تأمُّلٌ في آيَةِ التَّطْهِير

فهرس الكتاب

هل استُخْدِمَ أسلوب «الالتفات» في آية التطهير؟ وهل هي جملة معترضة؟

هل استُخْدِمَ أسلوب «الالتفات» في آية التطهير؟ وهل هي جملة معترضة؟

ادَّعى بعض العلماء أنه قد استُخْدم أسلوب «الالتفات» (أحد وجوه التحسينات البلاغية) في الآية 33 من سورة الأحزاب، كما استُخْدِمَ هذا الوجه البلاغي ذاته في سورة الفاتحة.

هنا ينبغي أن نعلم أن «الالتفات» كما هو ظاهر من اسمه، يتم فيه عادةً الالتفات من الغائب إلى المُخَاطَب، أو من المُخَاطَب إلى الغائب، ولكن مثل هذا الأمر لم يحصل أبدًا في آية التطهير؛ ففي الآيتين 32 و34 من سورة الأحزاب اللتين جاءتا قبل آية التطهير وبعدها، خاطب الله تعالى نساء النبي ص، وفي صدر آية التطهير ذاتها أيضًا خاطب اللهُ تعالى نساءَ النبي ص كذلك، فلم يحدث أي التفات، ولكن في نهاية الآية 33 بيّن اللهُ تعالى الهدفَ من الخطابات المذكورة والعلّة الغائية لها، وهنا أيضًا لم يحدث أي التفات من المخاطب إلى الغائب، كل ما في الأمر أنه تمت الاستفادة من ضمير الجمع المذكر المخاطب عند بيان الهدف من الخطابات السابقة واللاحقة، أي لم يتم استخدام أسلوب «الالتفات» البلاغي أصلاً، بل تم العمل بقاعدة «التغليب» التي أوضحناها بما يكفي فيما سبق فلا نكرر الكلام بشأنها هنا، لذا فلا وجه للتمسك بقضية «الالتفات» في آية التطهير.

وقال بعض العلماء إن ما جاء في نهاية الآية 33 من سورة الأحزاب يماثل جملة ﴿لَّوۡ تَعۡلَمُونَ في الآية 76 من سورة الواقعة، التي هي جملة معترضة، لذا فهي ليست مرتبطة بما قبلها!!

ونقول: إن على أصحاب هذا القول أن ينتبهوا إلى حقيقة أن من خصائص الجملة المعترضة أن تأتي في وسط الكلام لا في آخره، وثانيًا أن لا يؤدي حذفها إلى أي إخلالٍ في الارتباط والتواصل بين ما قبلها وما بعدها، كما هو الحال في جملة ﴿لَّوۡ تَعۡلَمُونَ المُشار إليها في الآية 76 من سورة الواقعة، إذْ لو حذفنا هذه الجملة لبقيت جملة ﴿وَإِنَّهُۥ لَقَسَمٞ ... عَظِيمٌ ٧٦ [الواقعة: 76] مترابطة المعنى لا نقص فيها، هذا في حين أن الجملة موضع النقاش في نهاية آية التطهير جاءت أولاً في آخر الآية لا في وسطها، وثانيًا جاءت لبيان الهدف والعلة الغائية من صدور الأوامر والنواهي للمخاطبين في الآية، ولذلك فحذفها يؤدي إلى نقص في الكلام. ونلاحظ مثل ذلك في نهاية الآية 6 من سورة المائدة، فإنها قد بينت علة صدور تلك الأوامر والأحكام التي جاءت في بداية الآية، لذلك فالتشبث بأن جملة ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ ٱللَّهُ لِيُذۡهِبَ عَنكُمُ ٱلرِّجۡسَ أَهۡلَ ٱلۡبَيۡتِ وَيُطَهِّرَكُمۡ تَطۡهِيرٗا ٣٣ [الأحزاب: 33] في آخر الآية 33 من سورة الأحزاب جملة معترضة تشبت في غير محله ولا أساس له من الصحة.