رأي البرقعي في السيد الخميني
كان السيد الخميني غارقاً في الفلسفة اليونانية والعرفان، وليس عنده اطلاع كبير على حقائق القرآن، ويفسر القرآن حسب آراء الفلاسفة، ويعتقد أن كتاب الله ليس قابلاً للفهم، وكأنه لم يقرأ قول الله عن القرآن بأنه: ﴿موعظة للناس﴾، و﴿بَيَانٌ لِلنَّاسِ﴾ [آل عمران:138]، و﴿هُدًى لِلنَّاسِ﴾ [البقرة:185]!! وأستطيع القول بأن السيد الخميني متلطخ بالخرافات إلى حدٍ كبير.
أنا أتذكر جيداً أيام تدريسه في المدرسة الفيضية أني سمعته يقول لتلاميذه: إذا نفخ الإمام تسكت النجوم (أي يذهب نورها)! وكان يعتقد أن جميع ذرات العالم خاضعةً لتصرف الإمام! نعوذ بالله من الضلال، وكتابه: (كشف الأسرار) الذي يحكي فيه معتقداته ملوث بهذه الخرافات، ولشدّة غرقه فيها نسي القرآن إلى درجة أنه قال في إحدى بياناته التي أذيعت في الراديو والتلفاز: «نحن لدينا في القرآن الكريم سورة المنافقون وليس عندنا سورة الكافرون»، ولم يعلم أن السورة التاسعة بعد المائة في القرآن هي سورة الكافرون!
أمر آخر: وهو أن إحدى خصوصيات السيد الخميني الخوف الشدید من العوام، حتى أنه ربى ولده أحمد أيضاً على هذا النهج، و أعرف أن ولده من شدة خوفه من العوام كان يذهب ليناصح آية الله منتظري؛ لأن منتظري كان يسمح لآية الله «نعمت الله صالحي نجف آبادي» أن يقوم بالتدريس في حسينيته، و كان قلقاً على آيت الله منتظري لذلك، فكان أحمد الخميني يرى أن ذلك ليس في مصلحة منتظري، وتخوفات أحمد الخميني سببها أن السيد «صالحي» كان من أهل التحقيق، و كان أقل ابتلاء من الآخرين بالخرافات، ولهذا لم يكن له مكانة بين العوام.
كان السيد الخميني يظهر شجاعته الكاملة في محاربته للشاه وأمريكا والعراق و...، ولكنه لم يجرؤ أبداً على أن يتكلم بما يخالف ذوق العوام، ولم يكن يجرؤ على إظهار رأيه صريحاً في البدع واضحة البطلان من قبيل ضرب الإنسان لنفسه بالسيوف والسلاسل ونحو ذلك.
ومن معايبه: استبداده بالرأي، مما كان سبباً لخسارة مادية ومعنوية فادحة للإسلام والمسلمين، ولعل جبرانها يحتاج إلى نصف قرن أو أكثر.
نعم، لقد شاهدت هذه الروح الاستبدادية في عدم المشاورة لأهل النظر والتجربة والخبرة، وعدم سماعه الانتقاد من قبيل كثير من المراجع، ومع أن آية الله بروجردي في رأيي كان أكثر استبداداً من السيد الخميني لكنه لم يعتل السلطة كالخميني فلم تتضح روحه الاستبدادية الكامنة[187]، فمثلاً لما بدأ آية الله السيد محمد حسين طباطبائي التبريزي صاحب تفسير الميزان -وكان مجتهداً مبتلى بالفلسفة اليونانية والعرفان، ووحدة الوجود، والخرافات الأخرى- لما انبرى لكتابة التعليقات على بحار الأنوار للمجلسي منعه البروجردي عن إتمام عمله مستفيداً من نفوذه، وقام بدله بهذا الدور!
وأذكر يوماً أني كنت في مجلس البروجردي مع آخرين فقال لي: سمعت أنك تعترض علي. قلت: نعم، مائة اعتراض.
فتعجب البروجردي وقال: اذكر بعضها.
قلت: أولاً: لأنك تصرح بأن التصوير مكروه كما في إحدى رسائلك، لكنك طبعت صورتك على رسالتك العلمية.
ثانياً: لأنك تعتقد أن زخرفة المساجد غير جائزة، ومع ذلك أنفقتم مئات الآلاف من التومانات لتزيين المسجد الكبير في قم! ويجب أن تعلم أن الناس سيقولون لماذا لا يعمل هذا المجتهد بفتواه؟!
في هذه اللحظات ارتفعت أصوات من حوله من المتعصبين وقطعوا كلامي، وصاحوا: ما هذا الكلام الذي تقوله؟! والسيد البروجردي أيضاً لم يسكتهم، فقلت: السيد طلب مني أن أتكلم فإن كان لا يحب أن أتكلم فسأسكت.
هذا هو نمط الفكر الاستبدادي الذي اتصف به كثير من العلماء ومنهم السيد البروجردي والسيد الخميني، وإذا أضيف معه صفة الخوف من الناس فستکون النتیجة ضرراً علی ضرر، فمثلاً يراعي السيد الخميني دائماً رضا العوام وراحتهم في جميع أقواله، مع أنه في الیوم السابع من شهر تیر[188] في الحزب الجمهوري الإسلامي قتل أكثر من اثنين وسبعين نفراً، فكان يذكّر دوماً بمقتل هؤلاء لييبقى الناس تحت تأثير ذلك، وتتم الاستفادة من عواطفهم المذهبية، وبخصوص مصالحة العراق فقد طالب كثير من أهل النظر مراراً بإيقاف الحرب، وذكروا بأن استمرار الحرب له مضار كثيرة أهمها عدم مشروعيتها، وكتبوا في ذلك – على رغم أن (المنخل) في مكتب الخمینی لم يترك مجالاً لكي تصل إليه هذه الاعتراضات -، ولكن الخميني لم يقبل ذلك، واستبد برأيه دون اعتبار حتى لرأي الحكومة والناس.
ولما سقطت الدولة في مستنقع الدمار، وعلى حد تعبير الخميني: تدمرت الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية للدولة ووصلت إلى ما تحت الخط الأحمر؛ عندها قَبِل الصلح مع الذل، ولكن بدلاً من الاعتراف بأخطائه ذهب يخادع الناس، وبدلاً من الإقرار بأنه لم يطبق كلام الناصحين وأنه لم يعمل بأمر القرآن الكريم الوارد في آية 61-62 من سورة الأنفال ذهب يذكر للناس أنه كأنما تحسى السم.. إلى آخر ما قال، وأمثال تلك الكلمات التي يظهر بها نفسه أمام الناس مظلوماً!
ومع أنه يظهر حباً عظيماً لأمير المؤمنين علي ÷ إلا أنه لا يتبعه إطلاقاً، فعلي المرتضى÷ لم يكن له حُجّاب يمنعون الناس من مقابلته والحديث المباشر معه بسهولة دون أن يخاف القتل أو السجن من الحُجّاب، ولکن الخميني یخالف الإمام، فقد حبس نفسه بين المشايخ المتملقین المخادعين الذین یتَّجرون باسم الدین، فلا يستطيع أحد أن يَعبر سدّهم إلى الخميني، وكان الواجب على السيد الخميني أن يترك الباب مفتوحاً ليصل إليه كل شخص من أي حزب أو فئة توافقه أو تخالفه؛ ليسمع كلامهم وآراءهم ببراهينهم، ثم يقضي ما يشاء، ولو فعل هذا لقلّت الخسائر الفادحة على المسلمين، ولهذا قال علي ÷ في نهج البلاغة لأحد ولاته: «فَلا تُطَوِّلَنَّ احْتِجَابَكَ عَنْ رَعِيَّتِكَ فَإِنَّ احْتِجَابَ الْوُلاةِ عَنِ الرَّعِيَّةِ شُعْبَةٌ مِنَ الضِّيقِ وقِلَّةُ عِلْمٍ بِالأمُورِ» (نهج البلاغة عهده إلى مالك الأشتر، رقم 53).
لكن ألف أسفٍ على حال شيوخ إيران الذين يتحدثون عن اتّباعهم علياً ÷ وأفعالهم تخالف ذلك!
أرى أنه من المناسب أن أنقل ههنا قضية لعل فيها عبرةً لمن يسمعها، وأنا قد سمعتها من الأستاذ المجتهد السيد مصطفى طباطبائي؛ ليعلم القارئ الكريم طبيعة زعامة السيد الخميني الذي يقود ستين مليون نسمة.
في أحد الأيام قبضوا على معالي المفكر مصطفى طباطبائي بعد صلاة عيد الأضحى حيث كان يقيم صلاة العيد في منزل أحد أصحابه، فذهبت أم السيد مصطفى -وهي بنت آية الله ميرزا أحمد آشتياني- فدخلَتْ على الخميني بترتيب من آية الله ميرزا باقر آشتياني مدير مدرسة مروى، ولما دخلَتْ عليه كان مشغولاً بالوضوء فأظهر السيد الخميني احتراماً كبيراً لها، ثم قالت: حضرة آية الله لقد قبضوا على ابني بعد صلاة العيد، وأنا كنت ممن صلى معه، وقد أخذوه إلى سجن إِيفين، فألتمس منكم وألح عليكم أن تُعيِّنوا شخصاً ثقةً لنتحقق من سبب القبض عليه حتى نعلم لماذا سُجن؟! وأرجوك أن تتأكد بأن مسؤول التحقيق يكون ثقةً، فقبل السيد الخميني.
واستقر الأمر بأن تراجعه هذه المرأة بعد عدة أيام، وفي يوم الموعد ذهبت زوجة مصطفى طباطبائي أيده الله تعالى للاطلاع على نتائج التحقيقات إلى السيد الخميني بدلاً عن أمه، وعندما قابلَتْهُ قال لها السيد الخميني: بناءً على التحقيق فإن السيد أبا الحسن بن العباس الطباطبائي من المشايخ الذين يمدحون الشاه، وکان له توجهات شیوعیة.
هنا تعجبت زوجته، وقالت: لقد أبلغوك بخلاف الواقع:
أولاً: اسم زوجي ليس أبا الحسن بل اسمه مصطفى.
ثانياً: اسمه والده ليس العباس.
ثالثاً: لم يكن زوجي آخوند[189] قط.
رابعاً: زوجي كان مخالفاً بشكل واضح للأحزاب المعارضة وقد ألقى محاضرات في مخالفتهم.
خامساً: زوجي لم يمدح الشاه أبداً، بل كان ممن سُجن في عهد الشاه[190].
لاحظوا إذاً.. كانت الأخبار تصل إلى السيد الخميني محرّفةً في مثل هذه القضية الصغيرة، فالله وحده هو العالم كيف يكون الوضع في الأمور المعقدة والحساسة، ولهذا أؤكد بأنه لو لم يحبس نفسه بين الكذابين والمتاجرين بالدين وسمح للآخرين بأن يصلوا إليه لما حدثت مثل هذه الأمور المضحكة.
على كل حال: كان قصدي من طلب موعد اللقاء مع السيد الخميني وكتابة رسائل متعددة إليه علاوة على التظلم طلب إعطائنا الحرية في بيان حقائق الدين للناس ومحاربة الخرافات، كذلك كنت أهدف إلى التحذير من نتائج إصراره على تبني مسألة ولاية الفقيه، وأن أوضح له ذلك بالمناقشة العلمية، فكنت أريد أن أبين له أنّ الإصرار على هذا يترتب عليه عواقب وخيمة؛ لأنه لا يوجد أدنى إشارة في القرآن لولاية الفقيه، وليس لها مستند لا في نهج البلاغة، ولا في الروايات المتعلقة بالولاية أيضاً، بل كلها تدل على بطلان ذلك.
وكنت أريد أن أبين له أن حماس الناس للثورة سيذهب مع الوقت، وسيكتشفون تدريجياً بأنك حكمتهم وضيقت عليهم بهذه النظرية، وتسلطت عليهم مرة أخرى، ولكن هذه المرة باسم الدين، وستكون النتيجة هي نبذهم لولاية الفقه، والأعظم أن الناس عندما يفيقون على هذا الرأي الخاطئ سيسيئون الظن في الدين جملة وتفصيلاً، وسيصابون بردة فعل عن أصل الدين والتدين لا قدر الله، وقد يعرضون عنه.
ولكن ماذا أصنع إذا كانت شخصية الإمام الخميني مستبدة للغاية، وهو في نفس الوقت لم يكن له رغبة في إيقاظ الناس، ولم يمكّن أحداً أن يُظهر كلاماً يخالف رأيه، وكان يريد أن يقلّد الناس الشيوخ تقليداً أعمى؟!
نعم.. هذه الطبيعة لم تكن خاصة بالخميني وحده، بل كان أكثر المعممين مثله، وأذكر أنني في شبابي كنت مقيماً في قم، وكان السيد الخميني عالماً أكنّ له في قلبي معزةً واحتراماً، وكنت درست معه مدةً، وكنت أذهب عنده أحياناً تقديراً له وأزوره، فيدخلني في غرفة خارج منزله، وهي غرفة متواضعة جداً ليس فيها إلا بساطاً بالياً قد تغير لونه وکرسیاً مکسوراً، فكان في نظري زاهداً تقياً معرضاً عن الدنيا، حتى أنني وضعت مرة ريالاً واحداً عند كرسيه وخرجت!
وبعد مدة دعاني السيد الخميني إلى حفل زفاف ابنته، وبحسب ترتيبهم دخلنا داخل داره فرأيت الفرق بين داخل الدار وبين الغرفة الخارجية كالفرق بين السماء والأرض، الغُرف الفخمة، والبسط الراقية، والمرايا الکبیرة، وكل أنواع الأثاث الفخم موجود، ففهمت أن ما يُظهر للناس يخالف الوضع الداخلي.
وهكذا فإن أسلوب التوجه إلى العوام من قبل الشيوخ بمظاهر الزهد في الخارج فقط، عيبٌ قد ابتلي به أكثرهم.
أذكر أن البروجردي لما بنى منارتين في المسجد قام آية الله كُلپَايْكَاني بعد أيام ببناء منارتين كي يكون مثله! مع أن هذا العمل غير نافع، ثم إنني أتيت إلى كُلپَايْكَاني بعد سنوات وطلبت منه المساعدة لأسرتين فقيرتين في قم كانتا من السادات الموسوية -وكان منزلهما من غير مواسير للماء- فلم يقدم لهما شيئاً أبداً.
وأعتقد أن هذا الأمر هو أكبر سبب لكون كثير من أبناء آيات الله (المراجع) بعيدين عن الدين؛ إذ إن أولادهم يشاهدون بأعينهم الفرق بين ما يظهره المرجع للناس وما يبطنه معهم، مما يجعل هؤلاء الأبناء لا يتأثرون بكلام آبائهم فينشئون نشأة غير صحيحة.
قبل سنوات كتبت في كتابي: (تراجم الرجال) في باب الميم في أحوال ميرزا الشيرازي شيئاً يناسب أن أذكره في هذا المقام:
يمكن تقسيم علماء الدين من حيث صلاحهم وإصلاحهم إلى ثلاثة أقسام، القسمان الأولان هما سبب خراب الدین، والقسم الثالث كان ضعيفاً دائماً ولم يستطع أن يقوم بالخدمة اللازمة للخلق:
القسم الأول: علماء الرئاسة وطلاب الثروة الذين يتقرَّبون إلى كل سلطان، وهؤلاء غالباً ما تكون الأمور والسلطة بأيديهم، فهم الذين يحلون ويربطون، وهم المراجع البارزة غالباً، والواحد منهم في الغالب يتحرك وفقاً لهوى المسؤولين، ولهذا لم يقدم علماء هذه الفئة للخلق أي خدمة، وليس هذا فحسب بل هم يصدُّون الناس عن سبيل الله.
القسم الثاني: المراؤون الحمقى المتظاهرون بالزُّهْد، الذين ليس لهم أي فهم اجتماعي أو يفهمون لكنهم يتجاهلون ويتظاهرون بالبساطة والسذاجة، فإذا أراد شخصٌ أن يخطو خطوةً نحو إصلاح عقائد الناس وأعمالهم وإيقاظهم وتوعيتهم كانوا أوَّل من يظهر الغيرة على الدين ويبادر إلى تكفيره. هذا القسم من العلماء كان دائماً صاحبَ مقامٍ ومنزلةٍ بين الناس، ويعتقد الناس فعلاً أنهم هم العلماء الحقيقيون، وأنهم هم الحاكمون بالشرع وأن إمام الزمان مثل هؤلاء، وأن هؤلاء هم أئمة الجماعة العدول، أي العلماء البسطاء جداً الذين لا يفهمون شيئاً من أمور الدنيا والسياسة، ولا علم لهم بشيء سوى الاهتمام بالعبادات الشخصية.
القسم الثالث: العلماء المتبصرون المطلعون الذين يخشونَ الله، ولا يهتمون بإرضاء الناس في سخط الله، ولذلك فعامة الناس يجهلونهم ولا يتواصلون معهم، وغالباً ما تجد أمثال هؤلاء العلماء مُنْزَوِين قد اعتزلهم الناس، فرغم أنهم مشفقون على الناس، ويعرفون الخلل الذي سيطر على الناس، ومدى تلاعب الأعداء بالناس، إلا أنهم لا يجرؤون على بيان الحقيقة، ومتى أظهرها أحدهم تجده يتعرض للإرهاب والقتل والتكفير.
ويغني هذا المُجْمَل عن الحديث المُفَصَّل.
والمؤلف يعتقد بأن الناس إن لم يستيقظوا ويتقدموا نحو العلم ويتركوا الجهل، وما لم يكثر عدد العلماء الحقيقيين (القسم الثالث) فإن الخراب سيبقى والسعادة والفلاح سيكونان بعيدَيْن عن الناس.
لما بدأتُ أحارب الانحرافات والخرافات كنت أظن أنني أستطيع بالدليل والبرهان أن أوقظ الناس الضالين وأهل الخرافات، وأنني بسهولة سأخرجهم من البدع وأحررهم من أيدي الذئاب المتلبسين بالدين.. وقد قال لي بعض العلماء المعروفين:
(أيها السيد، إن الناس لا يعجبهم الدليل، والمتعصبون لمذاهبهم لا يرغبون في مخالفة الطريقة التي اعتادوا عليها، ولو جئتهم بألف دليل وبرهان فإنك لن تزيدهم إلا شكَّاً بكَ وتمسُّكاً بعقيدتهم الخرافية!! يجب أن تعلم أن العوام مقلدون، ووظيفة المقلد البقاء في منزلة الجهل والتبعية، لذا فإن العلماء الدَّهاة المحتالون والمُسترزقون بالمذهب لا يريدون أن يستيقظ أتباعهم، ولهذا يمارسون كل طريق ليبقوهم تحت سيطرتهم، وكل من يحاول الخروج عن ذلك يُحِلّون دمه؛ لأنهم لا يرغبون بأن يتربى الناس على التعقل والفهم، ولا أن يعتمدوا فيما يعتقدون على الدليل، وعلى رفض كل ما لا دليل عليه.
حضرة السيد! إن كنت تريد أن توقظ أحداً فلن يعطيك حتى درهماً واحداً.. وفي المقابل إن كنت تريد أن تركب عقول الناس وأن تستحمرهم فسوف يعطونك الملايين من أموالهم.
أيها السيد! إن كنت تريد أن تهدي الناس إلى الحق فكل من يستيقظ لن يعطيك شيئاً، وأما المقلد فسيقدم الملايين لمرجعه أو مرشده، بل سيقدم روحه.
ألم تر إلى عوام منطقة الري عند قبر السيد عبد العظيم- كيف قدموا أربعة ملايين ونصف تومان، ليشتروا بها علماً[191] يدورون حوله وهم في قمة الفرح.. وأنت لو جئت لهم بمائة دليل على أن هذا العمل خطأ فلن تنتفع منهم بشيء، بل سيؤذونك.. وربما قال لهم قائدهم عنك: إن هذا الرجل يهين عَلَمَ الإمام الحسين ÷ فدمه حلال وعليكم قتله. عندئذٍ لن تجد أحداً يدافع عنك!
إذا أردت أن تنتزع دكان خضار من صاحبه فسوف يقتلع عينيك بأصابعه.. فكيف ستأخذ المقلد من شيخه الذي يعظمه؟!).
عندما كنت شاباً كنت بسيطاً ولم أكن أظن أن المسألة بهذه الصورة، وكنت أشعر بالمسئولية وأقول: لعلي أوفق لإيقاظ مائة شخص، أو لعلي أستطيع أن أبصّر بعض الناس بألاعيب المخادعين والمتلاعبين بالعوام، لكني أدركت بعد سنوات طويلة بأن أولئك العلماء لم يقولوا كلامهم جهلاً، فرؤساء المذهب يسعون لكي يظل الناس يسمعون كلامهم فقط، وينفذون أوامرهم بدون مناقشة، ومن خالف ذلك ودعا الناس إلى التفكير في دينهم -أو على الأقل أمرهم بترك التقليد الأعمى- فإنه سيقابل بأنواع التهم.
[187] نعم. الاستبداد الأقبح هو الاستبداد بثوب الدين، إذ بهذه يُظلم الدين ويظلم الناس. وقد أنشدت في هذا الموضوع البيتين التاليين: (برقعي): (وترجمَتُهُما) الذي ينتعل الجزمة العسكرية ليظلم الناس أفضل من الظالم الذي يقف في المحــراب القامة التي تنحني في خدمـــة النـــاس أفضل من القامة التي تنحني في المحراب (المُحَقِّق) [188] الشهر الرابع من شهور السنة الشمسة وفقا للتقويم الإیراني، ويقابله الشهر من 21 نيسان (إبريل) إلى 20 أيار (مايو). (المُحَقِّق) [189] الآخوند: هو عالم الدين الذي يعلَّم العوام. [190] لما سمعت هذه الحكاية تذكرت المثل المعروف: "الخسن و الخسين ابنتا معاوية"!!! (برقعي). توضيح: هذا المثال الفارسي يضرب لمن يتحدث عن أمر وهو جاهل به جهلاً مطبقاً، أو عن من تتحدث معه عن أمر فيعلق على أمر آخر. [191] المقصود بالـ «عَلَم» هنا: قطعة قماش مُلوَّنة ضخمة تُكتب عليها أسماء الأئمة الاثني عشر أو الشعارات الحسينية وتُرْبَط على عصا طويلة في رأسها قبَّة، ثم يحملها شخصٌ يسير في مقدمة مواكب العزاء الحسينية التي تنطلق في أيام عاشوراء والأربعين ونحوها. (المُحَقِّق)