التحليل اللغوي ودراسة الأسلوب القرآني لآية التطهير
أولاً: إن تفسير هذه الآية أكثر إشكالاً من تفسير آية التطهير؛ إذْ جاء قبلها مخاطبة إحدى نساء نبي الله ثم جاء بعدها مخاطبة أهل البيت، وباستخدام ضمير الجمع المذكّر! لذا فقد شرحتم آية التطهير بواسطة آية إبهامها وإشكالها أكثر من الإبهام الموجود في آية التطهير!! فالسؤال يطرح نفسه هناك أيضًا [أي في آية إبراهيم]: من هم «أَهْلُ البَيْتِ»؟ في الواقع إن هذا يدل على أن أهل البيت «مصطلح» خاصٌّ محدَّد.
ثانيًا: على فرض أنه تم التصريح في آية إبراهيم بالمقصود من «أَهْلِ البَيْتِ»، فما الدليل على أن هذا هو أيضًا المقصود من هذه العبارة في آية التطهير؟
4- عند نزول آية التطهير لم يكن حاضرًا في بيت رسول الله ص سوى ابنة واحدة له هي حضرة الزهراء - سلام الله عليها - وتشملها قطعًا عبارة «أَهْلِ البَيْتِ»، فالتشكيك في هذا الأمر غريبٌ جدًّا.
5- في اللغة والعرف السائد بين البشر لا تشمل كلمة «أَهْلِ بَيْتِ» الشخص، الشخصَ ذاته، أي أن النبي ص لا يدخل ضمن عبارة أهل بيت النبي ص، ولو أردنا أن نفسر العبارة على هذا النحو فعلينا القول بأن «أهل البيت» مصطلحٌ خاصٌّ. لذا فالقول بأن حضرة إبراهيم÷ داخل ضمن عبارة «أهل البيت» قول لا دليل عليه، وهو مصادرة على المطلوب. وقاعدة التغليب إنما تُطبَّق عندما يكون هناك رجل واحد على الأقل حاضرًا بين النساء، وانطلاقًا مما قررناه من أن النبي ص غير داخل في عبارة «أهل بيته» فإن الإشكال في تذكير الضمير يبقى غير محلول.
6- كما نلاحظ في الآية 34 من سورة الأحزاب: ﴿وَٱذۡكُرۡنَ مَا يُتۡلَىٰ فِي بُيُوتِكُنَّ﴾ جاءت كلمة (بُيُوتِكُنَّ) أي جاءت الإشارة إلى البيوت بالجمع وليس بيتًا واحدًا. لذا كان النبي ص حاضرًا في عدة بيوت هي بيوت نسائه، أما البيت المشهور فهو ذلك البيت الذي كان بيت رسولالله ص ذاته ويقع في جوار مسجده ص ولم يكن فيه سوى ابنته وصهره و أسباطه (أحفاده).
بناء عليه: عندما تقول الآية: «أَهْلَ البَيْتِ»، فلا يمكن أن يكون المقصود أهل البيوت، بل لابد أن يكون المقصود أهل بيت محدد خاص. من هم أهل هذا البيت المحدد الخاص؟ هل هم نساء النبي ص؟؟
7- لو كان المقصود من «أهل البيت» نساء النبي ص، لكُنَّ، بموجب هذه الآية، صاحبات مقام عال أرفع من مقام سائر البشر أجمعين، لأن الله أذهب عنهنَّ كل رجس، أي كل نوع من أنواع القذارة المعنوية، فلماذا إذن اصطحب النبي ص معه، عند المباهلة، علي بن أبي طالب ÷ والصديقة الكبرى والحسنين -عليهم السلام- واعتبر الأول كنفسه، والثانية نساءه، والثالث والرابع أبناءه؟ وفي النهاية كيف لنا أن نحدِّد هوية أهل بيت النبوة؟ هل نحدِّدهم استنادًا إلى عمل رسول الله ص وفعله أم طبقًا لأهوائنا وأفكارنا؟
قال تعالى: ﴿... فَقُلۡ تَعَالَوۡاْ نَدۡعُ أَبۡنَآءَنَا وَأَبۡنَآءَكُمۡ وَنِسَآءَنَا وَنِسَآءَكُمۡ وَأَنفُسَنَا وَأَنفُسَكُمۡ ثُمَّ نَبۡتَهِلۡ فَنَجۡعَل لَّعۡنَتَ ٱللَّهِ عَلَى ٱلۡكَٰذِبِينَ ٦١﴾ [آل عمران: 61]
8- في آيات القرآن الكريم اعتُبر الابن - بصراحة - من «الأهل» - كما في قوله تعالى: ﴿إِنَّ ٱبۡنِي مِنۡ أَهۡلِي﴾ [هود: 45] - في حين أنكم اعتبرتم أن ابنة رسول الله ص داخلة في «أَهْلِ الْبَيْتِ» على نحو محتمل فقط (!).
9- جاء في قواميس اللغة التي كتبها أهل السنة أنفسهم تفسير عبارة «أَهْلِ البَيْتِ» بأنها تعني: (نساء النبي وبناته وصهره علي ÷). (لسان العرب، ج1، ص 128)، وتم الاستناد في هذا الصدد إلى آية التطهير.
10- انطلاقًا من وضوح هذه المسألة، أقول: إن تحليلكم لتلك الآيات والأمور التي ذكرتموها في محاضرتكم مرفوضة تمامًا، وبعيدة عن معنى الآية، وأقصى ما يمكنكم ادعاؤه هو أن ما تذكرونه هو أحد المعاني المحتلمة لعبارة «أَهْلِ البَيْتِ»، وعندئذٍ، وبما أن هناك احتمالات أخرى لمعنى العبارة، فإن الآية إذن تُعتَبَر مجملة ومبهمة، ولابد من الرجوع إلى السنة والحديث لفهم معناها، وأنتم أنفسكم تعلمون جيدًا أنه عند الرجوع إلى محكمات الحديث والسنة النبوية فإن الأمر الوحيد الذي نحصل عليه هو أن أهل البيت هم: رسول الله ص وابنته الزهراء والأئمة الأطهار -عليهم السلام- ، لا غير.
انتهت الرسالة