان يرقد على عباءةٍ علي طاقٍ واحدٍ وكان له مسحٌ في بيتكِ يا عائشة يكون بالنهار بساطاً وبالليل فراشاً ينام عليه ويُري اثر الحصير في جنبه الا يا حفصة انتِ حدثتني انك ثنيت الـمسح له ليلةً فوجد لينها فرقد عليه فلم يستیقظ الا باذان بلالٍ فقال لك يا حفصة ماذا صنعت ثنيت الـمهاد حتى ذهب لي النوم إلى الصباح ما لي وللدنيا وما لي شغلتموني بلين الفراش أما تعلمين أن رسول الله  ج كان مغفوراً له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ولم يزل جائعاً ساهراً راكعاً ساجداً باكياً متضرعاً آناء الليل والنهار إلى أن قبضه الله تعالى إلى رحمته ورضوانه لا أكل عمر ولا لبس ليناً فله اسوةٌ بصاحبيه ولا جمع بين ادمين الا الـماء والزيت ولا اكل لحماً الا في كل شهر فخرجتا من عنده فاخبرتا أصحاب رسول الله  ج لم يزل كذلك حتى لحق بالله »[١٨٠].

[١٠٤]-

[١٠٥]-

[١٠٦]-

[١٠٧]-

[١٠٨]-

[١٠٩]-

[١١٠]-

[١١١]-

[١١٢]-

[١١٣]-

[١١٤]-

[١١٥]-

[١١٦]-

[١١٧]-

[١١٨]-

[١١٩]-

[١٢٠]-

[١٢١]-

[١٢٢]- ثمغ، نام باغ خرمای عمر س در مدینه که ایشان آن را وقف نموده بود.

[١٢٣]-

[١٢٤]-

[١٢٥]-

[١٢٦]-

[١٢٧]- صحیح بخاری، حدیث شماره:

[١٢٨]- صحیح بخاری، حدیث شماره: صحیح مسلم، حدیث شماره:

[١٢٩]-

[١٣٠]-

[١٣١]-

[١٣٢]-

[١٣٣]-

[١٣٤]-

[١٣٥]-

[١٣٦]-

[١٣٧]-

[١٣٨]-

[١٣٩]-

[١٤٠]-

[١٤١]-

[١٤٢]-

[١٤٣]-

[١٤٤]-

[١٤٥]-

[١٤٦]-

[١٤٧]-

[١٤٨]-

[١٤٩]-

[١٥٠]-

[١٥١]-

[١٥٢]-

[١٥٣]-

[١٥٤]-

[١٥٥]-

[١٥٦]-

[١٥٧]-

[١٥٨]-

[١٥٩]-

[١٦٠]-

[١٦١]-

[١٦٢]-

[١٦٣]-

[١٦٤]-

[١٦٥]-

[١٦٦]-

[١٦٧]-

[١٦٨]-

[١٦٩]-

[١٧٠]-

[١٧١]-

[١٧٢]-

[١٧٣]-

[١٧٤]-

[١٧٥]-

[١٧٦]-

[١٧٧]-

[١٧٨]-

[١٧٩]-

[١٨٠]-