آية الله البرقعي يواصل نهج الإصلاح والنقد الذاتي وإعادة النظر في مجمل العقائد الشيعية
في أواخر الأربعينيات من عمره بدأ العلامة البرقعي بالتحول شيئاً فشيئاً عن بعض العقائد المذهبية الأساسية للمذهب الإمامي الاثني عشري، التي نشأ عليها وبلغ درجة الاجتهاد فيها من قبل كبار المراجع في عصره، وترجع بدايات تحوله إلى تأثره بالعلامة المصلح السيد مصطفى الحسيني الطباطبائي والأستاذ قلمداران من جهة، وإلى ما لقيه عقب تأليفه لكتابه «درسي از ولايت» [أي درسٌ عن الولاية] الذي ردَّ فيه ردَّاً مُفَصَّلاً ومُدَلَّلاً على فكرة «الولاية التكوينية» التي كان يروِّجُها بعض المشايخ المغالين في عصره، فقد أثار كتاب «البرقعي» هذا ردود أفعال مختلفة ومعركةً من الآراء بين مخالف وموافق، وكُتِبَتْ الكتابات وأُلْقِيَتْ الخطب في الردّ عليه من قبل الغلاة لاسيما المرجع آية الله الميلاني الذي أصدر فتوى تعتَبِرُ كتابَ «درس عن الولاية» كتاب ضلالة وصاحبه ضالاً، وبعد سلسلة من الأحداث انتهى الأمر باجتماع عدد من مشايخ قم بزعامة أحد المراجع آنذاك وهو آية الله كاظم شريعتمداري وأرسلوا إلى الشاه ستة آلاف توقيع بأن هذا «المنحرف» يريد هَدْمَ مذهب أهل البيت عليهم السلام (!!) فأُخذ إلى المحكمة فلم يجدوا فيه ما اتهموه به فأطلقوا سراحه وعاد إلى مسجده، لكنه لم يسلم منهم إذْ هاجموا مسجده فيما بعد وأغروا به الأوباش والعوام فاستولوا على مسجده وطردوه منه.
بعد ذلك انصرف البرقعي للمزيد من البحث والتحقيق وبدأت تظهر كتاباته التي تدلُّ على خروجه عن الأصول المذهبية الخاصة للمذهب الاثني عشري وانتقاده لها، ويقول في هذا الصدد: ((وفي تلك الأعوام كنت أجد فراغاً في الوقت ساعدني على المطالعة والبحث والتأليف والتدبر في كتاب الله، فتبين لي أنني وجميع علماء مذهبنا غارقون في الخرافات، وغافلون عن كتاب الله، وتخالف آراؤهم صريح القرآن و تعارضه..)). فقد رأى أن لا دليل قرآني على النص على الإمام عليٍّ وسائر الأئمة الاثني عشر وأن القول بعصمتهم ورجعتهم يتنافى مع ما يصف الله به الأنبياء في كتابه العزيز، ونفى وجود الإمام الثاني عشر أي المهدي المنتظر وغيبته بوصفها فكرة خرافية لا سند قرآني لها بل تتعارض مع القرآن والعقل، ونفى ما يُنسب إلى الإمامين الصادق والباقر عليهما السلام من إفتائهما بخلاف الصواب تقيةً، ونفى وجوب أداء الخمس من أرباح المكاسب بوصفه عملاً لا أساس قرآني له ولم يعمل به النبي ص ولا الإمام علي (ع)، ودعا كل من أدّى إليه من الخمس شيئاً ليردّه إليه، وانتهج نهجاً قرآنياً لا مذهبيَّاً منفتحاً على جميع المذاهب الإسلامية ومصادرها بلا تعصُّب لأحدها دون الآخر، جاعلاً القرآن الكريم والعقل القويم الحَكَم والمعيار في كل ما يُنسَب للدين من عقائد وأعمال، وفيما يلي توضيح لمنهج البرقعي الذي انتهى إليه[5].
[5] ويُنظَر لتفصيل أحوال آية الله البرقعي (رح) وعقائده: الكتاب الحاضر «سوانح أيام»، وكتاب «نظرية السنة في الفكر الإمامي الشيعي، التَكَوُّن والصيرورة»، للأستاذ الشيخ حيدر حب الله، ص 612 فما بعد. وكتاب «جريانها وجنبشهاى مذهبى سياسى ايران» [أي التيارات والحركات الدينية-السياسية في إيران]، للأستاذ رسول جعفريان، (ط2، طهران، 1381 هـ ش)، ص 355 - 356، وكتاب «أعلام التصحيح والاعتدال» للأستاذ خالد محمد البديوي (ط1، الرياض، 1427هـ/2006م)، ص 64 - 84. (المُحَقِّق)