تأمُّلٌ في آيَةِ التَّطْهِير

فهرس الكتاب

الدلائل على خطأ كلام أخينا فيما كتبه

الدلائل على خطأ كلام أخينا فيما كتبه

يتضح مما ذكرناه حتى الآن مدى خطأ كلام أخينا، ونزيد الأمر تأكيدًا هنا، فنقول:

أولًا: هذه الآية المذكورة في سورة الأحزاب، كما ذكرنا سابقًا، هدفها - كما يصرح القرآن الكريم - بيان الغاية من صدور تلك الأوامر والنواهي الإلـهية، وليس هدفها مدح المُخاطَبين أو ذمّهم، أو بيان مقامات تكوينية لأفراد معينين!

3ثانيًا: ثبت في علم الأصول - كما قلنا - أنه عندما يكون الكلام في مقام «الأمر والنهي» فإنه لا يعني أبدًا أن المُخاطَبين لم يكونوا يعملون بما يُؤمرون به أو يرتكبون ما يُنْهَون عنه.

ثالثًا: تبين من كلامنا السابق أن الإرادة المذكورة في الآية إرادة تشريعية لا تكوينية.

رابعًا: تبين مما ذكرناه حتى الآن أن «الحصر» المذكور في الآية حصر موضوعي أي هو حصر للغاية والهدف من الأحكام، لا الحصر للأفراد.

خامسًا: أفعال آية التطهير ليست أفعالًا ماضيةً بل أفعال مضارعة، وكأن إذهاب الرجس والتطهير منوط ومشروط بالقيام بالأفعال التي ذُكرت قبلها، وهذا لا يتطابق مع الأوصاف التي تذكرونها لحضرة الزهراء و زوجها و ابنَيها -عليهم السلام- .

سادسًا: كما ذكرنا، لو كان المقصود من الآية هو ما تميلون إليه ويعجبكم، لكانت الآية غير معبرة بصورة واضحة عن هذا المعنى المقصود عندكم ولكانت غير فصيحة بالدرجة الكافية في بيان هذا المعنى ولا تخلو من إبهام. والأهم من ذلك أنها ستكون جملةً منفصلةً تمامًا عمَّا قبلها وعمَّا بعدها، وغير متناسبة مع سياقها، ومن المقطوع به أن الحكيم لا يتكلم بهذا الشكل.

4سابعًا: خلافًا لما تدَّعونه، ليست خطابات آيات سورة الأحزاب موضع البحث توبيخية. علمًا أن الآية السادسة من السورة ذاتها، اعتبرت نساء النبي «أمهات المؤمنين» أي أنه يجب احترامهن وإكرامهن كما تُحترم الأم وتُكَرَّم. إضافةً إلى ذلك، خوطبت نساء النبي ص مرتين بعنوان ﴿يَٰنِسَآءَ ٱلنَّبِيِّ، وهذا الخطاب بحد ذاته شرف كبير لهن، يُبَيِّن موقعهن الخطير والمهم لكونهن من أعضاء بيت «خاتم النبيين ص». والأكثر أهميةً من ذلك، أن القرآن الكريم قال ما معناه أنكن لو اتقيتُنَّ اللهَ وأطعتُنَّ اللهَ ورسولَه، فأنتُنَّ أرفع منزلةً من جميع النساء - بلا استثناء[38]- ثم واصل القرآن كلامه بحرف العطف الفاء، وقال ما معناه: إِذَن إن أردتُنَّ نيل هذا المقام الرفيع، فعليكن العمل بتلك الأوامر والانتهاء عن تلك النواهي.

لاحظوا أيها القراء بكل إنصاف، هل يتضمن مثل هذا الخطاب أي توبيخ وتقريع؟! أم أن الهدف مما ذُكِر فيه ليس سوى تشجيع نساء النبي ص على التقوى والعمل الصالح وتحريضهن على ذلك وترغيبهن به؟ وليت شعري! لو قال قائل لآخر: «أقم الصلاة وصُم وآتِ الزكاة كي تصل إلى المقامات العالية»، هل يكون في كلامه هذا أي توبيخ وتقريع؟!

هل الله عزوجل عاتب نبيه ووبَّخه عندما قال له:

﴿وَأَنۡ أَقِمۡ وَجۡهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفٗا وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ ٱلۡمُشۡرِكِينَ ١٠٥ [يونس: 105]

وقال:

﴿وَأَقِمِ ٱلصَّلَوٰةَۖ إِنَّ ٱلصَّلَوٰةَ تَنۡهَىٰ عَنِ ٱلۡفَحۡشَآءِ وَٱلۡمُنكَرِ [العنكبوت: 45]

وهل وبَّخ موسى ÷ عندما قال له:

﴿وَأَقِمِ ٱلصَّلَوٰةَ لِذِكۡرِيٓ ١٤ [طه: 14]؟!

إضافةً إلى ذلك، ذكر القرآن أن «آيَاتِ الوَحْيِ وَالْحِكْمَةِ تُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ». وهذا أيضًا امتياز وشرف أن يكون الإنسان ساكنًا في بيت تتنزَّل فِيه آيات الوحي ويتلوها رسول الله ص بنفسه.

[38]- لاحظوا أن النكرة في سياق النفي تفيد العموم.