من ذكرياتي مع شريعتمداري
ومن جملة الذكريات التي أنقلها للقارئ الكريم- وهي لا تخلو من فائدة-:
كنت ضيفاً في يوم من الأيام في منزل السيد شريعتمداري مع بعض الفضلاء، فتكلمت عن أصول الدين وسألت السيد آية الله شريعتمداري: كم عدد أصول الدين؟ قال: خمسة. فقلت: هل عندنا آية أو حديث ينصّ على أنها خمسة؟ قال: لا. فقلت: بأيّ دليل نستدل على أنها خمسة؟ ولماذا لم تكن ثلاثة أو أربعة أو ستة؟
ففكّر قليلاً ثم قال: الحقيقة أنه ليس لدينا آية أو حديث يدل على أن الأصول خمسة، لكن قد توصل علماؤنا بعد التحقيق وبالأدلة العقلية والبراهين العلمية إلى هذه النتيجة.
عندها ضحكت من جوابه، فتعجَّب وسأل: لِمَ تضحك أيها السيد البرقعي؟
فقلت: لأني أفهم منكم أن الله تبارك وتعالى بعث رسولاً، وأنزل كتاباً، وقال للناس: آمنوا، وأمر رسوله أن يُجاهد الناس حتى يُؤمنوا، ولكنه لم يُبيّن في كتابه بكم يُؤمن الناس من الأصول، بل قال: اصبروا مئات السنين وسيُخبركم علماء الحوزات بالأدلة العقلية والبراهين العلمية بكم أصل تُؤمنوا!! ألا يُضحك مثل هذا المذهب؟! في حينها ضحك السيد شريعتمداري.
وليعلم القارئ المحترم أني قد سألت كثيراً من العلماء عن أصول الدين وعن تعدادها، وقد توقَّف كلهم ومنهم السيد شريعتمداري عن الجواب الشافي الذي يستند إلى آيات القرآن الكريم؛ لأنهم كانوا يعلمون جيداً أنهم إذا رجعوا إلى القرآن الكريم في هذا الأمر فسيُشكل الأمر عليهم جداً؛ لأنهم وإن وجدوا كثيراً من الآيات التي تأمر ببعض الأصول مثل التوحيد والمعاد والنبوة، ولكن لن يجدوا أي آية تدل على غيرها من الأصول، ولهذا لن يذهبوا إلى القرآن لأنهم سيُواجهون المشاكل، فلأجل هذا لا يستدلون بالقرآن في هذا الموضع أصلاً حتى لا یواجهوا المشاكل المترتبة علیها، نعم، يذكرون آيات تدل على أصل التوحيد والمعاد والنبوة، ولكنهم إذا ذكروا أصل العدل واستدلوا عليه بالآيات التي تنفي الظلم عن الله كدليل على هذا الأصل فسيواجَهون بسؤال وهو: ألا يوجد آيات كثيرة تنفي الجهل والغفلة والضعف وأمور أخرى عن رب العالمين؟! فلماذا لم يجعلوا العلم والإحاطة والقدرة وغيرها مما نفاه القرآن عن الله من أصول الدين؟!
وهنا سيضطرون إلى القول بأن سبب ذلك أننا لم نتوافق مع الأشاعرة في أصل العدل، فذكرنا العدل في الأصول للتميز عنهم، وللأسف ما هي نتيجة التمايز المذكور إلا المنازعات والمناظرات الطويلة.
وأنا أقول: الحقيقة أن الأمر لا ارتباط له بصدر الإسلام والمسلمين إطلاقاً، فلم يكن هذا الأصل قبل أن يحدث الخلاف الكلامي بين المسلمين، علماً بأن أصول الدين يجب أن تكون مُحدَّدة منذ الصدر الأول حتى يومنا هذا من خلال بيان الشرع لها، لا أن تکون أصول الدين في القرون المتأخرة غیر أصول الدین في القرن الأول.
إضافة إلى ما سبق: فإن كثيراً من الآيات تعدّ الإيمان بالكتب السماوية والملائكة من الأمور اللازمة، ومع ذلك لا يذكرونها في أصول الدين.
والمهم: أن الأمر سيكون أصعب في موضوع أصل الإمامة؛ لأن القرآن لا يتضمن أي إشارة واضحة لها، وهو أمر يجب أن يُجيبوا عنه: لماذا لا توجد لدينا آية واضحة في الإمامة كما هو الأمر في الأصول الأخرى؟ لاسيما وهم يعدّونها أهم الأصول، وأنه لا يتم الدين إلا بها، فعلى الأقل: لماذا لا توجد آية واحدة واضحة لا تحتاج إلى روايات ولا تحتاج إلى شروح معقدة لا يجحدها الباحث إلا في كتب العقائد وعلم الكلام؟! لماذا لم يُصرّح القرآن بمسألة إمامة المعصومين بعد الرسولص كما صرّح بالتوحيد والمعاد والنبوّة والإيمان بالملائكة والكتب السماوية؟!
ولهذا السبب نرى علماءنا يأتون إلى المسألة من أول الأمر بدون القرآن فيقولون: إن الأصول الخمسة قد أثبتها علماؤنا بعد التحقيق بالأدلة العقلية والبراهين العلمية!
ولدفع هذا الإشكال، ومن أجل تعريف الناس بأصول دينهم ألَّفْتُ كتاباً صغيراً نحو عشرين صفحة سميته: «أصول الدين في نظر القرآن»، وقد وُزِّع بين الإخوة بصورة محدودة، بيَّنت فيه أصول الدين بوضوح بالأدلة القرآنية.
نرجع إلى موضوعنا الأصلي وهو أن العلماء تركوني وحيداً مع الجهلة والخرافيين وأهل البدع، ولم يُكلِّفوا أنفسهم إظهارَ الحقائق ومحاربة الخرافات.
في تلك الأيام خرجت عدة ردود غريبة وبعيدة عن الطرح العلمي في الرد على كتابي، منها كتاب: «إثبات الولاية الحقة»[78] وكتاب: «الدفاع عن حريم الشيعة»[79] وكتاب «حقيقة الولاية»[80] وكتاب «عقائد الشيعة» ومؤلفوها بالترتيب: نمازي محلوجي، ورشاد زنجاني[81] وخندق آبادي.
كل هذه الردود أُلِّفت في الردّ على كتابي: «درس من الولاية» وفي مقابل هؤلاء قام أحد تلامذتي المقربين مني، وهو السيد محمد تقي خجسته بإعداد الإجابات على هذه الكتب. فجمع أجوبتي ومناقشاتي على هذه الكتب وطبعها في كتابين، الأول عنوانه: «حديث الثقلين أو تعقيب على الشيخين نمازي ومحلوجي- حكم عادل حول كتاب درس من الولاية»[82] والثاني بعنوان: «إشكالات حول كتاب درس من الولاية والحكم بشأنها»[83] فجزاه الله خيراً.
[78] (إثبات ولايت حقه إلهيه يا اساس وشرح كمالات محمد وأئمه اثني عشر) تأليف علي النمازي الشاهرودي، سنة النشر 1350 هجري شمسي [الموافق 1392هـ . ق.]، والناشر ره جيني في 400 صفحة، ثم طبع في إيران سنة 1362 هـ ش الناشر سعدي في 404 صفحة.، ثم طبعه الناشر نيك معارف سنة 1375 هـ ش في 314 صفحة. [79] (بالفارسية = حمايت از حريم شيعه) تأليف رضا محلوجي، الناشر: بي نا، سنة النشر 1350هجري شمسي [الموافق 1971م] يقع في 183 صفحة. [80] كتاب حقيقة الولاية "حقيقت ولايت" تأليف محمد باقر رشاد زنجاني، طبع سنة 1349هـ ش (1970مـ) يقع في 105 صفحات. [81] العجيب أن السيد رشاد زنجاني ألف كتاباً في الرد على درس في الولاية وسماه "حقيقت ولايت" (أي حقيقة الولاية) وصرّح في الصفحة 13 من كتابه قائلاً: "لم يقل أحد من الشيعة بالولاية التكوينية لرسول الله والأئمة" ولكن السيد خندق آبادي صرّح فی رده علی هذا الکتاب: "وهذه عقيدة الشيعة الإمامية، وهي: أن الأئمّة لهم الولاية التكوينية والتشريعية"!! [82] اسمه بالفارسية: حديث الثقلين يا نصب الشيخين النمازي والمحلوجي. [83] اسمه بالفارسية: إشكالات به كتاب درسى از ولايت وداورى در آن.