اعتراف الأنصاري بالافتراء على البرقعي واعتذاره
باسمه تعالى
تاريخ: 1/ 8/ 1356هـ.ش.[122]
لا يخفى بأني الحاج الشيخ محمد علي الأنصاري قد كتبت مؤخراً كتاباً باسم «الدفاع عن الإسلام وعلماء الدين» وجاء في المجلد الثاني منه ذم السيد أبي الفضل العلامة البرقعي، فقد نسبتُ إليه كلمات قبيحة من قبيل قولي: ناصبي، والطعن في مصداقية نسبه إلى أهل البيت، والطعن في كونه شيعياً ومسلماً، كما نسبت إليه إنكار حديث غدير خم ونحوه، كما أنني نقلت (ص77-78) عن ابنه السيد «حسين ابن الرضا» بعض الأقوال في ذم والده ومنها قوله: حمار الطاحونة، وجمل العصّارة، والمتخلق بأخلاق المجوس القدماء، والمخالف لأغلب آيات القرآن، وقد رأى الابن أن هذه التهمة التي نُسِبت على لسانه إلى أبيه غير صحيحة إطلاقاً ویراها من الزور، فقدم شكوى في المحكمة دفاعاً عن عرضه، وأنا مع إظهار الندامة على ما في كتابي من التهم المنسوبة إليه أعتذر وأستغفر الله، وأتعهد بأن لا أطبع تلك الأمور في الطبعات اللاحقة، وبهذا وقع التراضي وصلح ذات البين بيننا، وصرف السيد ابن الرضا النظر عن شكواه.
الأحقر: محمد علي الأنصاري[123].
وقد ذُيِّلت هذه الورقة بشهادة السيد حيدر علي قلمداران[124]، وهو من الفضلاء وصاحب التآليف المعروفة، بالتعليق التالي: «في حضوري تم إصلاح ذات البين بتوقيع وتحرير السيد الحاج الشيخ محمد علي الأنصاري، وبشهادتي».
حيدر علي قلمداران
***
[122] يُوافق: 10/11/1397هـ.ق. و 23/10/1977م. (المُحَقِّق) [123] انظر الوثيقة في الملحق رقم 10. [124] قلمداران: هو حيدر علي بن إسماعيل قلمداران (أي صاحب القلم) القمي. ولد المرحوم حيدر علي بن إسماعيل قلمداران في قرية "ديزيجان" من أعمال مدينة قم في إيران سنة 1913م. من أبوين قرويين فقيرين، وبدأ دراسته بتعلم القرآن الكريم في كتَّاب القرية، وكان كثير الشغف بالقراءة والبحث ومطالعة الكتب الإسلامية منذ صغره، وما لبث ـ وهو لا يزال في ريعان الشباب ـ أن قرض الشعر وأصبح كاتباً في عدد من المجلات التي كانت تصدر في عصره في قم وطهران، وعمل في سلك التدريس في مدارس مدينة قم، وكان يسخِّر قلمه لكتابة المقالات الإسلامية التي يدافع فيها عن تعاليم الدين الحنيف، ويردّ على مخالفي الإسلام، ويدعو لإصلاح الأوضاع وإيقاظ همم المسلمين، وقد جمع هذا الاتجاه الديني الإصلاحي بينه وبين مفكري إيران الإسلاميين التجديديين المنوَّرين في عصره لا سيما المرحوم الدكتور الشهيد علي شريعتي، ولكن الشخص الذي تأثّر به قلمداران أكثر من أي شخصية أخرى كان المرجع العراقي المجاهد، آية الله الشيخ محمد مهدي الخالصي (رحمه الله) الذي كان آنذاك منفياً إلى إيران من قبل السلطات الإنجليزية في العراق، وكان بدءُ تعرُّفِ المرحوم قلمداران على الشيخ الخالصي (رحمه الله) عبر ترجمته لكتبه التي أعجب بها كثيراً مثل ترجمته لكتاب "الإسلام سبيل السعادة والسلام" وكتاب "إحياء الشريعة" وهو دورة فقهية عقائدية عصرية في المذهب الجعفري في ثلاثة مجلدات، ثم أعقب ذلك مراسلات بينه وبين الشيخ الخالصي، سعى بعدها الأستاذ قلمداران للقائه فحظي بذلك أكثر من مرة، ولكن المرحوم قلمداران قال وهو يروي قصّة تعرفه على الشيخ الخالصي وأفكاره الإصلاحية، أنه وجد الشيخ الخالصي رغم وافر علمه وجرأته في الحق وإصلاحاته المهمة قد توقف عند حدود الأصول المسلّمة المجمع عليها لمذهب الإمامية، أمّا هو فلم يجد داعياً ـ على حد قوله ـ لهذا التهيُّب، بل تجاوز شيخه ومقتداه الخالصي بخطوات للأمام وكسر طوق المذهبية ونقض بعض ما أصبح من مُسلَّمات المذهب الإمامي الاثني عشري فرأى عدم صحة إيجاب أداء خمس المكاسب والأرباح للمراجع، ونفى النص على الأئمة الاثني وقال أنهم كانوا علماء ربانيين وفقهاء مجتهدين، وخيرة أهل عصرهم وأولاهم بالاتباع بالنظر لكفاءاتهم الذاتية وقربهم من جدهم رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - علماً ونسباً لا أكثر، وكذلك قال بأنه لا ثبوت لإمامٍ غائبٍ مستترٍ إلى الآن ولا رجعة ولا عصمة مطلقة لأحد إلا عصمة رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - في تبليغ رسالات ربه، ورأى كذلك، من خلال دراسته لتاريخ زيارة القبور في الإسلام، عدم صحة نصب القباب وإقامة المساجد على أضرحة الصالحين سواء من أئمة آل البيت أو أولادهم وأحفادهم، وخطأ زخرفتها وجعلها معابد لها سدنة وحجاج وطائفين يطوفون بها داعين مستغيثين بأصحابها، وكان يرى ذلك مظهراً من مظاهر الإشراك في العبادة، وقد ألّف في هذا المضمار كتاب "راه نجات از شر غلاة " أي: طريق النجاة من شر الغلاة، المؤلَّف من خمسة أجزاء: هي "علم غيب إمام"، "بحث در ولايت وحقيقت آن" و "بحث در شفاعت" أي بحث حول الشفاعة، و"بحث در غلوّ وغاليان" أي بحث حول الغلو والغلاة (و طُبِع الأخيران مع بعضهما في كتاب واحد)، و"بحث در حقيقت زيارت وتعمير مقابر" أي بحث حول حقيقة زيارة القبور وتشييد الأضرحة. ولكن أهم كتبه كتابه الشهير «شاهراه اتحاد يا بررسى نصوص امامت» أي (طريق الاتحاد أو دراسة و تمحيص روايات النص على الأئمة) وقد تعرَّض بسبب تأليفه هذا الكتاب إلى محاولة اغتيال أواسط السبعين من القرن الميلادي الماضي، ومن كتبه المهمة الأخرى كتاب "بحث حول أهم واجب بعد الصلاة أي فريضة الزكاة"، أثبت فيه وجوب الزكاة في جميع المزروعات والممتلكات والأموال وعدم انحصارها في الأصناف التسعة، وكتاب "الخُمس في الكتاب والسنة" وهو بحث روائي رجالي فقهي ضخم وفذّ، أثبت فيه أثبت فيه عدم وجود أساس قرآني ولا نبوي لأخذ الخُمس من جميع المكاسب والأرباح. توفي الأستاذ قلمداران عام 1989م. عن عمر ناهز السادسة والسبعين، أفاد فيه المسلمين بدراساته وتحقيقاته القيَّمة. فرحمه الله وغفر له. وقد وصفه آية الله البرقعي في تقديمه لكتاب طريق الاتحاد بـ "الأستاذ الفاضل والمحقق المتتبع" وقال عنه أيضاً: "يتمتع حقاً بهمة علية، رغم كونه مجهولاً بين كثير من معاصريه"، وغيرها. وقد تُرجمت أغلب كتبه إلى اللغة العربية. (المُحَقِّق)