دم المتعة والقران هو دم نسك وليس بدم جبران
قال الله سبحانه: ﴿فَمَن تَمَتَّعَ بِٱلۡعُمۡرَةِ إِلَى ٱلۡحَجِّ فَمَا ٱسۡتَيۡسَرَ مِنَ ٱلۡهَدۡيِۚ فَمَن لَّمۡ يَجِدۡ فَصِيَامُ ثَلَٰثَةِ أَيَّامٖ فِي ٱلۡحَجِّ وَسَبۡعَةٍ إِذَا رَجَعۡتُمۡۗ تِلۡكَ عَشَرَةٞ كَامِلَةٞۗ ذَٰلِكَ لِمَن لَّمۡ يَكُنۡ أَهۡلُهُۥ حَاضِرِي ٱلۡمَسۡجِدِ ٱلۡحَرَامِ﴾ [البقرة: 196] فأوجب سبحانه ذبح الهدي على المتمتع من أجل ترفهه باستعمال المباحات من الطيب والنساء، ولبس الثياب فيما بين الحج والعمرة. كما أوجب الدم على القارن من أجل أنه قرن بين الحج والعمرة بعمل واحد، واكتفى عنهما بطواف واحد، لدخول الحج في العمرة إلى يوم القيامة. فوجب عليه من أجله ذبح نسك، وهو ما يجزئ في الأضحية.
وهذا الدم هو دم نسك وليس بدم جبران، لا يجوز ذبحه إلا في يوم العيد أو أيام التشريق، كالأضحية، ويسمى أضحية.
والنبي ﷺ خطب الناس يوم العيد، فقال في خطبته: «أَيُّ يَوْمٍ هَذَا؟ أَلَيْسَ هُوَ يَوْمُ النَّحْرِ؟ قَالُوْا: بَلَى»[29]. ويسمى يوم النحر؛ لأن جميع المسلمين ينحرون فيه. فالحجاج ينحرون نسكهم، وأهل البلدان والأمصار ينحرون فيه أضاحيهم.
وذهب الإمام الشافعي: إلى أن دم المتعة والقران دم جبران، وبنى عليه القول بجواز ذبحه في اليوم السابع أو الثامن، أي قبل العيد. وخالفه كافة العلماء في ذلك. وحققوا بأنه دم نسك، وأنه لا يجوز ذبحه إلا في يوم العيد وأيام التشريق. والنبي ﷺ لما أمر أصحابه بأن يحلوا من إحرامهم، ويجعلوا سعيهم عن العمرة؛ أنه أبدى الأسف في سوقه الهدي معه؛ والذي امتنع بسببه عن أن يحل من إحرامه. فقال ﷺ: «لَوِ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ مَا سُقْتُ الْهَدْيَ، وَلَجَعَلْتُهَا عُمْرَةً، فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ لَيْسَ مَعَهُ هَدْيٌ فَلْيَحِلَّ، وَلْيَجْعَلْهَا عُمْرَةً». فقال سراقة بن مالك بن جعشم رضي الله عنه: يا رسول الله، ألعامنا هذا أم للأبد؟ فقال ﷺ: «بَلْ لِأَبَدِ الْأَبَدِ دَخَلَتِ الْعُمْرَةُ فِي الْحَجِّ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ»[30].
فالرسول ﷺ قد تمنى التحلل من إحرامه بعد سعيه، كما فعل أصحابه، لكنه مأمور بأن لا يحل منه حتى ينحر هديه الذي ساقه معه. يقول الله تعالى: ﴿وَلَا تَحۡلِقُواْ رُءُوسَكُمۡ حَتَّىٰ يَبۡلُغَ ٱلۡهَدۡيُ مَحِلَّهُۚ﴾ [البقرة: 196]. فمحله الزماني هو يوم العيد وأيام التشريق، كما أن محله المكاني هو منى، وفجاج مكة كلها منحر. فمن نحر دم التمتع قبل العيد؛ فهو كمن ذبح أضحيته قبل العيد. والنبي ﷺ خطب الناس، فقال: «إِنَّا نُرِيْدُ أَنْ نُصَلِّيَ ثُمَّ نَنْحَرَ، مَنْ فَعَلَ هَذَا قَدْ أَصَابَ سُنَّتَنَا، وَمَنْ فَعَلَ غَيْرَ ذَلِكَ؛ فَإِنَّمَا هِيَ شَاةُ لَحْمٍ قَدَّمَهَا لِأَهْلِهِ»[31].
فمن ذبح دم نسكه في اليوم السابع أو الثامن أو التاسع، فإنما هو دم لحم وليس من النسك في شيء.
ويسقط دم المتعة والقران بإحداثه سفرًا مسافة قصر فيما بين الحج والعُمرة، كأن يسافر إلى المدينة أو الطائف أو جدة، فيسقط عنه دم المتعة والقران في ظاهر مذهب الحنابلة. قال ناظم المفردات:
مسافة القصـر لذي الأسفار
ما بينما الحج والاعتمار
به دم المتعة والقران
سقوطه فواضح البرهان
وقد استغل هذا القول المطوفون، وأخذوا يشغلون به أذهان الناس ليتعجلوا به أكل اللحم، وانخدع لقولهم أكثر الغرباء الذين يجهلون أحكام الشرع.
وبعض العلماء غير المحققين عندما يرى عظمة مصرع الحيوان بمنى، وكونه يركم بعضه بعضًا، ولا يأكلها الناس، رأى أن يتوسط بالقول في إباحة ذبحه في اليوم السابع أو الثامن، كأنه بذلك يريد التخفيف من الذبح بمنى، وهذا من باب الاستشفاء عن الداء بالداء. إذ لو سُمح للناس بأن يذبحوا نسكهم في اليوم السابع أو الثامن فإن البيوت والشوارع والأزقة تكون منتنة مجيفة من إلقاء الجيف فيها، والفرث والدم في وقت هي مغلقة بكثرة الحجاج، بحيث لا يتمكن عمال البلدية من دخولها لتنظيفها، فينجم عن ذلك سوء النتائج، من تعفن الهواء الذي قد ينجم عنه الوباء، والوقاية خير من العلاج.
إذا استشفيت من داء بداء
فأكثر ما أعلك ما شفاك
[29] متفق عليه من حديث أبي بكرة رضي الله عنه. [30] أخرجه مسلم من حديث جابر رضي الله عنه. [31] متفق عليه من حديث البراء بن عازب رضي الله عنه.