التضاد في العقيدة

فهرس الكتاب

(5) لماذا لم يختر الرسول ج خليفته من بعده؟

(5) لماذا لم يختر الرسول ج خليفته من بعده؟

من أهم الأمور التي يتشبثون بها، هي:

كيف يمكننا أن نتصور بأن الرسول ج يسكت عن أمر خطير كهذا، ويترك أمته كقطيع بلا راعٍ؟

ومن الأصول الثابتة التي لا تقبل النقاش عندهم؛ أن الأرض لا تخلو من حجة لله أبدًا، ومن هنا يقولون: «يستحيل أن يغير هذا الأصل الثابت بعد وفاة الرسول ج».

ويعضّون على هذا الأصل الثابت الذي لا يتزعزع(!) بالنواجذ ويرونه من البراهين القوية والأدلة الثابتة. لكننا على المنهج الذي اتفقنا عليه نحاول أن نبحث في هذه النقطة كذلك، لنرى هل يثبت هذا القانون عندهم أو تطرأ عليه التناقضات كسائر أدلتهم.

مع الأسف الشديد نرى بأنهم هنا كذلك وقعوا في التناقض والتضاد:

فهم يقولون من جهة؛ أنه يستحيل أن يخلو العالم من حجة لله ويبقى الكون من دون قائد، فمن هنا لا يمكن أن يبقى أمر مهم كخلافة الرسول ج مسكوتًا عنه. ومن جهة أخرى؛ نرى بأن العالم اليوم - حتى عندهم - يخلو من «الحجة»، وأن خلافة الرسول اليوم أصبحت أمرًا معلقًا لم يحل بعد! كيف ذلك؟

يقول علماء الشيعة أن الله اختار عليًّا ا خليفة للرسول ج، واختار من بعده الإمام الحسن ثم الإمام الحسين ثم الإمام السجاد و... إلى الإمام المهدي، اثني عشر خليفة للرسولج.

ونحن نجاريهم في ذلك ثم نقول:

أين الإمام المهدي اليوم؟

لماذا تركنا الله دون قائد يقودنا؟

وإذا كنتم ترون أن ترك الأمة من دون خليفة منصوص عليه من الله يعد طعنًا في عدل الله ، فمن باب أولى يعد طعنًا في عدالته أن يتركني ويترك أمثالي وأمثالكم ممن بَعُد عهدنا بالنبي ج دون راع يرعانا ودون قائد يقودنا ودون خليفة للرسول ج يقوم بيننا ويصلح أمرنا ويرشدنا نحو الحق!

لعلكم تقولون بأن الله لم يتركنا هملاً، وإنما عيَّن الإمام المهدي الحي الحاضر يقودنا اليوم.

فيطرح سؤال نفسه: أين هو لنسأله عن الحق المبين، لئلا يبقى لنا في الأمر شيء؟!

بماذا ستجيبونني يا إخواني الشيعة؟ ألستم تقولون بأنه قد اختفى خلف ستائر الحجب ولا يمكننا الوصول إليه، ويجب علينا أن نرجع إلى القرآن وأحاديث الرسول ج وروايات الأئمة في حل مشاكلنا...

رحمكم الله وهداكم وإيانا إلى الحق المبين، فقد عدتم إلى ما نقوله...

تسمحون للإمام المهدي أن يختفي وراء ستائر الغيب ولا يعين لنفسه خليفة ويترككم من دون قائد يقودكم ولا ترون في ذلك طعنًا في عدالة الله ، فلماذا تنكرون علينا قولنا بأن الرسول ج لم يختر خليفة من بعده وذهب وقد ترك فينا القرآن والسنة، وترون في ذلك نقصًا وطعنًا في العدل الإلهي؟

بدأت الحكاية فيكم أن اخترتم للمهدي من ينوبه، ولعبتم بعقول الناس سبعين عامًا -متوسط عمر الإنسان - ولما لم تجدوا الساحة متلائمة لظهوره أطلتم عمره وأبطلتم وجود من ينوبه، وفي النهاية اتضح لنا جميعًا بأنه لا قائد يقودني أنا ولا قائد يقودك أنت أيها القارئ، ويجب علينا أن نجلس ونختار لأنفسنا في ضوء هدايات القرآن وقواعد السنة من يقودنا.

وهذا ما قام به إخواننا الشيعة أنفسهم، ويقومون به إلى الآن؛ فقد اختاروا الخميني قائدًا لهم، ثم اختاروا مجلس الخبراء - مجلس الشيوخ (مجلس خبرگان)-، [ومجلس الخبراء اختار خامنئي خلفًا للخميني]؛ فإذا كنتم ترون بأن المهدي حي وأمره مطاع فلا حاجة للانتخاب إذن، فمن نحن حتى نتجرأ على الله ونختار من عندنا من يقودنا والقائد المنصوص عليه من الله بين أيدينا؟! فلما كان الرسول ج حيًا بين ظهراني الصحابة لم يكن أحد منهم يتجرأ على الترشيح أو الانتخاب، فقد كان الرسول ج يختار القادة بنفسه، وكان أمره مطاعًا لا يخالفه أحد من العالمين، إذ لم يكن الناس قد اختاروه نبيًا أو قائدًا لهم، فقد كان رسولاً مرسلاً مختارًا من الله...

فطالما أننا نحن الذين نسمح لأنفسنا أن نختار من بيننا من يقودنا، لماذا لا نسمح للصحابة أن يختاروا من بينهم من يقودهم؟!

وهذا تناقض وتضاد واضح، فهم بعد ألف دليل وبرهان وجدل وصلوا إلى ما قلناه. ومن الطريف المضحك في الأمر أنه يوم أن مات الخميني في إيران لم يكن قد اختار لنفسه من يخلفه، ولعل ذلك كان بحكمة من الله إذ جعله يخلع «منتظري» من خلافته، ويموت ولا خليفة له. فاجتمع عظماء إيران واختاروا قائدًا جديدًا لأنفسهم يدعى «خامنئي».

لم يستلم القائد الجديد «خامنئي» حكم قيادته لا من الله ولا من الإمام المهدي ولا حتى من القائد الذي سبقه!!

هداكم الله يا إخواني! أو ليس إمامكم وقائدكم صنع ما ترونه محالاً؟ فقد قلتم أنه يستحيل أن يذهب الرسول ج دون أن يعين قائدًا يقود الأمة، وقد ذهب إمامكم ورئيس دولتكم دون أن يختار من يخلفه..

يقولون: «لم يختر الخميني خليفة لنفسه، لأن الدستور للدولة كان قد وضع، وكان هناك مجلس الشيوخ - مجلس الخبراء - وكان بإمكانهم أن يختاروا من يخلفه، وقد اختاروا».

فنتساءل: هل كان دستوركم هذا أدق من القرآن الكريم؟!

فقد أمر القرآن الكريم المسلمين أن يدبروا شؤون حياتهم بالشورى، وعلى أساسه اجتمع الناس بعد الرسول ج واختاروا من يخلف نبيهم، واتفق الجمهور على خلافة أبي بكر ا، ومن لم يرض به لم يقد ثورة ولم يستل سيفًا؛ إما أنه سكت، وإما أنه ترك المدينة طواعية.

لا أريد أن أدخل في متاهات السياسة، وإنما أريد أن أشير إلى أن الشيعة لا يمكنهم أن يعملوا حرفيًا بما يقولونه أو يتحركوا في إطار اعتقاداتهم حتى ولو وصلوا إلى الحكم؛ وذلك لأن التضاد والتناقض قد امتزج مع أساس اعتقاداتهم، والكل يدرك بأن الضدان لا يجتمعان ولا يمكن أن يتحقق شيئان متناقضان عمليًا في نفس الوقت، وإنْ حاولنا أن نجمعهما نظريًا في إطار التأويلات والتفسيرات والجدل المتكلف.

وليس ما قلته تفلسفًا للتهرّب من السؤال الذي طُرِح: «لماذا لم يختر الرسول ج خليفة من بعده»؟، وإنما أردت أن أبين التناقضات الموجودة لدى إخواننا الشيعة قبل أن أخوض في سرد بعض الأدلة التي تجيب على التساؤل السابق:

1) لم يترك الرسول ج أمته دون من يقودها، ودون من يرشدها، فقد ترك أمته على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، وقد ترك الرسول بين صحابته قرآنا كُلِّف بإبلاغه من قبل الله ، وقد ظل القرآن طوال القرون الماضية وسيظل إلى يوم الدين كتاب هداية ورشاد للأمة، وهو كتاب سهل ميسر يفهمه الناس ولا تخفى عليهم أوامره، ولا يصعب عليهم إدراك قوانينه، وقد كرر الله أربع مرات في سورة واحدة قوله تعالى: ﴿وَلَقَدۡ يَسَّرۡنَا ٱلۡقُرۡءَانَ لِلذِّكۡرِ فَهَلۡ مِن مُّدَّكِرٖ ١٧ [القمر: 17-22-32-40].

ومن سمات هذا القرآن أن الله قد تكفل بحفظه، فلا يمكن أن يعتريه عليه تحريف ولا تبديل، ولا أتصور أن أحدًا يناقشنا في هذا الأمر، فقد كان القرآن الكريم وسيرة الرسول ج وكلامه -الذي حفظه الصحابة في صدورهم ثم دُوِّن في الكتب الحديثية- مصابيح تنير الدروب أمام الأمة وستظل كذلك إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، فمن الظلم والخطأ الواضح أن يزعم أحد أن الرسول ج ترك أمته كقطيع بلا راعي.

2) لقد أمر القرآن الكريم والسنة المطهرة المسلمين أن يتشاوروا في أمورهم، وقد قال تعالى في محكم كتابه: ﴿وَأَمۡرُهُمۡ شُورَىٰ بَيۡنَهُمۡ [الشورى:38].

وقد عمل الصحابة بهذا الأمر واختاروا من خلال الشورى من يخلف نبيهم، ووفقه الله في ذلك.

3) إذا دققنا النظر في الأمر ندرك كمال الحكمة النبوية التي تكمن في عدم اختياره ج من يخلفه من بعده:

فقد اختار الرسول ج في حياته في عدة مواقف من ينوب عنه. فمثلاً: إذا خرج للجهاد من المدينة، كان يختار من ينوب عنه على إمارة المدينة، وكان إذا أرسل سرية أو جيشًا ولم يخرج معه يختار لهم أميرًا، وإذا ارتكب أحدهم خطأ تبرأ إلى الله من خطئه، وقام بتعويض ذلك. وفي إحدى المعارك عين الرسول ج خالد بن الوليد أميرًا على الجيش، وقد هجم خالد على جيش الكفر وأنزل إليهم بأسًا يليق بشجاعته، وفي هذه المعركة أرادت بني جذيمة أن تقول: أَسْلَمْنَا فقالت: صَبَأْنَا صَبَأْنَا، فجعل خالد بن الوليد يقتل فيهم. ولما وصل الأمر إلى رسول الله ج، رفع يديه وقال: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَبْرَأُ إِلَيْكَ مِمَّا صَنَعَ خَالِدٌ» مَرَّتَيْنِ[7]، ثم أمر الرسول ج أن تُدفع دية كل مقتول إلى أهله[8].

لماذا قال الرسول ج هذا الكلام؟ فلم يكن الأمر يتعلق به؟ فقد كان دم الرجل على ذمة خالد.

لا، ليس الأمر كذلك؛ لأن خالدًا كان أميرًا عيَّنه الرسول ج، أو بعبارة أخرى كان خليفته على جيشه، فأمره يُعد أمرًا من الرسول ج، وعمله يعد عمل الرسول ج؛ ولهذا لما أخطأ خالد ثار الرسول ج وأصلح خطأه مباشرة.

تصوروا معي لو أن خالداً كان خليفة اختاره الرسول ج ليخلفه بعد وفاته، وافترضوا أن هذا الأمر وقع بعد وفاة الرسول ج فهل كان أحد يستطيع أن يعترض على خالد الذي اختاره من لا ينطق عن الهوى، واصطفاه لخلافته من بينهم، بل إنه كان سيصبح هذا العمل شرعًا يقتدى به، وقانونًا لا يناقش. وتصوروا أن خالدًا كذلك كان يختار خليفة من بعده، وهو كذلك ارتكب خطأ واحدًا فيصبح قانونًا، وهلمَّ جرا.

لو استمر الأمر على هذا المنوال إلى يومنا هذا وثبت عن كل خليفة خطأ واحد، فتصور معي كم الأخطاء التي كان من الممكن أن تصبح قوانين ثابتة وشرعًا مطاعًا؟!

وقد أدرك الشيعة هذه الثغرة فحاولوا أن يرقعوها بأن جعلوا خلفاء الرسول ج معصومين(!)، وهذا رأي فاسد لا يصح أبدًا، وذلك لعدة أسباب:

أولاً: أن ما حدث كان غير هذا، فقد صدر من خالد خليفة الرسول ج في تلك الواقعة خطأ أثار غضب الرسول ج.

ثانيًا: لا يمكن أن يكون المرء معصومًا إلا إذا اتصل بالوحي من الله ، وحتى النبي ج لو لم يكن متصلاً بالوحي كان من الممكن أن يخطئ؛ فمثلاً، فقد أراد الرسول ج أن يصلي على المنافقين ويقوم على قبورهم، فنزل الوحي يرشده: ﴿وَلَا تُصَلِّ عَلَىٰٓ أَحَدٖ مِّنۡهُم مَّاتَ أَبَدٗا وَلَا تَقُمۡ عَلَىٰ قَبۡرِهِۦٓۖ إِنَّهُمۡ كَفَرُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ وَمَاتُواْ وَهُمۡ فَٰسِقُونَ ٨٤ [التوبة:84].

وكذلك صحح الوحي موقفًا آخر للرسول ج في هذه الآية: ﴿عَفَا ٱللَّهُ عَنكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمۡ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكَ ٱلَّذِينَ صَدَقُواْ وَتَعۡلَمَ ٱلۡكَٰذِبِينَ ٤٣ [التوبة:43].

وأمثلتها كثيرة في السيرة النبوية.

فقد اختار الله نبيه ليكون أسوة لنا نقتدي به في حياتنا: ﴿لَّقَدۡ كَانَ لَكُمۡ فِي رَسُولِ ٱللَّهِ أُسۡوَةٌ حَسَنَةٞ لِّمَن كَانَ يَرۡجُواْ ٱللَّهَ وَٱلۡيَوۡمَ ٱلۡأٓخِرَ وَذَكَرَ ٱللَّهَ كَثِيرٗا ٢١ [الأحزاب:21]، فكان الوحي يهذب أعماله ويصوبها ويصححها إذا لم تكن كما يريدها الله ليكون الرسول ج نسخة من القرآن الكريم وليعيش حياة بشرية كما أرادها الله للأمة، فمن هنا نحن نقول بأن الرسول ج كان معصومًا، أي كان بريئًا من الأخطاء والمعاصي.

لكن خليفة الرسول ج لا يمتاز بهذه السمة، فمثلاً: لو كان علي خليفة منصوصًا عليه من الرسول ج فكان من الممكن أن يصدر منه خطأ - ولو واحد - ليكون شرعًا لمن بعده وقانونًا ثابتًا.. وهلم جرا، كما ذكرنا سابقًا..

وأخطر من هذا فمن الممكن أن تتعارض أخطاء الخلفاء تمامًا، حيث يعمل الخليفة اللاحق خلاف ما قام به السابق وكل هذه تصبح قوانين تحير الأمة وتجعلها لا تميز الحق من الباطل. فكان من الممكن أن يعمل الإمام الحسن عملاً كان الإمام علي يعارضه، أو يعمل الإمام الحسين ما لم يكن يرضاه الإمام الحسن، وهكذا.. كان سيظهر لنا مئات الأئمة والقادة كل يعمل بفتواه واجتهاده، وكانت الأمة ستضيع في متاهات هذه الخلافات التي تعتبر كلها قوانين ثابتة لا يمكن نقاشها في ظل عصمة القادة!

وهذا ما يعاني منه - فعلاً - التاريخ الشيعي، ويجب عليه أن يوضحه للناس: فلماذا حارب علي معاوية وصالحه ابنه الإمام الحسن؟

فاضطر علماء الشيعة أن يكتبوا كتبًا ويؤلفوا مجلدات ضخمة لتأويل هذا التضاد والتناقض الذي يواجهونه، وكل ما كتبوه لا يقنع القارئ اللبيب!

ولهذا لم يختر الرسول ج خليفة من بعده لئلا يحمل خطأه على الإسلام، فأصبحنا نحن المسلمين نرجع في كل قضايانا إلى القرآن والسنة الثابتة من الرسول ج، ولا نقدس رأي أحد من الناس مهما بلغ شأوه وشأنه، حتى وإن كان أبوبكر ا، فلا نبالي بقول أي إنسان إن خالف القرآن أو السنة، ولسنا نرى أنفسنا أتباعًا لأحد مهما كان، إلا القرآن والسنة النبوية الصحيحة.

حاول علماء الشيعة أن يتهربوا من هذه المعضلة، وهذا التضاد فزادوا الطين بلة ووقعوا في فخ خطير جدًا حيث ادعوا أن خلفاء الرسول ج كانوا معصومين أبرياء من الخطأ والمعاصي، وكانوا على صلة مع الله «بالإلهام». وفرقوا بين «الإلهام» و«الوحي»، فالنبي عن طريق الوحي يستطيع رؤية الملك ويسمع صوته، ولكن الإمام عن طريق الإلهام يسمع صوت الملك ولا يراه، وبذلك أنكروا - دون أن يدروا - أن يكون الرسول ج خاتم النبيين، وأن يكون القرآن كتاب الله الكامل الجامع، أو أن يكون الدين قد اكتمل، وإن كانوا في ظاهر الأمر يعتقدون بالقرآن وختم النبوة!!

يأتي إنكارهم لعقيدة ختم النبوة من أنهم يؤمنون بأن الله ظل يوحي عن طريق ملائكته إلى خلفاء الرسول ج كما كان يوحي إلى خلفاء موسى ×، أما كيفية الاتصال فليس أمرًا ذي بال، سواء سميناه وحيًا أو إلهامًا أو فاكسًا أو هاتفًا، الذي يهمنا هو الهدف أو النتيجة.

المهم أنهم يقولون بفحوى اعتقاداتهم أن الهدايات الربانية والإرشادات الإلهية - أي دين الله، على خلاف ما نعتقده- لم تكتمل بعد، وظل الإلهام إلى الخلفاء - أي الأئمة - يكملها بعد الرسول ج. وهذا إنكار واضح لأصل «ختم النبوة»، و«إكمال أحكام الدين بالقرآن».

ويزيد الطين بلة أنهم يؤمنون بكتب مُلهمة من عند الله، أمثال: الجفر والجامعة والصحيفة الفاطمية.. فـ﴿إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّآ إِلَيۡهِ رَٰجِعُونَ!

نشأ كل هذه المسائل نتيجة جَعْلهم خلافة علي ا مدار اعتقاداتهم ومحورها، وأوقفوا أنفسهم للدفاع عن هذا الأصل الثابت عندهم ولم يبالوا إن كان دفاعهم يؤدي إلى الطعن في رسالة الرسول ج وأنه خاتم الأنبياء والطعن في إكمال القرآن الكريم!

من هنا اتضح لنا لماذا لم يختر الرسول ج خليفة من بعده.

فخلاصة ما قلناه: لم يختر الرسول ج خليفة من بعده، ذلك لأن الخليفة لم يكن يوحى إليه، فلم يكن معصومًا من الخطأ، وكان من الممكن أن يخطئ فيُنسب خطؤه إلى الإسلام، لأنه اختير من قبل المعصوم ج.

ولا يمكن أن نقبل ما يزعمه الشيعة من أن خلفاء الرسول ج [أي الأئمة الاثني عشر] كانوا معصومين، وكانوا متصلين بالله عن طريق الإلهام، لأن قبول هذا الكلام يعني إنكار ما قاله الله في سورة الأحزاب: ﴿مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَآ أَحَدٖ مِّن رِّجَالِكُمۡ وَلَٰكِن رَّسُولَ ٱللَّهِ وَخَاتَمَ ٱلنَّبِيِّ‍ۧنَۗ وَكَانَ ٱللَّهُ بِكُلِّ شَيۡءٍ عَلِيمٗا ٤٠ [الأحزاب:40].

وإذا قلنا إننا نقبل الآية ونقول بنزول الإلهام على علي ا، فقد ناقضنا أنفسنا، ووقعنا في التضاد، ولا يمكننا أن نرضى بدين فيه التضاد والتناقض؛ لأن الله قال: ﴿أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ ٱلۡقُرۡءَانَۚ وَلَوۡ كَانَ مِنۡ عِندِ غَيۡرِ ٱللَّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ ٱخۡتِلَٰفٗا كَثِيرٗا ٨٢ [النساء:82].

أي إذا لم يكن من عند الله، فكان فيه الخلاف والتضاد لا محالة.

[7]- عَنْ عَبدِ اللهِ بْنِ عُمَرَب، قَالَ: بَعَثَ النَّبِيُّ ج خَالِدَ بْنَ الوَلِيدِ إِلَى بَنِي جَذِيمَةَ، فَدَعَاهُمْ إِلَى الإِسْلاَمِ، فَلَمْ يُحْسِنُوا أَنْ يَقُولُوا: أَسْلَمْنَا، فَجَعَلُوا يَقُولُونَ: صَبَأْنَا صَبَأْنَا، فَجَعَلَ خَالِدٌ يَقْتُلُ مِنْهُمْ وَيَأْسِرُ، وَدَفَعَ إِلَى كُلِّ رَجُلٍ مِنَّا أَسِيرَهُ، حَتَّى إِذَا كَانَ يَوْمٌ أَمَرَ خَالِدٌ أَنْ يَقْتُلَ كُلُّ رَجُلٍ مِنَّا أَسِيرَهُ، فَقُلْتُ: وَاللهِ لاَ أَقْتُلُ أَسِيرِي، وَلاَ يَقْتُلُ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِي أَسِيرَهُ، حَتَّى قَدِمْنَا عَلَى النَّبِيِّ ج فَذَكَرْنَاهُ، فَرَفَعَ النَّبِيُّ ج يَدَهُ فَقَالَ: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَبْرَأُ إِلَيْكَ مِمَّا صَنَعَ خَالِدٌ مَرَّتَيْنِ». (صحيح البخاري، کتاب المغازي، باب بَعْثِ النَّبِيِّ ص خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ إِلَى بَنِي جَذِيمَةَ، ج 5، ص 160، ح4339، وکتاب الأحكام، «باب إِذَا قَضَى الْحَاكِمُ بِجَوْر أَوْ خِلاَفِ أَهْلِ الْعِلْمِ فَهْوَ رَدٌّ»، ج 9، ص 73، ح7189). [8]- انظر: سیرة ابن هشام ج2، ص430، ودلائل النبوة للبیهقي، ج5، ص 114.