(13) لا يكتمل إيمان المرء ما لم يؤمن بالصحابة!!
لعل هذا العنوان يبدو غريبًا لك، لكنه حقيقة لا مراء فيه، وذلك؛ لو أننا حذفنا الصحابة من الإسلام فإن أصل الدين سيقع في بحر متلاطم من الشك والريب؟!
يجب أن يعرف الجميع أن أصل الدين قائم على عمودين اثنين هما: القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة.
والقرآن جمعه الصحابة -رضوان الله عليهم أجمعين-؛ فإن شككنا في صدق الصحابة وإيمانهم كيف لنا أن نؤمن بصحة نص القرآن الكريم؟!
وقد نقلت السنة إلينا عن طريق الصحابة -رضوان الله عليهم أجميعن-؛ فلو شككنا في صدق الصحابة وقلنا إنهم كانوا يتبعون أهواءهم ولا يخافون من الله ﻷ ولا يتقونه، فكيف لنا أن نصدقهم فيما نقلوه من كلام نبينا ج؟
أدرك الشيعة هذه المعضلة وحاولوا أن يجدوا حلاً لها، فأوجدوا اثنا عشر رجلاً يوصلون الرسول ج باثنا عشر جيلاً من الأمة، والبداية من عند سيدنا علي ا وتنتهي بالإمام المهدي...
لكن بقي حلهم حلاً ناقصًا، في ميزان العلم والعقل السليم؛ وذلك لعدة أمور:
أولاً: لأن الرجل الرابع في هذه السلسلة يوم أن استشهد أبوه لم يكن قد بلغ، والإمام العاشر يوم أن مات أبوه لم يكن إلا صبيًا في الثامنة من عمره، والإمام الثاني عشر تولى قيادة الأمة وأمسك زمام أمورها ولم يكن قد تجاوز الخامسة من عمره!
والسؤال الذي يطرح نفسه: كيف حفظ هؤلاء الصبيان الذين لم يتجاوزوا الثامنة أو الخامسة من أعمارهم كل هذه الأحاديث؟!
ثانيًا: افترض معي - جدلاً - أن هذه السلسلة الاثنا عشرية صحيحة؛ ستظهر لنا مشكلة أخرى، وهي: أن عليًّا ا - وهو رأس السلسلة - لم يكن مع الرسول ج في كل حالاته، فلم يكن يحفظ كل أحاديث الرسول ج، ولم يكن يرى كل أعماله - أي مجموع سنة الرسول القولية والفعلية - لينقلها إلى الجيل الثاني. فمثلاً: لا شك أن عليًّا بعد صلاة العشاء كان يمشي إلى بيته كما كان الرسول ج ينصرف إلى بيته، فلا يرى علي ا ما يصنعه الرسول ج في بيته من صلاة التهجد، والشؤون المتعلقة بالأسرة و...
فلو قبلنا هذه السلسلة سنجدها سلسلة ناقصة...
فلا تكتمل سنة الرسول ج وسيرته في الحياة، تلك التي جعلها الله لنا شرعةً ومنهاجًا وأسوة، إلا إذا نقل لنا جميع أصحاب الرسول ج وتلامذته وأهل بيته كل ما رأوه وما سمعوه منه ج. وعندما نرفض الصحابة كلهم فكأننا رفضنا السنة كلها!
هرب علماء الشيعة من هذه المشكلة إلى تصور جديد لم يكن للبشرية عهد به، إذ زعموا بأن الأئمة فوق البشر، وقد وهبوا علمًا لَدُنيًّا، فلم يكونوا لتعلمه بحاجة إلى المدارسة والتعليم أو إلى أسباب أخذ العلم ووسائله، ولا يؤثر العمر في صحة ما نأخذه منهم من الأحاديث، وهكذا صنعوا اعتقادًا جديدًا في القرآن الكريم والسنة النبوية لا يسانده شيء من دعائم العلم والعقل، وبذلك فتحوا الباب على مصراعيه لكل من هب ودب ليفتري على الرسول ج، وعلى الأئمة ما شاء.. كيف شاء.. متى شاء.
ولا لوم عليهم، فقد اضطروا إلى طرق هذا الباب، وإلى وضع هذه الطريقة في التفكير، وهذا المنهج في العمل؛ وذلك لأنهم أساءوا إلى الصحابة وحذفوهم من الواجهة فسدوا طريقهم إلى الرسول ج، فاضطروا إلى صناعة أسلاك خيالية مزعومة توصلهم إليه ج، وبذلك حاولوا أن يحفظوا لهم صلة بالرسول ج، ولم يجانبهم الحظ في التوفيق فضلوا الطريق!!
أما نحن المؤمنين بالصحابة لم نواجه مشكلة في ذلك؛ إذ نقل إلينا زوجات الرسول ج ورجال الصحابة ونساؤهم كل حركات الرسول ج وسكناته وكل أحاديثه التي سمعوها منهج بدقة متناهية تفوق الوصف، فمن باب المثال خذ شخصية واحدة منهم:
تزوج الرسول ج من عائشة ا أول ما بلغت، فقضت عائشة أجمل أيام شبابها في بيت النبوة، ورافقت النبي ج ليل نهار، فكانت لها ذكريات كثيرة نقلتها لنا، ولم يرزقها الله ﻷ ذرية لتتفرغ للرسول ج تمامًا، فتحفظ منه كل شيء، وكذلك لم يسمح لها الله ﻷ بالزواج من بعد الرسول ج لإكمال هذه الوظيفة، ولعل الله ﻷ أطال عمرها بعد وفاة الرسول ج لتنشر السنة على أوسع قدر ممكن، فقد عاشت بعد الرسول ج أكثر من نصف قرن من الزمن، وكان الناس يفدون إليها من كل حدب وصوب، يسمعون حديثها عن رسول الله ج ويسألونها عن سيرة نبيهم ج.
لا ننسى أن الله ﻷ منع زينة الدنيا وبريقها عن نساء النبي ج، وهن كذلك زهدن في الدنيا ومتاعها، فكانت السنة النبوية ومدارستها ونشرها همهن الوحيد وشغلهن الشاغل.
وقس عليها سائر الصحابة -رضوان الله عليهم أجمعين-، فكل صحابي كان كالمرآة يعكس زاوية من زوايا حياة المصطفى -عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم- للأجيال القادمة.
ومن هنا نقلت إلينا صورة كاملة عن حياة الرسول ج لا نجد لها نظيرًا في أية أمة من الأمم ولا يعرف لها التاريخ مثالاً يضاهيها، وها نحن نعرف أدق تفاصيل حياته ج، إلى درجة أننا نعرف أن الرسول ج لما كان يدخل المسجد يقدم أي قدميه على الأخرى..
واليوم تتفقه نساء المسلمين على ضوء ما نقلته لنا أم المؤمنين عائشة من تعاليم الرسول ج للمرأة المسلمة، فلا يواجهن أية مشكلة في الحياة. وماذا عسى أن يقول علماء الشيعة في كل ذلك؟ فهم لا يقبلون إلا فاطمة ل، ونعرف جميعًا أن فاطمة أول ما أدركت نفسها انتقلت إلى بيت علي ا، فانشغلت بعش الزوجية عن الرسول ج، وقلت زياراتها ولقاءاتها بالنبيج في حين أن عائشة كانت ترافق الرسول ج ليلاً ونهارًا.
وقد انتقلت فاطمة الزهراء -رضوان الله عليها- إلى رحمة الله ﻷ بعد ستة أشهر من وفاة الرسول ج، وفي هذه الفترة القصيرة فيما يزعم الشيعة لم يكن لها عمل إلا أن تأخذ بيدي ريحانتَي الرسول ج؛ الحسن والحسين ب وتذهب بعيدًا عن أعين الناس للبكاء والعويل، أو تذهب إلى أبي بكر لتطالبه بحقها. فلم تنشغل بتعليم النساء، في حين أن عائشة ظلت نصف قرن من الزمن بعد الرسول ج، يضرب الناس إليها أكباد الإبل، يتعلمون منها أمور دينهم، ويسألونها عن أدق أمور نبيهم ج.
فعلى أسس العقل والعلم والمنطق السليم؛ إن إنكار الصحابة الذين كانوا صدى لتعاليم النبوة، وكانوا نماذج حية من القرآن المكتوب، يعكسون إلى الأجيال تعاليم السماء التي تلقوها من مدرسة الرسول ج يعني تمامًا إنكار القرآن الكريم والسنة النبوية لا غير.
ولا تستطيع تلك القناطر الخيالية وتلك الجسور الموهومة التي تشبه أساطير الأولين أن تحفظ الإسلام بشكل عام، والسنة النبوية بشكل خاص، من تلك الضربة القاتلة التي تصيبهما من إنكار الصحابة!
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.