تأمُّلٌ في آيَةِ التَّطْهِير

فهرس الكتاب

كيفية مخاطبة القرآن لنساء النبي ص

كيفية مخاطبة القرآن لنساء النبي ص

2- إن تدبُّر الآيات من 28 إلى 35 من سورة الأحزاب تظهر لنا نقاطًا مثيرةً للاهتمام جدًّا:

الف) بدأت الآيات بمخاطبة نساء النبي ص فاستُخْدمَت في هذا الخطاب كلمة «أزواج» أو كلمة «نساء النبي» الواضحة والصريحة تمامًا، ولكن فجأة تحول الخطاب إلى مخاطبة «أهل البيت» وتغيَّر التصريح من عبارة «نساء النبيص» إلى «أهل البيت».

ب) الضمائر كلها جمع مؤنث ولكن في وسط هذه الآيات يتبدَّل الضمير إلى جمع مذكَّر، ثم يعود مرَّةً ثانية ليصبح جمع مؤنث!

ج) خطابات القرآن لنساء النبي ص، اللواتي كُنَّ مجموعةً محددَّةً من النساء، خطابات حادَّة و توبيخية. يبدو أنه كان هناك احتمال واضح بينهنَّ للوقوع في فاحشة مُبَيِّنة أو التبرُّج كتَبَرُّجِ الجَاهِلِيَّةِ الأُولَى أو ترقيق الصوت والخضوع فيه، أو كانت بين بعضهنّ (والعياذ بالله) سوابق من الوقوع في مثل هذه الأمور. بل إن الله تعالى يقول: ﴿فَإِنَّ ٱللَّهَ أَعَدَّ لِلۡمُحۡسِنَٰتِ مِنكُنَّ أَجۡرًا عَظِيمٗا ٢٩ [الأحزاب: 29]. ولكن فجأة وفي وسط هذه الآيات (وليس في آخرها) نقرأ خطابًا قيِّما جدًّا يعلن تطهير «أهل البيت» وإذهاب كل نوع من أنواع الرجس عنهم وهو مخالفٌ تمامًا لسياق معاني الآيات.

على ضوء النقاط المذكورة آنفًا، من الواضح أنه لا يوجد أي متكلِّم عاقلٍ يقوم، في وسط مخاطبته للنساء، بتبديل خطابه هذا إلى خطاب مختلف من حيث المعنى والسياق، بلا سبب، ثم يعود بعد ذلك من جديد وبشكل واضح إلى مخاطبة تلك النساء أنفسهنّ. ما الذي حدث حتى يقوم الله تعالى بمثل هذه الخطاب، وبتبديل خطابه الصريح المعنون بـ «يَٰنِسَآءَ ٱلنَّبِيِّ» إلى الخطاب بعبارة «أَهۡلَ ٱلۡبَيۡتِ» وتبديل ضمائر المجمع المؤنث إلى ضمير الجمع المذكر؟ ثم بعد الانتهاء من هذا الجزء المختلف يعود بواو العطف إلى مخاطبة نساء النبي ص من جديد (الآية 34 لم تكن ضمن دراستكم وتحليلكم لهذه الآيات). إن كنا نعتقد أن الله تعالى يتكلم بشكل منطقي(!) فعلينا أن نقول: إن الله تعالى تكلَّم عن موضوعٍ خاصٍّ مختلف في هذا الجزء من خطابه، موضوعٍ يختلف عن موضوع الآيات التي سبقته والتي تلته. لذا انطلاقًا من سياق الآيات وانطلاقًا من إيماننا بأن كلام الله تعالى كلام حكيم منطقي، لابد لنا من القول: إن المقصودين من «أهل البيت» ليسوا أنفسهم المقصودين من «نساء النبي» بل هم جهتان مختلفتان. وبناء عليه، فعليكم، أنتم الذين اعتبرتم - خلافًا لسياق جميع هذه الآيات ولتحليلها الدقيق من جميع الجوانب - أنَّ أهل البيت هم نساء رسول الله ص أنفسهم، أن توضحوا السبب في وقوع هذه التغييرات المهمَّة والأساسية في كلام الله الحكيم؟ إن الله تعالى يعود من جديد، بعد آية التطهير، إلى قوله: ﴿وَٱذۡكُرۡنَ مَا يُتۡلَىٰ فِي بُيُوتِكُنَّ [الأحزاب: 34]

3- لقد أشرتم - في إطار بيانكم إلى أن استخدام عبارة «أَهْلِ البَيْتِ» واستخدام ضمير جمع المذكر [في مخاطبة نساء النبي] لا إشكال فيه -، إلى آية حضرة إبراهيم ÷[1]. واستدليتم بأن المقصود من عبارة «أَهْلِ البَيْتِ» في آية إبراهيم ÷ هو - بوضوح - امرأة إبراهيم، وَمِنْ ثَمَّ، ففي هذه الآية أيضًا [أي آية التطهير] المقصود من «أَهْلِ البَيْتِ» هو نساء النبي ص والضمائر المؤنثة ذاتها. وقلتم: إن هذا التغيير لعبارة الخِطاب يعطي معنى النساء أيضًا، واستفدتم من تلك الآية [آية إبراهيم] لإثبات كلامكم.

[1]- يقصد الآيات الآتية من سورة هود: ﴿وَٱمۡرَأَتُهُۥ قَآئِمَةٞ فَضَحِكَتۡ فَبَشَّرۡنَٰهَا بِإِسۡحَٰقَ وَمِن وَرَآءِ إِسۡحَٰقَ يَعۡقُوبَ ٧١ قَالَتۡ يَٰوَيۡلَتَىٰٓ ءَأَلِدُ وَأَنَا۠ عَجُوزٞ وَهَٰذَا بَعۡلِي شَيۡخًاۖ إِنَّ هَٰذَا لَشَيۡءٌ عَجِيبٞ ٧٢ قَالُوٓاْ أَتَعۡجَبِينَ مِنۡ أَمۡرِ ٱللَّهِۖ رَحۡمَتُ ٱللَّهِ وَبَرَكَٰتُهُۥ عَلَيۡكُمۡ أَهۡلَ ٱلۡبَيۡتِۚ إِنَّهُۥ حَمِيدٞ مَّجِيدٞ ٧٣ [هود: 71 - 73]. (المُتَرْجِمُ)