ردُّ قَرَوِيّ على السيد المَحَلَّاتِي

فهرس الكتاب

فهرس محتويات كتاب «بحث عميق في مسألة الخُمْس في الكتاب والسُنَّة»

فهرس محتويات كتاب «بحث عميق في مسألة الخُمْس في الكتاب والسُنَّة»

1- جاء في بداية الكتاب أن دليل حكم «الخُمْس» ومستنده في كتاب الله هو الآية 41 من سورة الأنفال التي تقول: ﴿وَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّمَا غَنِمۡتُم مِّن شَيۡءٖ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُۥ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي ٱلۡقُرۡبَىٰ وَٱلۡيَتَٰمَىٰ وَٱلۡمَسَٰكِينِ وَٱبۡنِ ٱلسَّبِيلِ [الأنفال:41]. بيد أن الآيات التي قبلها وبعدها بل صدر الآية ذاتها وذيلها[23] يتعلق بالحرب والقتال. بناء على ذلك فسياق الآيات يتعلَّق بالجهاد والقتال، أي أنها نزلت في موضوع القتال، وأهل العلم يعلمون أن تعميم موضوع حُكْم من الأحكام، وتسرية حكمه إلى موضوعات أخرى، بحاجة إلى دليل، ومثل هذه الموارد لا تشملها قاعدة «المورِد لا يُخصِّصُ الوارد»[24] إلا إذا أراد شخصٌ ما أن يخدع عامة الناس. والدليل الآخر على عدم جواز تسرية الحكم هو أن كل الآيات القرآنية التي فيها «الغنائم» و«المغانم» فإنها وردت بين آيات الجهاد والقتال. وكلُّ عاقل -ما لم يُخَرِّب شياطينُ الإنس والجنّ مُخَّهُ!- يدرك أن كلمة الغنيمة في القرآن تتعلق بغنائم دار الحرب التي تُؤخذ من الكفار، ولا تشمل أرباح مكاسب المسلمين. وكلُّ من يقول غير ذلك فقد قال ظُلماً و زُوراً وَحَمَلَ الآيةَ الكريمةَ عَلَى الرأي [المذموم].

2- لا يوجد ضمن الأحاديث التي نسبها الفريقان [أهل السنة والشيعة] صدقاً أو كذباً إلى رسول الله ص حتى حديثٌ واحدٌ ولو ضعيف السند ذَكَرَ فيه رسولُ الله ص ولو كلمةً واحدةً بشأن خُمس أرباح المكاسب، فضلاً عن أن يكون قد أخذ ص من أي مسلم ديناراً أو حبَّةً تحت هذا الاسم، والأمر ذاته ينطبق على علي بن أبي طالب ÷ في زمن خلافته.

أما قول المحلاتي في ص 45 من كُتَيِّبِهِ: ما الذي كان يملكه مجموعة من الجياع في المدينة حتى يستطيعوا أن يدفعوا الخُمْس؟ فالجواب عنه ذُكر في الصفحة (47) من مقدمة كتاب الخُمْس، وقد ذكر هذا الإشكال أحد العلماء الآخذين للخُمس وقال إن المسلمين زمن رسول الله ص كانوا في غاية الفقر واضطراب الحال، لذا لم يكن بينهم من يشمله واجب أداء الخُمْس.

والجواب الذي رد به صاحب كتاب الخُمْس على هذا الإشكال أن هذا الكلام أقرب إلى الهذيان! إذْ كان في زمن رسول الله ص كثيرون ممن يدفعون الزكاة مع أن الزكاة لا تجب إلا على أغنياء الأمة ممن يملكون النصاب الذي هو عشرون ديناراً من الذهب أو مائتا درهم من الفضَّة أو أربعين شاةً أو ثلاثين أو أربعين بقرةً سائمةً، وكان رسول الله ص يأخذ الزكاة منهم، فكيف يُقال إنه لم يكن بين المسلمين زمن النبي ص حتى شخص واحد يملك درهماً يدفع خمسه؟! من البديهي أن كلَّ حمَّال وبقَّالٍ وحطَّابٍ وكل امرأة تعمل بالغزل تملك خمسة دراهم على الأقل وَمِنْ ثَمَّ كان عليهم أن يدفعوا خمسها أي درهما منها إلى رسول الله ص وخلفائه، فلماذا لم يأخذ النبيُّ ص وخلفاؤُه مثل هذا الخُمْس من أحد؟! حقَّاً لم نر قلَّة حياء إلى هذا الحدّ!! وليت شعري! هل يمكن التحاور مع أمثال هؤلاء المعاندين اللجوجين إلى هذا الحد؟

3- جاء في كتاب الخُمْس أنه إذا كانت كلمة ﴿ذِي ٱلۡقُرۡبَىٰ تتعلق بأقرباء رسول الله ص فإن كلمات «الْيَتَامَى» وَ «المَسَاكِينِ» وَ «ابْنِ السَّبِيلِ» تشمل بعمومها جميع المسلمين، وقد أورد مؤلف كتاب الخُمْس نَظَرَ مفسري الشيعة وأحاديث الأئمَّة عليهم السلام في هذا الأمر، وإذا وُجِدت أحاديث معارضة لها فلابدَّ من ردِّها؛ لأن لدينا في جهةٍ أصل اللغة و قول المفسِّرين وأحاديث الصادقين وفي الجهة المقابلة توجد أحاديثٌ - بغض النظر عن عدم صحَّتها - مخالفةٌ للقواعد في هذا الأمر، فسيرة رسول الله ص تُبيِّن أنه لم يفعل ذلك أبداً في خمس غنائم الحرب، ولم يعْطِ منه أيَّ أحدٍ من أقربائه، فضلاً عن أن يعطي الْيَتَامَى والمساكينَ وَأبناءَ السَّبِيلِ منهم شيئاً، وحتى لو أعطى ذلك فإن ذلك يتعلَّق بخمس غنائم الكفار لا أرباح مكاسب الحمَّالين والبقَّالين من المسلمين.

4- جاء في كتاب الخُمْس أن حرمة الزكاة على أهل بيت رسول الله ص كانت خاصَّةً بزمنهص وكان ذلك أمرٌ عمل به رسول الله ص بنفسه الشريفة، أما كتاب الله وسيرة الأنبياء فليس فيها أي تحريم للزكاة على أقرباء الأنبياء -إن كانوا فقراء يستحقون الزكاة - وبعد رحيل النبيِّ ص استفاد جميع أهل بيته ص من مال الزكاة. وقد أثبتَ كتاب الخُمْس هذا الأمر بالدلائل الواضحة والبراهين المُتْقَنَة، فإما أن السيد المحلاتي لم يقرأ هذه الأدلة أو قرأها ولم يفهمها، أو فهمهما لكن وجد أن التطرق إليها ليس في صالحه!!

5- جاء في كتاب الخُمْس أن شعار الأنبياء جميعاً كان ﴿لَآ أَسۡ‍َٔلُكُمۡ عَلَيۡهِ أَجۡرًا، وَمِنْ ثَمَّ فلا مجال لاختصاص جماعةٍ من الأفراد بخُمْس الثروة الموجودة على الأرض، وقائل ذلك يوجّه تهمةً لرسول الله ص بأنه اختصَّ أقرباءه وذريته من بعده بهذا الميراث العجيب [خمس ما يوجد على الأرض من مال]، ولعمري إن هذا افتراء على دين الإسلام بأنه دينٌ يقول بالتمييز العنصري!!

لكن السيد المحلاتي يلجُّ في الخصام ويقول إن آية ﴿إِلَّا ٱلۡمَوَدَّةَ فِي ٱلۡقُرۡبَىٰ [الشورى: 23] تكفي في إيجاب الخُمْس. ويقول في ص 44 من كُتَيِّبِهِ: "[إِلَّا ٱلۡمَوَدَّةَ فِي ٱلۡقُرۡبَىٰ:] يعني أجر الرسالة".

أقول: يا للعجب! إذا كان ذلك الرسول الكريم ص لم يطلب أجراً سوى أنه طلب خمس الثروة التي على الأرض، فماذا يكون حال الناس لو طلب منهم أجراً فعلاً!! لعله كان عليهم أن يدفعوا له جميع ثرواتهم أجراً على رسالته!! هل يرضى أيُّ إنسان عديم الدين بمثل هذه التهمة لرسول الله ص التي تجعل من الرسول الكريم الذي وصفه ربه بأنه ﴿رَحۡمَةٗ لِّلۡعَٰلَمِينَ، تجعل منه زحمةً للعالمين!! بئس ما يفترون.

6- جاء في كتاب الخُمْس أن أحاديث خُمْس المعادن تتعلق بزكاة الأموال التي ينالها المسلمون بتعب أقل من الأموال التي يحصِّلونها بالعمل والجهد، لأن المعادن والغوص والمال المخلوط بالحرام كانت في الأصل جزءاً من أموال بيت المال، ويجب صرفها في مصالح المسلمين العامَّة من الفقراء والمساكين والغارمين وفي سبيل الله، وَقد ذَكَرَ صاحب كتاب الخُمْس الأدلةَ على ذلك، فلْيُراجِعْها من شاء.

7 - جاء في كتاب الخُمْس أنه على فرض صحة أحاديث إيجاب خمس مكاسب الأرباح، فإن ذلك يتعلَّق -حسب قولكم- بالإمام بشكل خاص، وقد وهب الأئمَّة عليهم السلام هذا الحق، سواء في حضورهم أم في غيبتهم، إلى شيعتهم وحللوه لهم، وذكر كتاب الخُمْس في هذا الأمر 30 حديثاً مقابل 5 أو 10 أحاديث حول إيجاب الخُمْس، وقد تجاهل السيد المحلاتي هذه الأحاديث الثلاثين لأنها ليست في صالح آخذي الخمس و آكليه!!

8- وأخيراً ذَكَر كتابُ الخُمْس فتاوى 17 نفراً من علماء الشيعة الكبار مثل ابن أبي عقيل العُمَاني (ت القرن 4 هـ)، وابن جنيد الإسكافي (ت 381هـ) والشيخ الصدوق (ت 381هـ) والشيخ الطوسي (ت 460هـ) والشيخ سلار الديلمي (ت 463هـ) والمُحَقِّق الكَرَكي (ت 940هـ) والمُحَقِّق السبزواري (ت 1090هـ) والمُقَدَّس الأردبيلي (ت 993هـ) وصاحب المعالم (ت 1011هـ)[25] وصاحب المدارك (ت 1009هـ)[26] وغيرهم، لم يروا وجوب الخُمس في زمن الغيبة.

إذن، أولئك الذين ذكر السيد المحلاتي أسماءهم في آخر هذا البحث ممن أوجبوا الخمس، بعضهم ليس أهلاً حتى أن يحمل حذاء أولئك العلماء الكبار، هذا عدا عن أن فتوى مدَّعي الخمس لا تُعَدُّ دليلاً شرعياً مُتْقنًا لأنها تتعارض مع كتاب الله وسنة رسوله ص إضافةً إلى أن في هذه الفتوى مصلحة لمن أفتى بها، والفتوى بلا دليل غير مقبولة.

ولو لم يكفنا في يوم من الأيام كتابُ الله وسنةُ رسوله ص أو وضعناهما جانباً - لا قدَّر الله- فإننا عندئذٍ نتَّبِع أولئك العلماء الأجلاء ولا نتَّبِعُ الشيخ شعبان الرشتي أو الشيخ علي القوچاني!!

والسلام عليكم وعلى من اتَّبَعَ الهُدى

ألتمس القارئَ أن يدعو لي.

قم: حيدر علي قلمداران

[23] أي قوله تعالى في آخر الآية ذاتها: ﴿وَمَآ أَنزَلۡنَا عَلَىٰ عَبۡدِنَا يَوۡمَ ٱلۡفُرۡقَانِ يَوۡمَ ٱلۡتَقَى ٱلۡجَمۡعَانِۗ... [الأنفال:41]. (المترجم) [24] و يُعَبَّر عنها أيضاً بقاعدة : «العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب». (المترجم) [25] هو الفقيه العلامة الشيخ حسن بن زين الدين (ابن الشهيد الثاني) المعروف بـ «صاحب المعالم» إشارة إلى كتابه معالم الدين في جزءين أحدهما معالم الأصول في أصول الفقه، والآخر معالم الفقه في الفروع، وله في الحديث كتاب قيم هو «منتقى الجمان في الأحاديث الصحاح والحسان». [26] هو الفقيه المحقِّق السيد محمد بن علي الموسوي العاملي (ت 1009هـ) صاحب كتاب مدارك الأحكام في شرح شرائع الإسلام، شرح فيه كتاب شرائع الإسلام للمحقق الحليّ.