[البرهان من القرآن]
أما الأدعية الشرعية فهي عبارة عن العبادة وهي دعاء مدعوٍّ غيبيّ [حاضر وناظر في كل زمان ومكان] وهو الله تعالى وحده فقط، وفي هذه العبادة كسائر العبادات لا يجوز التوجه إلى أحد سوى الله، ولا إشراك أحد مع الله في التوجه إليه. كما قال تعالى في سورة الكهف: ﴿وَلَا يُشۡرِكۡ بِعِبَادَةِ رَبِّهِۦٓ أَحَدَۢا﴾ [الكهف/110].
فالعبادة خاصَّة بالذات الربوبية، ولذلك وردت آيات عديدة في القرآن تقول: لا تدعو غير الله، وتعتبر دعاء غير الله شركاً؛ منها قوله تعالى في سورة الجن: ﴿قُلۡ إِنَّمَآ أَدۡعُواْ رَبِّي وَلَآ أُشۡرِكُ بِهِۦٓ أَحَدٗا ٢٠﴾ [الجن/ 20]. وقال في الآية 18 من السورة ذاتها: ﴿فَلَا تَدۡعُواْ مَعَ ٱللَّهِ أَحَدٗا﴾ [الجن/ 18].
وقال في الآيتين 13 و14 من سورة فاطر:
﴿وَٱلَّذِينَ تَدۡعُونَ مِن دُونِهِۦ مَا يَمۡلِكُونَ مِن قِطۡمِيرٍ ١٣ إِن تَدۡعُوهُمۡ لَا يَسۡمَعُواْ دُعَآءَكُمۡ وَلَوۡ سَمِعُواْ مَا ٱسۡتَجَابُواْ لَكُمۡۖ وَيَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ يَكۡفُرُونَ بِشِرۡكِكُمۡ...﴾ [فاطر/13-14].
في هذه الآية الكريم صرَّح اللهُ تعالى أن الذين يدعون غيره مشركون. ولا يمكن أن نحمل كلمة «الَّذِينَ» وضمائر الجمع المُذكَّر «تَدۡعُوهُمۡ» و«يَسۡمَعُواْ» و«ٱسۡتَجَابُواْ» و«يَكۡفُرُونَ» على الأصنام، لأن ضمير الجمع المُذكَّر خاص بالعقلاء ولا يُطلق إلا على العقلاء فقط. أضف إلى ذلك، أنه لن يكون يوم القيامة أصنامٌ حتى تعترض وتُنكر على من عبدوها قائلةً: لماذا أشركتموني مع الله؟
فهذه الآية إذن تقول: لا تدعو الصالحين والأنبياء وأئمَّة الدين العقلاء.
وقال تعالى في سورة الأحقاف:
﴿وَمَنۡ أَضَلُّ مِمَّن يَدۡعُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَن لَّا يَسۡتَجِيبُ لَهُۥٓ إِلَىٰ يَوۡمِ ٱلۡقِيَٰمَةِ وَهُمۡ عَن دُعَآئِهِمۡ غَٰفِلُونَ ٥ وَإِذَا حُشِرَ ٱلنَّاسُ كَانُواْ لَهُمۡ أَعۡدَآءٗ وَكَانُواْ بِعِبَادَتِهِمۡ كَٰفِرِينَ ٦﴾ [الأحقاف/ 6].
وقال أيضاً في سورة النحل:
﴿وَٱلَّذِينَ يَدۡعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ لَا يَخۡلُقُونَ شَيۡٔٗا وَهُمۡ يُخۡلَقُونَ ٢٠ أَمۡوَٰتٌ غَيۡرُ أَحۡيَآءٖۖ وَمَا يَشۡعُرُونَ أَيَّانَ يُبۡعَثُونَ ٢١﴾ [النحل/20-21].
أي أنه لا يجوز دعاء من لا يخلق شيئاً بل هو مخلوق كما لا علم له بالساعة أي بيوم القيامة. وآيات القرآن كلها مُتَّفقة على أن نبيَّ الإسلام ص لم يكن له علم بالساعة، فبناءً على ذلك لا يجوز دعاؤه، فما بالك بدعاء من هو أدنى منه منزلةً؟!
ويقول تعالى في سورة الإسراء:
﴿قُلِ ٱدۡعُواْ ٱلَّذِينَ زَعَمۡتُم مِّن دُونِهِۦ فَلَا يَمۡلِكُونَ كَشۡفَ ٱلضُّرِّ عَنكُمۡ وَلَا تَحۡوِيلًا ٥٦ أُوْلَٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ يَدۡعُونَ يَبۡتَغُونَ إِلَىٰ رَبِّهِمُ ٱلۡوَسِيلَةَ أَيُّهُمۡ أَقۡرَبُ وَيَرۡجُونَ رَحۡمَتَهُۥ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُۥٓۚ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحۡذُورٗا ٥٧﴾ [الإسراء/ 56 - 57].
ويُشبه هذا المعنى قوله تعالى في سورة الأعراف:
﴿إِنَّ ٱلَّذِينَ تَدۡعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ عِبَادٌ أَمۡثَالُكُمۡ﴾ [الأعراف/ 194].
لا ندري بماذا يُجيب اللهَ أولئك الذين يدعون إمامَهم أو رسولَهُم أو حفيداً من أحفاد الأئمة؟ أليست تلك الآيات من آيات القرآن؟ هل قال لهم أئمة الدين والصالحون: ادعونا وخالفوا القرآن؟ هل يُمكننا أن نردَّ القرآن بأدعية موضوعة؟ هل النبيّ والأئمة بشرٌ يسمعون بآذانهم أم أنهم لا عين لهم ولا أذن ويسمعون بلا أذن ويرون بلا عين؟ إن كان الأمر كذلك، كان خلق العين والأذن في أبدانهم لغواً. هل هم الذين قالوا للناس على أنهم بعد دفنهم سيظلون يبصرون بأعينهم ويسمعون بآذانهم؟!