منهج البرقعي في استنباط أحكام الشريعة
يضع البرقعي معايير ثلاثة رئيسية تمثل مرجعيّة الفقيه المسلم لاستنباط الشريعة والعقيدة وهي:
المعيار الأول: القرآن الكريم مع السنَّة القطعيَّة، وتأكيد البرقعي على هذا المعيار شديد، ومن هنا يمكن اعتباره ممن يُطلق عليهم «القرآنيُّون الشيعة» الذين برز تيارهم منذ بدايات القرن العشرين الماضي إذْ أحسُّوا بشيء من تغييب النص القرآني في الثقافة الشيعية لصالح الحديث الشريف فعملوا على ترسيخ المرجعية القرآنية لاسيما فكرة إمكان فهم النص القرآنيّ بلا حاجة للحديث على العكس تماماً من تيار أخباري كان له انتشار في الوسط الشيعي الإمامي حينذاك يرى أنه لا يمكن فهم نصوص القرآن إلا على ضوء الروايات والأخبار الواردة عن الأئمّة عليهم السلام.
ويدافع البرقعي عن حجِّيَّة ظواهر القرآن بل يجعل للقرآن ميِّزة وهي أن وجود الناسخ والمنسوخ فيه، لو سلّمناه، يجبره اجتماع نصوصه جميعها في موضع واحد على خلاف الحال في السنة، كما أن نسخ القرآن لا بد أن يكون معلناً على الملأ ومن ثم ففرضيات مثل النسخ لا تزعزع قيمة القرآن ومرجعيته.
ويذهب البرقعي إلى أن جهل الناس - حتى بعض المتلبّسين بلباس العلم- بالقرآن الكريم كان سبباً في كل هذا الزيف والتضليل الذي حصل في الثقافة الشيعية بالخصوص، إضافة إلى الجهد المرفوض الذي مارسه ويمارسه علماء الدين لإبداء النص القرآني غامضاً ذا بطون.
وانطلاقاً من قوّة المرجعية القرآنية، يحاول البرقعي تفسير انتصار المسلمين ووحدتهم في القرن الهجري الأول باعتمادهم مرجعية النص القرآن، أما في القرن الثاني، وحينما اعتمدوا على الروايات وظهرت مجاميع الأحاديث والأخبار، تفرّقوا وتمزّقوا كل ممزّق.
وعلى هذا الأساس، يشدِّد البرقعي النكير على علماء الدين الشيعة إذ بدل رجوعهم إلى النص القرآني في حلّ اختلافهم مع المسلمين رجعوا إلى أحاديثهم الخاصّة، واعتبروها المعيار لهم فأدى ذلك إلى نتائج سلبية فاحشة.
ولا يطال البرقعي في نقده علماء الشيعة فحسب، بل ينتقد المحدّثين والرواة وأصحاب مصادر الحديث كالكلينيّ والصدوق والمجلسي والطوسي وابن طاووس وغيرهم إذ يعتبرهم جاهلين بالقرآن وأنهم، لعدم اطلاعهم الوافي عليه، وقعوا فيما وقعوا فيه.
وقد ألّف البرقعي كتاباً باسم «أحكام القرآن» وهو كتاب في الفقه والفتوى يؤسِّس فيه فقهاً يعتمد بشكل رئيسيٍّ على النصِّ القرآني فحسب تقريباً.
المعيار الثاني: الفهم المقارَن للإسلام، ويعني البرقعي بالمقارنة، ضرورة أن نجعل المعيار هو الرجوع إلى روايات ونصوص وآراء مجموع المسلمين، لا مذهب واحد دون آخر، وبتجميع الشواهد والقرائن من مصادر الموروث الإسلامي العام نحصل على مفهوم إسلامي أو حكم شرعيّ إلهيّ، فهذا هو السبيل الوحيد المتوفِّر، أما الرجوع إلى مصادر الحديث الشيعية فقط أو السنية فقط فلن يحلّ المشكلة أبداً. وقد ألَّف البرقعي في هذا المضمار كتاباً في الأحاديث المتفق عليها بين الشيعة الإمامية والشيعة الزيدية وأهل السنة ويُعَدُّ من المؤلفات الممتازة جداً في بابه وعنوانه: «جامع المنقول في سنن الرسول ص» باللغة العربية ويقع في خمسة مجلدات.
المعيار الثالث: العقل، فقد اعتمد البرقعي في نقده للحديث على العقل الصريح تماماً كما اعتمد على القرآن[6].
[6] يُنْظَر: حيدر حبّ الله، «نظرية السنة في الفكر الإمامي الشيعي»، (بيروت، دار الانتشار العربي، 2006)، ص647 -648، بتصرف يسير.