تأمُّلٌ في آيَةِ التَّطْهِير

فهرس الكتاب

الفرق بين المدلول الإيجابي والسلبي لـ «إنما» و«ما»

الفرق بين المدلول الإيجابي والسلبي لـ «إنما» و«ما»

المسألة الأخرى هي كلمة «إنما» التي تُعتبر من أدوات الحصر، ونعلم أن للحصر مدلولَيْن: مدلولًا إيجابيًّا ومدلولًا سلبيًّا، ومعنى الحصر لا يتم إلا بهذين المدلولين، مثلاً عندما نقول: «إنما يُدافع عن أحسابهم أنا ومثلي» فمدلول الحصر السلبي هو «ما يدافع عن أحسابهم إلا أنا مثلي».

على ضوء ما ذُكِر، فإنه من الخطأ ما قاله بعضهم من أنه: «لو اعتبرنا الإرادة الإلـهية في آية التطهير إرادة تشريعية، فإن «الحصر» في الآية ينتفي! لأن الله تعالى لا يريد - تشريعيًّا- تطهير أهل البيت فقط من الرجس، بل يريد تطهير جميع المؤمنين في جميع الأزمنة من الرجس»!

فهذا الكلام لا يعدو عن كونه مغالطة، لأن «الحصر» في الآية ليس للأفراد بل الحصر للموضوع الذي هو التطهير، فالمدلول الإيجابي لهذا الحصر هو: «في هذا الأمر والنهي نريد فقط إذهاب الرجس والتطهير» ومدلول الحصر السلبي هو: «في هذا الأمر والنهي لا نريد شيئًا سوى إذهاب الرجس والتطهير».

بعبارة أخرى، لم تقل الآية 33 من سورة الأحزاب: «أريد تطهير أهل البيت فقط لا غيرهم» بل قالت: «العلة الغائيّة والهدف من هذه الأوامر والنواهي هو فقط التطهير وإذهاب الرجس وليس شيئًا آخر».

بناءً على ذلك، فمثل هذا الحصر لا يمنع أبدًا ولا بأي وجه من الوجوه تعلق «الإرادة الإلهية التشريعية» بجميع المخاطبين بقوله تعالى: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ [البقرة: 104][28]، وفيها إضافة إلى ذلك، تذكيرٌ «لأهل البيت»، بسبب موقعهم الخاص بين الناس، بتلك الأوامر والنواهي المطلوبة من جميع المسلمين، والمطلوبة من «أهل بيت النبيص» بشكل أكثر تأكيدًا.

نعم، إن عموم نهاية الآية 6 من سورة المائدة، والتي اعتُبر أن تعلق التطهير فيها يشمل جميع المؤمنين، يمنعنا من القول بأن إرادة التطهير الإلهية تعلقت بعدد محدود من الناس، لكن ذلك العموم لا يمنع أبدًا التأكيد على مطالبة بعض المؤمنين ذوي الموقع الخاص والحسَّاس بالأمور المذكورة في الآية ذاتها.

فعلى سبيل المثال، لو قال معلمٌ لتلاميذه: اُدرسوا ولا تهملوا الدراسة، وتعلَّموا ما يعلِّمه المعلِّم لكم بشكل جيد، ثم قال المعلم لتلميذين أو ثلاثة ممن هم محط أنظار بقية التلاميذ، ويتأثر سائر التلاميذ بسلوكهم: «كونوا منضبطين في سلوككم وتعلموا دروسكم بكل جِد واجتهاد، ولا تضيعوا أوقاتكم في أمور تافهة لا فائدة منها، واتبعوا وصايا المعلم اتباعًا دقيقًا»؛ فلا يوجد أي تفاوت بين هذين الطلبين، بل الاختلاف والفرق بين تلك المجموعتين من التلاميذ يكمن في الدرجة التي يُتَوقَّع فيها منهم العمل بإرادة المعلم وتطبيق وصاياه.

[28]- والتي تشمل أيضًا فيمن تشملهم النبي الأكرم ص، وحضرة علي وزوجته الزهراء وابنَيه الكريمين الحسن والحسين-عليهم السلام- .