1- أزواج الرسول ج..
فأهل البيت، أي؛ أهل الدار، ومن يعيش معك في بيتك ويقاسمك الحياة، ومن يزعم حب الرسول ج ينبغي عليه أن ينظر في بيت الرسول ج وفيمن يساكنه ويشاطره الحياة.
ومن كان يعيش في بيت الرسول ج؟
فقد كان مع الرسول ج في بيته زوجاته وبناته، وقد تزوجت البنات وانتقلن مع أزواجهن إلى بيوتهم، فلم تبق مع الرسول ج إلا زوجاته، هذا هو قانون الحياة عامة.. ولا تبقى مع الرجل في بيته إلا زوجته - أو زوجاته - فالبنت أو الأخت أو الأم كل واحدة تعيش في بيتها مع زوجها وأولادها، ولا تخرج زوجة الرجل من بيته إلا إذا مات الرجل وتزوجت المرأة من بعده من رجل آخر، فتنتقل إلى البيت الجديد، وهذا ما لم يكن مع أزواج الرسول ج، فقد أصبحت زوجاته أمهات للمؤمنين وحرم نكاحهن.
فبقيت زوجات الرسول ج في بيوتهن حتى بعد وفاة الرسول ج، فلم تتزوج أحد منهن بعد الرسول ج، ولا انتقلت إلى بيت آخر، وظللن في بيوت الرسول ج حتى أدركهن الموت.
هذه هي الحقيقة الثابتة التي لا يمكن إنكارها.
لكن إذا أصر أحد من الناس أن يجعل رأسه في الرمال كالنعامة لئلا يرى الحق، فله ذلك، ولا يغير فعله هذا من الواقع شيئًا.
والله ﻷ في معظم المواضع من القرآن الكريم التي ذكر فيها أهل البيت، قصد في الغالب الأزواج..
فمثلاً: إذا قرأت قصة لوط × ستجد الأمر واضحًا، وكذلك في قصة إبراهيم ونوحإ وأي قصة أخرى، فإذا ذكر آل لوط أو آل إبراهيم شملت الكلمة زوجاتهم لا محالة.
اقرأ معي قوله تعالى: ﴿قَالُوٓاْ إِنَّآ أُرۡسِلۡنَآ إِلَىٰ قَوۡمٖ مُّجۡرِمِينَ ٥٨ إِلَّآ ءَالَ لُوطٍ إِنَّا لَمُنَجُّوهُمۡ أَجۡمَعِينَ ٥٩ إِلَّا ٱمۡرَأَتَهُۥ قَدَّرۡنَآ إِنَّهَا لَمِنَ ٱلۡغَٰبِرِينَ ٦٠﴾ [الحجر:58-60].
فإذا لم تكن الزوجة من أهل البيت لما دعت الحاجة إلى شرح الحكاية وتفسيرها واستثناء امرأته من عموم آل لوط. ﴿وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوۡمِهِۦٓ إِلَّآ أَن قَالُوٓاْ أَخۡرِجُوهُم مِّن قَرۡيَتِكُمۡۖ إِنَّهُمۡ أُنَاسٞ يَتَطَهَّرُونَ ٨٢ فَأَنجَيۡنَٰهُ وَأَهۡلَهُۥٓ إِلَّا ٱمۡرَأَتَهُۥ﴾ [الأعراف:82-83].
وكذلك في قصة إبراهيم × لما جاءته الملائكة؛ نرى بأن كلمة أهل البيت شملت زوجته كذلك.
فعندما جاءت الملائكة إلى إبراهيم في بيته، لم يكن في بيت إبراهيم × إلا هو وزوجته سارة، فحكت الملائكة لإبراهيم قصتهم، وما أمروا به ثم بشروا إبراهيم بغلام. سمعت زوجة إبراهيم × هذا الكلام وتعجبت منه، فقالت الملائكة: ﴿قَالُوٓاْ أَتَعۡجَبِينَ مِنۡ أَمۡرِ ٱللَّهِۖ رَحۡمَتُ ٱللَّهِ وَبَرَكَٰتُهُۥ عَلَيۡكُمۡ أَهۡلَ ٱلۡبَيۡتِۚ إِنَّهُۥ حَمِيدٞ مَّجِيدٞ ٧٣﴾ [هود:73]
ففي هذه الآية تعني كلمة أهل البيت؛ الرجل وزوجته، فلم يكن في بيت إبراهيم إلا هو وزوجته سارة، والآية لم تخاطب إلا زوجة إبراهيم؛ سارة التي تعجبت من أمر الله كيف يرزقها بغلام بعد هذا العمر: ﴿قَالَتۡ يَٰوَيۡلَتَىٰٓ ءَأَلِدُ وَأَنَا۠ عَجُوزٞ وَهَٰذَا بَعۡلِي شَيۡخًاۖ إِنَّ هَٰذَا لَشَيۡءٌ عَجِيبٞ ٧٢﴾ [هود:72]!
فقالت الملائكة لها: ﴿أَتَعۡجَبِينَ﴾ [هود:73] خطاب إلى المرأة، ولو كانت الآية تعني إبراهيم لقالت: «أَتَعْجَبُ؟»، فصيغة «تَعۡجَبِينَ» تستعمل في العربية لخطاب المؤنث لا المذكر.
مع هذه التفاصيل؛ لماذا يصر الشيعة على رفض زوجات الرسول ج وطردهن من دائرة أهل البيت؟!
ألا يصدقون القرآن ولا يقبلونه؟
إن كانوا يقبلون القرآن الكريم، فلماذا يعتقدون هذه العقيدة العجيبة الغريبة المتعارضة مع القرآن تجاه أهل بيت رسول الله ج؟!
لابد أنكم قرأتم هذه الآية الكريمة:
﴿وَقَرۡنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجۡنَ تَبَرُّجَ ٱلۡجَٰهِلِيَّةِ ٱلۡأُولَىٰۖ وَأَقِمۡنَ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتِينَ ٱلزَّكَوٰةَ وَأَطِعۡنَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥٓۚ إِنَّمَا يُرِيدُ ٱللَّهُ لِيُذۡهِبَ عَنكُمُ ٱلرِّجۡسَ أَهۡلَ ٱلۡبَيۡتِ وَيُطَهِّرَكُمۡ تَطۡهِيرٗا ٣٣﴾ [الأحزاب:33].
يقول علماء الشيعة بأن هذه الآية نزلت في علي وفاطمة والحسن والحسين ي، في حين أن الآية تعني زوجات النبي ج، ولا شك أن بناته وأصهاره من أهل بيته ج، ولا ننسى كذلك بأن الرسول ج كان له أربع بنات، لا واحدة، وقد تزوج عثمان من بنتين من بنات الرسول ج - واحدة بعد الأخرى - ولهذا يلقب بذي النورين، ونحن نؤمن بهذا كله...
لكن هذه الآية تعني زوجات الرسول ج، فالآية وردت في سياق تبشر أهل بيت الرسولج بالتطهير، والخطاب موجه إلى زوجات الرسول ج، لا إلى بناته أو أصهاره!
اقرأ معي قوله تعالى: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ قُل لِّأَزۡوَٰجِكَ إِن كُنتُنَّ تُرِدۡنَ ٱلۡحَيَوٰةَ ٱلدُّنۡيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيۡنَ أُمَتِّعۡكُنَّ وَأُسَرِّحۡكُنَّ سَرَاحٗا جَمِيلٗا ٢٨ وَإِن كُنتُنَّ تُرِدۡنَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ وَٱلدَّارَ ٱلۡأٓخِرَةَ فَإِنَّ ٱللَّهَ أَعَدَّ لِلۡمُحۡسِنَٰتِ مِنكُنَّ أَجۡرًا عَظِيمٗا ٢٩ يَٰنِسَآءَ ٱلنَّبِيِّ مَن يَأۡتِ مِنكُنَّ بِفَٰحِشَةٖ مُّبَيِّنَةٖ يُضَٰعَفۡ لَهَا ٱلۡعَذَابُ ضِعۡفَيۡنِۚ وَكَانَ ذَٰلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيرٗا ٣٠ ۞وَمَن يَقۡنُتۡ مِنكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِۦ وَتَعۡمَلۡ صَٰلِحٗا نُّؤۡتِهَآ أَجۡرَهَا مَرَّتَيۡنِ وَأَعۡتَدۡنَا لَهَا رِزۡقٗا كَرِيمٗا ٣١ يَٰنِسَآءَ ٱلنَّبِيِّ لَسۡتُنَّ كَأَحَدٖ مِّنَ ٱلنِّسَآءِ إِنِ ٱتَّقَيۡتُنَّۚ فَلَا تَخۡضَعۡنَ بِٱلۡقَوۡلِ فَيَطۡمَعَ ٱلَّذِي فِي قَلۡبِهِۦ مَرَضٞ وَقُلۡنَ قَوۡلٗا مَّعۡرُوفٗا ٣٢ وَقَرۡنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجۡنَ تَبَرُّجَ ٱلۡجَٰهِلِيَّةِ ٱلۡأُولَىٰۖ وَأَقِمۡنَ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتِينَ ٱلزَّكَوٰةَ وَأَطِعۡنَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥٓۚ إِنَّمَا يُرِيدُ ٱللَّهُ لِيُذۡهِبَ عَنكُمُ ٱلرِّجۡسَ أَهۡلَ ٱلۡبَيۡتِ وَيُطَهِّرَكُمۡ تَطۡهِيرٗا ٣٣ وَٱذۡكُرۡنَ مَا يُتۡلَىٰ فِي بُيُوتِكُنَّ مِنۡ ءَايَٰتِ ٱللَّهِ وَٱلۡحِكۡمَةِۚ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا ٣٤﴾ [الأحزاب:28-34].
فكما هو واضح أمام أعيننا؛ يأمر الله ﻷ رسوله ج في بداية هذه الآيات الكريمات أن يخير أزواجه بين البقاء والطلاق، فقال: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ قُل لِّأَزۡوَٰجِكَ إِن كُنتُنَّ تُرِدۡنَ ٱلۡحَيَوٰةَ ٱلدُّنۡيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيۡنَ أُمَتِّعۡكُنَّ وَأُسَرِّحۡكُنَّ سَرَاحٗا جَمِيلٗا﴾. ونعرف جميعًا أن أي واحدة من أزواج النبي ج لم تطلب الطلاق ولم ترض به، أي؛ لم ترد واحدة منهن الحياة الدنيا وزينتها، بل طلبن ما عبَّر عنه القرآن الكريم: ﴿وَإِن كُنتُنَّ تُرِدۡنَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ وَٱلدَّارَ ٱلۡأٓخِرَةَ﴾ [الأحزاب:29]، أي؛ رضين بالله ورسوله ونعيم الآخرة، وكما ترى فإن الآيات تتكلم قبل آية «تطهير أهل البيت» وبعدها عن زوجات الرسول ج، ولا أدري كيف يسمح علماء الشيعة لأنفسهم أن يقطعوا الآية من سياقها، ويخرجوها من وسط الآيات التي تخاطب زوجات الرسول ج وينسبوها إلى فاطمة والحسن والحسين س؟!
فهذا دليل واضح وجلي لكل من أوتي بصيرة وفهمًا سليمًا أن الله ﻷ طهَّر زوجات الرسولج، لأنه إذا أراد شيئًا فعله، وقد أراد أن يطهرهن تطهيرًا [13].
ومن المؤسف أن نرى من يزعم حب أهل البيت؛ يشتم أهل بيت الرسول ج.
فزوجات الرسول لم يلقبن بأهل البيت فحسب، وإنما شرفهن الله ﻷ ولقبهن من فوق سبع سماوات «بأمهات المؤمنين». ومن جهة أخرى، هن من كبار صحابيات الرسول ج. فكيف يتجرأ إنسان أن يرمي أمهات المؤمنين بالنفاق؟ وهل من الممكن أن تكون أمهات المؤمنين منافقات؟!
تصور إنسانًا يزعم حبك ويدعي صداقتك، ثم يخرج على الملأ ويشتم زوجتك ويرميها بأخس الصفات ويطعن في عرضها. فهل تصدق صداقته وحبه لك أم أنه عدوك؟
هذا هو عين ما يصنعه بعض الناس مع الرسول ج، يفعلون هذا وقد سمعوا الله ﻷ يخبر بطهارة أزواج الرسول ج!!
• حديث الإفك والافتراء على عائشة ل..
كان الرسول ج يأخذ معه إحدى زوجاته في كل سفر يخرج فيه، وكان يقترع بينهن.
وفي إحدى هذه الأسفار وقعت القرعة على عائشة فخرجت ترافق الرسول ج، وفي إحدى الأماكن التي نزلت القافلة للراحة خرجت عائشة من هودجها وابتعدت عن القافلة لقضاء الحاجة، وفي هذه الأثناء تحركت القافلة، وحمل الناس هودج أم المؤمنين على ناقتها دون أن يشعروا أنها ليست في الهودج.
فرجعت عائشة إلى مكان القافلة فوجدتها قد غادرت المكان، فعرفت أنهم سوف يشعرون بغيابها ويرسلون وراءها، فجلست في مكانها.
كانت من عادة القوافل أنها تختار رجلاً يتحرك خلف القافلة ويترقب إن كان قد سقط من القافلة شيء أو نسوا شيئًا ليوصله إلى صاحبه. وفي هذا السفر، كُلف سيدنا صفوان بهذه المسئولية. فلما رجع إلى مكان القافلة تفاجأ بعائشة هناك، فقال مستغربًا: إِنَّا للهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ، ظَعِينَةُ رَسُولِ اللهِ ج! ولم ينطق بشيء أكثر من هذا، وأناخ ناقته لتركب عائشة عليها، ثم أخذ زمام الناقة وبدأ يمشي أمامها نحو القافلة، إلى أن أوصلها إلى هودجها.
وقد كان هذا الحدث البسيط بمثابة شرارة جيدة للمنافقين ليتخذوها ذريعة في الطعن في عرض الرسول ج، فقالوا: أجل، رجل شاب وامرأة شابة!!
ونطقوا بكلام قبيح يعجز قلمي عن تكراره على الورق وكتابته، وانتشرت الإشاعة كالنار في الهشيم على ألسنة المنافقين، إلى أن نزلت تلك الآيات من سورة النور التي برأت أم المؤمنين عائشة ل مما افتروه عليها:
﴿إِنَّ ٱلَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ ٱلۡفَٰحِشَةُ فِي ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَهُمۡ عَذَابٌ أَلِيمٞ فِي ٱلدُّنۡيَا وَٱلۡأٓخِرَةِۚ وَٱللَّهُ يَعۡلَمُ وَأَنتُمۡ لَا تَعۡلَمُونَ ١٩﴾ [النور:19].
وفي سورة الأحزاب في نفس الموضوع نجد قوله تعالى: ﴿وَٱلَّذِينَ يُؤۡذُونَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ وَٱلۡمُؤۡمِنَٰتِ بِغَيۡرِ مَا ٱكۡتَسَبُواْ فَقَدِ ٱحۡتَمَلُواْ بُهۡتَٰنٗا وَإِثۡمٗا مُّبِينٗا ٥٨﴾ [الأحزاب:58].
لم نذكر هذه الآيات الكريمات لنثبت براءة أم المؤمنين من حديث الإفك؛ فالحمد لله من حسن الحظ أن أحدًا من المسلمين لا يخالفنا في براءتها، ولا يطعن في أم المؤمنين بما طعنها المنافقون لنستشهد بالآيات، لكننا ذكرنا الآية لنستشهد على أمر آخر وهو:
أن نقول أولاً: إن الشيعة كذلك يؤمنون بأن الآيات السابقة نزلت في أم المؤمنين عائشةل.
وبما أنهم يوافقوننا في هذا الأمر، فلنسمع المولى ﻷ ماذا يقول: ﴿وَٱلَّذِينَ يُؤۡذُونَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ وَٱلۡمُؤۡمِنَٰتِ﴾ [الأحزاب:58].
بعد ما عرفنا سبب نزول الآية فإن كلمة المؤمنين هنا تعني؛ سيدنا صفوان بن معطل ا، والمؤمنات تعني؛ عائشة ل. أي؛ أن الله ﻷ عدهما في زمرة المؤمنين والمؤمنات، فهل نستطيع نحن بعد هذه الشهادة الإلهية وهذا الحكم السماوي الصارم أن نرميهما بالكفر أو النفاق؟!
وماذا نصنع بقوله تعالى: ﴿إِنَّ ٱلَّذِينَ يَرۡمُونَ ٱلۡمُحۡصَنَٰتِ ٱلۡغَٰفِلَٰتِ ٱلۡمُؤۡمِنَٰتِ لُعِنُواْ فِي ٱلدُّنۡيَا وَٱلۡأٓخِرَةِ وَلَهُمۡ عَذَابٌ عَظِيمٞ ٢٣﴾ [النور:23].
ونعرف يقينًا أن الآية تعني من: ﴿ٱلۡمُحۡصَنَٰتِ ٱلۡغَٰفِلَٰتِ ٱلۡمُؤۡمِنَٰتِ﴾ [النور:23]؛ أمالمؤمنين عائشة ل بالدرجة الأولى.
فكيف يتجرأ الواحد منا بعد أن وصف الله ﻷ أم المؤمنين بهذه الصفات الجليلة - تلك الصفات التي لو نزلت واحدة منها في حق امرأة غيرها لأقامت الدنيا ولم تقعدها فخرًا واعتزازًا بنفسها، وحق لها التفاخر والاعتزاز - أن يرميها بتلك الصفات القبيحة والشتائم التي يتفوه بها بعض القوم؟ كيف له أن يرميها بالنفاق أو يطعن في نواياها؟!
فيا ترى؛ بأي وجه سوف يقابل الله ﻷ من يفعل مثل هذا؟!
وقد حكى لنا القرآن الكريم هذه الواقعة ثم اختتمها بآية، لو تمعن الناس فيها، لما تجرأ أحد منهم أن يتطاول على أم المؤمنين عائشة ل، إلا إذا كان منافقًا حاقدًا على الإسلام والمسلمين يبطن نفاقه ويتظاهر بالإسلام، أو رجلاً لا يؤمن بالقرآن الكريم.
تقول الآية: ﴿ٱلۡخَبِيثَٰتُ لِلۡخَبِيثِينَ وَٱلۡخَبِيثُونَ لِلۡخَبِيثَٰتِۖ وَٱلطَّيِّبَٰتُ لِلطَّيِّبِينَ وَٱلطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَٰتِۚ أُوْلَٰٓئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَۖ لَهُم مَّغۡفِرَةٞ وَرِزۡقٞ كَرِيمٞ ٢٦﴾ [النور:26].
ما معنى هذه الآية؟
أي؛ لو أن عائشة كانت خبيثة لكان ولابد أن تكون لرجل خبيث، وإن كانت طيبة كانت لرجل طيب، والآية نزلت في عائشة وتتحدث عن براءتها من حادثة الإفك.
فيا أيها العقلاء!
من نصيب مَن كانت عائشة ل؟
فهي منذ أن بلغت كانت زوجة للرسول ج، وانتقل الرسول ج إلى الرفيق الأعلى ورأسه المبارك بين سحْر حجر عائشة ونحرها، ولم تتزوج عائشة بعد الرسول ج من رجل آخر قط ولم يكن لها ذلك، وقضت كل حياتها في تلك الحجرة التي عاشت فيها مع الرسول ج معززة مكرمة عشر سنوات من حياتها، وقد قال عنها المصطفى ج: «عائشة زوجي في الجنة»[14].
وهذا واضح أظهر من الشمس أنها كانت أحب زوجات الرسول ج بعد أم المؤمنين خديجة، وكان الرسول ج يحبها أكثر من سائر زوجاته.
يوم أن انتشر حديث الإفك على ألسنة المنافقين قال عمر ا لرسول الله ج: يا رسولالله! أتذكر يوم أن كان على لباسك نجاسة، فجاء جبريل يخبرك بها، فلم يكن الله ﻷ يرضى أن يرى النجاسة في ثيابك، فهل يرضى أن يرى زوجتك وشريكة حياتك نجسة ولا يخبرك؟!
ثم قال عمر: سبحانك هذا بهتان عظيم!
فنزلت الآيات من عند الله تؤيد ما قاله عمر ا، وتكرر نفس الكلمات، أجل! نفس الكلمات: ﴿سُبۡحَٰنَكَ هَٰذَا بُهۡتَٰنٌ عَظِيمٞ ١٦﴾ [النور:16].
أين عمر اليوم ليرى بعض المسلمين يتطاولون على أم المؤمنين ويرمونها بأكبر من الزنا؟!
أجل! يرمون أم المؤمنين بالكفر والنفاق والردة!!
يا سبحان الله! أين عمر ليصرخ بأعلى صوته: ﴿سُبۡحَٰنَكَ هَٰذَا بُهۡتَٰنٌ عَظِيمٞ ١٦﴾ [النور:16].
إذا لم يكن عمر بين أظهرنا، فلسنا أقل من أن نجتمع نحن المسلمين كلنا للدفاع عن عرض الرسول ج ودينه ونصرخ بأعلى صوتنا: ﴿سُبۡحَٰنَكَ هَٰذَا بُهۡتَٰنٌ عَظِيمٞ ١٦﴾ [النور:16].
يقول بعض علماء الشيعة ممن نذروا علمهم وجهدهم ودعوتهم لإضلال الناس والتلبيس عليهم، لا لدعوتهم وإرشادهم نحو الحق، يضربون مثالاً عجيبًا فيقولون:
«ليس هذا أمرًا جديدًا في سيرة الأنبياء، فقد كانت زوجة سيدنا لوط × وزوجة سيدنا نوح × كذلك»!
وقد توصلوا إلى استدلالهم هذا على طريقتهم الخاصة في القياس مع الفارق، ونقول في جوابهم: هذا ليس دليلا يعتد به! ما علاقة فساد زوجة لوط وزوجة نوح بأم المؤمنين زوجة الرسول ج؟ ولعل جاهل معاند مثلكم يقوم ويطبق منهجكم في القياس على سيدنا علي ا ويرمي زوجته بذلك؟!
فقد قلنا بأن الله ﻷ لا يرضى أن يرى الفساد في عرض نبيه ومصطفاه، وقد رأينا ذلك يوم أن أغرق زوجة نوح ×، وأمطر على زوجة لوط × مطرًا من النار!
وينبغي أن نرى ما صنعه الله بزوجة رسوله ومصطفاه محمد ج؟
فقد قضى رسول الله ج آخر أنفاسه من هذه الحياة في غرفة عائشة وبجوارها، ولم يذكر اللهﻷ عنها إلا الخير والطهر والعفاف.
فأين وجه التشابه بين أم المؤمنين عائشة ل التي برأها الله وزكاها من فوق سبع سماوات، ثم أكرمها في جوار رسوله ومصطفاه، وبين زوجتَي نوح ولوط اللتين فضحهما الله ﻷ في الدنيا قبل الآخرة؟!
وحتى بعد ما حدث بين علي وعائشة ب من الخلاف وانتصر علي ا على جيش مكة، لم ينزل علي عليها مطرًا من النار ولا أغرقها بطوفان، وإنما أكرمها وأرجعها إلى بيت حبيبها الرسول ج معززة مكرمة.
إذن، هذه قاعدة كلية لا استثناء فيها، فإن الخبيث والطيب لا يجتمعان ولاسيما في بيت النبوة؛ كما رأينا ذلك بين سيدنا لوط وزوجته، وبين سيدنا نوح وزوجته، وحتى بين آسية الطاهرة المؤمنة وزوجها فرعون الطاغي، إذ يفرق الله ﻷ بين الطاهرين الطيبين والخبيثات. وإذا بقيا بجوار البعض إلى آخر أيامهما لا يخرج الأمر من أن يكونا طيبين أو خبيثين!!
فماذا يرى السادة علماء الشيعة؟!
[13]- للمزيد، انظر كتاب آية التطهير وعلاقتها بعصمة الأئمة للدكتور طه الدليمي، وكتاب تأمل في آية التطهير للعلامة مصلح توحيدي. [المُصحح] [14]- أخرجه ابن سعد في الطبقات (8 /66)، قال الألباني: وهذا إسناد رجاله ثقات رجال مسلم غير أنه مرسل لأن مسلمًا وهو ابن عمران البطين من صغار التابعين ولكن من المراسيل الصحيحة لأن له شواهد كثيرة تدل على ذلك»، منها قوله ج لها: «أَنْتِ زَوْجَتِي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ». أخرجه الحاكم في المستدرك على الصحيحين (4/11)، وصححه ووافقه الذهبي والألباني. وانظر كذلك السلسلة الصحيحة للألباني برقم 1142. [الـمُصحح]