سوانح الأيام - ايام من حياتي

فهرس الكتاب

مقالة حول مخالفات دستور الجمهورية الإسلامية[207]

مقالة حول مخالفات دستور الجمهورية الإسلامية[207]

باسمه تعالى

مواد الدستور التي تخالف القرآن وسنة رسول الله ص وتخالف المذهب الجعفري والعقل

الواجب أن يكون المكلفون بكتابة الدستور ممن يفهم كتاب الله وسنة رسول الله ص، إنني أتعجب ممن كتب الدستور الجديد؛ لأنه ليس لديهم علم بالمذهب ولا بالدين، وأتعجب لماذا يسكت العلماء على هذا القانون في الدولة؟!

أولاً: قرَّروا في مقدماته أموراً محدثة وخرافية لا تُفهم وأدرجوا فیه کثیراً من المسائل الخرافیة.

ثانياً: يقرَّر الدستور أن الحكومة تتشكل بناءً على انتخاب الناس - أي: برأي الناس- ولا بد أن يُقال: إن مذهب الشيعة يقرر بأن الحاكم الإسلامي يجب أن يكون معيناً من الله ورسولهص وليس بانتخاب عموم الناس، ففي المادة (13) أن الدين الرسمي لإيران هو الإسلام والمذهب الجعفري، بينما المذهب الجعفري يُقَرِّر بأن الحاكم يجب أن يكون معيناً من الله لا بانتخاب الناس.

بناءً على هذا: أليس الحكم الجمهوري القائم على آراء الناس وانتخابهم مخالف للمذهب الجعفري، فأين الجعفريون؟ أهم نائمون أم ماذا؟ كيف يسكتون على هذا الأصل؟

ثالثاً: استندت المادة (13) على كون أكثرية مسلمي إيران على مذهب التشيع، فاعتبرتهم في هذا المقام الأكثرية، وهذا معيار باطل في القرآن، قال تعالى: ﴿وَأَكۡثَرُهُمۡ لِلۡحَقِّ كَٰرِهُونَ ٧٠ [المؤمنون:70]، وفي مقام آخر يقول: ﴿أَكۡثَرَ ٱلنَّاسِ لَا يَعۡلَمُونَ ١٨٧ [الأعراف:187]، و﴿لَا يَعۡقِلُونَ [البقرة:170]، فالقرآن الكريم في آيات كثيرة يردُّ الأكثرية إذا كان هناك دليل على بطلان رأيهم، ويقول في موضع آخر: ﴿وَمَا يَتَّبِعُ أَكۡثَرُهُمۡ إِلَّا ظَنًّاۚ [يونس:36]، ويقول أيضاً: ﴿وَإِن تُطِعۡ أَكۡثَرَ مَن فِي ٱلۡأَرۡضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِۚ [الأنعام:116].

وإذا كنتم توافقون على اعتبار ميزان الأكثرية في مشروعية حكومتكم، فلماذا تطعنون في حكومة الخلفاء الراشدين التي تُعبّر عن رأي الأكثرية؟!

وهنا أمر آخر: قررتم بأنّ الدين الرسمي لإيران هو الإسلام والمذهب الجعفري.. والسؤال: الدين والمذهب شيئان مختلفان، فلماذا خلطتم بينهما في هذا المقام؟ أوَلا تعلمون أن بينهما فرقاً من وجوه كثيرة؟! وإن كنتم لا تعلمون فهاكم الفروق:

1- الدين من الله والمذهب من صنع البشر.

هل جاء القرآن بالدين أم جاء بالمذهب؟! أكان لرسول الله ص دين أم مذهب؟! أكان لأمير المؤمنين علي المرتضى ÷ دين أم مذهب؟ أهؤلاء كانوا مسلمين أم كانوا أحنافاً وجعفريين وشيخيين وصوفيين وشافعيين؟!

2- لا يحق لأحد أن يخترع في الدين، ولكن في المذهب يشرع للعلماء والمراجع اختراع ما يشاءون، مع أن الله تعالى قال في كتابه: ﴿ إِنِ ٱلۡحُكۡمُ إِلَّا لِلَّهِ [الأنعام:57]، وقال: ﴿وَمَن لَّمۡ يَحۡكُم بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ فَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡكَٰفِرُونَ ٤٤ [المائدة: 44].

أنتم أقررتم في الدستور وجود قوة تشريعية ووضعتم مجلساً للمشرعين، مع أن الله وحده هو المشرع في الإسلام، وليس لأحد أن يضع قانوناً من نفسه، وكل الاجتماعات اللازمة يجب أن تكون لتنفيذ أحكام الله تعالى وطرح ما يخالفه، وإما أن تقدم البرامج والشرائط اللازمة للإجراء.

3- الإسلام سهل، فكان الرجل من الأعراب يأتي إلى مجلس الرسول ص فيتعلم الإسلام في دقيقتين، وأما المذهب فصعب معقد، ويحتاج من يريد تعلمه إلى أربعين سنة، ومن الممکن أيضاً أن تنقضي هذه المدّة ولا یعرفه!

4- الإسلام خالٍ من الخرافات والطقوس المذهبية المبتدعة، بخلاف المذهب الذي طفح بالخرافات والبدع.

5- الإسلام يدعو إلى معرفة الله فقط، وأما في المذهب فلا بُدَّ أن تعرف المشايخ والأئمة والمرشدين، ومن لم يعرفهم فهو كافر، مع أن أولئك الأئمة والمرشدين كانوا أتباعاً للدين ولم يكونوا الدين نفسه، فعلى الكل أن يلتزموا بالدين صغاراً وكباراً، وأن يكون دين الجميع واحداً، وعلى سبيل المثال: إذا كان علي ÷ يُؤمن بالله ورسوله وكان أصول دينه شيئين أو ثلاثة فيلزم جميع أتباعه وجميع المسلمين أن يؤمنوا بما آمن به علي، لا أن يجعلوه جزءاً من الدين ويسموا المذهب باسمه.

إن كل هذه المذاهب محدثة بين المسلمين، إذ لم تكن موجودة في القرن الثالث والرابع والخامس وما بعده وفي صدر الإسلام، وأتحدى أي شخص أن يأتيني بما يدل على أن المذاهب كانت موجودة في الصدر الأول، ولو صح أن الرسول ص قال: (شيعة عَلِيٍّ هم الفائزون)، فيلزم شيعته أن يكونوا مثل الإمام عليٍّ حيث لم يضع مذهباً خاصاً له، وألا يكون لهم اسم خاص كما لم يكن عليّ يتسمى باسم آخر غير الإسلام.

أنا أتأسف كيف لعبوا بالإسلام حتى تَمَّ لهم ما أرادوا؟! وقد كتبت هذه الكلمات المختصرة حتى لا يقول المسلمون في المستقبل: ألم يوجد عالم مستيقظ في القرن العشرين وفي زمن الثورة الإيرانية؟! وإن كان موجوداً فلماذا سكت؟!

أقسم بالله أن الناس سوف يستيقظون بعد مدة ليست بالبعيدة، وأنهم سيعرفون فساد هذه القوانين، وأعمال هذه الحكومة السيئة، وفساد القول بولاية الفقيه، وسيلعنوننا.

وأنا أحرر هذه السطور ليعلم الناس في المستقبل أيّ خطر يحيق بي الآن، والتكفير الذي سيلحقني من قبل المشايخ والمراجع، وللأسف فإن أكثر شعبنا مقلدون جهّال، لا يعلمون الأضرار والمفاسد التي ستحصل من هذه القوانين المتناقضة؛ وبما أنهم يحسنون الظن بالمراجع ومشايخ الدولة، فإنهم ينصاعون لهم جميعاً، وكل من أراد تصحيح الدستور أو انتقاده فقد جعل نفسه عرضة للخطر، ولكنني كتبت هذه السطور نصيحة للدولة والشعب، ولئلا يطعن فينا من بعدنا، ولئلا نكتم حقائق القرآن الذي قال تعالى فيه: ﴿أَن تَقُولُواْ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ إِنَّا كُنَّا عَنۡ هَٰذَا غَٰفِلِينَ ١٧٢ [الأعراف:172]، يجب على الشعب أن يعلم أن أكثر مواد هذه الدستور مخالفة للشرع ولكتاب الله تعالى، وأن فيها مئات الإشكالات، وإن أرادوا تفصيل ذلك وبيانه فأنا على أتم الاستعداد لذلك. والسلام على من اتبع الهدى.

كتب أصحاب الثورة الدستورية قانون العدل زمن الشاه «مظفر الدين»، وكان من عدالتهم اتهام مجتهد مجاهد مثل الشيخ فضل الله النوري، ثم علَّقوا مشنقته لأجل فتواه التي تخالفهم، مع أنه لا يوجد أيّ قانون ولو ظالم يسمح بإعدام مجتهد لأجل فتواه، شنقاً. وإني لأعلم علم اليقين أنه لو قال أحد كلاماً حقاً في هذه الثورة لطعنوا به أو شنقوه ليُثبتوا عدالتهم الإسلامية!

الأحقر: السيد أبو الفضل البرقعي القمي

***

[207] انظر الوثيقة رقم 15