جواز رمي الجمار أيام التشريق قبل الزوال
ثم ركب رسول الله ﷺ راحلته، فجعلوا يسألونه، فما سئل عن شيء قدم ولا أخر إلا قال: «افْعَلْ، وَلاَ حَرَجَ». فرفع الحرج عن الناس في جميع ما قدموه أو أخروه من بقية مناسك الحج، حتى سأله رجل قال: رميت بعدما أمسيتُ. فقال: «افْعَلْ، وَلاَ حَرَجَ». وهذا الحديث في الصحيحين عن ابن عباس، وهو نص صريح في جواز تقديم رمي الجمار قبل الزوال، أو تأخيرها عن هذا الوقت، فيجوز رميها في أية ساعة شاء، من ليل أو نهار، أشبه النحر والحلق، وأشبه طواف الإفاضة الذي هو ركن الحج، فقد طاف رسول الله ﷺ وأصحابه في يوم العيد ضحى بعد ما أكلوا من لحم هديهم، وشربوا من مرقه.
ثم قال العلماء بجواز التوسعة في فعله، وأنه يطوف في أية ساعة شاء، من ليل أو نهار من يوم العيد، أو سائر أيام التشريق.
فلا أدري ما الذي جعلهم يتشددون في عدم جواز رمي الجمار قبل الزوال في أيام التشريق، وهو عمل يقع بعد التحلل الأول، وفيه حديث: «إِذَا رَمَيْتُمْ وَحَلَقْتُمْ، فَقَدْ حَلَّ لَكُمُ الطِّيبُ وَكُلُّ شَيْءٍ إِلَّا النِّسَاءَ» رواه الإمام أحمد، وأبو داود من حديث عائشة. وإذا طاف طواف الإفاضة فقد تحلل التحلل الثاني، بحيث يباح له كل ما يفعله من سائر المباحات، من الطيب والجماع وغير ذلك، ولو مات لحكم بتمام حجه. قاله في الإقناع. وقال أيضًا: إنه لو أخر رمي الجمار كلها حتى جمرة العقبة يوم العيد، ثم رماها كلها في اليوم الثالث أجزأه ذلك أداءً لاعتبار أن أيام منى كالوقت الواحد، وهذا ظاهر مذهب الحنابلة والشافعية، لكونه قد وقع التسهيل والتيسير من النبي ﷺ في بقية واجبات الحج التي تفعل يوم العيد وأيام التشريق، حيث إنه لم يسأل عن شيء من التقديم والتأخير إلا قال: «افْعَلْ، وَلاَ حَرَجَ» وقد أحسن من انتهى إلى ما سمع.
من ذلك أن العباس استأذن النبي ﷺ أن يبيت بمكة ليالي منى من أجل سقاية الحاج، فأذن له في ذلك، ولم يأمره باستنابة من يرمي بدله، كما أنه رخص لرعاة الإبل في البيتوتة بعيدًا عن منى، يرمون يوم النحر، ثم يرمون الغد، وبعد الغد، ليوم النفر، وقِسْ عليه كل من يخاف على نفسه وماله. والله أعلم.