عقيدة أبي الفضل البرقعي في رسالة إلى السيد الخميني[289]
معالي السيد الإمام الخميني وفقه الله لمرضاته ولما فيه صلاح الأمور
بعد السلام.. هذه رسالة تتضمن حقائق العقيدة الصحيحة، وأنا أحملكم وجوب نشرها، وأعلم بأنّ إهمالها يجرّ عليكم الخزي أمام الله تعالى يوم القيامة:
عقيدتي: هي الإيمان بالتوحيد، والإيمان بالمعاد، والإيمان بالنبوة، وفي شأن الإمامة أنا متبع طريق أمير المؤمنين ÷ ومن شيعته الصادقين الأبرار المتبعين له حقاً، والتي بيّنها الإمام في الصحيفة العلوية بقوله: «أشهد أن الإسلام ديني، وأن محمداً نبيي، وأن القرآن إمامي[290]»، فينبغي أن تدين شيعةُ عليٍ بأن القرآن هو الإمام، وقد قال علي ÷ -في ذم من أعرض ولم يتخذ القرآن إماماً-: «فَاجْتَمَعَ الْقَوْمُ عَلَى الْفُرْقَةِ وافْتَرَقُوا عَلَى الْجَمَاعَةِ كَأَنَّهُمْ أَئِمَّةُ الْكِتَابِ ولَيْسَ الْكِتَابُ إِمَامَهُمْ»، ففي الخطبة يبين الإمام أن أهل القرآن والقرآن سيكونان منبوذين وأن أهلهما سيلاحقون ويسجنون مثلي.
وقال أيضاً في نفس الخطبة: «فَالْكِتَابُ يَوْمَئِذٍ وأَهْلُهُ طَرِيدَانِ مَنْفِيَّانِ، وصَاحِبَانِ مُصْطَحِبَانِ فِي طَرِيقٍ وَاحِدٍ، لا يُؤْوِيهِمَا مُؤْوٍ، فَالْكِتَابُ وأَهْلُهُ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ فِي النَّاسِ ولَيْسَا فِيهِمْ ومَعَهُمْ ولَيْسَا مَعَهُمْ لأَنَّ الضَّلالَةَ لا تُوَافِقُ الْهُدَى وإِنِ اجْتَمَعَا»[291].
في عصرنا لا يعلم أكثر العلماء والفضلاء أصول الدين التي قررها القرآن، فيقولون: أصول الدين خمسة، ولو سألتهم عن دليل ذلك من كتاب الله وسنة رسول الله، وهل قال الله ورسوله أصول الدين خمسة؟ فإنك لن تجد لديهم جواباً، وللأسف مع كل هذا الجهل هم يدّعون الاجتهاد، ولا يقرؤون ما نكتبه من الحق كبراً وحسداً، وأشد من هذا أنهم يكفرونني بلا برهان!
وأنا أقول بكل صراحة: بأنني أدين الله بتولي أئمة أهل البيت ÷لا بطريقة الخرافيين، بل أعتقد بأن الأئمة من أهل البيت كانوا مع جدهم رسول الله ص أتباعاً للقرآن، ولهذا يخاطب الله رسوله ص بقوله: ﴿ٱتَّبِعۡ مَآ أُوحِيَ إِلَيۡكَ مِن رَّبِّكَۖ﴾ [الأنعام: 106] و﴿۞يَٰٓأَيُّهَا ٱلرَّسُولُ بَلِّغۡ مَآ أُنزِلَ إِلَيۡكَ مِن رَّبِّكَۖ﴾ [المائدة: 67]، والإمام والمأموم كلهم مخاطبون بقوله تعالى: ﴿ٱتَّبِعُواْ مَآ أُنزِلَ إِلَيۡكُم مِّن رَّبِّكُمۡ﴾ [الأعراف: 3]، أما أولئك الخرافيون فيعتقدون بأن الإمام مساوٍ للقرآن أو أعلى منه، مع أن الإمام والمأموم تابعان للقرآن، والإمام ليس أصلاً للدين إطلاقاً، وقد ألفوا لكل إمام سنة، مع أن الأئمة كانوا أتباعاً لسنة رسول الله ص وكلامهم ليس حجة على من بعدهم.
وقد كرر أمير المؤمنين ÷ في خطبه بأنه تابع لسنة الرسول ص وقال مراراً: «ليست لي سنة»، قال في إحدى خطبه: «السُّنَّةُ مَا سَنَّ رَسُولُ اللهِ وَالْبِدْعَةُ مَا أُحْدِثَ مِنْ بَعْدِهِ»[292].
ولكم أن تطالعوا كتاب بحار الأنوار من المجلد (50) إلى المجلد (52) لتروا بأنفسكم السنة التي اختلقوها لإمام الزمان، وهي مليئة بالروايات المخالفة للعقل والقرآن وسنة رسولاللهص.
وبتوفيق الله ألفت كتاباً سميته: (دراسة علمية لأخبار المهدي) وكتاباً آخر بعنوان: (عرض أخبار الأصول على القرآن والعقول) وبدلاً من أن يقرؤوه ويهتدوا للصواب، ويقدموا الشكر على ذلك، قاموا بسجني وتكفيري، وأنا لم أؤلفه لرضاهم، بل طلباً لرضا الله ودَفْعاً للبدع التي قال ص عنها: «إِذَا ظَهَرَتِ الْبِدَعُ فِي أُمَّتِي فَعَلَى الْعَالِمِ أَنْ يُظْهِرَ عِلْمَه وَ إِلَّا فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللهِ»، وأنا لم أرد إلا خدمة الناس وإصلاحهم، ولعلي أن أكون أديت المسؤولية تجاه ديني، وأنا مستعد أن أموت في هذا السجن لكي أرضي ربي.
وأما أنتم فيجب عليكم أن تنشروا هذه الرسالة، وأن توجهوا طلاب العلم ليقرؤوها؛ ليبتعدوا عن الغلو في الأئمة؛ لأن الإمام الصادق ÷ قال: «الغلاة شر من اليهود والنصارى والمشركين»، وأئمة أهل البيت ليسوا بيننا، والأخبار التي نقلت عنهم مملوءة بالغلو والخرافات التي لا توافق كتاب الله وسنة الرسول.
وقد علّمَنا الأئمة القاعدة بقولهم: اعرضوا أخبارنا على القرآن، فإن لم توافق القرآن فاتركوها واضربوا بها عرض الحائط[293]. والذي أراه أن الحوزة العلمية لا يوجد بها إلا مدح الأئمة والغلو فيهم، ولا شأن لها غير هذا.
والحاصل أن الولاية صارت متجراً لأهل الغلو، وكنت قد كتبت كتاباً (عرض أخبار الأصول على القرآن والعقول)[294] لهدايتهم. وسبب اختياري لهذا الموضوع قول المجلسي في كتاب مرآة العقول: (كتاب الكافي أحسن كتب الشيعة) مع أن تسعة آلاف رواية فيه هي إما مجهولة أو ضعيفة أو مرسلة، وبهذا نعلم حال باقي كتب الشيعة، ولذا أقول: لم يبق بيننا إمام إلا الإمام الذي أمرنا الله بالرجوع له وهو القرآن.
وقبل فترة أخذوني للتحقيق؛ فسألني القاضي -في سجن (إيفين)- هل تقبلون الأئمة وتتولونهم؟
قلت: نعم، ولكن ينبغي أن يكون الإمام موجوداً في كل زمان، وليس لدينا إمام حاضر بيننا إلا القرآن. ولکن القاضي لم يفهم، وكان يريد أن أوافق بقية العلماء، ومن الصعب أن يفهم أن الغرور والتكبر يمنعان السادة العلماء من قراءة كتاب رجل فقیر مثلي، والله تعالى قد أخبرنا عن سبب اختلاف هؤلاء في سورة آل عمران (19) قال تعالى: ﴿إِنَّ ٱلدِّينَ عِندَ ٱللَّهِ ٱلۡإِسۡلَٰمُۗ وَمَا ٱخۡتَلَفَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ إِلَّا مِنۢ بَعۡدِ مَا جَآءَهُمُ ٱلۡعِلۡمُ بَغۡيَۢا بَيۡنَهُمۡۗ وَمَن يَكۡفُرۡ بَِٔايَٰتِ ٱللَّهِ فَإِنَّ ٱللَّهَ سَرِيعُ ٱلۡحِسَابِ ١٩﴾ [آل عمران:19]، وسورة الجاثية (17) قال تعالى: ﴿وَءَاتَيۡنَٰهُم بَيِّنَٰتٖ مِّنَ ٱلۡأَمۡرِۖ فَمَا ٱخۡتَلَفُوٓاْ إِلَّا مِنۢ بَعۡدِ مَا جَآءَهُمُ ٱلۡعِلۡمُ بَغۡيَۢا بَيۡنَهُمۡۚ إِنَّ رَبَّكَ يَقۡضِي بَيۡنَهُمۡ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخۡتَلِفُونَ ١٧﴾ [الجاثية: 17]، قال تعالى: ﴿بَغۡيَۢا بَيۡنَهُمۡۚ﴾[الجاثية: 17] ولم يقل: إنصافاً. وقال تعالى: ﴿ وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ﴾ [سبأ: 13] فهؤلاء العلماء هم السبب في وجود التفرق والطائفية.
ختاماً أقول:
معالي الإمام، إن قُضاتكم لا ينفذون أحكام الإسلام، بل يحكمون في جمهوريتكم بأحكام تخالف القرآن وسنة رسول الله ص وأنتم لا تعلمون، لكن مسؤوليتكم يوم القيامة أكبر من غيركم جميعاً، فاتقوا ربكم، واعلموا أن رئاسة الدنيا لمدة يومين لا تستحق أن يوقع الإنسان نفسه لأجلها في العذاب الأليم، فلا توقعوا أنفسكم في التهلكة.. وتذكروا كم مات من السلاطين الجبارين:
لا تظلمن إذا كنت مقتدراً فالظلم آخره يفضي إلى الندم
تنام عينك والمظلوم منتبه يدعو عليك وعين الله لم تنم
إذا قُدّر للمظلوم أن يكون تحت قدميك فخف من شكواه إلى الله.
يموت الظالم وتبقى عليه لعنة الله.
وقديماً قيل: تبقى الدولة مع الکفر، ولا تبقى مع الظلم.
أخيراً: المصائب كثيرة، لكن كيف يستطيع أن یبينها رجل مريض مسجون؟!
والسلام على من اتبع الهدى، وخاف عواقب الردى.
17 صفر 1409هـ ق/ 1988م
العبد الضعيف السيد أبو الفضل البرقعي
***
[289] انظر الوثيقة في الملحق رقم 23 [290] كنت نقلت كلام علي (ع) من حافظتي؛ لكن أصل كلامه في الصحيفة العلوية هكذا: "اللهم إني أشهدك وكفى بك شهيداً أني أشهد أنك أنت ربي، وأن رسولك محمداً صلى الله عليه وآله وسلم نبيي، وأن الدين الذي شرعته ديني، وأن الكتاب الذي أُنزل إليه إمامي".(برقعي). [291] نهج البلاغة، الخطبة: 145. [292] بحار الأنوار ، ج 78، ص 48. [293] ورد عن جعفر الصادق أنه قال: (كل شيء مردود إلى الكتاب والسنة، وكل حديث لا يوافق كتاب الله فهو زخرف)، وقوله أيضاً: (إن على كل حق حقيقة؛ فما وافق كتاب الله فخذوه، وما خالف كتاب الله فدعوه، وكل حديث لا يوافق كتاب الله فهو زخرف). للمزيد انظر: الكافي للكليني ج 1 كتاب فضل العلم ـ باب ـ الأخذ بالسنة وشواهد الكتاب، ص 55. [294] وهو كتاب كسر الصنم.