تأمُّلٌ في آيَةِ التَّطْهِير

فهرس الكتاب

الآيات الموجّهة للرجال والنساء

الآيات الموجّهة للرجال والنساء

قد يُقال: من المؤكد أن خطابات مثل: ﴿وَقَرۡنَ فِي بُيُوتِكُنَّ و﴿وَلَا تَبَرَّجۡنَ و﴿فَلَا تَخۡضَعۡنَ بِٱلۡقَوۡلِ ليست موجهة للنبي ص. فإذا ثبت أن النبي ص ليس مشمولاً بالخطاب لم يبق أي مبرر لاستخدام ضمير الجمع المذكر «كُم» في جملة ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ ٱللَّهُ لِيُذۡهِبَ عَنكُمُ ٱلرِّجۡسَ....

نقول في الإجابة: ينبغي أن ننتبه إلى أن تلك الخطابات الثلاثة المذكورة وإن دل الدليل العقلي على أنها غير موجهة للرجال، بما في ذلك النبي ص، إلا أن الهدف من صدور الآيات الموجهة للنساء فقط والآيات الموجهة للنساء والرجال (كالتوصية بإقام الصلاة وإيتاء الزكاة، وإطاعة الله) واحد مشترك، والعلة الغائية لهذه الأوامر هي علة واحدة مشتركة؛ وهي تطهير المخاطبين وإذهاب الرجس عنهم. لذا فإن النبي ص خارج عن بعض تلك الخطابات وليس خارجًا عنها كلها (لاحظوا ذلك بدقَّة)، إذْ كما قلنا سابقًا فإن للأعمال الصالحة أثرها الإيجابي في النبيّ نفسهص، ومفيدة لارتقاء طهارته وتمامها. لذا لم يكن هناك مفر من استخدام الضمير «كُم» لأن طهارة النبيص بوصفه الأسوة والمُقتدَى الأول للمسلمين، كان من أهداف وغايات صدور الأحكام الشرعية.

ولمزيد من التوضيح للفكرة نضرب مثالًا: افرضوا أن رجلاً وقف أمام بيت رئيس الجمهورية أو بيت أحد مراجع التقليد المشهورين ذوي الوجاهة في المجتمع وذوي الاحترام والإجلال الكثير لدى الناس، وخاطب نساءه قائلًا: يا نساء رئيس الجمهورية، أو يا نساء معالي المرجع العظيم! لا تخرجن من بيوتكن لغير ضرورة، ولا تبرجن، والتزمن بِـحِجَابكن، وأقمن الصلاة وصُمْنَ، وآتين الزكاة، وباختصار حافظن على تقوى الله عَزَّ وَجَلَّ. ولا أريد، -يا أهل هذا البيت، بيت المرجعية وأنتم أعضاء فيه، وأنظار الناس كلها تتجه إليكم-، من كلامي هذا إلا أن تتطهروا تطهيرًا يليق بمقامكم فتصبحوا أنقياء طاهرين مطهَّرين.

في اعتقادنا، كل ذي عقل سليم، وأدنى عوام الناس، يدرك قصد هذا المتكلم بشكل جيد، ويفهم أن المتكلم لا يقصد من كلامه أن مرجع التقليد ذاته يجب أن يبقى في المنزل، أو أن يلتزم بالحجاب أمام غير المحارم!! بل يفهم أن المرجع لا يشمله هذا الجزء من كلام المتكلم، كما لا يرى أن المرجع ذاته لا يشمله كلام المتكلم الذي يتعلق بالرجال والنساء من وجوب إقام الصلاة وإيتاء الزكاة...!

2قال أخونا - ربما متأسِّيًا بالعلامة المجلسيّ[37]-: «خطابات القرآن لنساء النبي ص، خطابات حادَّة وتوبيخيَّة.... ولكن آية التطهير خطاب فيه اللطف واللين، وتثبت مقامًا رفيعًا لمخاطبيها. وتلك الشدة وهذا اللِّين لا ينسجمان مع البعض».

[37]- بعد أن احتمل العلامة المجلسي كون الموضع الأصلي للجملة الأخيرة من الآية 33 من سورة الأحزاب مختلف عن موضعها الحالي، بل تصريحه باحتمال أن يكونوا [أي الصحابة] قد وضعوها في موضع زعموا أنها تناسبه أو أدخلوها في سياق مخاطبة الزوجات، لبعض مصالحهم الدنيوية!! بل أكثر من ذلك، احتمل العلامة المجلسي إسقاط بعض الآيات التي كانت قبل هذه الآية وبعدها!! وقال بعد ذلك: «مخاطبة الزوجات مشوبة بالمعاتبة والتأنيب والتهديد، ومخاطبة أهل البيت -عليهم السلام- محلاة بأنواع التلطف والمبالغة في الإكرام، ولا يخفى بعد إمعان النظر المباينة التامة في السياق بينها وبين ما قبلها وما بعدها على ذوي الأفهام» (بحار الأنوار، ج 35، الباب الخامس: في نزول آية التطهير، ص 235)..