تحليل الموضوع من ناحية الإرادة الإلـهية (التكوينية - التشريعية)
علينا الآن أن نعلم ما هي طبيعة الإرادة التي ذُكرت في آية التطهير بعبارة: «إِنَّمَا يُرِيدُ ٱللَّهُ»؟ هل هي إرادة تكوينية أم إرادة تشريعية؟[5]
لو نظرنا إلى الموضوع دون تأثر بأحكام مُسبقة لما كان هناك أي صعوبة في إدراك أن المقصود من الإرادة المذكورة في الآية ليست الإرادة التكوينية. أي أن الله لم يُرِدْ تكوينًا - كما أراد في الآية 82 من سورة يس- أن يطهر «أهل البيت» بمعنى الإرادة القاهرة التي لا يمكن أن تتخلف والتي تستوجب العصمة. والدليل على ذلك أن هذه الإرادة ذُكِرَتْ بعد ذكر عدد من المناهي مثل:
﴿فَلَا تَخۡضَعۡنَ بِٱلۡقَوۡلِ﴾ [الأحزاب: 32]
﴿وَلَا تَبَرَّجۡنَ تَبَرُّجَ ٱلۡجَٰهِلِيَّةِ﴾ [الأحزاب: 33]
وبعد ذكر عدد من الأوامر والوصايا مثل:
﴿وَقُلۡنَ قَوۡلٗا مَّعۡرُوفٗا ٣٢ وَقَرۡنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجۡنَ تَبَرُّجَ ٱلۡجَٰهِلِيَّةِ ٱلۡأُولَىٰۖ وَأَقِمۡنَ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتِينَ ٱلزَّكَوٰةَ وَأَطِعۡنَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥٓ﴾ [الأحزاب: 32-33].
فبعد تلك النواهي والأوامر، ذكر تعالى أنَّمَا يُرِيدُ اللهُ أَنْ يُطَهِّرَكُمْ، أي أن تَحَقُّقَ التطهير الذي يريده الله منكُنَّ إنما يتم من خلال عملكُنَّ بأوامره تلك واجتنابكُنَّ لنواهيه التي ذكرها لَكُنَّ. (تأمَّلوا).
[5]- تكون إرادةُ الله إرادةً تشريعيةً في بعض الموارد، عندما يكون لإرادة المكلف واختياره دَخْلٌ أيضًا في تحققها، أي أنها لا تتحقق إلا عندما يريد المكلف أن ينفذ ما يريده الله ويعمل به. وعلى العكس من ذلك، الإرادة التكوينية لله عزَّ وَجَلَّ التي تتحقق بمجرد إرادة الله، إذْ هي غير مشروطة على الإطلاق بل هي علة تامة لتحقق المُراد، ولا يُتصور أي مانع أو تأخير لتحققها.