لماذا خاطب الله تعالى نساء النبي ص بمثل هذه الخطابات؟
إذا وصل الكلام إلى هنا فعلينا أن نعرف: إن كان الله تعالى - كما يُفهم من آيات أخرى - قد أراد طهارة جميع المؤمنين، بما في ذلك أهل البيت، فلماذا أعاد طلب ذلك مرةً أخرى من نساء النبي ص بشكل خاص وعلى نحو منفصل ومستقل عن مطالبة الآخرين[32]، وخاطبهنَّ بتلك الخطابات؟ وهل كان لنساء النبي ص شأن خاص في هذا المجال؟
نعم، كما نعلم، لقد ذكَّر الله تعالى في صدر هذه المجموعة من الآيات وقبل الخطابات المذكورة، نساءَ النبي ص بأن كونهن زوجات رسول الله ص يحمِّلُهُنَّ مسؤوليةً خاصَّةً وكبيرةً، لذا إن كنتن يا معشر نساء النبي ص لا تُرِدْنَ أو لا تستطِعْنَ أن تتحملن هذه المسؤولية الكبيرة، وتُرِدْن أن تكون مسؤوليتكن عاديّةً كمسؤولية سائر الناس، فتعالين وانفصلن عن رسولاللهص (الأحزاب: 28)[33] ثم قال لأولئك اللاتي قبلن تحمّل تلك المسؤولية من النساء: ﴿يَٰنِسَآءَ ٱلنَّبِيِّ لَسۡتُنَّ كَأَحَدٖ مِّنَ ٱلنِّسَآءِ﴾ [الأحزاب: 32][34]. أي كأن القرآن الكريم يقول لنساء النبي ص: كل الأعين تتطلع إليكن، لذلك فما هو مطلوب من سائر الناس، مطلوب منكن أكثر ومتوقع منكن الالتزام به بنحوٍ أكثر تأكيدًا وشدَّةً، فأنتن تسكن في بيت رسولاللهص الذي تتنزل فيه آيات الوحي والحكمة الإلـهية ويتلوها رسولاللهص. إنكنَّ في موقع ترتبط به سمعة الرسالة وحرمة النبي ص. بناء على ذلك، إن اتقيتن الله فإن تقواكن هذه سيكون لها تأثير إيجابيٌّ على رسالة النبي ص وعلى دعوته، لذا ستنالون أجرًا مضاعفًا على ذلك - مَرَّةً لأنكن قمتن بعمل صالح خيِّر كمسلمات مؤمنات، ومرَّةً أخرى بسبب التأثير الإيجابي الذي كان لعملكن الصالح هذا على دعوة النبي ص ورسالته-، أما إن وقعتُنَّ في الانحراف وارتكبتُنَّ الأعمال التي لا تليق بكن، فإنكن ستنقِصْن من تأثير جهود النبي ص وأتعابه في الدعوة، لذلك ستنلن عقابًا مضاعفًا من الله. إن الناس ينظرون إليكن، فإن رأوا أن أعمالكن ليست على النحو المطلوب، فسوف تضعف همتهم في اتّباع رسول الله ص وفي تقبُّل دعوته، لأنهم سيقولون في أنفسهم: كيف يمكن لمن كان أقرب الناس إليه، أي نساؤه اللواتي يعشن معه في بيت واحد ويجالسنه بشكل دائم، على هذا النحو السيِّء، ولم يستطع أن يربيهن ويزكيهن التربية والتزكية الصحيحة، كيف يمكنه أن يزكينا ويربِّينا؟ لذا يقول الله تعالى لهن: عليكن أن تتقيدن بأوامر الله وتعملن بها أكثر من الآخرين، وعليكن أن تجتنبن نواهي الله عَزَّ وَجَلَّ أكثر من الآخرين، وهذا ليس انطلاقًا من التشدد معكن والتعسير عليكن، بل بهدف تطهيركن والمحافظة على نفوسكن طاهرةً نقيَّةً من رجس الآثام والمعاصي.
[32]- ليس هذا الموضوع أمرًا فريدًا لا سابقة له في القرآن، بل يوجد ما يشبهه وذلك في الآية التي تقول: ﴿وَأَنذِرۡ عَشِيرَتَكَ ٱلۡأَقۡرَبِينَ ٢١٤﴾ [الشعراء: 214]، فمع أن رسول الله ص مأمور بإنذار جميع الناس - بمن فيهم قومه وعشيرته - ولكن لما كانت عشيرة رسول الله ص - بسبب القرابة التي بين أفرادها وبينه ص، وكانت أنظار الناس تتجه إليها وكانت تحظى باحترام الناس، وكان لسلوك أفراد عشيرته وقرابته تأثير في دعوته، أمر الله تعالى نبيه أن ينذرهم مرَّةً بشكل خاص. [33]- ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ قُل لِّأَزۡوَٰجِكَ إِن كُنتُنَّ تُرِدۡنَ ٱلۡحَيَوٰةَ ٱلدُّنۡيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيۡنَ أُمَتِّعۡكُنَّ وَأُسَرِّحۡكُنَّ سَرَاحٗا جَمِيلٗا ٢٨﴾. [34]- راجع ما قلناه عن أهمية هذا الخطاب الخاص، في الصفحة 78 من هذا الكتاب.