الرد على الشك بشمول كلمة «أهل» للزهراء
من المناسب أن نذكر هنا ما قاله كاتب الرسالة في البندين 4 و8 من رسالته.
قال: «عند نزول آية التطهير لم يكن حاضرًا في بيت رسول الله ص سوى ابنة واحدة له هي حضرة الزهراء - سلام الله عليها - وتشملها قطعًا عبارة «أَهْلِ البَيْتِ»، فالتشكيك في هذا الأمر غريبٌ جدًّا».
وقال: «في آيات القرآن الكريم اعتُبر الابن - بصراحة - من «الأهل» - كما في قوله تعالى: ﴿إِنَّ ٱبۡنِي مِنۡ أَهۡلِي﴾ [هود: 45] - في حين أنكم اعتبرتم أن ابنة رسول الله ص داخلة في «أَهْلِ الْبَيْتِ» على نحو محتمل فقط!».
فنقول:
أولاً: ليت أخانا يذكر أن موضوع بحثنا ليس كون الزهراء – سلام الله عليها- من أهل بيت النبي ص أم لا، بل موضوع بحثنا هو إثبات أن زوجات النبي ص من أهل بيت النبيص أيضًا.
ثانيًا: نحن لم نقل ولا نقول الآن إن حضرة الزهراء ليست «أهلَ» النبي ص، وحتى لم نقل إن حضرة الزهراء ليست من «أهل بيت النبي ص»، ولكن حتى لو قلنا مثل هذا القول لا نكون قد قلنا قولاً عجيبًا أو مستغربًا أو قولًا لا دليل عليه، وهنا نلفت انتباهكم إلى نقطتين: الأولى: أنه بناء على قاعدة «أصالة الحقيقة» وانطلاقًا من كون كلمة «البيت» مضاف إليه، أُضيف إليها كلمة «أهل» التي هي منادى، فإننا نعتبر أداة التعريف فيها (أي ألف ولام كلمة «البيت») ألف ولام العهد، ولا نرى أي أمر يستوجب العدول عن هذا الأصل المذكور، لذا فإننا نأخذ كلمة «أهل البيت» على معناها اللغوي الذي هو: «أهل هذا المنزل»، لا على معنى اصطلاحي خاص. والنقطة الثانية أن الآيات موضع بحثنا بدأت بخطاب ﴿يَٰنِسَآءَ ٱلنَّبِيِّ﴾ وليس بخطاب «يا بنات النبي» ولا بخطاب «يا أولاد النبي» و..... الخ.
ثالثًا: سبق أن قلنا: إنه لمَّا نزلت سورة الأحزاب كانت حضرة الزهراء -عليها السلام- تعيش في بيت عليٍّ÷، لا في بيت النبي ص، لذا كانت من أهل بيت عليٍّ ÷.
رابعًا: انتبهوا جيدًا إلى الفرق والاختلاف بين كون الشخص من «أهل شخص»، وكونه من «أهل بيت شخص». فنوح÷ لم يقل إن ابني من أهل بيتي بل قال: ﴿إِنَّ ٱبۡنِي مِنۡ أَهۡلِي﴾ [هود: 45]،. لذا نكرر القول إننا لم نقل ولا نقول أبدًا إن الزهراء-عليها السلام- لم تكن من «أهل النبي»، ولكننا لو قلنا إن حضرة الزهراء - سلام الله عليها - بعد زواجها من حضرة علي ÷ أصبحت من أهل بيته، فهذا ليس بقول مستغرب ولا عجيب؛ وإلا فتفضلوا وقولوا لنا: من كان أهلُ بيتِ عليٍّ ÷؟
انتبهوا إلى أن «أهل» شخصٍ، هم أعم من «أهل بيت» ذلك الشخص. فمثلًا: ابنكم دائمًا من «أهلكم»، وكان قبل زواجه من «أهل بيتكم» أيضًا، لكنه بعد الزواج يصبح من أهل بيتٍ آخر، أي من أهل بيته هو، الذي هو عادة غير بيتكم. بناء على ذلك، رغم أن الزهراء-عليها السلام- كانت «أهلَ» النبي ص، ولكن في زمن نزول سورة الأحزاب، كان لها - هي نفسها - بيت مستقل عن بيت رسول الله ص هو بيت زوجها عليٍّ ÷، أي كانت «أهل بيت» عليٍّ÷. لكنكم لمجرد ادعائكم أن الزهراء-عليها السلام- كانت حين نزول آيات سورة الأحزاب في بيت النبيص اعتبرتموها من «أهل البيت»، فكيف لا تعتبرون نساء النبي ص، اللواتي كن حاضرات بشكل دائم في بيت النبي، من مصاديق «أهل البيت»؟!
خامسًا: أنتم تقطعون بأن حضرة الزهراء -عليها السلام- كانت من «أهل بيت رسولاللهص»، فهل تعتبرون أخوات حضرة الزهراء و أزواجهن من أهل بيت النبي ص أيضًا؟
والمشكلة الرابعة: لو لم نُدخل زوجات النبي ص في مدلول آية التطهير، واعتبرنا الإرادة المذكورة فيها «إرادة تكوينية»، واعتبرنا أن الآية تتكلم حصرًا عن حضرة الزهراء وزوجها وابنيها، - وهذا معنى بعيد عن المعنى اللغوي لكلمة أهل البيت - فإننا نسألكم: لماذا لم تبيِّن الآية هذا المعنى المُراد بصورة أكثر وضوحًا؟ ولماذا لم تخاطب تلك الشخصيات الجليلة بالاسم، أو تقول على الأقل: «يا أيها النبي ويا بنت النبي وصهره وسبطَيه، إنما يريد الله ليذهب عنكم..... الخ»؟ لاسيما أنه ليس لدينا في أي موضع آخر من القرآن الكريم أيَّ آية حول هذا الموضوع الخطير والهام إلى هذه الدرجة، ورغم ذلك لم يبين القرآن الكريم مقصده ومراده بشكل صريح وواضح!!
المشكلة الخامسة: لا ينبغي أن نفسر آية التطهير على نحو وكأن القرآن لا يتضمن سوى هذه الآية فحسب!! إن كنت تريد أن تستنبط وتستخرج من آية التطهير عصمة الأئمة، وأعرضت عن الاهتمام بسياق الآيات وارتباط بعضها بالآخر لتتمكن من إثبات تلك العقيدة، فعليك أن تلاحظ أن هناك آيات أخرى في القرآن أيضًا تنفي نظريتك، ومنها قوله تعالى: ﴿وَٱسۡتَغۡفِرۡ لِذَنۢبِكَ وَلِلۡمُؤۡمِنِينَ وَٱلۡمُؤۡمِنَٰتِ﴾ [محمد: 19]
وكذلك الآية 55 من سورة «غافر»، والآية الثانية من سورة «الفتح» التي نسبت «الذنب» بصراحة إلى النبي ص. لذا فإننا نسأل: كيف يمكن أن يكون النبي ص نفسه غير مبرأ من بعض الذنوب، في حين يكون الأئمة مبرئين من كل ذنب مطلقًا؟!
بالطبع، نحن لا نقول أبدًا إن «ذنب النبي ص» هو منكرات الأعمال والأخلاق- والعياذ بالله -، بل نقول: أيًّا كان ذلك الذنب، فإنه لم يكن على نحو لا يمكن أن ينطبق عليه أي مصداق من مصاديق كلمة «ذنب»، وإلا لما سمَّاه اللهُ ذَنْبًا. ولو كان قصد القرآن من كلمة الذنب شيئًا آخر لما عبر عن ذلك المعنى بهذه اللفظة بل لاختار كلمة أخرى للتعبير عن المعنى الذي يريده. وكما شاهدنا آنفًا، فإن القرآن كما نسب الذنبَ للمؤمنين والمؤمنات، استخدم الكلمة ذاتها والتعبير ذاته في حق النبي ص.