السند الفاضح لخطبة الغدير
العجيب أن السيد المحلاتي، كان عنده – طبقا لادّعائه- المجلدان من كتاب عبقات الأنوار تأليف مير حامد حسين، ولكنه لم يستطع أن يأتيَ بسند خطبة الغدير، ولو أتى به فلكونه قليل البضاعة من علم الرجال لن يستفيد من ذلك السند شيئًا لأنه لو كان يعلم أي أشخاص مفتضحين كذابين وضعوا تلك الخطبة الطويلة لما تجشم عناء كتابة كُتَيِّبِهِ ذاك، ولما أهدر أمواله وأضل الناس، ولو أتى آيةُ الله مير حامد حسين وَأَلْفُ آية الله آخرون ذلك السند أيضًا واعتبروه حُجَّةً فإنهم بفعلهم هذا قد حاولوا أن يفضحوا أنفسهم، لأن كل من يَتَّشَبُّثُ برواة غلاة وعديمي الدين والأخلاق وكذّابين ووضّاعين ويروي عنهم لا تجلب على نفسه إلا الفضيحة والخسران، وخاصة إذا كانت رواية حديث أمثال أولئك الرواة سببًا لإيجاد العداوة والفرقة بين المسلمين، وتجعل منهم على ما هم عليه الآن من الاختلاف والفرقة بحيث أصبحوا - رغم بلوغ عددهم ما يفوق الـ 900 مليون نسمة- مغلوبين ومنكوبين على أيدي حفنةٍ من اليهود المجرمين مصاصي الدماء.
نعم، إن نشر مثل هذه الكتب والخطب في مثل هذه الأيام التي يحتاج فيها المسلمون أكثر من أي وقت مضى إلى الوفاق والاتحاد، وتُعَدُّ وحدتهم فيها أخطر على اليهود من آلاف صواريخ أرض-جو وأرض-أرض وسائر العتاد الحربي، وأصبح أشخاص مثل ذلك الكاتب -شعروا أم لم يشعروا- ألعوبةً بيد أعداء الإسلام. فهنيئًا لأعداء الإسلام على وجود أمثال هؤلاء الأشخاص [بين المسلمين الذين يعملون لمصالح الأعداء ولتحقيق أهدافهم]!!
إنك عند الاحتجاج على العلامة البرقعي تواجهه بكتابه [العقل والدين] وتذكر له أن آراءه في ذلك الكتاب مخالفة لآرائه في مقاله المنشور بمجلة «قوس قزح»، واعتبرتَ ذلك تناقضًا بين آرائه، ولكنك لم تعلم أن للتناقض ثمانية شروط لا ينطبق معظمها في هذا المورد. لقد كتب العلامة البرقعي كتابه «عقل و دين» في زمن تعصبه المذهبي، وهو اليوم قد استبصر ويبين الحق بكل شجاعة وصرامة، فأكثر الانتقادات التي وجهتها له في كُتَيِّبك لا محل لها.
الآن دعونا نبدأ بدراسة سند الخطبة الغديرية.
روى هذه الخطبة كلٌّ من الكُلَيْنِيّ، والصدوق، والمفيد. وأقدم كتاب نقل هذه الخطبة هو كتاب «الاحتجاج على أهل اللجاج» تأليف أحمد بن علي بن أبي طالب الطَّبْرَسِيَ - الذي عاش في أواخر القرن الخامس وأوائل القرن السادس -، ثم نقل الآخرون تلك الخطبة عنه[10].
أورد صاحب الاحتجاج تلك الخطبة تحت عنوان: «اِحْتِجَاجُ النَّبِيِّص يَومَ الْغَدِيْرِ عَلَى الْخَلْقِ كُلِّهِمْ، وَفِيْ غَيْرِهِ مِنَ الْأَيَّامِ بِولاَيِةِ أَميرِ الْـمُؤْمِنِينَ عَلِيِّ بْنِ أَبِيْ طَالِبٍ÷ وَمَنْ بَعْدَهُ مِنْ وُلْدِهِ الْـمَعْصُوْمِينَ».
ثم بدأ بذكر الخطبة بالسند التالي:
«حَدَّثَنِيْ السَّیِّدُ الْعَالِمُ الْعَابِدُ أَبُوجَعْفَرٍ مَهْدِيّ بْنُ أَبِيْ حَرْبٍ الْحُسَيْنِيّ الْمَرْعَشِيّ.... قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى الْهَمَدَانِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ خَالِدٍ الْطَيَالِسِيّ قَالَ: حَدَّثَنَا سَيْفُ بْنُ عُمَيْرَةَ وَصَالِحُ بْنُ عُقْبَةَ جَمِيْعًا عَنْ قَيْسِ بْنِ سَمْعَانٍ عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْحَضْرَمِيّ[11] عَنْ أبِيْ جَعْفَر مُحَمَّدٍ بْنِ عَلِيّ»[12].
بعد ذلك ذكر قصة حج رسول الله ص الذي أُمِر فيه بتبليغ قومه أحكام الحج والولاية وفيه أورد الخطبة التي انتقدها العلامة البرقعي ودافع عنها السيد المحلاتي.
سنصرف النظر هنا عن الرواة الأوائل لتلك الخطبة الذين هم من العلماء المحدِّثين - رغم أن بعضهم قد ورد جرحهم في كتب الرجال - وسنقتصر على بيان حال محمد بن موسى الهمداني الذي بين حاله جميع علماء الرجال، كما يلي:
1- في "تنقيح المقال" للممقاني (ج3/ص194)، والظاهر أن السيد المحلاتي مطلع على هذا الكتاب، فإن الممقاني ضمن بيانه لحال الرجل قال عنه: "إنه وضع كتابا باسم زيد النرسي وضع فيه أحاديث كثيرة!".
2- قال مير مصطفى التفرشي في كتابه "نقد الرجال" (ص336): "محمد بن موسى الهمداني ضعَّفه القُمِّيُّون بالغلوِّ وكان ابن الوليد يقول: إنه كان يضع الحديث... ضعيف يروي عن الضعفاء".
3- في قاموس الرجال للعلامة التستري (ج 8/ ص 409)، بعد أن ترجم له فقال: "فضعفه اتفاقي، قال به ابن الوليد وابن بابويه وابن نوح وفهرست الطوسي والنجاشي وابن الغضائري".
4- وأورده ابن داود الحلي في "رجاله" (ص512) في القسم الثاني المخصص للمجروحين والمجهولين وذمه بوضع الحديث والغلو.
5- مجمع الرجال والرواة للقهپائي[13] (ج6/ص57): "محمد بن موسى بن عيسى السمَّان أبوجعفر الهمداني: ضعيفٌ يروي عن الضعفاء".
6- رجال النجاشي في (ص 260): "محمد بن موسى بن عيسى أبو جعفر الهمداني: ضعَّفه القميُّون بالغلوِّ وكان ابن الوليد يقول: إنه كان يَضَعُ الحديث".
7- جامع الرواة للأردبيلي (ج2/ ص 205): "محمد بن موسى بن عيسى أبو جعفر السمَّان الهمداني: ضعيفٌ يروي عن الضعفاء ".
والحاصل أن هذا الراوي في رأي كافة علماء الرجال رجل ضعيف وغالٍ وحذّاق ماهر في وضع الحديث، فهل يمكن الاعتماد على حديث مثل هذا الراوي أو على الخطبة التي وضعها؟! بالطبع لا، وليس هذا فحسب بل من الحيف أن يصرف الإنسان وقتًا من عمره في رد حديث مثل هذا الشخص.
في رأينا كان على العلامة البرقعي أن يبدأ بنقد سند هذه الخطبة وأن يعرِّف بمن وضعها لأنه عندئذ سيكون في غنى عن تجشُّم عناء الردّ على كل فقرات الخطبة فقرة فقرة حتى لا يدع مجالاً للأشخاص ذوي الاطلاع الضعيف ومن يسترزقون من أموال الناس باسم الدين ويستشعرون الخطر على باب رزقهم أن يتفوهوا بالترهات ويعمدوا إلى الافتراء والتهمة والشتيمة.
8- وأورده الشيخ طه نجف أيضاً في "إتقان المقال" (ص 361) في قسم الضعفاء والغلاة.
وعلى كل حال، فقد روى محمد بن موسى الهمداني حديثه عن محمد بن خالد الطيالسي وهو عن سيف بن عميرة وصالح بن عقبة.
[10] ومن جملة هؤلاء الذين نقلوا هذه الخطبة هو العالم المعجب بالخرافات الذي عاش في القرن السادس الهجري، السيد «ابن طاووس» الذي ذكر هذه الخطبة في كتابيه «اليقين» و «التحصين». ففي الكتاب الأول تضمن سند الخطبة عيوبَ سند خطبة الغدير في كتاب الاحتجاج ذاتها، وفي الكتاب الثاني نجد في سند الخطبة راويًا ساقط الاعتبار هو أبو المفضَّل محمد بن عبد الله الشيباني الذي تمّ بيان حاله في الكتاب القيّم: «معرفة الحديث» للأستاذ محمد باقر البهبودي (ص209، رقم 121). (البرقعي). [11] علقمة هذا مجهول الحال أيضاً. (البرقعي). [12] أبو منصور أحمد بن علي الطبرسي (ت القرن 6 هـ)، الاحتجاج، ج1 /ص 133 - 162. (المترجم) [13] هو زكي الدين المولى عناية الله علي القهپائي (ت 1016 هـ.)، من رجاليي الشيعة الإمامية، جمع في كتابه المذكور ما ذَكَرَتْهُ الأصول الرجالية الشيعية القديمة الخمسة أي: رجال النجاشي ورجال الكِشِّي ورجال الطوسي وفهرسته ورجال ابن الغضائري. (المترجم)