تأمُّلٌ في آيَةِ التَّطْهِير

فهرس الكتاب

الفرق بين الإرادة التكوينية والإرادة التشريعية

الفرق بين الإرادة التكوينية والإرادة التشريعية

أضف إلى ذلك، أنه في سورة الأحزاب (الآيات 28 فما بعد) جاء الكلام عن التكاليف الشرعية، من قبيل لزوم القرار في البيوت وعدم التبرج وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وإطاعة الله ورسوله و.... ومن الواضح تمامًا أن هذه الأمور تتعلق بالإرادة التشريعية لله تعالى لا بإرادته التكوينية. بعبارة أخرى، فإن إرادة الله لإذهاب الرجس وتطهير أهل البيت التي ذُكِرَت في سورة «الأحزاب» بعبارة: ﴿يُطَهِّرَكُمۡ مماثلة للإرادة التي ذُكِرَت في سورة المائدة خطاباً لجميع المؤمنين - بما في ذلك النبي الأكرم ص وعلي وفاطمة و... - وعُبِّرَ عنها بعبارة ﴿يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمۡ.

ومثل ذلك قول الله تعالى للنبي ص: ﴿خُذۡ مِنۡ أَمۡوَٰلِهِمۡ صَدَقَةٗ تُطَهِّرُهُمۡ وَتُزَكِّيهِم بِهَا [التوبة: 103].

فهل معنى هذه الآية الأخيرة أن كل من أدى زكاة ماله للنبي ص أصبح طاهرًا ومعصومًا؟! من البديهي أن المقصود أن الهدف من تشريع الزكاة هو تطهير الناس من قذارة الحرص على مال الدنيا والطمع والجشع، وهذه الطهارة لا تحصل إلا من طريق العمل بقانون الزكاة[7].

1وألفت انتباهكم إلى هذه النقطة، وهي أن الأفعال التي جاءت في آخر الآية السادسة من سورة «المائدة» المباركة جاءت بصيغة المضارع، مثل «يريد» و «يتم»، وفي الآية 103 من سورة «التوبة» أيضًا جاءت الأفعال «تطهِّر» و«تزكي» بصيغة المضارع، وذلك لأن تحقق هذه الأفعال منوط باجتناب النواهي وأداء الأوامر التي ذُكِرَت قبل هذه الأفعال ومشروط بذلك، أي أن تحقق تلك الأفعال المضارعة هو نتيجة للأعمال والأفعال السابقة عليها. إذا أخذنا هذه النقطة بعين الاعتبار نلاحظ أن آية التطهير لم تقل: (أذهب اللهُ عنكم الرجس وطهَّركم...) لأنه كما أوضحنا، هذا «الإذهاب للرجس والتطهير» مشروط بالقيام بالأعمال والأفعال التي ذُكِرَت قبله ومنوط بها. وبعبارة أخرى، فإن الأعمال والأفعال المذكورة مقدمة وتمهيد لتحقق إذهاب الرجس والتطهر. وغني عن التوضيح أن هذا الموضوع لا يتناسب مع الإرادة التكوينية الإلهية التي لا تكون مشروطة ولا تحتاج إلى مقدمة وأمور ممهدة. (فتأمَّلُوا)[8].

[7]- نجد في القرآن الكريم آيات عديدة تتكلم عن «الإرادة التشريعية» لله تعالى، ومن جملتها (البقرة:185)، (النساء: 26-28) و.... . [8]- بالنظر إلى اعتباركم «أصحابَ الكساء» معصومين ومصونين من الخطأ حتى قبل نزول هذه الآية، وأن الآية المذكورة لا تشمل الأئمة التسعة، فإننا نوصيكم بالتمسُّك بدلائل أخرى لإثبات عصمة أولئك الأئمة الأجلاء، لأنه -كما رأينا وسوف نرى - فإن آية التطهير لا تحقق مقصودكم ولا تؤدي ما تريدون إثباته.