القبض على البرقعي والكاشاني
وصلنا (سبزوار)[48] وإذا الناس قد خرجوا لاستقبالنا، ثم دخلنا المدينة وتوجهنا إلى منزل الحاج ميرزا حسن سبزواري سیادتي، والناس في فرحة واحتفال إلى ثلث الليل الأول، حينها قال لي السيد الكاشاني: قد غلبني التعب والنوم، وصهري مقيم هنا في سبزوار، وأريد أن أذهب له خُفيةً حتى أستريح عنده. فقلتُ: وأنا أيضاً مُتْعَب، وقلتُ للسيد الكاشاني: الأفضل أن تخرج ثم يخرج البقية، كأنهم يُريدون الوضوء حتى لا يلحقنا أحد ثم نذهب إلى زوج ابنتك.
بهذه الطريقة استطعنا أن نأخذ قسطاً من الراحة في الليل، وتركنا المجلس للسيد كمره اي وباقي الأصدقاء، وفي منزل صهر السيد الكاشاني أعدوا لنا الفرش واللحف ونمنا في ساحة المنزل، وكان الوقت متأخراً، وقبل الفجر بساعة استيقظت وإذا بالجنود قد حاصروا المنزل وبعضهم تسوَّر جدار المنزل، والسيد الكاشاني مستيقظ، فرأيته ممتعضاً جداً، فالتفت إليّ وقال: ماذا يُريد هؤلاء الجُهَّال؟!
بالنسبة لي استعجلت فلبست ثيابي، وقد تأكدنا من اللحظة الأولى أن غرضهم هو القبض علينا لإعادتنا إلى طهران أو إبعادنا إلى مكان آخر.
تنبيه: ينبغي للقارئ أن يعلم من خلال هذه السطور مدى خيانة الشاه ودولته للأمة، فهذا رجل مجتهد وليس له ذنب إلا أنه يحثُّ الناس على انتخاب الناصحين للدولة والناس، فانظر كيف يُمنع من كل شيء.
وفي المشهد المقابل يذهب الشاه إلى البروجردي ويُقَبِّل يده لأنه لم يكن يهتم بأمر الشعب وما يضرُّه أو ينفعه، بينما كان السيد الكاشاني على النقيض من ذلك، حيث كان يتألم لواقع الرعية وخيانة الدولة، وهو الذی أفتى بالجهاد في بلاد العراق لطرد الإنجليز، بل وذهب وحارب بنفسه ضد بريطانيا حتى خرجوا من العراق ونال استقلاله، ولا شك أن الشاه -وهو عميل للإنجليز- لا بُدَّ أن یأخذ بثأر الإنجلیز.
على كل حال: نزل الجنود من الجدار، وعلمنا أنهم يُريدون أن يأخذوا السيد الكاشاني، فرفضت إلا أن أذهب معه، وفي وسط الطريق قال لي السيد الكاشاني: ارجعوا أنتم، فالدولة لا حاجة لها بكم، الدولة تُريدني أنا، ولكنني قلتُ: إن عودتي تُخالف الإخلاص والصدق فلن أعود.
خرجنا من البيت فوجدنا في الشارع سيارتين عسكريتين، فأركبوني مع السيد الكاشاني في السيارة الأمامية مع الضابط، وركب الباقون في السيارة الأخرى وكانت أكبر، وتحركت السيارتان نحو مدخل المدينة، فأخذت أرقب هل سيُخرجوننا من نفس الطريق الذي أتينا منها بالأمس أم من طريق آخر؟! فرأيتهم يمرُّون بنا في نفس الطريق، حينها علمت أنهم سيأخذوننا إلى طهران. فقلت للسید الکاشاني: سیذهبون بنا إلی طهران، فقال: کیف عرفت؟ قلت: خرجنا من الباب الذي دخلنا منه.
ابتعدنا عن المدينة، وبدأ النور يلوح في الأفق، فقلت للضابط: حضرتكم يعلم أننا لن نستطيع أن نهرب منكم، وليس لنا ما يحملنا إلا أحذيتنا، فلو توقفتم عند ماء لكي نُصلي ثم نُكمل طريقنا؟ فَقَبِل ذلك. بعد مسافة وصلنا إلى جدول ماء فنزلنا وصلينا مع السيد الكاشاني ولم يُصَلِّ الضابط والجنود، ثم تحركنا بالسيارات.
قلت للضابط: إن جيش ابن زياد الذين حاصروا الإمام الحسين كانوا خيراً منكم. قال: لماذا؟ فقلت: لأنهم صَلُّوا وأَمَّهُم الإمام الحسين، أما أنتم فتدّعون التمسك بالإسلام ولا علم لكم بالدين، وها أنتم لا تُصَلُّون. لم يُعجب العقيد هذا الكلام بطبيعة الحال، وأما السيد الكاشاني فقد قال لي: اتركه.
في هذه الأثناء رأيتهم يغيرون اتجاههم عن الطریق الأصلي نحو بعض التلال، فبدأتُ أستوحش؛ لأنني لا أعرف إلى أين سيذهبون بنا، ولم أكن أستبعد أن يغدروا بنا وأن يدفنونا بعيداً عن الأنظار بين هذه المرتفعات.
سألت الضابط أكثر من مرة عن الجهة التي سيأخذونا إليها فلم يُجبني، فَسِرنا من مرتفع إلى آخر وقد سلَّمنا أمرَنا لِـلَّهِ وحدِه.
بقينا على هذه الحال إلى أن بدت لنا أشجار قرية من بعيد، وعرفنا بعد ذلك أنها (فريومد) وهي إحدى قرى (جوين) على مسافة سبعة فراسخ من سبزوار.
أنزلونا في منزل داخل مزرعة قريبة من القرية، وعندما دخلنا المنزل تعجبنا لأننا شاهدنا صور آية الله المجاهد الكاشاني معلّقة على الأبواب والجدران، في هذه الأثناء خرج علينا صاحب المنزل، وعندما رأى السيد الكاشاني أُصيب بالذهول، ثم بادرنا بالسؤال: أهذا السيد الكاشاني؟ قلت له: نعم. فأقبل على السيد الكاشاني يُرحب به ويُقبل يده ويقول: سبحان الله يا سيد، أين مكانكم من مكاننا؟! ما أسعدنا وما أشد غبطتنا بمجيئكم إلينا! ثم اجتهد في إكرامنا بما استطاع فقدم لنا الشاي والجبن والبيض والخبز وغيره.. وهو في غاية الفرح والسرور.
في هذا الوقت كان الضابط يُراقبنا من خارج المنزل حتى لا يحدث أي أمر يضرُّه. وبعد ساعة من الحديث مع صاحب المنزل تعرفنا فيها عليه، قال لي: لدينا مائة شخص مسلّح مخلص في ناحيتنا، فلو أذنتم لي أن أدعوهم ليُخلِّصوكم من هؤلاء الجنود ثم نوصلكم إلى مشهد؟! فأجبته بأني لا أستطیع أن أُبَیّن رأیي الآن وأن ذهني مشوش، وأنني يجب أن أسأل سماحة السيد الكاشاني ثم أردّ عليك.
توجهت إلى سماحة السيد فسألته: أتعرف صاحب المنزل معرفة جيدة؟ هل تثق به؟ فقال: نعم. فأخبرته باقتراح صاحب المنزل وطلبت منه رداً عليه. فقال السيد الكاشاني: اطلب منه أن يُمهلنا ساعة لنُفكِّر، فأخبرت صاحب المنزل، ثم قال لي: إذاً أجبني بإشارة فقط.
بعد ساعتين جاء صاحب المنزل فطلب جواباً فقلت له: يقول السيد: اقتراحك خطير، وبقاؤنا مظلومين خير لنا من الإضرار بالناس.
في الحقيقة لقد تبيَّن لي أن بقاءنا في (فريومد) كان بسبب خوف الجنود من المرور من طريق شاهرود نهاراً وأنهم رأوا أن الآمن لهم أن نسير في الليل إلى طهران من طريق فيروز کوه.
وانقضى نهار ذلك اليوم، فساروا بنا بسياراتهم، وسار خلفنا صاحب المنزل بسيارته ومعه بعض الزاد.
[48] سبزوار: مدينة في شمال إيران تقع شمال شرق طهران على بعد 352 ميلاً تقريباً.