بدعة تكرار العطل الدينية ومفاسدها
ومن البدع الأخرى التي أحدثها المشايخ والتي تؤدي إلى أضرار اقتصادية كبيرة على الأمة الإسلامية: تلك العُطل الدينية الكثيرة التي ابتدعها هؤلاء في مواسم موالد الأئمة ووفياتهم، وقد كتب أحد أساتذة الاقتصاد واسمه الدكتور «مدني» مقالة نُشرت في صحيفة «كيهان» بيّن فيها الآثار الاقتصادية السيئة، والأضرار المالية للإجازات، وقد ذكر مثالاً على ذلك بأنهم أجروا دراسةً في فرنسا على محلات الأحذية فيما لو عطّلوا يوماً واحداً فإن الخسارة ستكون مئات الآلاف من الفرنكات، وهي خسارة على الدولة كلها، فكيف إذا عطَّل جميع أصحاب المهن؟!
وفي دين المشايخ والمراجع وضعوا إجازةً يوم ميلاد الرسول ص، وميلاد الإمام، ويوم وفاتهما، مع أن الرسول ص -وهو صاحب الشأن العظيم- لم يصدر هذا الحكم عندما استشهد عمه حمزة سيد الشهداء.
وكذلك إمام المتقين ومعلم المؤمنين الإمام عليً ÷ وهو أعلم الأمة وأشدهم اتباعاً للرسول ص لم يصنع ذلك، وكذلك الإمام الحسن المجتبى ÷ أيام خلافته لم يُصدر تشريعاً بالاحتفال أو بالتعطيل في يوم ميلاد أو وفاة الرسول أو حمزة أو إبراهيم ابن رسول الله.
وبطبيعة الحال فإن الإمام لم يصنع هذا الأمر لأنه لا يستجيز لنفسه أن يضر بالمسلمين.
الملاحظة الحادية عشرة: الجمهورية تحارب العراق منذ مدّة، وفي سبيل ذلك يقدمون آلاف الشباب ليموتوا في المعارك ويقولون لهم: إن معركتنا هي معركة الكفر والإيمان، ودولة العراق كافرة، وكل من سعى للصلح ردّه الخميني، كأنه لم يقرأ الآية الحادية والستين والثانية والستين في سورة الأنفال[234].
الملاحظة الثانية عشرة: التفَّ حول إمام الجمهورية بعض المتملقين فأحاطوا به إحاطة السوار بالمعصم، فصار لقاء الإمام أو زيارته خاضعة لهوى هؤلاء ورضاهم، وهذه العصابة جعلت طاعة الإمام واجبة مطلقاً، فكأن حكمه حكم الله تعالى، وصدق عليهم قوله تعالى: ﴿اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّـهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَـٰهًا وَاحِدًا ۖ لَّا إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَ ۚ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَﯱ﴾ [التوبة: 31]، وقد استدل الإمام الصادق ÷ بهذه الآية على شرك من يقبلون كل حكم من العلماء مطلقاً، أو من اعتقد أن طاعتهم واجبة.
وتأمل ذلك في مسألة صلاة الجمعة، فالقرآن يأمر بها صراحة، وهؤلاء لا يصلونها، بل ألّفوا في تحريم صلاة الجمعة (زمن غيبة إمام الزمان) كتاباً ونشروه، لكنهم عندما قال لهم إمام الجمهورية صلُّوا.. صلَّوها مع الناس، مع أن إمام الجمهورية بنفسه لا يصلي الجمعة!! والإمام نفسه في هذه الحكومة يكرر على الناس الدعوة إلى التخلي عن الدنيا وترك الظلم والرياسات، وهو يخالف هذا الأمر! فقد جمع حوله بعض المتملقين الذين لا همّ لهم إلا الثناء عليه ليل نهار في الإذاعة والتلفزيون، وكثير من تملقهم وثنائهم مشوب بالشرك وألفاظ الكفر من قبيل قولهم: أنت نفسي يا خميني! أنت روحي يا خميني![235].
ومنذ سنين والناس عطشى لمجيء الحكومة الإسلامية العادلة، غير أن مجيء هذه الحكومة المسماة بـ(الجمهورية الإسلامية) وأفعالها المشينة جعل كثيراً من الناس يبتعدون عن الدين، وصار أكثر الناس مخالفين لها.
ولعل حكمة الله اقتضت أن يترأس أحد المعمَّمين ليفضح أمرهم، ولهذا صارت قناعة الناس مترسخة بأن من أراد الرئاسة فما عليه إلا أن يحيط نفسه برجال الدين والمتزلفين، مع أن الإسلام نهى عن التزلف وعن مدح الناس في وجوههم.
ولك أن تنظر إليهم وهم يعاملون الإمام «رئيس الجمهورية» كما يعاملون الأنبياء والمرسلين؛ يقبلون يديه ويتمسحون به وهو ساكت لا ينهاهم ولا يعلمهم الصواب، وأحياناً ينهاهم باللسان فقط دون أن يسحب یده ممن يريد تقبيلها أو یمنعه منعاً باتاً! بل ينظر إلى يده وكأنه يقول للرجل: هيّا ابدأ بتقبيل يدي، مع أن الإسلام لم يأمر بتقبيل اليدين[236].
في هذه الجمهورية صار من اللازم تقليد المراجع وتقبيل أيدي الإمام، وقد كانوا يعتقدون بوجوب طاعة الإمام المعين من الله ورسوله بواسطة الوحي، ولكنهم الآن رجعوا عن ذلك واختاروا انتخاب ولي الأمر، والنتيجة أنهم ولّوا عليهم شخصاً غير معين من الله تعالى، ثم باسم الإمام يضربون الناس، وكل من يقول الحق يتهمونه بمخالفة الإمام ومخالفة الثورة! فهل يحق لکلّ من صار إماماً في هذه الدنيا أن يختار قوانين خاصة به؟ لیس لأي إمام هذا الحق، بل لا بدّ أن يكون الإمام تابعاً للكتاب والسنة فقط.
والآن نجد أن مجموعة من طلاب العلم أوجدوا طبقة تسمى علماء الدين، ويطلق عليها عندنا في إيران الروحانيين، وفي الحقيقة صاروا متملقين يتزلفون للمسئولين، وللأسف مع كثرة الخرافات والظلم لم نر أو نسمع أي واحد منهم ينصر مظلوماً أو مسجوناً، كما أننا لم نر واحداً منهم دعا إلى ترك خرافة واحدة!! فما هم إلا أناس يأكلون أموال الحكومة فقط.
وأرجو أن يكون ما أكتبه هنا مفيداً للقراء، وسبباً لليقظة وإعادة النظر والتفكير، وأن يكون عبرة للمطلعين عليه في الأيام القادمة حتى لا يخدعوا مرة أخرى، وليناصروا الإسلام الخالي عن الخرافات.
الملاحظة الثالثة عشرة: للأسف قام هؤلاء المشايخ بالسكن في منازل الطغاة ممن سبقهم، فصنعوا كما صنع أولئك، مع أن الإسلام ينهى عن التعالي في البنيان لاسيما من قبل القدوات، فقد ورد في وسائل الشيعة (المجلد3 الصفحة 588)، أن رسول الله ص قال: «مَنْ بَنَى بُنْيَاناً رِيَاءً وَسُمْعَةً حَمَلَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلَى سَبْعِ أَرَضِينَ ثُمَّ يُطَوَّقُهُ نَاراً تُوقَدُ فِي عُنُقِهِ ثُمَّ يُرْمَى بِهِ فِي النَّارِ فَقُلْنَا يَا رَسُولَ اللهِ ص كَيْفَ يَبْنِي رِيَاءً وَ سُمْعَةً فَقَالَ يَبْنِي فَضْلًا عَلَى مَا يَكْفِيهِ أَوْ يَبْنِي مُبَاهَاةً».
والآن: ماذا نقول في بعض كبار الحكومة الذين اختاروا السكن في (فيلات) الطواغيت السابقين، وعلى كل حال أعمالهم مخالفة للإسلام، بل وحتى انتخاباتهم على نفس المنهج الطاغوتي السابق في التزوير والتلاعب.
وليُعلم أن الطريقة الإسلامية الحقة هي أسلوب البيعة من قبل العلماء وأهل الحل والعقد والمفكرين المسلمين، بإعطائهم يد الطاعة لمن يختارونه على الولاية العامة أو على الولايات والمدن من غير أن تقدم رواتب للمبايعين من أهل العقد، حتى لا يثقل كاهلُ الأمة، وحتى يكون اختيارهم خالصاً لله، وخروجاً من إشكالية شراء الأقوال والذمم كما هو حاصل، والله وحده يعلم قدر الخيانة التي تحدث في الصناديق لتكون النتيجة صعود من لا يستحق من المتزلفين للمجالس البرلمانية وغيرها، حتى أنك لا تجد فيها واحداً له رأي مستقل، وكأن شرط الترشيح هو التملق والتزلف.
الملاحظة الرابعة عشرة: أغلب قوانين الجمهورية الإسلامية مخالفة لشريعة الإسلام، فيوماً يقولون: ليس لأحد حق في بيع ما يملكه. ويقولون في يوم آخر: لابد أن يكون البيع بحضور مسؤولي الحكومة. و يوماً آخر يقولون: من يملك ألف متر مربع من الأرض في طهران لا يتم مصادرته. ولم يبينوا في أي مكان في طهران يكون الألف متر، أفي حي الجوادية (أحد أحياء طهران معروفة إلى الآن) أم في حي الطاووس (أحد أحياء طهران)؟ وهل هناك استثناء؟ وما سند هذه الأحكام؟
المشكلة أنهم ينشرون هذه الأحكام باسم الإسلام! وتجدهم غير مستعدين أن يعطوا الحرية لأهل كردستان[237]، فأي دين أو شرع يقول: إن كل الناس يجب عليهم أن يتبعوا الاعتقادات المذهبية (لحكومة) طهران.
الملاحظة الخامسة عشرة: هؤلاء يقولون: لولا علماء الدين من الشيعة (المراجع) لما بقي الإسلام، ومتى أُهين مقام علماء الشيعة (المراجع) أُهين الإسلام!
والسؤال: هل يوجد في الإسلام وخاصة في صدره الأول هذا التقسيم؟
أنا أجزم بأن هذا التقسيم لم يكن موجوداً أصلاً، والقرآن يقرر بأن التفاضل بالتقوى فقط، وليس برجل دين وغير رجل دين، قال تعالى: ﴿إِنَّ أَكۡرَمَكُمۡ عِندَ ٱللَّهِ أَتۡقَىٰكُمۡۚ﴾ [الحجرات: 13]، كما أن شرعنا ينهى عن التمايز بالألبسة خاصة لباس الشهرة، ومنه لباس رجال الدين[238].
ولو أردنا أن نبين إشكالات هذه الجمهورية لاحتجنا إلى سبعين منّاً من الأوراق.. ويكفي هنا أن نقول بأن أسوأ أعمال هذه الجمهورية أنها جرّت الناس إلى الشرك والخرافات التي لن يرى الناس معها وجه السعادة، ولعلها تسنح الفرصة لبيان المعايب الشرعية في هذه الجمهورية في موضع آخر.
أسأل الله تعالى بفضله لشعبنا المستضعف الذي خسر كثير من أفراده دنياهم وأخراهم أن يهيئ لهم ما يصلح أمر دينهم ودنياهم، وأن يعيذنا جميعاً من مضلات الفتن.
في إيران لا يوجد قانون أو مرجع حقيقي يُتحاكم إليه، فكل من أرادوه أخذوه وآذوه وسجنوه.. ومن يعترض على ذلك فهو مذنب ويحكم عليه بأنه لا ديني.. وقد ذكر لي بعضهم أنهم ذات مرة أدخلوا خمسين شخصاً في غرفة مساحتها ثلاثة أمتار في ثلاثة أمتار، فلم يكن أحد منهم يستطيع أن يجلس فضلاً عن أن ينام، وكان أحد حراس السجن يهددهم باستمرار.
وأنا عندما كنت في السجن مع بعض المشايخ شاهدت بعيني بعض الشباب الذين يأخذونهم ثم يعيدونهم إلى الزنزانات وهم ملطخون بالدماء، كما أعدموا بعض السجينات اللاتي اعترضن على ظروفهن السيئة في السجن!
وأذكر أنني لقيت في السجن رجلاً أمياً يعمل بنّاءً، فسألته عن سبب سجنه؟ فقال: أنا في هذا السجن منذ سنتين ولم يحاكموني، ولا أعلم لماذا سجنوني.
وأحد الأصدقاء اسمه (السيد عدالت) سجنوا ابنه وابنته، وتعللوا بأن لهم اتصالاً بمنظمة (مجاهدي خلق)، فقتلوا ابنته في السجن أثناء التحقيق ولم يخبروا أهلها إلا بعد شهور دون أن يطلعوهم أين وكيف دفنت! وأما الولد ذو الستة عشر عاماً فقد حكموا عليه بالسجن عشر سنوات، ولكنهم قتلوه بعد مضي ست سنوات مع آخرين.
وذات مرّة قبضت الحكومة على مجموعة كبيرة تتراوح أعمارهم بين الاثني عشر عاماً والعشرين عاماً، وقالوا: هؤلاء متهمون بأنهم «منافقون» فسجنوهم ثم قتلوهم.. وللأسف فإن حكومة الشيوخ لا تعرف معنى النفاق، إذ كيف يصفونهم بالنفاق والمنافق هو الذي يظهر خلاف ما يبطن، بينما هؤلاء الشباب كانوا يجاهرون بمخالفة الدولة.. فانظر كيف يجهلون أبسط المعاني الشرعية!!
وعلى كل حال: تدهورت الحالة، ودخلت الدولة الإيرانية مع العراق في حرب، والإمام الخميني يصر على الاستمرار؛ وحجته أن دولة العراق كافرة.. واستمر القتال سنوات؛ فمات فيها آلاف الشباب من الطرفين، وروعوا فيها الناس في مدنهم ليل نهار بالقذائف والصواريخ وغيرها، وتدمرت المساكن، وتقدم الكثير إلى الخميني بمساعي المصالحة وكف القتال فأبى ذلك، مع أن القرآن يحث على الصلح في آيات كثيرة حتى في الحرب مع الكفار، وأن الصلح يُقدم على الحرب بل يكون واجباً متى سنح بلا تردد، كما هو صريح في قوله تعالى: ﴿۞وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلۡمِ فَٱجۡنَحۡ لَهَا وَتَوَكَّلۡ عَلَى ٱللَّهِۚ﴾ [الأنفال:61] فكيف يرد هؤلاء الصلح؟!
نعم، سبب ذلك أن هؤلاء يدَّعون أن القرآن لا يعرف معانيه أحد، فلا غرابة إذن! والنتيجة: هي دمار وخوف وأمراض متنوعة بين الرجال والنساء، ومنها الأمراض النفسیة التي ابتلي بها بعض الناس بسبب ذلك.
ولو أردت كتابة جميع ذكرياتي لاحتاج الأمر إلى آلاف الأوراق.. ولكن حتى لا أخرج عن حد الاختصار أترك هذه القضايا وأنتقل إلى ذكر ما يتعلق بسجني في المرتين الثانية والثالثة أيام الجمهورية الإسلامية.
[234] يشير البرقعي إلى قوله تعالى: ﴿وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ * وَإِن يُرِيدُواْ أَن يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللهُ هُوَ الَّذِيَ أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ﴾ [الأنفال:62]. (المُحَقِّق) [235] قول القائل (أنت نفسي.. أنت روحي) لا يحمل على الشرك مطلقاً، بل قد يحمل على معانٍ كثيرة لا بأس بها، نحو قول ذلك بقصد شدّة الحب، أو قصد معنى: أفديك بروحي ونفسي، وأما إذا قصد معنى غيبياً فهو داخل في الشرك، والله أعلم. [236] اختلف في حكم تقبيل اليد فأنكره الإمام مالك وأجازه آخرون، قال الأبهري: وإنما كرهها مالك إذا كانت على وجه التكبر والتعظم، وأما إذا كانت على وجه القربة إلى الله لدينه أو لعلمه أو لشرفه فإن ذلك جائز. وقال النووي: تقبيل يد الرجل لزهده وصلاحه أو علمه أو شرفه أو صيانته أو نحو ذلك من الأمور الدينية لا يكره بل يستحب، فإن كان لغناه أو شوكته أو جاهه عند أهل الدنيا فمكروه شديد الكراهة. وانظر للمزيد في هذه المسألة: عون المعبود (14/90)، وتحفة الأحوذي (7/437). [237] منطقة الأكراد يسكنها أهل السنة وهم على مذهب الإمام الشافعي. [238] يلبس رجال الدين (المراجع وطلاب العلم) لباساً خاصاً وعمامة خاصة وجبة تميزهم عن غيرهم.