تأمُّلٌ في آيَةِ التَّطْهِير

فهرس الكتاب

هل تُعْتَبَر الزوجة من أهل البيت؟

هل تُعْتَبَر الزوجة من أهل البيت؟

يمكننا أن ندرك من آيات القرآن الكريم[22] التي استثنت زوجة لوط ÷ من «أهله»، أن «الزوجة» من المصاديق البارزة «للأهل»، ولولا ذلك لما كان هناك من حاجة لاستثنائها.

وفي الآية 25 من سورة يوسف أيضًا، استُخْدِمَت كلمة «أهل» بمعنى الزوجة.

واعتبر القرآن الكريم زوجة موسى ÷ من «أهله» كما قال تعالى:

﴿قَالَ لِأَهۡلِهِ[23] ٱمۡكُثُوٓاْ إِنِّيٓ ءَانَسۡتُ نَارٗا لَّعَلِّيٓ ءَاتِيكُم مِّنۡهَا بِخَبَرٍ... [القصص: 29]

وقد وقعت تلك الحادثة عندما أنهى موسى ÷ مدة الخدمة المتفق عليها مع والد زوجته شعيب ÷ وانطلق من مَدْيَن مسافرًا إلى مصر؛ كما قال القرآن الكريم: ﴿فَلَمَّا قَضَىٰ مُوسَى ٱلۡأَجَلَ وَسَارَ بِأَهۡلِهِۦٓ[24]... [القصص: 29].

إضافةً إلى ذلك، قال علماء اللغة: عندما تُضاف كلمة «أهل» إلى مكان، فإنها تعني الساكنين في ذلك المكان، فمثلا عبارة «أهل مكة» تعني سكان مكة، و«أهل المدرسة» معناها: ساكني المدرسة، وهكذا... بناءً على ذلك، فإن زوجات النبي ص اللواتي كُنَّ ساكنات بشكل دائم في بيت رسول الله ص، هُنَّ من المصاديق القطعية لـ«أهل البيت».

بناء على ذلك، يمكننا القول إن علماء اللغة - كما رأينا - لم يُخْرِجُوا «الزوجةَ» من مفهوم «الأهل» و«أهل البيت»، لذلك إن أثبتنا حُكْمًا ما لمصاديق «أهل بيت» شخصٍ، لا يمكننا أن ننفي هذا الحكم عن «زوجة» هذا الشخص [أو زوجاته].

والنقطة الأخرى هي أنه إن لم يَعْتَبر شخصٌ ما «الزوجة» من مصاديق «الأهل»، فلابد له أن يعتقد، طبقًا للآية الكريمة: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ قُوٓاْ أَنفُسَكُمۡ وَأَهۡلِيكُمۡ نَارٗا وَقُودُهَا ٱلنَّاسُ وَٱلۡحِجَارَةُ [التحريم: 6].

أن المسلم غير مسؤول عن زوجته أو زوجاته، وأنه مسؤول فقط عن أبنائه وصهره وأحفاده!!![25]

وليت شعري، هل قوله تعالى: ﴿وَأۡمُرۡ أَهۡلَكَ بِٱلصَّلَوٰةِ [طه: 132]، يفيد أنه لم يكن من اللازم على النبي ص أن يدعو زوجاته إلى إقام الصلاة بل يكفي أن يخرج من منزله ويدعو ابنته «الزهراء» وزوجها وابنيها فقط إلى الصلاة؟! بالطبع لا.

وينبغي أن ننتبه إلى أن كلمة «أهل» من ناحية المعنى: «اسم جمع»[26] وأنها تشمل الرجل والمرأة، وأنها من الناحية اللفظية تُعْتَبَر من «المُذَكَّر المجازي»[27]، ومن هذا المنطلق فإن ضمير الجمع المُذَكَّر يتناسب معها. فهذا يفسر استعمال ضمير المُذَكَّر مع كلمة «الأهل»، ولكن من ناحية مصاديق كلمة الأهل، فإنه لما كان النبي ص وزوجاته، كلهم من مصاديق «أهل البيت» (أي كانوا جماعة من النساء بينهم ذكر واحد) فلابد من استخدام ضمير الجمع المُذَكَّر في حق أهل هذا البيت، ولا مفرَّ من ذلك.

[22]- (الأعراف/83)، (هود/80)، (الشعراء/170 - 171)، (النمل/57)، (العنكبوت/32). [23]- يقول الطوسي في «التبيان» (عند تفسير آية 29 من سورة القصص): «أن موسی لما قضی الأجل، تسلم زوجته وسار بها». وقال الشيخ الطبرسي في «مجمع البيان» و العلامة الطباطبائي في «الميزان» ورشيد الدين الميبدي في «كشف الأسرار وعدة الأبرار» في تفسير آية /7 من سورة النمل: «أي امرأته وهي بنت شعيب». و «المراد بالأهل ههنا امرأته؛ بنت شعيب». أي أن الأهل يراد به زوجة موسى والتي كانت ابنة لشعيب-عليهم السلام- . و قد ترجم الميبدي الآية المذكورة: «قال موسي لزوجته». وكذلك ذكر أبو الفتوح الرازي في تفسير الآية بأن «أهل» كناية عن زوجة موسى، وجاء ضمير «كم» المستعمل لجمع المذكر مراعاة للفظ «أهل». وقد أجمع مؤلفوا: تفسير نمونه، تفسير الجلالين، وعبدالله شبر، والنسفي وفخر الرازي، وأبو السعود، وسيد قطب في تفسير الآية المذكورة، والبيضاوي و القرطبي في تفسير آية /29 من سورة القصص بأن «أهل» يُراد به زوجة موسى÷. [24]- لاحظ بأن الزوجة أهم عضو في الأسرة، ولا تتكون الأسرة من دونها. [25]- نقترح على الأخ كاتب الرسالة مراجعة تفاسير القرآن مثل «مجمع البيان» أو «تفسير نمونه= تفسير الأمثل» أو .... ويقرأ أقوال المفسرين حول الآية المذكورة. [26]- اسم الجمع كلمة مفردة من ناحية اللفظ ولكنها تدل على الجمع من ناحية المعنى. [27]- هذا رغم أنه من الجائز اعتبار هذه الكلمة كلمة «مؤنَّثة»، لكن القرآن تعامل معها دائما على أنها كلمة «مُذَكَّرة». لذا يمكننا القول إن تذكيرها أقوى وأرجح من تأنيثها.