تأمُّلٌ في آيَةِ التَّطْهِير

فهرس الكتاب

على من تُطلق عبارة «أهل البيت»؟

على من تُطلق عبارة «أهل البيت»؟

لننتبه إلى أن كلمة «أهلَ» منصوبة، لأنها «مُنادَى». أي أن معنى العبارة: «يا أهلَ البيت». في الواقع معنى الآية: يا أهل هذا البيت إنما يريد الله أن يزيل عنكم الرجس وأن يطهركم تطهيراً كاملاً كما ينبغي.

ثم يقول تعالى في الآية التالية:

﴿وَٱذۡكُرۡنَ مَا يُتۡلَىٰ فِي بُيُوتِكُنَّ مِنۡ ءَايَٰتِ ٱللَّهِ وَٱلۡحِكۡمَةِۚ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا٣ [الأحزاب: 34]

نلاحظ أنه جاءت في صدر الآية 33 كلمة «بيوت»، وجاءت في الوسط كلمة «بيت»، ثم جاءت في الآية 34 كلمة «بيوت» مرَّةً ثانيةً. ينبغي أن نعلم أنه كان للنبي الأكرم ص في المدينة بيت واسع نسبيًّا ملاصق للمسجد، له عدد من الحجرات[3] وكانت كل واحدة من نساء النبيص تقيم في واحدة من تلك الحجرات.

ولا أظنه خافيًا على أحد أنه لم يكن للنبي ص في المدينة عدة بيوت منفصلة عن بعضها الآخر، بل كان له بيت واحد فقط في جوار المسجد، بداخله غرف متعددة وكل زوجة من زوجات النبيص تعيش في جزء من ذلك المنزل الكبير[4]. فسبب ذكر القرآن في صدر الآية لكلمة «بيوت»، وفي وسطها لكلمة «البيت»، ثم ذكره، مباشرةً في الآية التالية، لكلمة «بيوت» مرَّةً ثانيةً، هو باعتبار محل عيشة النبي ص بشكل كلي، وباعتبار أن صاحب البيت كله هو النبيص (البيت = هذا المنزل)، وكل ذلك منتسبٌ إلى النبي ص، وفي الموارد الأخرى قال «بيوت» باعتبار أن جميع النساء كُنَّ في ذلك البيت.

بناء على ذلك، مرَّةً تُعْتَبَر النساء اللواتي في منزل النبي ص -بسبب انتسابهن إلى حضرتهص كونهن زوجاته- من أعضاء أسرته و أهل بيته (أهل البيت = أهل هذا المنزل)؛ يعني على سبيل المثال: حجرة «أم سلمة» هي بيت النبي ص، وحجرة «جويرية» بيت النبيص، وهكذا... ومرَّةً أخرى باعتبار أن كل واحدة من نساء النبي ص تشكل مع حضرته أسرةً، سميت منازلهن «بيوتًا»، ولا يوجد أي تباين واختلاف بين هذين التعبيرين.

بناء على ذلك، من الناحية الكلية، كان يُطلق على محل معيشة النبي ص وزوجاته اسم «البيت» (أي بيت النبي ص)، كما جاء ذلك في قوله تعالى في القرآن: ﴿كَمَآ أَخۡرَجَكَ رَبُّكَ مِنۢ بَيۡتِكَ بِٱلۡحَقِّ [الأنفال: 5].

وفي الوقت ذاته، يمكن أن نُطلق على بيت النبي ص، باعتبار كل حجرة من الحجرات التي فيه، والتي تضم أسرة منتسبة إليه، كلمة «بيوت»، كما قال تعالى: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَدۡخُلُواْ بُيُوتَ ٱلنَّبِيِّ إِلَّآ أَن يُؤۡذَنَ لَكُمۡ... [الأحزاب: 53]

لهذا السبب قال تعالى في الآية 34 من سورة الأحزاب، لنساء النبي ص: ﴿وَٱذۡكُرۡنَ مَا يُتۡلَىٰ فِي بُيُوتِكُنَّ مِنۡ ءَايَٰتِ ٱللَّهِ.... وبالطبع كان سبب تلاوة آيات الله في «بيوتهن» أنهن كُن نسوة النبي ص و«بيوتهن» هي في الواقع «بيت النبي»، وكانت كل واحدة من زوجاته تقيم في حجرة من حجرات ذلك البيت. ولم يكن الأمر أن لكل زوجة من زوجات النبي ص بيتًا في مكان آخر منفصلاً عن بيت سائر زوجاته ص، أي لم يكن للنبي ص عدَّة بيوت متفرقة متباعدة كل واحد في مكان، وأساسًا، كل من له علم بسيرة النبي ص، يعلم أن رسول‌الله ص لم يكن له بيت خال من زوجة من زوجاته، أي لم يكن له بيت لا تسكن فيه زوجاته!

[3]- راجع سورة الحجرات. [4]- يجدر بنا أن نذكِّر هنا بأنه إن كان القرآن الكريم قد قال في الآية 34 من سورة الأحزاب «بيوتكن» يعني غرفكن يا نساء النبي ص، فإنه قال في الآية 53 من السورة ذاتها «بيوت النبي»، ومن التأمل في الآيات المذكورة يتبيَّن أن بيوت نساء النبي ليست سوى بيت النبي ص ذاته. بناء عليه فإن الذي ادَّعى أن «الله تعالى لم يُرِدْ أن ينسب البيوت التي كانت نساء النبي ص يسكنَّ فيها، إلى النبي ص نفسه» قد خالف القرآن الكريم في قوله هذا. (يُنْظَر: أهل البيت في آية التطهير، جعفر مرتضى العاملي، ترجمة محمد سبهري، انتشارات دفتر تبليغات اسلامي، ص 78).