من هدي رسول الله أنه كان يقصر الصلاة بمنى ولا يجمع
ولم يُحفظ عن رسول الله ﷺ منذ دخل مكة إلى أن خرج منها أنه جمع بين الصلاتين، إلا في عرفة، جمع بين الظهر والعصر جمع تقديم؛ لاتصال الوقوف، وفي مزدلفة جمع بين المغرب والعشاء جمع تأخير، وما عدا ذلك، فإنه يقصر الصلاة ولا يجمع، قال ابن مسعود: من حدثكم أن رسول الله ﷺ كان يجمع في منى فقد كذب عليه. ولعل السبب في تأخيره رمي الجمار إلى الزوال؛ أنه يريد أن يخرج بالناس مخرجًا واحدًا للرمي وللصلاة في مسجد الخَيْف، ليكون أسمح وأيسر لهم.
ولم يثبت عن رسول الله ﷺ أنه قال: لا ترموا الجمرة حتى تزول الشمس. حتى يكون فيه حجة لمن حدده. وأما قوله: «خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ»[58]. فإن مناسكه تشمل: الأركان، والواجبات، والمستحبات. وأما تحديد الفقهاء للرمي أيام التشريق بما بين الزوال إلى الغروب فإنه تحديد خال من الدليل، وقد أوقع الناس في الحرج والضيق، لكون الجمع كثير وزمن الرمي قصير وحوض المرمى صغير، وصار الناس يطأ بعضهم بعضًا عنده، والنبي ﷺ قد بيّن للناس ما يحتاجون إليه. فما سئل عن شيء من التقديم والتأخير فيما يفعلونه في يوم العيد وأيام التشريق إلا قال: «افْعَلْ، وَلاَ حَرَجَ»، فنفى وقوع الحرج عن كل شيء من التقديم والتأخير، فلو كان يوجد في أيام التشريق وقت نهي غير قابل للرمي؛ لبينه النبي ﷺ للناس بنص جلي قطعي الرواية والدلالة، إذ لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة إليه. والحالة الآن، وفي هذا الزمان، هي حالة حرج ومشقة وضرورة، توجب على العلماء إعادة النظر فيما يزيل عن أُمتهم هذا الضرر، ويؤمِّن الناس من مخاوف الوقوع في هذا الخطر الحاصل من شدة الزحام والسقوط تحت الأقدام، حتى صاروا يحصون وفيات الزحام كل عام، إذ هو من باب تكليف ما لا يستطاع، ولا يلزم بتركه مع العجز عنه دم، وصار الحكم بلزومه مستلزمًا لسقوطه للعجز عنه، والله سبحانه لا يكلف نفسًا إلا وسعها.
إذا شئت أن تُعصَى وإن كنت قادرًا
فمُرْ بالذي لا يُستطاع من الأمر
[58] أخرجه البيهقي في الكبرى من حديث جابر.