التضاد في العقيدة

فهرس الكتاب

المقدمــة

إن كانت فكرة التشيع لأهل بيت الرسول ج، فكرة أصيلة في مجريات التاريخ الإسلامي، فقد كان التشيع بمعناه الصفوي السائد في التاريخ المعاصر من نتاج التطور التاريخي في ظل السياسات السلبية والأحقاد العنصرية والشعوبية والنزعات السلطوية، فلم يكن للتاريخ الإسلامي في فجر دعوته عهد بما ابتدعه الفكر الشيعي في الأزمان المتأخرة، إلى أن افترق أصحابه عن المجرى العام للفكر الإسلامي، ومعنى الأمة الواحدة، وقد قصدوا ذلك.

وليزيدوا الفرقة أكثر فأكثر سموا الأمة الإسلامية بـ«العامة»، وجعلوا خلافها في كل الجزئيات والكليات شرعةً ومنهاجًا وأصولاً لفقه مذهبهم!

وقد وصلوا إلى ما راموه، فصار للأمة جناح جديد سمي بالأقلية الشيعية، ومن ثم دعيت الجناح العام بأهل السنة والجماعة، وكأن الأمة متشكلة من حزبين أو فريقين اثنين ليتناطحا كلما دبرت لهما المكايد وراء البحار أو الثغور.

وبذلك توقف المد الإسلامي والفتوحات الإسلامية وانشغل المسلمون بالخلافات الداخلية، إلى درجة أنه تأسف أحد المستشرقين الغربيين قائلاً: لو لا الصفويون في إيران لكنا نقرأ القرآن اليوم في أروبا!!

لم يكن موقف أهل السنة تجاه الشيعة في العصر الحديث موقفًا إيجابيًا في كل جوانبه؛ وذلك لأن المسلمين فقدوا القيادة الموحدة وافترقوا إلى فئات وأحزاب، وصار لكل جماعة منهم إمامًا، وبقي الجميع بلا إمام، كالشياه الضالة بدون راع يرعاهم في عصر تسوده القوى الاستعمارية الشرسة، ومن ثم انكمش الفكر الدعوي والإصلاحي لدى عامة المسلمين وتحول إلى إصلاح مجتمعاتهم المتهالكة، وإلى الدعوة الفردية ثم الجماعية في نطاق ضيق جدًا لا يكاد يتجاوز حدود القطر الواحد.

وكان الشيعة أحسن حظًا يوم أن وجدوا سلطة وحكومة في إيران، فكان باستطاعتهم أن يظهروا من خلالها شخصية جديدة لهم. فما إن استقرت حكومتهم في إيران إلا وعادوا إلى سيرتهم الأولى أيام الدولة الصفوية التي ضربت مثالاً سيئًا في تمزيق الأمة وتحريف المذهب الشيعي من الروح العلوي والسني إلى الروح الصفوي..

وقد ألف الدكتور علي شريعتي - وهو من علماء الشيعة المعاصرين ومن أصحاب الدعوة إلى العودة إلى منابع التشيع الأصيلة - كتابًا سماه «التشيع العلوي والتشيع الصفوي»، وصف فيه التشيع الصفوي بأنه: فرقة أو مذهب ضد السنة النبوية على صاحبها الصلاة والسلام يريد وضع العثرات والسدود في مواجهة السنة، فهو مذهب للبدعة، وأنه عمل أكثر من أي شيء آخر للقضاء على روح التشيع وثقافته، وأنه مشيع الأكثرية في إيران والمسيطر على الأذهان. وعرفه بأنه: مذهب يمهد الطريق أمام الهروب من المسئوليات، وأنه مذهب تجليد القرآن وتذهيبه وإكباره وليس البحث في القرآن وتفسيره.. إنه مذهب أغلق القرآن لأن فتحه أمر عسير وموجد للمسئوليات!!

وقال عن علماء الشيعة: إنهم يبدلون الأشياء المشتركة إلى اختلافات عن طريق التوجيهات والتأويلات المنحرفة والمغرضة، ويقوّمون القرآن على أنه كتاب مليء بالشتائم الموجهة للخلفاء تحت نقاب الرمز والكناية والمجاز والاستعارة!

و أخيرًا يقول: إني أخجل من الاستمرار في هذا الحديث ولست أستطيع ذكر ما قالوه في الدعوة السوقية عن شخصيات الأئمة فحسب، بل لا أستطيع ذكر ما جاء في الكتب المعروفة التي تعتبر مصادر الدين ومراجع الفتوى.

ويناشدُ فقهاءَ التشيع العلوي قائلاً: من يحملون الشعارات الخاصة بالتشيع الصفوي إنما يحطمون الشيعة ويفضحوننا أمام العالم الإسلامي ويضيعون كل التضحيات والمفاخر الشيعية ويشوهون وجوه علماء الشيعة الحقيقيين ومشاعر المسلمين وأفكارهم.

استطاع الصفويون أن يمسخوا روح التشيع الأصيل الذي كان يسعى لوحدة المسلمين قبل كل شيء؛ فعندما صالح الإمام الحسن معاوية سمي ذلك العام بـ«عام الجماعة»، وعندما قال له بعض مثيري الفتنة: يا مذل المؤمنين! أجابهم: «بل أنا معز المؤمنين».

فليس التشيع السني الأصيل تشيع التحريف والوضع والبدعة والتفرقة وتكفير الصحابة والمسلمين، ولا تشيع الشرك عن طريق التفويض وعلم الغيب وإحياء الموتى والبداء، ولا تشيع: من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية! تلك الصورة القاتمة التي صنعها الصفويون.

تلك الصورة التي جعلت بعض المتحمسين من أهل السنة ينزلون الساحة بنفس الحربة ويعاملون عامة الشيعة بما عامل علماء الشيعة الأمة الإسلامية، فكفروا الشيعة جملة وتفصيلاً، وقد كان هذا موقفًا سلبيًا، ولم يكن من شيمة الدعاة المخلصين ولا من شيم من دعا إلى الله وعمل صالحًا وقال إنني من المسلمين، وكانت النتيجة: أن أثار هذا الموقف السلبي عامة الشيعة فتعصبوا لمعتقداتهم دون النظر والتمعن فيها.. فأريقت الدماء هنا وهناك باسم الإسلام والدفاع عن أهل البيت!!

لكن كل هذا لم يستطيع أن يحول دون بزوغ الشمس من جديد، فالشمس لا تستطيع الغياب خلف الغيوم الداكنة أبد الدهر؛ فخرج من المجتمع الشيعي نفسه - في ظلال التعاليم القرآنية والخطاب السماوي إلى العقل البشري - أناس وجدوا الحقيقة من القرآن الكريم دون غيره، فقد اتصلوا بالقرآن وعاشوا في رحابه إلى أن خالط جماله صدورهم فتزينت قلوبهم بنور الإيمان وأصبحوا من الراشدين..

أجل، هؤلاء هم المسلمون حقًا، فقد توصلوا إلى الله وإلى الحقيقة التي أرادها المولى من خلال كلامه جل وعلا، وأدركوا عمق ما يعانيه إخوانهم من عامة الشيعة الذين تركوا حبال عقولهم في أيدي قيادات لا تريد لهم الهداية حرصًا على مناصب زائفة أو شيء من الدنيا قليل. وقد شمر هؤلاء المصلحين المهتدين عن سواعد الجد عسى أن يصلحوا ما أفسده الناس من قبلهم، وقد خرج من بينهم أسماء كبيرة لمعت في الفكر الإصلاحي الشيعي بشكل كبير، وجعلت الأمة المسلمة تفتخر بهم، كآية الله البرقعي، ومن أبرز مؤلفاته: تفسير قبس من القرآن، عرض أخبار الأصول على القرآن والعقول (كسر الصنم) ودراسة علمية لأحاديث المهدي وغيرها، والعلامة حيدري علي قلمداران، من أبرز مؤلفاته: طريق الاتحاد والخمس وسبل النجاة عن شر الغلاة وغيرها، والشهيد آية الله موسى الموسوي، من مؤلفاته: الشيعة والتصحيح، والثورة البائسة، ويا شيعة العالم... استيقظوا وغيرهم الكثير..

وفي هذا الركب المبارك يُذكر اسم «الأستاذ محمد باقر سجودي» صاحب هذا الكتاب الذي يتميز بسهولة أسلوبه وخطابه لعامة إخوانه من الشيعة.

فالمؤلف - حفظه الله - يقدم في هذا الكتاب ثمرة رحلته الطويلة من الظلمات إلى النور، فقد اهتدى إلى الحق المبين من خلال القرآن الكريم الذي يخاطب أولي الألباب والعقول.

وها هو يضع ثمرة رحلته المباركة بين يدي جميع أفراد الأمة لتكون شمعة أخرى بجانب ما وضعه إخوانه المصلحون من الشموع والمعالم على طريق الدعوة إلى النور وإلى الحقيقة المظلومة.

وقد حاولنا - قدر جهدنا - أن نقدم ترجمة وافية تعكس روح الكتاب وعباراته ومعانيه دون زيادة فيها أو نقصان، فإن كنا قد وفقنا في ذلك فذلك فضل وتوفيق من الله لا ندعيه لأنفسنا، وإن كنا قد قصرنا في شيء منه فتلك سمة بشرية لا نستطيع الهروب منها.

ونسأل الله أن يتقبل هذا العمل منا ويضعه في ميزان حسناتنا يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم. إنه نعم المولى ونعم النصير وبالإجابة جدير.

وأخيرًا..

ليس هذا الكتاب إلا مساهمة من المؤلف لإرجاع الأمة إلى التشيع السني الأصيل، يناشد من خلاله كل متشيع لأهل البيت أن يتجرد من كل هوى وليبدأ في التحقيق الجاد في كل ما فرق به أهل الأهواء بين عالم السنة وعالم الشيعة، فلعل نورًا جديدًا يلمع في الأفق، يعيد لهذه الأمة وحدتها، ويجعلها على كلمة سواء فيما بينها.. لتنطلق هذه الأمة واعية على بصيرة إلى الله، في عالم كثير التعطش إلى الدين الإسلامي الحنيف...

الدكتور/ مصطفى محمدي

27/ رمضان المبارك/ 1427هـ.