تأمُّلٌ في آيَةِ التَّطْهِير

فهرس الكتاب

الروايات والأحاديث المتعلقة بآية التطهير التي أشار إليها أخونا في ختام رسالته

الروايات والأحاديث المتعلقة بآية التطهير التي أشار إليها أخونا في ختام رسالته

لنأت الآن إلى الروايات والأحاديث التي أشار إليها أخونا في ختام رسالته، فنقول: لا شك أن البحث حول الروايات في هذه المسألة بحث مفصل وطويل لا يمكننا الخوض فيه في هذا المجال بشكل شامل ومستوفٍ، إلا أنه ينبغي أن نعلم – إجمالاً- أن الروايات المتعلقة بآية التطهير تنقسم إلى عدة مجموعات:

المجموعة الأولى: الروايات التي نطلق عليها «روايات أصحاب الكساء» وتدل على أنه بعد نزول آيات سورة الأحزاب، دعا النبيُّ الأكرم ص حضرةَ الزهراء وحضرةَ علي وحضرات الحسنين -عليهم السلام- إلى حجرة أم سلمة [رضي الله عنها] فَجَلَّلَهُمْ بكساء (عباءة) وقال: «اللَّهُمَّ هَؤُلاءِ أَهْلُ بَيْتِي، ثم تلى آية التطهير»[39].

المجموعة الثانية من الروايات: أحاديث تقول إن آية التطهير نزلت في علي وزوجته وابنَيه-عليهم السلام- ، وهي روايات مشابهة في الواقع لروايات المجموعة الأولى.

ونقول: إن مثل هذه الروايات، حتى ولو تحقق فيها جميع شروط الصحة، لا تدل بأي وجه من الوجوه، على أن نساء النبيّ ص لم يكنَّ أهل بيته، وأنتم تعلمون جيدًا أن إثبات الشيء لا يعني نفي ما عداه.

وقبل أن ننتقل إلى المجموعة الثالثة من الروايات والأخبار، لابد من التذكير بأن عددًا من العلماء يقولون حول المجموعة الأولى من الأحاديث[40]: لو فرضنا أنه لا توجد أي علّة في أسانيد هذه المجموعة من الأحاديث ولا في متنها، فإن مثل هذه الروايات ليس فقط لا تدل على خروج زوجات النبي ص من آية التطهير، بل هي على العكس تؤكِّد، على وجه القطع واليقين، أن نساء النبي ص هم أهل بيته وهم المَعْنُون بالدرجة الأولى بآية التطهير! والدليل على ذلك أن غرض النبي ص من استخدامه ألفاظ الآية المذكورة في دعائه وقوله ص: «اللَّهُمَّ هَؤُلاءِ أَهْلُ بَيْتِي» هو أن يشمل اللهُ تعالى أولئك الأربعة الأجلاء أصحاب الكساء بعنوان «أهل البيت» ليشملهم الشرط الوارد في آيات سورة الأحزاب، [وإلا لو كانوا هم المُخَاطَبين بالآية لما كان هناك من حاجة لدعاء الله أن يجعلهم من أهل بيته وأن يشملهم بآية التطهير، لأنه سيكون عندئذٍ تحصيل حاصلٍ!]، ولذلك فعندما طلبت أم سلمة زوج النبيص أن تدخل هي أيضًا تحت الكساء قال لها النبي الأكرم ص: «إِنَّكِ إِلَى خَيْرٍ، إِنَّكِ مِنْ أزْوَاجِ النبيِّ ص»، وفي حديث آخر، قال لها: «أَنْتِ عَلَى مَكَانِكِ، وَأَنْتِ عَلَى خَيْرٍ».

في الواقع، طبقًا لهذا النمط من الأحاديث، فإن النبي ص قال لزوجته أم سلمة: «أنت لكِ مكانتك أو أنت على خير أي أنت في الأصل من أهل بيتي ومن ثم يشملك شرط تلك الآيات، فلا حاجة أن أدعو لك كي تشملك تلك الآيات، لكنني أدعو كي تشمل تلك الآيات أعزائي [ابنتي وصهري وحفيدَيَّ] – كي ينالوا- بتوفيق الله لهم- طهارة النفس.

نحن لا نُصِرُّ، بالطبع، على اعتبار هذا القول قولًا قطعيًّا ويقينيًّا، ولكن لما كانت مثل تلك الروايات – في الغالب- مثيرة للجدل والبحث والنقاش[41]، كما نشاهد ذلك حتى يومنا هذا، فإننا نسعى: أولاً: أن نتدبر آيات القرآن النورانية ذاتها، ونقارنها بالآيات المشابهة وننتبه إلى القرائن المحيطة بها وإلى سياق الآيات ومعاني الألفاظ و..... لنصل إلى المدلول الحقيقي للآيات أو نقترب منه، ثم بعد ذلك، وعلى ضوء ما بينه القرآن الكريم، نحاول فهم الأحاديث وتحليلها.

لنأتِ الآن إلى القسم الثالث من الروايات التي غالبًا ما يتم نقلها وذكرها عند تفسير الآية 132 من سورة «طه[42]»[43]. هذه المجموعة من الروايات تتناسب مع القول الذي نذهب إليه تناسبًا تامًّا ويمكننا القول: إن هذه الروايات تدعم ما نقوله بشأن آية التطهير وتؤكِّده، فهذه المجموعة من الروايات تقول: عندما خرج النبي ص من منزله لأداء صلاة الفجر واتجه إلى المسجد، ومرَّ أمام بیت علي ÷، توقف قليلاً وقال: «الصلاةَ الصلاةَ» ثم تلا آية التطهير.

[39]- انظر سنن التِّرْمِذِي رقم (3205 و3787)، ومسند أحمد، ج 4، ص 107؛ و ج 6، ص292 و298 و304. والمستدرك على الصحيحين للحاكم النيسابوري، رقم (3558 و 4006). (المُتَرْجِمُ) [40]- قصدنا تلك المجموعة من الروايات التي نقلها العلامة «مرتضى العسكري» في كتابه، عن أم سلمة. (انظر: كتاب «معالم المدرستين»، مؤسسة البعثة، طبع 1405هـ.ق، ج1، ص130). [41]- لا نقصد الروايات المتفق عليها ذات الأسانيد والمتون الصحيحة الخالية من أي علة قادحة، فمثل هذه الأحاديث المتفق على صحتها خارجة عن موضوع بحثنا. [42]. ونص الآية: ﴿وَأۡمُرۡ أَهۡلَكَ بِٱلصَّلَوٰةِ وَٱصۡطَبِرۡ عَلَيۡهَاۖ لَا نَسۡ‍َٔلُكَ رِزۡقٗاۖ نَّحۡنُ نَرۡزُقُكَۗ وَٱلۡعَٰقِبَةُ لِلتَّقۡوَىٰ. والأحاديث التي يرويها بعض المفسرين والمحدثين ذيل تفسيرهم لهذه الآية مختلفة الألفاظ جدًّا وتقول: لمَّا نزلت هذه الآية كان رسول الله ص يجي‏ء إلى باب علي تسعة أشهر كل صلاة غداة ويقول: «الصلاةَ رحمكم الله! إِنَّمَا يُرِيدُ ٱللَّهُ لِيُذۡهِبَ عَنكُمُ ٱلرِّجۡسَ أَهۡلَ ٱلۡبَيۡتِ وَيُطَهِّرَكُمۡ تَطۡهِيرٗا»، وفي رواية: «كان رسول الله ص بعد نزول هذه الآية عدّة أشهر يأتي إلى باب دار عليّ وفاطمة يسلّم عليهم ويقرأ الآية». (انظر تفسير جامع البيان لابن جرير الطبري، وتفسير الدر المنثور للسيوطي، ذيل تفسيرهم للآية المذكورة، وانظر: مسند أحمد، ج 3، ص 252. ومسند الطيالسي، ج 7، ص 274، ح 2509. وأسد الغابة، ج 5، ص 521). (المُتَرْجِمُ) [43]. أورد العلامة مرتضى العسكري عدة نماذج لهذه الروايات في كتابه (يُراجع كتاب «معالم المدرستين»، ج1، ص132).