(4) الصحابة وأيام الضلالة...
يعتقد علماء الشيعة أن الصحابة كانوا منافقين حتى قبل وفاة الرسول ج ويقولون: فُرضتْ الصلاة بإسبال اليدين - عدم وضعهما على الصدر في القيام - لينكشف سر من كان يضع صنمًا في كمه!
ويقولون: أراد الرسول ج في مرض موته أن يكتب شيئًا - عن خلافة علي ا - لئلا يضل الناس من بعده، لكن الصحابة تشاجروا ومكروا وحالوا بين الرسول ج وكتابة ذلك الأمر المهم.
ومن غير أن نطيل نقول بأن الأمر عندهم لا يخرج من صورتين: إما أنهم يقولون أن الصحابة كانوا منافقين قبل وفاة الرسول ج، أو أنهم قد ارتدوا بعد انتقاله ج إلى الرفيق الأعلى.
وهنا نناقش الأمرين معًا:
إذا زعموا أنهم كانوا ينافقون الرسول ج قبل وفاته...
فنقول: هذا بهتان جد عظيم، لا يصح أبدًا وذلك؛ لعدة أمور:
1- كشف الله ﻷ لرسوله ج عن أسماء المنافقين وأمره ألا يصلي عليهم وأن يقاتلهم ويتعامل معهم بالعنف والشدة. فلو كانت أسماء الصحابة -رضوان الله عليهم أجمعين- في قائمة المنافقين، لم يكن الرسول ج ليقربهم منه ويتزوج منهم، ويستشيرهم في كل أموره!
2- لم يكن المنافقون يخرجون إلى الجهاد، وقد قال الله تعالى في حق الصحابة -رضوان الله عليهم أجمعين-: ﴿وَإِذَآ أُنزِلَتۡ سُورَةٌ أَنۡ ءَامِنُواْ بِٱللَّهِ وَجَٰهِدُواْ مَعَ رَسُولِهِ ٱسۡتَٔۡذَنَكَ أُوْلُواْ ٱلطَّوۡلِ مِنۡهُمۡ وَقَالُواْ ذَرۡنَا نَكُن مَّعَ ٱلۡقَٰعِدِينَ ٨٦ رَضُواْ بِأَن يَكُونُواْ مَعَ ٱلۡخَوَالِفِ وَطُبِعَ عَلَىٰ قُلُوبِهِمۡ فَهُمۡ لَا يَفۡقَهُونَ ٨٧﴾ [التوبة:87].
وكذلك يقول فيهم: ﴿فَإِن رَّجَعَكَ ٱللَّهُ إِلَىٰ طَآئِفَةٖ مِّنۡهُمۡ فَٱسۡتَٔۡذَنُوكَ لِلۡخُرُوجِ فَقُل لَّن تَخۡرُجُواْ مَعِيَ أَبَدٗا وَلَن تُقَٰتِلُواْ مَعِيَ عَدُوًّاۖ إِنَّكُمۡ رَضِيتُم بِٱلۡقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٖ فَٱقۡعُدُواْ مَعَ ٱلۡخَٰلِفِينَ ٨٣﴾ [التوبة:83].
فقد وضح الله أن المنافقين لن يقاتلوا ولن يخرجوا مع الرسول ج إلى جهاد الكفار.. ولكنا نرى الصحابة -رضوان الله عليهم أجمعين- كلما سمعوا نداء الجهاد أسرعوا إليه، ولم يكن مع الرسول ج غيرهم ليصحبوه في المعارك!
فهذه الآية مطرقة تضرب على رؤوس النائمين والغافلين، ألا تكفي هذه الآية في إيقاظ هؤلاء الجاحدين؟!
3- إذا قالوا بأن الصحابة -رضوان الله عليهم أجمعين- كانوا كلهم من المنافقين في عهد الرسول ج، فهم بذلك يطعنون في إرادة الله ﻷ، وكأنهم يقولون بجهلهم؛ إن إرادة اللهﻷ قد فشلت - والعياذ بالله - وذلك لأن من أهم الأهداف التي أرادها الله ﻷ من إرسال الرسول إلى الناس أن يزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة، فقد قال تعالى: ﴿هُوَ ٱلَّذِي بَعَثَ فِي ٱلۡأُمِّيِّۧنَ رَسُولٗا مِّنۡهُمۡ يَتۡلُواْ عَلَيۡهِمۡ ءَايَٰتِهِۦ وَيُزَكِّيهِمۡ وَيُعَلِّمُهُمُ ٱلۡكِتَٰبَ وَٱلۡحِكۡمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبۡلُ لَفِي ضَلَٰلٖ مُّبِينٖ ٢﴾ [الجمعة:2].
ففحوى كلامهم هذا أن دعوة الرسول ج قد فشلت!
ومن يزعم أن الرسول ج لم يستطع أن يربي مئات الألوف التي أظهرت له الإسلام إلا أربعة أشخاص - إلى اثني عشر شخصًا - فإنه يطعن في شخص الرسول ج وصدق دعوته دون أن يدري، فهذا الكلام يعني أن أقرب المقربين إلى الرسول ج من أزواجه وأصدقائه وأصحابه كانوا من زمرة المنافقين، أي أن الرسول ج كان محاطًا ببحر متلاطم من النفاق والمنافقين، وكان يتسايرهم ويتماشى معهم دون أن يغير شيئًا!
فهذه إهانة قبيحة وافتراء جد كبير على الرسول ج لا يقول به مؤمن.
فلابد أن نقر بالواقع ونقول: أجل، لقد انتشرت دعوة الإسلام في أنحاء الجزيرة العربية، وحكم المسلمون كل تلك البقاع، وقد ظهرت في صفوفهم - بطبيعة الحال - فئة قليلة من المنافقين.
إن من عيوب علماء الشيعة أنهم يقيسون الأمور بقياسات فارغة لتشتبه الأمور على عامة الناس:
فمثلاً إن قلت: لماذا تطوفون حول قبر الإمام الحسين ا؟
ولماذا أنتم تطوفون حول الكعبة؟!
وإذا سألتهم: كيف تكلم المهدي في المهد، وعاش إلى الآن أكثر من 1200 عامًا؟
يردون: لـمَ لا؟ مثله كمثل عيسى تكلم في المهد، وكمثل نوح تجاوز عمره 960 عامًا.
وكذلك إن سألتهم: كيف يمكن أن يكون أزواج الرسول ج وآباء أزواجه ج وأقرب المقربين إليه وأصحابه من المنافقين؟
يردون: لم لا؟ فقد كان ابن نوح وزوجته وزوجة لوط من الكفار!
وهذه ليست إجابات، وإنما سفسطة كلامية يحاولون بها خداع الناس وإضلالهم، فهل لهم أن يصغوا إلينا لعل الله أن يهدينا وإياهم إلى الحق الذي لا مرية فيه:
لقد عذَّب الله ﻷ ابن نوح وزوجته وأغرقهم في الدنيا أمام أعين الناس، في حين أن الله أكرم الذين تزعمون أنهم كانوا منافقين وجعلهم خلفاء رسوله ج بعد وفاته.
أمر الله نوحًا × أن يبتعد عن زوجته، كما أمر لوطًا × أن يترك زوجته في بيتها ليلاً ويخرج هو ومن معه ليشملها عذاب الله ﻷ، لكن محمدًا ج جعل أبابكر يرافقه إلى الغار ليصبح ﴿ثَانِيَ ٱثۡنَيۡنِ إِذۡ هُمَا فِي ٱلۡغَارِ﴾ [التوبة:40] وليسجل القرآن ذلك فخرًا له يتلى إلى يوم القيامة! ومات الرسول ج ورأسه بين سحْر ونحْر زوجته عائشة وأمر صهره أبابكر أن يصلي بالناس.
أجل، لم يتخلى رسول الله ج عن أصحابه إلى آخر أنفاسه. وهذا هو الفرق بينهم وبين ابن نوح وزوجات نوح ولوط.
وقد يقيس أحد ويقول: لأن زوجة لوط كانت كافرة فزوجة محمد ج كذلك كافرة، وإذا كان هذا دليلاً، فزوجته كذلك - أي صاحب القياس - كافرة!!
وهل يقول عاقل قياسًا: بما أن نوحًا عاش 1000 سنة - إلا خمسين عامًا - يستطيع كل من أراد أن يعيش مثله، وأنا سأعيش ألف عام!
هذه الترهات تشبه أساطير الأولين ولا تشبه الأدلة العلمية...
4- فوق هذا كله؛ إن زعمنا أن الصحابة كانوا منافقين قبل وفاة الرسول ج سنضطر إلى إنكار القرآن الكريم كذلك؛ وذلك لأن القرآن الكريم مدح الصحابة وذكر مناقبهم في مواطن كثيرة. ونذكر من تلك الآيات أمثلة من باب الاستشهاد لا الحصر.
نزلت سورة الفتح بعد صلح الحديبية وقبل وفاة الرسول ج بخمسة أعوام. وقد تصالح المسلمون والكفار في الحديبية واتفقوا على عدة بنود ووقعوا وثيقة صلح، ومن ثم نزلت في حق الرسول ج هذه الآية: ﴿لِّيَغۡفِرَ لَكَ ٱللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنۢبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعۡمَتَهُۥ عَلَيۡكَ وَيَهۡدِيَكَ صِرَٰطٗا مُّسۡتَقِيمٗا ٢ وَيَنصُرَكَ ٱللَّهُ نَصۡرًا عَزِيزًا ٣ ﴾ [الفتح:2-3].
فتقدم الصحابة إليه يباركون له ويقولون: ما أسعدك يا رسول الله! فقد بيَّن الله ﻷ أنه غفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر، وأنه سيتم عليك نعمته يوم القيامة، فماذا يصنع الله بنا يوم القيامة يا رسول الله؟
فنزلت قوله تعالى: ﴿هُوَ ٱلَّذِيٓ أَنزَلَ ٱلسَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ لِيَزۡدَادُوٓاْ إِيمَٰنٗا مَّعَ إِيمَٰنِهِمۡۗ وَلِلَّهِ جُنُودُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۚ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمٗا ٤ لِّيُدۡخِلَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ وَٱلۡمُؤۡمِنَٰتِ جَنَّٰتٖ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ خَٰلِدِينَ فِيهَا وَيُكَفِّرَ عَنۡهُمۡ سَئَِّاتِهِمۡۚ وَكَانَ ذَٰلِكَ عِندَ ٱللَّهِ فَوۡزًا عَظِيمٗا ٥﴾ [الفتح:4-5].
وهذا الحديث عن أنس بن مالك، ذكره البخاري ومسلم في صحيحيهما.
ولعل أحدًا يعترض ويقول: يا أخي، لو كنا نقبل أنس بن مالك أو البخاري أو مسلم، لم نكن بحاجة إلى كتابك هذا؟!
كلام سليم.. المفروض ألا نخرج في بحثنا هذا عن المصادر المشتركة التي نقبلها جميعًا، أي؛ القرآن والعقل.
نرجع مرة أخرى إلى القرآن الكريم؛ فها هو في نفس السورة - سورة الفتح - بعد عدة آيات يبين لنا كيف أن الله ﻷ أعلن عن رضاه عن المؤمنين الذين بايعوا الرسول ج تحت الشجرة: ﴿۞لَّقَدۡ رَضِيَ ٱللَّهُ عَنِ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ إِذۡ يُبَايِعُونَكَ تَحۡتَ ٱلشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمۡ فَأَنزَلَ ٱلسَّكِينَةَ عَلَيۡهِمۡ وَأَثَٰبَهُمۡ فَتۡحٗا قَرِيبٗا ١٨﴾ [الفتح:18].
وهذا هو القرآن بين أيدينا، وقد وهبنا الله ﻷ عقولاً لنفهم بها القرآن، فيا ترى؛ من هم الذين بايعوا الرسول ج وقد رضي الله عنهم وعلم ما في قلوبهم وأنزل السكينة عليهم وأثابهم فتحًا قريبًا؟!
ذكرت كتب التاريخ لدى الشيعة أنفسهم: «لما خرج عثمان إلى مكة ليفاوض قريشًا، عسى ولعله يستطيع أن يقنعهم بأن لا يمنعوا الرسول ج وأصحابه من أداء العمرة. أُشيع بين الناس أن أهل مكة قد قتلوا عثمانًا. فجلس الرسول ج تحت شجرة ونادى أصحابه وبايعه الجميع على قتال أهل مكة».
ولا يمكن أن يقول عاقل أن عليًّا ا كان وحده مع الرسول ج في تلك الواقعة، فالكل يقر بأن ألفًا وأربعمائة صحابي منهم أبوبكر وعمر كانوا يرافقون الرسول ج - حتى الشيعة أنفسهم لا ينكرون ذلك - وكلهم -ما عدا جد بن قيس- بايعوا الرسول ج. ومن هنا أصبح المسلمون يضيفون الجملة الدعائية: (رضي الله عنهم) بعد ذكر أسماء الصحابة، إشارة إلى هذه الآية: ﴿۞لَّقَدۡ رَضِيَ ٱللَّهُ عَنِ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ إِذۡ يُبَايِعُونَكَ تَحۡتَ ٱلشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمۡ فَأَنزَلَ ٱلسَّكِينَةَ عَلَيۡهِمۡ وَأَثَٰبَهُمۡ فَتۡحٗا قَرِيبٗا ١٨﴾ [الفتح:18].
مرة أخرى ندقق في الآية الكريمة لنرى ماذا يقول الله ﻷ: ﴿۞لَّقَدۡ رَضِيَ ٱللَّهُ عَنِ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ إِذۡ يُبَايِعُونَكَ تَحۡتَ ٱلشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمۡ فَأَنزَلَ ٱلسَّكِينَةَ عَلَيۡهِمۡ وَأَثَٰبَهُمۡ فَتۡحٗا قَرِيبٗا ١٨ وَمَغَانِمَ كَثِيرَةٗ يَأۡخُذُونَهَاۗ وَكَانَ ٱللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمٗا ١٩﴾ [الفتح:18-19].
ماذا تعني هذه الآية؟!
هذا هو الله ﻷ الذي يعلم السر وما أخفى، ولا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء، يخبر عن مكنون صدور الصحابة؛ ﴿فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمۡ﴾ [الفتح:18]، ويمدح إيمانهم، ويبشرهم بالفتح المبين، ثمنًا لهذا الإيمان الراسخ والثبات الصادق ﴿وَأَثَٰبَهُمۡ فَتۡحٗا قَرِيبٗا ١٨﴾ [الفتح:18].
فقد كان هذا أجر بيعتهم وثوابهم في الدنيا وما عند الله خير وأبقى. وفي الآية إشارة واضحة إلى الفتح الذي سيحققونه قريبًا في خيبر على اليهود، وإلى المغانم الكثيرة التي سيأخذونها؛ وقد تحقق لهم ذلك.
لما رجع الرسول ج من الحديبية وعزم على الخروج إلى خيبر أراد الذين تخلفوا عن الرسولج في الحديبية، الخروج معه، طمعًا في الغنائم، ولكن الله ﻷ أمر رسوله ج ألا يأذن لهم في ذلك، معاقبة لهم من جنس ذنبهم[6].
ثم خرج مع هؤلاء المؤمنين الذين رافقوه في الحديبية إلى خيبر وهزم اليهود وأخذ مغانم كثيرة كما وعدها الله إياه.
تقول عائشة ل: لم نشبع من أكل التمر إلا يوم الحديبية.
حمدًا لك يا رب، نحمد الله ألف ألف مرة؛ أن علماء الشيعة لأجل أن يظهروا بطولة عليا ورشادته، يقرون بأن أبابكر وعمر كانا يحملان ألوية الجهاد في خيبر لكنهما لم يستطيعا أن يحققا نصرًا.
يستنبط من كلامهم أن هذه البشرى الربانية تشمل هؤلاء السادة - أبابكر وعمر وغيرهما - كذلك، وأنهم أخذوا مغانم كثيرة.
وإذا أخرج معاند رأسه وأنكر بجهله هذه الحقائق كلها، فنسأله: هل فتح علي ا لوحده تسعة قلاع مستحكمة من قلاع اليهود، أم أن الرسول ج وجيشه قد حاصروا تلك القلاع وقصموا ظهر اليهود إلى أن هزموهم بإذن الله؟..
وإذا زعموا بأن عليًّا وأربعة أشخاص كانوا معه، هزموا تلك الجموع من اليهود وفتحوا تلك القلاع المستحكمة، نقول لهم: فلماذا تقولون إذن أن عليًّا يوم أن اغتصب حقه لم يكن يملك قوة؟! فهذا الرجل الذي استطاع أن يقلع جذور جيوش يهودية كانت من أخمص أرجلها إلى مفرق رؤوسها في الحديد ويمسح ذكرهم من صفحات التاريخ، كان بإمكانه أن يرمي عمر وأبابكر وسائر الصحابة في البحر ويقلع جذور النفاق ويقضي عليهم عن بكرة أبيهم في لمحة بصر، فلماذا لم يصنع ذلك؟!
ولأنهم لا يجدون جوابًا على هذا التساؤل يضطرون إلى الإقرار بأن الرسول ج كان يرافقه مئات من المجاهدين في غزوة خيبر غير علي ا.
رجال ممن صدقوا الله ﻷ فيما وعدوه، رجال أيدهم الله ﻷ من فوق سبع سماوات، رجال سماهم القرآن الكريم مؤمنين صادقين. فهل من يؤمن بالقرآن الكريم يستطيع أن يطعن في الصحابة؟ أو يرميهم بتلك العبارات القبيحة إلى درجة أن يصفهم بالنفاق؟!
نرجو من إخواننا الشيعة الذين يؤمنون بالقرآن أن يجيبوا على هذا التساؤل.
فهذه الأدلة الواضحة التي هي أظهر من الشمس تصرح بشكل واضح لكل مؤمن بالقرآن أن الصحابة ظلوا متمسكين بإيمانهم وإخلاصهم إلى أن فارقهم الرسول ج وانتقل إلى الله ﻷ.
هذا ما يشهد به القرآن الكريم ويقر به العقل السليم وتقف معه جميع الشواهد والأدلة والبراهين.
والآن نعود إلى الصورة الثانية التي تزعم بأن الصحابة ارتدوا بعد وفاة الرسول ج، وهذا كذلك وجه لا يصح بتاتًا ولا يمكن أن نقول بأنه حدث، وذلك لعدة أدلة منها:
أ. هذا أمر يستحيل عقليًا، إذ لم تكن هناك أية دوافع لمثل هذا الأمر - وقد سبق أن ناقشنا فكرة الدواعي والدوافع أوالحوافز - ولنضرب مثالاً:
تصور معي أن ثلاثين ألف سيارة خرجت في رحلة طويلة في إحدى الطرق السريعة، ثم قرأت في الجريدة بأن كل هذه السيارات تعطلت فجأة، ما عدا أربع أو إثنتا عشرة سيارة! هل تصدق ذلك؟
وإذا قلت: قد يحدث ذلك. فلابد أن تبحث عن السبب.
ولما نزعم بأن ثلاثين ألف صحابي - عدد الصحابة الذين رافقوا الرسول ج في آخر معاركه - أرتدوا مباشرة بعد وفاة الرسول ج، لابد أن نذكر سببًا أو أسبابًا. وإلا فلا يمكن لعاقل أن يصدق كلامنا.
ب. قلنا في قصة الحديبية؛ أن الله ﻷ أنزل سكينته على قلوب المؤمنين وأقر إيمانهم، فقد قال تعالى في سورة الفتح: ﴿هُوَ ٱلَّذِيٓ أَنزَلَ ٱلسَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ لِيَزۡدَادُوٓاْ إِيمَٰنٗا مَّعَ إِيمَٰنِهِمۡۗ وَلِلَّهِ جُنُودُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۚ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمٗا ٤ لِّيُدۡخِلَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ وَٱلۡمُؤۡمِنَٰتِ جَنَّٰتٖ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ خَٰلِدِينَ فِيهَا وَيُكَفِّرَ عَنۡهُمۡ سَئَِّاتِهِمۡۚ وَكَانَ ذَٰلِكَ عِندَ ٱللَّهِ فَوۡزًا عَظِيمٗا ٥﴾ [الفتح:4-5].
إن من ثمرة إنزال الله السكينة في قلوب المؤمنين هي أنه تعالى سيدخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار، ويكفر عنهم سيئاتهم. وأنه ﻷ يعتبر ذلك الجزاء فوزًا عظيمًا.
وهذه الآيات التي نزلت قبل وفاة الرسول ج بخمسة أعوام - كما ترى - تصرح: ﴿هُوَ ٱلَّذِيٓ أَنزَلَ ٱلسَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ لِيَزۡدَادُوٓاْ إِيمَٰنٗا مَّعَ إِيمَٰنِهِمۡ﴾ [الفتح:4].
لم يقل الله ﻷ: (لينقصوا إيمانًا من إيمانهم) كما يزعم علماء الشيعة؛ فإنهم يزعمون أن في هذه الأعوام الخمسة أخذ إيمان الصحابة يتناقص إلى أن وصل إلى الصفر. أليس هذا تعارضًا قبيحًا مع النص القرآني الواضح؟!
نكتفي بهذين الدليلين، ونترك القارئ يحاسب بعقله السليم من يطعن في الصحابة -رضوان الله عليهم أجمعين- ويرميهم بالارتداد بعد وفاة الرسول ج...
وأنا أرى لزامًا أن أذكر هنا خطة ماكرة وضعها بعض علماء الشيعة، لكنني أرى من واجب العدل أن أشير بأنني لا أقصد بذلك أبدًا الإساءة إلى عامة الناس، فإن أكثرهم أناس صادقون، لا ذنب لهم إلا أنهم لا يعلمون من الحق والدين شيئًا وقد امتلأت صدورهم بالأفكار والمفاهيم الخاطئة التي بثها فيهم علماؤهم.
وكذلك لا أريد أن أطعن في نزاهة كل علماء الشيعة، فإن منهم طيبون يدركون الحق ولا يمنعهم من التصريح به إلا الخوف من تقلبات الحياة! وإنما أوجه خطابي إلى تلك الفئة من العلماء الذين يحاولون طمس الحقائق وإخفاءها عن عامة الناس.
فقد اخترع هؤلاء خدعة سموها «التقية»، يختفون خلف جدرانها كلما انتهت نبالهم ونفدت أدلتهم.
فمثلاً؛ في قضية تحريف القرآن، لما وجدوا أن أدلتهم لا أساس لها وبراهينهم لا محل لها من الإعراب أنكروا القول بالتحريف، في حين أن كتبهم تمتلئ بالروايات التي تقول بذلك وأن العلماء الذين يقولون بالتحريف يعدون من أئمة المذهب ورواده، ويجدون عندهم كل الاحترام والتبجيل!
وأنا أخاف أن يخرج منهم من يقول - من خلال خدعة التقية - بأن كاتب هذا الكتاب يفتري علينا، ويضع الشبه والافتراءات على ألسنتنا ثم يرد عليها، فكتابه وضع على مجموعة من التصورات التي اختلقها هو ولم نقل بذلك أبدًا، فلم نقل أبدًا أن أبابكر أو عمر أو غيرهما قد نافقوا، فقد كانوا رجالاً مؤمنين إلا أن الشيطان لعب برؤوسهم فاغتصبوا حق علي ا، ولو كان الأمر على غير ذلك فلم نعاشر سائر المؤمنين ونتعايش معهم، نتزوج منهم ونزوجهم بناتنا، نصلي على جنائزهم ونأكل ذبيحتهم ونصلي خلف أئمتهم؟..
لكن مهلاً...
هذا تناقض كبير؛ أن تزعموا بأن فلانًا كان مسلمًا صادقًا لكنه كان ينكر جزءًا من رسالة الرسول ج. قد يعد من لا يصلي مسلمًا ولا يقال عنه بأنه كافر ملحد، أما من ينكر الصلاة ويجحدها فهو كافر خارج عن الملة بالإجماع. وأنتم تقولون بأن هذه الآية نزلت في حق عليا: ﴿۞يَٰٓأَيُّهَا ٱلرَّسُولُ بَلِّغۡ مَآ أُنزِلَ إِلَيۡكَ مِن رَّبِّكَۖ وَإِن لَّمۡ تَفۡعَلۡ فَمَا بَلَّغۡتَ رِسَالَتَهُۥۚ وَٱللَّهُ يَعۡصِمُكَ مِنَ ٱلنَّاسِۗ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يَهۡدِي ٱلۡقَوۡمَ ٱلۡكَٰفِرِينَ ٦٧﴾ [المائدة:67].
انظروا إلى مدى خطورة الأمر؛ فتفسيركم للآية يقول بأن الرسول ج هُدّد من قبل الله ﻷ إن لم يبلغ الناس أن عليًّا خليفته من بعده فكأنه ما بلغ رسالته، وأن الله يعزله عن مقام النبوة، هذا عمن لم يبلغ، فما رأيك فيمن عرف الأمر لكنه رفضه وتجاهله وأنكره وجحده وقام وجلس مكان علي ا؟!
تعتقدون أنه قد سمع أبوبكر وعمر والصحابة كلهم أن الرسول ج يصرح بخلافة علي من بعده وأنه يأمرهم باتباعه. وتزعمون؛ أن أبابكر وعمر والصحابة كلهم رأوا بأم أعينهم أن الرسول ج صعد على مرتفع من الأرض ورفع يد علي ا وقال كل ما تزعمون.
مع كل هذا لم يتبعوا الرسول ج ولا عليًّا، بل أنكروا الأمر كله؛ أنكروا أن يكون الرسولج قد قال ما قال، وأنكروا الحديث والقرآن، تجاهلوا قول الله ﻷ وأمر الرسول ج، فكيف تعدونهم مسلمين؟!
إذا أظهرتم بألسنتكم أنكم لا تكفرونهم فقد أثبتم كفرهم ونفاقهم من خلال ما تنسبونه إليهم من أعمال توجب الكفر. وكتبكم تمتلئ بالعبارات والجمل التي تصرح بكفر صحابة الرسول ج.
أما أنكم تصلّون خلف أتباعهم وتتزوجون منهم وتحضرون جنائزهم، فلأنكم تؤمنون بالتقية.
وإن لكم أن تجيبوا؛ لماذا تقومون بمثل هذه الأعمال مع ما تعتقدونه فيهم من الكفر والضلال؟!
اكشفوا للناس عن هذه التناقضات التي تظهرونها في أعمالكم وأقوالكم...
[6] قال الله تعالى: ﴿سَيَقُولُ ٱلۡمُخَلَّفُونَ إِذَا ٱنطَلَقۡتُمۡ إِلَىٰ مَغَانِمَ لِتَأۡخُذُوهَا ذَرُونَا نَتَّبِعۡكُمۡۖ يُرِيدُونَ أَن يُبَدِّلُواْ كَلَٰمَ ٱللَّهِۚ قُل لَّن تَتَّبِعُونَا كَذَٰلِكُمۡ قَالَ ٱللَّهُ مِن قَبۡلُۖ فَسَيَقُولُونَ بَلۡ تَحۡسُدُونَنَاۚ بَلۡ كَانُواْ لَا يَفۡقَهُونَ إِلَّا قَلِيلٗا١٥﴾ [الفتح: ١٥].