دلالة الإرادة التكوينية والتشريعية
ينبغي أن نعلم أنه إذا ابتدأ الكلام بالمسائل الطبيعية والتكوينية، ثم ذُكرت «الإرادة»، فمن البديهي أن المقصود منها هو «الإرادة التكوينية»، أما إذا بدأ الكلام بذكر ما يجب فعله وما لا يجب فعله وببيان الأمر والنهي الشرعيَيّن ثم ذُكرت «الإرادة»، فمن الواضح تمامًا أن المقصود منها هو «الإرادة التشريعية». وبعبارة أخرى، إن عُطِفَت «الإرادة» على أمور تكوينية فالمقصود هو «الإرادة التكوينية» التي لا تتخلَّف وهي علَّة تامَّة لتحقُّق المُراد[6]. أما إن عُطِفَت «الإرادة» على الأحكام والأوامر والنواهي الشرعية الإلـهية، فما من ريب أن المُراد منها هو «الإرادة التشريعية». وكمثال على ذلك، الإرادة التي ذُكرت في الآية السادسة من سورة المائدة المباركة، أي قوله تعالى:
﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِذَا قُمۡتُمۡ إِلَى ٱلصَّلَوٰةِ فَٱغۡسِلُواْ وُجُوهَكُمۡ وَأَيۡدِيَكُمۡ إِلَى ٱلۡمَرَافِقِ وَٱمۡسَحُواْ بِرُءُوسِكُمۡ وَأَرۡجُلَكُمۡ إِلَى ٱلۡكَعۡبَيۡنِۚ وَإِن كُنتُمۡ جُنُبٗا فَٱطَّهَّرُواْۚ وَإِن كُنتُم مَّرۡضَىٰٓ أَوۡ عَلَىٰ سَفَرٍ أَوۡ جَآءَ أَحَدٞ مِّنكُم مِّنَ ٱلۡغَآئِطِ أَوۡ لَٰمَسۡتُمُ ٱلنِّسَآءَ فَلَمۡ تَجِدُواْ مَآءٗ فَتَيَمَّمُواْ صَعِيدٗا طَيِّبٗا فَٱمۡسَحُواْ بِوُجُوهِكُمۡ وَأَيۡدِيكُم مِّنۡهُۚ مَا يُرِيدُ ٱللَّهُ لِيَجۡعَلَ عَلَيۡكُم مِّنۡ حَرَجٖ وَلَٰكِن يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمۡ وَلِيُتِمَّ نِعۡمَتَهُۥ عَلَيۡكُمۡ...﴾ [المائدة: 6]
لاحظوا أنه بعد ذكر الأحكام التشريعية من قبيل الوضوء والتيمم، يقول عَزَّ وَجَلَّ: ﴿مَا يُرِيدُ ٱللَّهُ لِيَجۡعَلَ عَلَيۡكُم مِّنۡ حَرَجٖ وَلَٰكِن يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمۡ وَلِيُتِمَّ نِعۡمَتَهُۥ عَلَيۡكُمۡ﴾. ولاحظوا أن صدر الآية المباركة ابتدأ بقوله تعالى: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ﴾، فهل يمكننا القول إنه طبقًا للإرادة الإلـهية هنا يُعتَبَرُ جميع المؤمنين معصومون؟!
[6]- الآيات في هذا الموضوع كثيرة، مثل (البقرة/117) و(آل عمران/47) و(يس/82) و(غافر/68) و....