تعليل الحكمة من تشريع الأحكام الإلـهية
قارنوا الآن، على ضوء ما سبق، تلك الآية في سورة «المائدة» بالآية 33 من سورة «الأحزاب»، ما النتيجة التي نحصل عليها؟ قال تعالى في سورة «المائدة» [ما معناه]: أيها المؤمنون! إذا قمتم لأداء الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم حتى المرافق..... وإن لم تجدوا الماء فتيمَّموا...الخ. يعني أن الله تعالى يريد من خلال عملكم بهذه الوصايا والتزامكم بهذه الأعمال أن يطهركم ويتم نعمته عليكم. وفي سورة «الأحزاب» قال تعالى أيضاً: [ما معناه] قَرْن في بيوتكن، وأقمْن الصلاة وآتين الزكاة وأطعْن اللهََ ورسولَه، ولا يريد اللهُ من عملكم بهذه الوصايا يا أهل البيت إلا أن يطهركم من الرجس والآثام تطهيراً يليق بكم.
هذه الآية مشابهة للآية السادسة من سورة «المائدة»، ففي كلتا الآيتين نزل الكلام في مقام تعليل الحكمة من تشريع القوانين، وفي كلتا الآيتين جاء الكلام حول العلة الغائية من تشريع الأحكام، ولا حديث في الآيتين عن مقامات الأفراد وخصوصياتهم التكوينية! والأمر كذلك في سورة «المائدة» فجملة ﴿وَلَٰكِن يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمۡ﴾ ليست دليلاً على الطهارة التكوينية وعصمة المؤمنين، وعلى النحو ذاته فإن إرادة التطهير وإذهاب الرجس التي ذُكِرَت في سورة «الأحزاب» هي في الواقع «إرادة تشريعية»، ولا يمكن أن تكون دليلاً على عصمة أحد وطهارته التكوينية، تماماً كما أن الآية السادسة من سورة المائدة مبيّنة لكون الهدف من تشريع الوضوء والغسل والتيمم هو «طهارة المؤمنين»، كذلك فإن غاية الأوامر المذكورة في الآية 33 من سورة «الأحزاب» هي «طهارة أهل البيت». ذلك أنه كما نعلم من الناحية المبدئية منشأ الأوامر والنواهي الإلهية في الآيات التشريعية والقانونية للقرآن (يعني الأحكام) هو «الإرادة التشريعية» لله رب العالمين.