التضاد في العقيدة

فهرس الكتاب

(2) لماذا سكت علي رضي الله عنه

(2) لماذا سكت علي رضي الله عنه

هذا المبحث يسعى للكشف عن موقف الشخصية الثانية لهذه القصة، وهو ذلك الرجل الذي يزعم من يدعون أنهم أتباعه بأن حقه قد غُصب!

وسننقل مواقفه تجاه من اغتصب حقه - كما يزعمون - عن المصادر التي يعترف بها أتباعه من كل الفرق والاتجاهات.

يقر الجميع بأن عليًّا لم يسل سيفا ولم يطالب بحقه الذي وهبه الله إياه، ونص عليه الشرع المبين، وبقي طوال 25 سنة صامتًا لا يطالب بحقه المشروع! فلماذا؟!

يذكر علماء الشيعة - حسب ما أعلم - دليلين لتأويل هذا السكوت المريب:

الدليل الأول:

سكت علي ا مخافة أن تحدث فتنة تقتلع جذور الدين الجديد الذي لم تثبت دعائمه بعد، فآثر مصلحة الإسلام على مصلحته الذاتية، ولو طالب بحقه وخالف الناس فيما هم فيه لحدثت فتنة لا يعلم مداها إلا الله ولعلها كانت تقضي على الإسلام كله.

الدليل الثاني:

لم يكن سيدنا علي ا يملك قوة كافية ليطالب بها حقه، فاضطر للسكوت، وآثر الصمت أمام أعدائه.

ولعل لهذه التأويلات ملمح لمعنى آخر وهو: أن الخلفاء الذين سبقوا عليًّا -رضي الله عنهم أجمعين- قدموا خدمات جليلة للإسلام، وهذا يعني أنهم كانوا فتية مؤمنة غيورة على دينها، سعوا إلى رفع راية الإسلام وإعلاء كلمة الله وأن يكون الدين كله لله، وقد أدوا دورًا عظيمًا وقاموا بأعمال جليلة استصغر أمامها سيدنا علي ا ذنبهم في اغتصابهم الخلافة منه، فسكت عنهم.

إذا غضينا الطرف عن التناقضات التي تظهر في هذا الدليل - على أقل التقادير - يثبت شيء واحد وهو؛ أن الصحابة لم يكونوا منافقين ولا مرتدين، وإنما كانوا رجالاً صالحين نذروا أنفسهم لهذا الدين المبين.

فبعد ما ثبت لنا هذا، وظهرت لنا حقيقة الأمر: فكيف يمكننا أن نفتري على هؤلاء الأبرار ونقول بأنهم كانوا عصابة مجرمة عصت ربها وخالفت أمره ـ؟!

وكذلك الدليل الثاني الذي يزعم أن عليًّا لم يكن يملك قوة كافية يطالب بها حقه، لا يقف على قدم ولا على ساق، فهو كالدليل السابق ضعيف لا يستند إلى شيء من البرهان، وذلك:

ليست القوة شرطًا أساسيًا في المطالبة بالحق وإقامة الشرع المبين وإصلاح ما أفسده الناس، أوَ لم يبدأ الرسول ج دعوته من الضعف المطلق؟ إذ كان رجلاً واحدًا دعا إلى الحق، ومع الزمن اجتمع حوله مجموعة من الناس وبعد فترة وجيزة استطاع أن يقيم دولة إسلامية قوية!

وهل إذا ضعف الإنسان ولم يقوَ على مجابهة الباطل فإنه يبقى طائعًا مختارًا تحت راية النفاق خمسًا وعشرين سنة؟!

لا، لا يمكن أن أتصور أن بطلاً همامًا مثل أسد الله علي ا، فاتح خيبر، وأشجع الشجعان يرضى لنفسه حياة الذل والهوان.

فهو الذي وقف سدًّا منيعًا لا يعرف الضعف ولا يلين قيد أنملة أمام أمير الشام -معاويةا- يوم أن تولى مقاليد الحكم، ولقد كان من الضعف بمكان ولم يكن بين يديه جيش مدرب متماسك، وكذلك لم تكن المصلحة تقتضي ذلك...

وقد رد على من أشار إليه بالسكوت على معاوية إلى حين - لأن جيشه قوي وعتاده كثير - رد الرجل الحازم الذي لا يلين: والله، لا أصبر عليه يومًا واحدًا.

هنا سيقول هؤلاء القوم بأن عليًّا لم يكن رجل المصالح وإنما كان رجل المواقف.. أي إنهم يرددون كلامنا.. وبذلك يعترفون ببطلان دليلهم الثاني دون أن يشعروا..

كان علي ا لا يبالي أن يقتل في سبيل الله مائة مرة في اليوم الواحد، فقد نذر نفسه لدين الحق، وهو أول استشهادي وفدائي في الإسلام، فهو أول من فدى الرسول ج بنفسه؛ فقد بات في فراش الرسول ج ليلة الهجرة، وقدم جسمه طائعًا مختارًا للرماح والسنان والسيوف.

وفوق هذا كله: كان علي ا يدرك تمامًا أنه إذا كان الحق معه فسينتصر لا محالة، إذ ترافقه معية الله ونصره الذي وعد به المتقين، فمن كان يشعر بالمعية الربانية وبنصره لا يخاف في الله لومة لائم، وهو كان يحفظ قوله تعالى: ﴿كَم مِّن فِئَةٖ قَلِيلَةٍ غَلَبَتۡ فِئَةٗ كَثِيرَةَۢ بِإِذۡنِ ٱللَّهِۗ وَٱللَّهُ مَعَ ٱلصَّٰبِرِينَ ٢٤٩ [البقرة:249].

يرى أكثر علماء الشيعة أن أية معصية حدثت بعد وفاة الرسول ج تعود حقيقتها إلى تلك الانحرافات الأولى التي حدثت عند رحيله ج إلى الرفيق الأعلى، وكثيرًا ما يرددون مقولتهم الشهيرة: إن عمر كان معصية من معاصي أبي بكر!

ومن هنا يقال بأن أبابكر يتحمل أوزار معاوية كذلك، فذنوب معاوية ومعاصيه ترجع إلى أبي بكر، ومن حيث المنطق والعقل لا غبار على هذا الاستدلال والقياس، وذلك لأنه إذا لم يكن أبوبكر قد اغتصب الخلافة من علي - حسب زعمهم - لم يجد يزيد مجالًا يسمح له بقتل الحسينا.

لا شك أن عليًّا كان يدرك أكثر منا؛ بأن أساس البنيان إذا بني بشكل خاطئ سرعان ما ستنهدم البناية، وأنه كان يدرك جيدًا بأن سيلاً من الأخطاء والضلالات ستظهر مع صمته هذا.

فيا ترى؛ لماذا سكت ولم يطالب بحقه؟..

لماذا لم يرفع سيفه في وجه هذا الطغيان والظلم الخطير، كما فعل ابنه الإمام الحسين ا؟ بل أكثر من هذا كله؛ لماذا وقف في صف هؤلاء الأشرار وساندهم؟

طالما يردد التاريخ على أسماعنا بأن سيدنا عليًّا كان من أبرز المستشارين للخلفاء الثلاثة، وعلماء الشيعة يفتخرون دومًا بمقولة عمر الشهيرة: «..لولا علي لهلك عمر».

ويستنتجون من ذلك بأن عليًّا كان من العلماء المشاهير، بل من أبرزهم.. وأنا كذلك أفتخر بعلم علي كما أفتخر بتواضع عمر، وقبل هذا وذاك؛ أفتخر بتلك المحبة والأخوة التي كانت بين أولئك السادة الأبرار، ورجال التاريخ العظماء.

وهذه الجملة تبين لنا: بأن عليًّا كان يسعى لصالح عمر ويعاونه ويوم أن قرر عمر بأن يخرج على رأس الجيش الإسلامي في معاركه في بلاد الفرس، وقف علي ا يقول: ... إذا خرجت معهم وهزمت أو قتلت ستنهار معنويات الجيش، لكنك إذا بقيت في المدينة تستطيع أن تعينهم بالمدد تلو المدد، كلما احتاجوا إلى ذلك[1].

أي: إن عليًّا كان يحرص على حياة عمر وصحته، ويتمنى له طول العمر. فهل يتمنى رجل مثل علي الحياة وطول العمر لمنافق مرتد غيَّر أحكام الله؟!

لا، أبدًا.. لم يكن علي يصنع ذلك.. فقد كان ا سيفًا مسلولًا على المنافقين والمرتدين، وكان عدوهم اللدود ولم يكن حتى يتكلم مع الكفار أبدًا.

زوّج علي ا ابنته لعمر ا، فهل يعقل أن يقدم رجل مؤمن باسل شجاع مثل علي على زواج ابنته من رجل منافق مرتد؟..

بالله عليكم فكروا مرة أخرى.

هل يعقل أن يقدّم رجل تقي بار شجاع مثل علي فلذة كبده إلى من بدَّل دين الله وغيّر شرعه المبين؟!

فإذا راجعنا مواقف علي ا من الخلفاء الثلاثة واستمعنا إلى الترهات التي يتفوه بها من يزعم اِتباع علي ا، لوجدنا تناقضًا كبيرًا لا يمكن تفسيره ولا تأويله، ولا تبقى حيلة أمامه إلا أن نقول:

o إما أن التاريخ يكذب، ولم تصدر مثل هذه المواقف منه ا تجاه إخوانه من الخلفاء.

o وإما أن ما يقوله الشيعة ليس إلا كذبًا وبهتانًا.

يتفق الجميع بأن ما ذكرناه عن علي ا قد حدث فعلًا - وإن كنا نرى بأن الصلات الأخوية ووشائج المحبة بين علي وإخوانه كانت أكثر بكثير مما ذكرنا - لكننا نكتفي بالحد المتفق عليه بين الفريقين. ولا يبقى مع ذلك إلا القول الثاني وهو: أن ما يقوله الشيعة ليس إلا كذبًا وبهتانًا.

أجل، هذه أكذوبة افتروها على التاريخ، وعلى هؤلاء السادة الأبرار..

هذه هي الحقيقة الثابتة التي توضح لنا ذلك التناقض وترفعه...

لا يستطيع عاقل أن يتصور؛ أن ينص الله على خلافة علي بعد الرسول ج، ويقرر له سيادة الأمة وقيادتها، فيقوم علي - بناء على ما يرى - بتغيير حكم الله ويتنازل عن حقه المنصوص عليه!

فالقضية هنا - حسب ما يزعمون - قضية الواجب لا الحق.. فقد كان يجب على علي ا أن يقيم شرع الله وحكمه، فقد أمره الله من فوق سبع سماوات أن يقوم بالأمر.

من هنا يتضح للعيان خطأ ما يزعمونه من أن الصحابة اغتصبوا حق علي، وأنه سكت، وحينئذ يلزمهم القول: إن الصحابة صدوا عليًّا عن القيام بالواجب، فسكت علي على ذلك...

فهل يتجرءون على القول بمثل هذا؟!

يحاول علماء الشيعة أن يجيبوا على هذه النقطة فيقولون: لما بلغ الرسول ج حكم الله إلى عليا أضاف إليه قائلًا: يا علي، إذا لم تتفق كلمة الناس عليك وأخذوا يخالفونك، آثر الصمت والسكوت!

إذا قبلنا هذا التفسير منهم، فيجب أن نقبل كذلك بأن الله لأول مرة وآخر مرة في تاريخ الكون أصدر حكمًا لكنه جعل تنفيذه مشروطًا بقبول الناس ورضاهم (!)

لم يجعل الله أي حكم من أحكامه مشروطًا بقبول الناس ورضاهم، لا ينفذه المؤمنون إلا إذا وافق عليه الناس! بل أمر الله عباده المؤمنين أن يقيموا شرعه المتين وأحكامه الرصينة سواء رضي الناس بها أو لم يرضوا، حتى ولو وقف الناس في جانب وبقي مسلم واحد يدعو لأحكام الله في جانب آخر. وحتى ولو وقعت المعارك وأريقت الدماء فأحكام الله سارية المفعول لا محالة!

ولا نجد مثالًا واحدًا في التاريخ ألغى المؤمنون فيه حكم الله لأن الناس لم يرتضوه!

فإذا قبلنا هذا الكلام من علماء الشيعة يجب أن نقول بأن سنة الله قد اخترقت، تلك السنة التي لن تجد لها تبديلًا ولا تحويلًا[2].

فقد اتخذ علماء الشيعة هذه النقطة التي تزعم أن «حق علي قد اغتصب» مِشْجَبًا علقوا عليه مذهبهم، وجعلوها محورًا ثابتًا لا نقاش فيه، فاضطروا أن يخلطوا الحابل بالنابل ويلتجئوا إلى تلك التفسيرات والتأويلات التي لا تتلاءم مع العقل والمنطق السليم، ولم يكن يهمهم في سبيل الوصول إلى غايتهم أي شيء، حتى وإن جعلوا سنة الله تُختَرق ونظام الكون ينهار.

ولعل أحدهم يقول:

حسب قاعدة المصالح المرسلة يُعطل بعض الأحكام الإسلامية إذا وجدنا ضررها أكبر من نفعها، وقد شعر علي ا أن ثورته في وجه هؤلاء الطغاة ورفعه السيف قد يؤدي إلى أضرار جسيمة، لذا آثر الصمت وسكت.

ولنا أن نسألهم مباشرة: ما هي الفائدة أو الخير الذي نرجوه من أمة شابة لم تستقر دعائمها بعد، إذا قادتها فئة من المنافقين والمرتدين؟

وبعد هذا لا يبقى أمامنا سبيل إلا أن نقر بملء فينا أنهم لم يكونوا منافقين ولا مرتدين، ولا يليق بنا أن نتهم أولئك الأبرار المخلصين بأنهم خانوا دين الله وخالفوا أمره ـ وتجاهلوا النصوص القاطعة في خلافة علي ا.

لا يمكننا أن نقف أمام هذا التضاد وأن نجيب على هذا التناقض إلا أن نعترف موقنين بأنه لا أساس لمذهب التشيع، فلم يكن هناك حق ليضيع، ولم يكن سيدنا علي ا خليفة منصوصًا عليه من قبل الله ولا من قبل الرسول ج.

وقد قال الله تعالى: ﴿أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ ٱلۡقُرۡءَانَۚ وَلَوۡ كَانَ مِنۡ عِندِ غَيۡرِ ٱللَّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ ٱخۡتِلَٰفٗا كَثِيرٗا ٨٢ [النساء:82].

فهذه قاعدة رصينة في معرفة الحق من الباطل، بها تميزت المذاهب والكتب الزائفة من المذاهب والكتب الصادقة، فكلما صادفت مذهبًا أو عقيدة يضرب أخماسًا في أسداس لإثبات مفاهيمه وتأويل تناقضاته، اعرف يقينًا بأنه؛ لا أساس لهذا المذهب أو تلك العقيدة في دين الله وشرعه المبين.

يأمرنا الله في محكم كتابه أن نرفع السيف على رقاب الكافرين والمنافقين، في قوله تعالى: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ جَٰهِدِ ٱلۡكُفَّارَ وَٱلۡمُنَٰفِقِينَ [التوبة:73].

ويأمرنا أن نشدد عليهم: ﴿وَٱغۡلُظۡ عَلَيۡهِمۡۚ وَمَأۡوَىٰهُمۡ جَهَنَّمُۖ وَبِئۡسَ ٱلۡمَصِيرُ ٧٣ [التوبة:73].

ويأمرنا ألا نرافق جنائزهم ولا نصلي عليهم: ﴿وَلَا تُصَلِّ عَلَىٰٓ أَحَدٖ مِّنۡهُم مَّاتَ أَبَدٗا وَلَا تَقُمۡ عَلَىٰ قَبۡرِهِۦٓۖ إِنَّهُمۡ كَفَرُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ وَمَاتُواْ وَهُمۡ فَٰسِقُونَ ٨٤ [التوبة:84].

ولم تروِ لنا السيرة المطهرة ولا التاريخ الثابت المتفق عليه موقفًا واحدًا عامل الرسول ج أو سيدنا علي ا الصحابة الأبرار بمثل هذه الأوامر التي وردت في سورة التوبة، ومن يزعم شيئًا من ذلك فقد تجرأ على الحقيقة وبلغ في الكذب مبلغه.

هل يمكن أن يرشِّح عمر عليًّا ب ضمن أهل الشورى الستة - الذي كلفه لاختيار أحدهم خليفة من بعده - وعلي يكفر الصحابة كلهم؟

فقد اختار عمر ستة أشخاص؛ وهم من الذين مات رسول الله ج وهو عنهم راضٍ، منهم علي ا ليختاروا أحدهم خليفة للمسلمين من بعده.

وهل يعقل أن يؤمن علي بنفاق عمر أو كفره، وعمر يجعله أحد أهم مستشاريه يرجع إليه في مهام الأمور ويسمع لآرائه ونصائحه وقد يعمل بها؟..

خلاصة الكلام: أن عليًّا لم يجاهد الخلفاء من قبله.. ولم يغلظ عليهم.. وقد حضر جنائزهم، وصلى عليهم؛ وقام على قبورهم...

فإذا كان أولئك الخلفاء منافقين أو كفارًا، لابد أن يقولوا بأن عليًّا خالف أوامر الله في الآيات المذكورة السابقة من سورة التوبة، فهل هناك من يتجرأ أن يتفوه بمثل هذا الكلام في حق علي ا...

والذين يزعمون أنفسهم من شيعة علي يقولون: بأن عليًّا سكت طوال فترة خلافة الخلفاء الثلاث حرصًا على وحدة الصف الإسلامي ومصالح الأمة.. فيا ترى؛ لماذا لا يقتدي هؤلاء بسيدنا علي ا في سكوته؟!

ما هي المصلحة أو الفائدة في إثارة مثل هذا الكلام بعد هذه القرون الطويلة، وقد انتقل أبوبكر وعمر وعثمان وعلي ي إلى الله ؟ لماذا أحيت هذه الفتن والمناقشات بعد ثلاثة قرون من الزمان؟

ألم يكن من الأفضل لكم وللأمة أن تقتدوا بعلي ا فيما تقولون: أنه سكت طوال هذه الفترة كلها استجابة لأمر الرسول ج، فلم يثر فتنة ولم يقد ثورة؟

كان الإسلام في أيام عثمان ا يتمتع بالقوة والشوكة وكان علي ا معه في الصف ساكتًا، فماذا دهاكم أنتم لأن تثيروا الفتن والإشاعات يوم أن ضعف الإسلام وخارت قواه؟ أليس من الأفضل أن تقتدوا بعلي ا وتسكتوا عن الأيام السابقة وتتركوا أمرها إلى الله ليقضي فيها بما يشاء يوم توضع الموازين؟

من يتصفح التاريخ - أعني التاريخ المتفق عليه بين الفريقين والذي يقر به علماء الشيعة أنفسهم - قد يستغرب إذ لا يرى معركة دارت بين أسرة علي وأهل بيته، وأسرة عمر أو أسرة أبي بكر، ولا يسمع عن خلافات أو تشاحنات ظهرت بين أسرهم، وإنما يجد حبًا وولاءً ووئامًا وروابط اجتماعية وثيقة؛ فتعال معي لننظر إلى قضايا الزواج التي تعتبر رمز الحب والصدق والتقدير والتقارب بين الأسر:

ولنبدأ من سيدنا رسول الله ج:

زوّج الرسول ج بنتًا له لعثمان ا، ولما ماتت زوّجه الرسول ج ابنتَه الأخرى[3].

وزوّج الرسول ج ابنتَه الصغرى فاطمة الزهراء لعلي ا.

وتزوج الرسول ج عائشة بنت أبي بكر الصديق ب.

وتزوج الرسول ج كذلك حفصة بنت عمر ب.

وتزوج عمرُ ا أم كلثوم الكبرى بنت علي ب.

أم الإمام الصادق - الذي يعتبره الشيعة مؤسس مذهبهم - هي من أهل بيت أبي بكرا.

فقد ذهب الإمام السجاد - حفيد سيدنا علي ا - إلى بيت عبد الرحمن - حفيد سيدنا أبوبكرا- يخطب بنته لابنه الباقر، أي ذهب إلى بيت رجل اغتصب جده حق سيدنا عليا في الخلافة(!)، وقال له: جئت أطلب يد ابنتك أم فروة لابني باقر. وقد قبل عبدالرحمن - حفيد أبي بكر - هذه الخطبة وزوج بنته من ابنه.

ومن الجميل في الأمر كذلك؛ أن جدة الإمام الصادق -رحمهما الله- كانت حفيدة لأبي بكر الصديق ا، وكان الإمام الصادق - مؤسس مذهب الشيعة كما يقولون - يفتخر بذلك ويقول: ولدني أبوبكر مرتين؛ أي يرجع نسبي من قبل أمي إلى أبي بكر مرتين - أمي وجدتي -[4].

ألا تدل هذه كلها على أنه لم تكن هناك أية مشاجرات ولا تشاحنات بين علي وأبي‌بكرب، وأن قضية الخلافة المزعومة لا أساس لها، وإنما هي أوهام وخيالات أنجبتها قلوب مريضة ختم الله عليها؟ وليس لها أصل ولا حقيقة في واقع الأمر؟

ولا أتوقع أن يتنازل الجاحد والمعاند عن موقفه بقراءة ما سردته هنا، ذلك لأنه قد عرف أكثر من هذا وسمع أدلة أوضح مما ذكرت، ولكنه مع ذلك ظل على موقفه يناطح الحق ويساند الباطل.

تصوروا معي؛ هل هناك دليل أوضح على ما قلناه من أن عليًّا ا زوج ابنته التي لم تتجاوز إحدى عشرة سنة، تلك الفتاة التي أنجبتها بنت الرسول فاطمة الزهراء ل، بأكبر أعدائه ذلك المنافق المرتد المتغطرس؟! (أستغفر الله)... يزوج أم كلثوم فلذة كبده، وفلذة كبد بنت الرسول فاطمة الزهراء إلى عمر الذي تجاوز الخمسين من عمره[5].

فقد أصبح بعض من يزعم اِتباع علي «ملكيين أكثر من الملك نفسه!».

ولا أظنني أستطيع أن أصدق من يحرص على الملْك أكثر من الملِك نفسه، إلا إذا كان يخفي وراءه مكرًا ودسيسةً وخدعةً.

[1]- ذُكر في نهج البلاغة؛ خطبه 146، ص203: لما استشاره عمر بن الخطاب في الشخوص لقتال الفرس بنفسه‏، فقال علي: «إِنَّ هَذَا الْأَمْرَ لَمْ يَكُنْ نَصْرُهُ وَلَا خِذْلَانُهُ بِكَثْرَةٍ وَلَا بِقِلَّةٍ، وَهُوَ دِينُ اللَّـهِ الَّذِي أَظْهَرَهُ وَجُنْدُهُ الَّذِي أَعَدَّهُ وَأَمَدَّهُ حَتَّى بَلَغَ مَا بَلَغَ وَطَلَعَ حَيْثُ طَلَعَ، وَنَحْنُ عَلَى مَوْعُودٍ مِنَ اللَّـهِ، وَاللَّـهُ مُنْجِزٌ وَعْدَهُ وَنَاصِرٌ جُنْدَهُ وَمَكَانُ الْقَيِّمِ بِالْأَمْرِ مَكَانُ النِّظَامِ‏ مِنَ الْخَرَزِ يَجْمَعُهُ وَيَضُمُّهُ فَإِنِ انْقَطَعَ النِّظَامُ تَفَرَّقَ الْخَرَزُ وَذَهَبَ ثُمَّ لَمْ يَجْتَمِعْ بِحَذَافِيرِهِ أَبَداً، وَالْعَرَبُ الْيَوْمَ وَإِنْ كَانُوا قَلِيلًا فَهُمْ كَثِيرُونَ بِالْإِسْلَامِ عَزِيزُونَ بِالاجْتِمَاعِ فَكُنْ قُطْباً وَاسْتَدِرِ الرَّحَى‏ بِالْعَرَبِ‏ وَأَصْلِهِمْ دُونَكَ نَارَ الْحَرْبِ فَإِنَّكَ إِنْ شَخَصْتَ‏ مِنْ هَذِهِ الْأَرْضِ انْتَقَضَتْ عَلَيْكَ الْعَرَبُ مِنْ أَطْرَافِهَا وَأَقْطَارِهَا حَتَّى يَكُونَ مَا تَدَعُ وَرَاءَكَ مِنَ الْعَوْرَاتِ أَهَمَّ إِلَيْكَ مِمَّا بَيْنَ يَدَيْكَ، إِنَّ الْأَعَاجِمَ إِنْ يَنْظُرُوا إِلَيْكَ غَداً يَقُولُوا هَذَا أَصْلُ الْعَرَبِ فَإِذَا اقْتَطَعْتُمُوهُ اسْتَرَحْتُمْ فَيَكُونُ ذَلِكَ أَشَدَّ لِكَلَبِهِمْ عَلَيْكَ وَطَمَعِهِمْ فِيكَ ....».‏ [المُصحح] [2]- ﴿ٱسۡتِكۡبَارٗا فِي ٱلۡأَرۡضِ وَمَكۡرَ ٱلسَّيِّيِٕۚ وَلَا يَحِيقُ ٱلۡمَكۡرُ ٱلسَّيِّئُ إِلَّا بِأَهۡلِهِۦۚ فَهَلۡ يَنظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ ٱلۡأَوَّلِينَۚ فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ ٱللَّهِ تَبۡدِيلٗاۖ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ ٱللَّهِ تَحۡوِيلًا ٤٣ [فاطر:43]. [3] وهما؛ السيدة رقية والسيدة أم كلثوم ب. [4] أما قوله ولدني أبو بكر مرتين لأن أمه أم فروة بنت القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق وأم فروة أمها أسماء بنت عبد الرحمن بن أبي بكر. [5] وقد اعترف ثقة الإسلام الكليني بزواج عمر بن الخطاب من أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب رضي الله عنهم أجمعين. انظر: (الفروع من الكافي للكليني 6/115، وكتاب: لئالى الأخبار للتويسركاني 4/92). وقد أفرد أبي معاذ السيد بن أحمد بن إبراهيم الإسماعيلي كتابا سماه «الأسماء والمصاهرات بين أهل البيت والصحابة رضوان الله عليهم»، أورد فيه أسماء من تسمى بأسماء الخلفاء الراشدين - أبوبكر وعمر وعثمان - من أهل بيت الرسولج وأسماء من سميت بـ«عائشة» من نساء أهل البيت، والزيجات والعلاقات الأسرية التي كانت بين بيوتات أهل البيت وآل أبي بكر وعمر من خلال ما ثبت في المصادر الشيعية المتفق عليها لدى الشيعة أنفسهم!... (دار الإيمان للطبع والنشر، الإسكندرية. وتجد الكتاب كذلك في موقع المهتدون على شبكة الإنترنت). [المترجم]