(3) ماذا كانت أهداف الغاصبين؟
يا ليت شعري؛ ماذا كان يرمي إليه من اغتصبوا حق علي ا؟..
ولماذا منعوه من أداء واجبه؟..
ولماذا ارتكب هؤلاء الجناة هذه الجريمة النكراء؟..
وإلامَ كانوا يهدفون من وراء هذه المؤامرة الدنيئة؟!
يزعم إخواننا الشيعة؛ أن جميع الصحابة وخصوصًا المقربين من أصحاب الرسول ج اشتركوا في هذه الجريمة، ولم يعصم منها إلا أربعة أشخاص - إلى اثنا عشر حسب اختلافاتهم هم - فقط.
وتعال معي لنبحث عن الدواعي الكامنة وراء هذه الجريمة الشنعاء...
في الوهلة الأولى: تشير أصابع الاتهام - عندهم - إلى أبي بكر وعمر وعثمان ي وغيرهم من كبار الصحابة ممن قادوا المؤامرة..
فيا ترى؛ ماذا كانوا يبغون من ورائها؟
الدنيا وزينتها؟..
لا، وألف لا!
يشهد التاريخ ويشهد قادة الشيعة وعلماؤهم - أمثال الخميني - أن معظم هؤلاء السادة آثروا حياة الزهد على نعيم الدنيا وقضوا حياة في نهاية البساطة والزهد ولم يستغلوا أموال الخلافة لمطامعهم الشخصية أو للترف.
ولعله يجدر بنا هنا أن نذكر قصصًا من حياتهم لنلقي الضوء على جوانب من حياتهم ومعيشتهم...
القصة الأولى:
دخل أبوبكر ا بيته في يوم من الأيام، فقدمت زوجته إليه طبقًا فيه قطعة من الحلوى. فسأل مستغربًا: ما هذا؟!
فقالت زوجته: كنت أستقطع من مصاريف البيت في كل يوم شيئًا وأدخره، حتى تجمع عندي مبلغ واستطعت أن أصنع هذه الحلوى.
فقال أبو بكر: إن المقدار القليل الذي كنت تدخرينه يوميًا، كان شيئًا زائدًا عن حاجتنا.
ثم أمر صاحب بيت المال أن ينقص من راتب الخليفة بقدر ما كانت تدخره.
القصة الثانية:
كان الرسول ج يتجهز للجهاد، فنادى في الصحابة بجمع المال لتجهيز الجيش، فجاء عمر بنصف ماله وقدمه للرسول ج. ثم جاء أبوبكر بماله كله ووضعه بين يدي الرسول ج لا يريد بذلك إلا وجه الله. فسأله الرسول ج: ماذا تركت لأهلك وأولادك؟ فقال أبوبكر: تركت لهم الله ورسوله...
من يتبع هواه ويعيش لدنياه يخاف من الموت.. لكن حياة الصحابة -رضوان الله تعالى عليهم أجمعين- تمتلئ بالتضحيات وأروع صور الإيثار والتفاني، فإنهم لم يخافوا في الله لومة لائم، ولم يبخلوا يومًا بدمائهم في سبيل الله.
فقد ربى الرسول الكريم ج أصحابه على الزهد والتقوى والإخلاص، وقد نجح في تربيتهم فتخرجوا من مدرسته يحبون الموت في سبيل الله أشد من حب الكفار للحياة، وكانت حياتهم صورة رائعة من الزهد والتقشف يفتخر بها التاريخ، وهذا ما يقر به علماء الشيعة أنفسهم في حق معظم الصحابة إلا بعضهم.
ومما يثير الدهشة والاستغراب مآخذهم على سيدنا عثمان ا أنه كان يقدم أقاربه في المناصب وأنه خصص لهم هبات وهدايا سخية من بيت مال المسلمين.
لكنهم مع كل هذا لا ينكرون بأن عثمان مع كل ما كان يملك من الأموال الطائلة والثروات الهائلة كان يعيش حياة الزهاد، وهذا يجعلنا نتساءل:
إذا كان سيدنا عثمان ا مع ما يملك من الثروات الهائلة يؤثر حياة الزهد على حياة الترف، ولا يحيف في ماله الشخصي، فبالله عليكم؛ كيف يرضى أن يستغل أقاربه بيت مال المسلمين في الترف؟!
من يتق الله في ماله الشخصي، هل يتصور ألا يتقيه في أموال المسلمين ويتركها نهبًا لمطامع أقاربه؟!
لا نستطيع أن نقول إلا؛ أن التناقض يأكل أدلتهم كما تأكل النار الحطب!
وإذا كان قد حدث شيء من ذلك - إن ثبت - فلا شك أن عثمان لم يطَّلع عليه، فلا يمكن لمثل عثمان أن يرى أموال المسلمين تنهب ويظل ساكتًا لا يحرك ساكنًا!
إن التاريخ لم يشهد عزًا للمسلمين وخدمات جليلة قدمت له مثل ما قدمه الصحابة وأولادهم من بعدهم، وها نحن الذين نزعم بأننا نحن الذين نتبع الرسول الأمين ج بالحق دون غيرنا، ونحن الذين نحمل راية الإسلام الخالص خفاقة على العالمين (!)، ضيعنا كثيرًا من المكاسب التي اكتسبها أولئك الأبرار للأمة، فقد جعلنا الحدود الشمالية لإيران ثغورًا تفصل بين الإسلام والكفر، فهل نسينا أن الحدود التي وضعها الصحابة للفصل بين بلاد الإسلام والكفر كانت أبعد من ذلك بمئات الفراسخ.
وما ذهبت تلك الأراضي الإسلامية كلها أدراج الرياح إلا بتساهلنا وخنوعنا وذلنا وهواننا...
مع كل هذه التفاصيل هل يمكننا أن نتصور بأن فريقًا من المنافقين والمرتدين والخونة وأولادهم قدموا للإسلام خدمات جليلة خطيرة عجز التاريخ الإسلامي أن يصنع مثلها فيما بعد؟!
هل هذه الأعمال العظيمة والتضحيات الكبيرة لا تكشف ستائر التعصب عن عيوننا لنرى فيهم أبطالاً مؤمنين مخلصين رباهم الرسول ج وقدمهم في أجمل ثوب؛ ليكونوا أجمل النماذج البشرية وأطهرها للعالمين.
وإذا سألت يهوديًا: من أفضل اليهود؟
سيجيبك بلا شك: أصحاب موسى ×.
وإذا سألت نصرانيًا: من هم أفضل المسيحيين؟
يقول بلا تردد: حواريي وأصحاب عيسى ×.
وكذلك المسلمون يقولون: صحابة الرسول ج.
ولكن مع الأسف؛ ليس كل المسلمين؛ فالبعض منهم يفترون على نبيهم وعلى تاريخهم وعلى عز دينهم فيقولون: أخبث الناس في أمتنا أصحاب نبينا ج!!
وتعالوا نفرض جدلاً أن أبابكر وعمر وعثمان ي كانوا يسعون للوصول على كرسي الحكم، ويطمعون في الملك بعد الرسول ج...
فيا ترى؛ لماذا شاركهم سائر الصحابة في هذه الجريمة الكبيرة التي قضت على آخرتهم لدنيا غيرهم؟
فبقية الصحابة لم يكن لهم من الملك شيء، فما الذي ماذا جعلهم يكفرون بحكم رسولهم ويتجاهلون أمره الصارم بعد وفاته مباشرة، ثم في اليوم التالي يحملون السلاح ويدافعون عن حرمات دين الرسول ج، ويسقطون شهداء في المعارك الدامية مع مسيلمة الكذاب؟!
فهل كان أبوبكر يرشيهم، أم أنهم كانوا مرتزقة يعملون لدى أبي بكر ا، أم أنه كان يغريهم بالمناصب؟!
وقد شهد الجميع بأن أبابكر وعمر لم يأكلا من بيت مال المسلمين ولم يتركاه نهبًا للطامعين...
فكان يجب ولابد لمن يفتري على المهاجرين والأنصار بمثل هذه الجريرة، ويتهمهم بمثل هذه الكبيرة أن يبحث لهم عن دوافع وحوافز لمثل هذه النزعات الشيطانية.
لكن هيهات لهم ذلك؛ إذ لم تترك دماء الصحابة التي أريقت في سبيل شجرة الإسلام، وزهدهم في الحياة، واتباعهم للرسول ج في تعاليمه لهؤلاء المفترين ثغرة يطعنون من خلالها في أعراضهم، فأصبحوا يهتفون عن فراغ في الفراغ...
ومرة أخرى نتساءل:
ولو فرضنا جدلاً أن كبار الصحابة - لأسباب مجهولة - ارتكبوا هذه الجريمة، فيا ترى؛ لماذا سكت الشعب من عامة الناس الذين حضروا غدير خم في سقيفة بني ساعدة؟! ماذا كان وراء هذا الصمت العجيب؟ هل نسي كلهم ما دار في غدير خم؟
وفيما يرى الشيعة أنه لم يكن بين غدير خم ووفاة الرسول ج إلا سبعين يومًا، فهل نسي سبعون ألف إنسان ما دار قبل سبعين يوم في غدير خم؟!
يزعم الشيعة أن الرسول ج اختار في غدير خم عليًّا خليفة من بعده، وأبلغ الناس بذلك، وفهم الناس كلامه وأدركوه وقاموا يباركون عليًّا بذلك!
وإننا نتساءل: لماذا لم يقم واحد من أولئك يقول لهم: أيها الناس، ألم يختر رسول الله ج عليًّا خليفة من بعده؟!
فهل لنا أن نصدق؛ بأن الناس كلهم أجمعوا على مخالفة أمر الرسول ج، وعلى التخلي عن واجبهم تجاه خليفته المختار؟
والله لا نستطيع أن نصدق هذا الكلام؛ لأن أولئك الناس أنفسهم قاموا - بأوامر من أبي بكر وعمر - يقاتلون في سبيل الله، لا يخافون في الله لومة لائم، ففتحوا بلادًا لم تكن آمنت من قبل؛ فتحوا بلاد فارس واليمن ومصر وبلاد الروم...
ولو أن خطيب مسجد كان يعظ الناس ويأمرهم بالتقوى والاستقامة على الدين، ثم هو نفسه يقود الناس ليلاً إلى قطع الطريق ونهب أموال الناس. وفي اليوم التالي يعود ليخطب في الناس ويذكرهم بالتقوى والصلاح.. فهل سوف يتأثر الناس بكلامه ويسمعون له؟
فإذا كان الناس قد رأوا بأم أعينهم أن أبابكر وعمر اغتصبوا حق علي ا، وضربوا بقول الرسول ج عرض الحائط، فهل كانوا سيخرجون تحت راياتهم لفتح البلاد والدعوة إلى دين الله بأمرهما؟
هذا أمر لا يتصور حدوثه.
لعل هذا السؤال طرح أمام منظري المذهب الشيعي، فلهذا علَّلوا في بعض كتاباتهم عن سبب تجاهل الناس خلافة علي ا بأن قالوا:
«كان علي ا يعدُّ قاتل آباء من أسلموا من الكفار في عهده، فلم يكن أقارب الكفار المقتولين يطيقون عليًّا ولا يستطيعون رؤيته».
وهذا كذب محض، وبهتان ليس له دليل، وجدل أجوف لا يقف على قدم أو ساق وذلك؛ لعدة أسباب:
1- لقد استوعب الصحابة هذه المسألة جيدًا، فضاعت بينهم صلات النسب، وبعد ما تمكنت فيهم صلات الدين كان منهم من قتل أباه الكافر أو أخاه وابن عمه ومنهم من استأذن الرسول ج في قتل أبيه المنافق.
2- وإذا كانوا يحملون حقدًا في قلوبهم فكان ينبغي أن يحقدوا على الرسول ج، كونه صاحب فكرة الولاء والبراء، وهو الذي أمر بقتل الكفار المحاربين.
3- هناك من قتل من الكفار أكثر من علي ا، فعمر ا كان يشير دائمًا إلى قتل الكفار والمنافقين، ويستأذن الرسول في ذلك، وجملته المشهورة: «دعني أضرب رأسه يا رسولالله، فقد نافق»، مازالت رطبة على لسان التاريخ.
4- قضى الإسلام على هذه النزعة الجاهلية؛ فلم يبق شيء منها في صدور أولئك الرجال الذين رباهم الرسول ج، فقاتل حمزة - سيد الشهداء – وحشي؛ يوم أن أسلم أصبح أخًا للمسلمين؛ له ما لهم وعليه ما عليهم. فالإسلام يجبُّ ويمسح ما قبله، ولم يحدث أن عيره أو عاتبه أحد بما كان من أمره في الجاهلية.
وكذلك فإن سيف خالد بن الوليد قطع رؤوس أفراد من الصحابة وقتلهم، لكنه يوم أن أسلم فرح المسلمون بإسلامه وعينوه قائدًا ورئيسًا لهم، ولم يعترض أحد على ذلك، ولم يقل أحد: كيف نرضى أن يكون من قتل آباءنا وإخواننا بالأمس رئيسًا علينا اليوم؟!
5- وكذلك - لو سلمنا جدلاً بصحة كلامهم - الذين كانوا يحملون في صدورهم على عليا أنه قتل آباءهم أو إخوانهم كانوا من أهل مكة وفي مكة، و لم يكونوا من أصحاب الرأي والمشورة، وإذا كان منهم أحد في المدينة أمثال أبي سفيان، فإن المصادر الشيعية تذكر أنه وقف بجانب علي يدافع عنه ولم يقل أن عليًّا قتل أصحابه. لكن عليًّاا اعتبر وقفته هذه وقفة رجل مغرض يسعى إلى إثارة الفتن في الصف الإسلامي!
فكما ترى يحمل هذا الدليل في نفسه ما يناقضه، فهل من ذكره لا يريد إلا أن يلتمس أي تبرير ليكرس رأيه ويضع فكرته الخاطئة في المقدمة؟! أم أنهم يبحثون عن الحق؟
وأحيانًا يقولون: خالفوا عليًّا، لأنهم كانوا يخافون عدله؟!
فيا ترى؛ من أي نوع كانت عدالة علي ا ليخافوا منها؟
فقد كان أبوبكر وعمر بشهادة الجميع رجلين عادلين. وحتى أن بعضهم يقولون: إن عليًّا يوم أن رأى عدل أبي بكر وعمر سكت ولم يطالب بحقه، هذا أولاً.
ثانيًا؛ إن من عاش تحت عدل محمد ج وخضع له لماذا يخاف عدل علي ا؟
فهل كان علي ا أعدل من محمد رسول الله ج؟..
لم تكن هذه المعاني بالنسبة للصحابة أمورًا غريبة، فقد ذاقوا الويلات من الظلم إلى أن سعدوا بالأمن في كنف الإسلام، وخضعوا بكامل اختيارهم إلى عدل الرسول ج، أليس الأنصار أنفسهم جاءوا إليه يرجونه أن ينتقل معهم إلى ديارهم - في المدينة أو ليثرب - ليحكم عليهم؟
يهمس البعض بأن الناس خافوا بطش عمر وسكتوا!
وهذا كذلك دليل لا يقف على برهان وذلك؛ لعدة أمور:
أولاً: لأن عمر لم يكن يملك جيشًا أو جنودًا.
وثانيًا: ليس عمر فحسب، وإنما المهاجرون كلهم لم يكونوا أصحاب سلطة ولا أصحاب قوة في المدينة، فقد كان الأنصار - أهل المدينة وسكانها الأصليين - بحكم الواقع أقوى منهم بكثير.
ثالثًا: ورد أن رجالاً من الأنصار أمثال - سعد بن عبادة - لم يبايعوا أبابكر ولا عمر إلى آخر أيامهم ولم يتجرأ أحد أن يحاسبهم.
فقد كانت حرية الرأي والكلمة من أساسيات الحكم الإسلامي، ولم يكن أحد يهاب أن يبدي رأيه.
القصة الثالثة:
قام عمر ا خطيبًا في مسجد الرسول ج، فوقف رجل في وجهه وقال: لا نسمع ولا نطيع!
فسأله عمر: ولم ذاك، يا عبد الله؟
فقال الرجل: إنك قسمت بيننا من مال الغنيمة، وأعطيت كلا منا قطعة من اللباس وإنها لا تكاد تكفي الواحد منا، وإنك رجل طويل ومع ذلك نرى لباسك على مقدار قامتك!
فنادى عمر ابنه عبد الله وقال له: أوضح لهم. فقام عبد الله وقال: إني أعطيت سهمي لأبي، فجمعه مع حصته وخاطه لنفسه.
فلم يكن أحد في تلك الأيام يخاف السلطان، فقد كان بإمكان أي رجل من عامة الناس أن يقوم ويصرخ في وجه الجميع: إنكم كذابون دجالون، الحق مع علي ا...
لكننا لم نر من قام في سقيفة بني ساعدة من أهل الشورى وصرخ بالحق الذي يزعمونه!
ولابد لكل عمل من دواعي وحوافز.. ولا بد لعلماء الشيعة أن يكشفوا عن تلك الدواعي التي غيرت مجرى التاريخ الإسلامي وكادت تقضي على الإسلام بعد ارتداد الرعيل الأول! كما يزعمون.