أما الدليل العقلي:
1 - إن دين الإسلام ونظام الحكم فيه ليست مثل طريقة الملوك وسنّة السلاطين وأباطرة قيصر وكسرى كي يقوم الملك فيها بتعيين ولي عهده، بل لا بد أن يتم تعيين الحاكم من خلال الشورى وأن يتم انتخاب أفضل شخصية وأكثر الناس أهلية ممن يتمتع بصفة العلم والتقوى لاستلام زمام أمور المسلمين وحكمهم، وطالما كان ذلك الحاكم والزعيم يحكم الناس بما أنزل الله من أحكام والتي مصدرها الأساسي القرآن الكريم، كان من الواجب على عامة المسلمين طاعته كما يطيعون الله ورسوله، كما قال أمير المؤمنين عليٌّ÷ في كلماته التي تحدّث فيها عن خليفة زمانه فقال: «أَطَعْتُهُ فِيْمَا أَطَاعَ اللهَ»، فإذا عدل الحاكم عن طريق الحق فعلى خبراء المسلمين أن ينصحوه وينهوه ويدعوه إلى العودة إلى طريق الحق فإن عاد فبها ونِعْمَتْ، وإلا حرُمَت طاعته ووجب عصيانه.
2 - الدليل الآخر أنه لو عُيِّن حاكم المسلمين وإمامهم بعد رسول الله ص مِنْ قِبَل الله تعالى فإن هذا الأمر سيجعل المسلمين في حالة من الجبر وفقدان الاختيار بشكل مطلق، خاصَّةً أنَّ الحاكم والإمام – حسب عقائد الشيعة اليوم - عالمٌ بالغيب وقادرٌ على فعل كل ما يريده. وعندئذٍ ستزول قضية الابتلاء التي هي غاية خلق الإنسان والهدف من خلق الحياة والموت كما قال تعالى: ﴿ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلۡمَوۡتَ وَٱلۡحَيَوٰةَ لِيَبۡلُوَكُمۡ أَيُّكُمۡ أَحۡسَنُ عَمَلٗاۚ...﴾ [الملك: 2]؛ ذلك أن الإمام العالم بالغيب لا يترك مجالاً للمعصية الاختيارية للإنسان كي يتبين العاصي من المطيع، إذ إن على كل شخص أن يطيع الإمام شاء أم أبى، وإلا لقضى عليه الإمام العالم بالغيب القادر على كل شيء، ومثل هذه الطاعة والعصيان لا يُمدح صاحبها أو يُذَمّ، وهي جبرٌ مُطلقٌ.
3- الإمام الذي يتم تعيينه - حسب مذهب الشيعة - بالنص وينصبه الله في هذا المقام، يتَّبِعُ، طبقاً للأحاديث الواردة، كتاباً خاصاً به نزل إليه من السماء وأُمِرَ بالعمل به، ولما كانت أوامر ذلك الكتاب لا تتفق مع أوامر القرآن بل تختلف عنها، لأنها لو كانت مطابقة للقرآن لما احتاج الأمر إلى ذلك الكتاب الخاص، فإن هذا الأمر سيخلق وضعًا شاذًا غير سويٍ، إذْ يجب على المسلمين حسب قاعدة [المعلوم من الدين بالضرورة] أن يتبعوا القرآن، وعندئذ فإن القرآن سيأمرهم بعمل والإمام سيأمرهم بعمل آخر، ولا يمكن أبدًا حل هذه المشكلة.
4- العيب الآخر للقول بالأئمة المنصوص عليهم هو أن هذا الإمام سيكون مأموراً بأمور غير التي يؤمر بها الإمام الآخر، كما يقول الشيعة بشأن أحوال عليٍّ والحسن والحسين عليهم السلام وأفعالهم. فالمسلمون في زمن كل إمام، إضافة إلى تركهم أوامر كتاب اللهِ، سيضطرون إلى العدول عن طريقة حكم الإمام السابق ونظامه واِتِّبَاع حكمٍ أو نظامٍ مخالفٍ له، وهذا أمرٌ عجيبٌ ومشكلةٌ لا تنسجم مع أي عقل أو منطق.
إضافة إلى ذلك، فحسب قول الشيعة فإن الأئمة الاثني عشر المنصوص عليهم رحلوا جميعاً عن الدنيا بعد 260 عاماً من الهجرة النبوية، وبقي واحد منهم فقط كي يأتي في آخر الزمن ويحكم سبع سنوات، فيكون مجموع مدة حُكم الأئمة هو 267 سنة فقط! فهل الإسلام الذي ينبغي أن يبقى حلاله وحرامه وحكومته إلى يوم القيامة، عليه أن يبقى كل تلك السنوات الباقية والمدة الطويلة دون حكومة، وعلى الأمة أن تبقى تائهة حائرة دون حاكم ينفذ فيها الشريعة الإسلامية بل تبقى الشرائع معطلة[4]، كما حصل فعلاً، ومئات التوابع المَعيبة الأخرى لهذا الأمر مما لا مجال لشرحه هنا. فإن قلتَ: يجب على المسلمين في هذه المدَّة أن ينتخبوا مَنْ يدير مجتمعهم وينفِّذ الأحكام الشرعية بينهم بصورة أخرى؛ فأقول: ما هي الطريقة الأخرى؟ وما الفرق بين المسلمين قبل 260 عاماً وبعدها؟!
5- لم تكن مثل هذه الحكومة والخلافة التي يدَّعونها في أي شريعة من شرائع الله ولم يعمل بمثله أي نبي من أنبياء الله. فمثل هذا الادعاء كذب محض ولا دليل عليه.
[4] يُنْظَر: كتاب «عرض أخبار الأصول على القرآن والعقول»، ص 567- 606، دراسة باب 119 من كتاب الكافي. (البرقعي)