سوانح الأيام - ايام من حياتي

فهرس الكتاب

عاقبة الله في شريعتمداري

عاقبة الله في شريعتمداري

أما عن عاقبة شريعتمداري فبدأَتْ مع عزم الشاه على إعدام السيد الخميني في الخامس عشر من شهر (خرداد)[110]، فأراد شريعتمداري أن يقطع الطريق على الشاه فأصدر إعلانه بأن الخميني بلغ درجة المرجعيَّة[111]، مع أن السيد الخميني وقتها لم يكن ذا رتبة علمية بين عامة العلماء، ولكن لما تولى الخميني السلطة بعد الشاه ضاق صدر شريعتمداري؛ لأن الخميني علا عليه في الرتبة، فبدأ الخلاف والعداء يظهر منه تجاه السيد الخميني، وقيل بعد ذلك بأنه كان على علم بانقلاب ضد حكومة الخميني ولكنه سكت ولم يخبر عنه، ثم بدأت الصحف تظهر أشياء من تاريخ شريعتمداري، فأظهرت صورته وهو جالس إلى جوار الشاه، وهو أمر أسقطه عند العامة والخاصة، بل حتى مرجعيته سقطت بين المقلدين، نسأل الله أن يجعل عواقب أمورنا إلى خير. وفي تلك الأيام وأثناء إقامة شريعتمداري الجبرية في منزله (التي فرضتها عليه السلطات)، كتبتُ له رسالةً قلتُ فيها: إن كان البرقعي لم يكن منك ولا معك، فإن ربّ البرقعي لم يكن معك فيما وقع لك، تب الآن من إعراضك عن الحق، وإلا فإن آخرتك ستكون أسوأ من دنياك بكثير.

نعود إلى قضيتنا.. لما أخذوني إلى السجن بعد عزلي من المسجد زارني عقید اسمه (لطفي)، فقلت له: ما الإشكال الذي رأيتموه مني؟ وماذا تريدون؟ ولماذا تمنعوني من الذهاب إلى المسجد؟

فأجاب: نحن لم نقف ضدك، بل مراجع التقليد والعلماء هم الذين يخالفونك، قلت: لماذا لا يأتي أحد هؤلاء المراجع ويناقشني ويبيِّن لي الإشكال الذي عليّ، فإذا لم يكن لديّ الجواب بالدليل فافعلوا بي ما تشاؤون. فقال: تستطيع أن تعيش من غير الذهاب إلى المسجد، وأما أنا فلا أستطيع أن أتركك ما لم تتعهد بأن لا تذهب إلى المسجد. حينها اضطررت للتعهد وخرجت من السجن الانفرادي.

حينما رجعت إلى المنزل علمت أن السيد هادي خسروشاهي ذهب قبل ثلاثة أيام مع أعضاء من الاستخبارات وبعض المسؤولين في قسم الشرطة المركزية في المدينة وآخرين من مجلس الأوقاف وبعض الوزراء، ذهبوا إلى حَفْل ذِكْرَى تولي بهلوي للحكم بحضور زوجة الشاه فرح بهلوي، وأقام هادي خسروشاهي فيهم صلاة الجماعة في المسجد، بمعنى أنه أصبح من زمرة الملك.

بالطبع لم أكن في استطاعتي أن أواجه الشاه والسافاك ومدير الشرطة، فعزمت على صرف النظر عن المسجد.

أريد أن أُبَيِّن بأن بعض أئمة المساجد كانوا قبل طردي من المسجد قد جمعوا مبلغ مائتي ألف تومان، وهو مبلغ كبير جداً في ذاك الوقت، وغرضهم أن يكون هذا المبلغ فدية لمن سيقتلني لكي يخرجوه من السجن، لكن لما خرجت من المسجد صرفوا النظر عن موضوع قتلي مؤقتاً، ولكن هل تركوا مناوأتي ومعاداتي؟

كان السيد خسروشاهي لشدة فرحه بطردي من المسجد يدعو إلى المسجد كل ليلة جماعة من المداحين وقراء المراثي وأصحاب اللطميات وضرب الصدور، وكأنه فتح دولةً أو هزم عدواً لِـلَّهِ ورسوله والأئمة!

وكنت قد علقت عند باب المسجد لوحة كبيرة مكتوباً عليها بخط جميل: ﴿وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِـلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللهِ أَحَدًا [الجن:18]، فلم تعجبهم هذه الآية فأزالوا اللوحة بكاملها، وبالطبع لن تعجبهم لأنهم يدعون في عباداتهم غير الله تعالى من الأولياء والأئمة، فلا حرج عندهم في الاستغاثة بغير الله تعالى.

شيء آخر غير تلك اللوحة، وهو: أنني كنت في تلك الأيام أطبع بعض الأوراق التي تتضمن ما يوقظ الناس ويحملهم على معرفة حقائق الدين، والتدبر في آيات القرآن، والأحاديث والروايات الشرعية، فكنت أخرجها بخط منسق واضح مع الترجمة للفارسية على أوراق كبيرة (مقاس 35×25 سنتيمتر) تحت عنوان: منشورات مسجد وزير دفتر، وكنا نوزعها لكي يُعَلِّقها الناس في المنازل والمحلات وأماكن العمل بدلاً من الصور الخیالیة التي لا تنفع، وكانت كل صفحة تحوي في أولها آية قرآنية.

ومن المستحسن أن أذكر مثالاً لتلك الأوراق التي طبعتُها لعلَّها تفید:

المنشور الأول:

يقول الله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ [النحل:116].

يقول الرسول ص: «كلُّ بدعةٍ ضَلالَةٌ، وكلُّ ضَلالَةٍ فِي النَّارِ» (أصول الكافي، ج1، کتاب فضل العلم، باب البدع والمقاییس، حدیث 12)

يقول عليٌّ ÷: «السُّنَّةُ مَا سَنَّ رَسُولُ اللهِ وَالْبِدْعَةُ مَا أُحْدِثَ مِنْ بَعْدِهِ». (بحار الأنوار ج 2، ص 266، ح 45).

يقول الإمام الصادق ÷: «مَنْ مَشَى إِلَى صَاحِبِ بِدْعَةٍ فَوَقَّرَهُ فَقَدْ مَشَى في هَدْمِ الْإِسْلَامِ» (بحار الأنوار ، ج2 جديد، ص 304 حديث 45).

يقول الإمام الحسن العسكري ÷: «سَيَأْتِي زَمَانٌ عَلَى النَّاسِ... السُّنَّةُ فِيهِمْ بِدْعَةٌ وَالْبِدْعَةُ فِيهِمْ سُنَّةٌ. لَا يَعْرِفُونَ الضَّأْنَ مِنَ الذِّئَابِ... عُلَمَاؤُهُمْ شِرَارُ خَلْقِ اللهِ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ» (سفينة البحار، ص57 سطر 25).

هذا كلام رسول الله، وأمير المؤمنين، والإمام الصادق، والإمام العسكري (ع) فبماذا سنجيبهم غداً؟

إن كنتم مؤمنين فاتقوا الله واعرفوا البدع وابتعدوا عنها ولا تشاركوا في هدم الإسلام.

من نشرات مسجد حي وزير دفتر

المنشور الثاني:

يقول الله تعالى: ﴿قُلْ إِنَّ هُدَى اللهِ هُوَ الْهُدَى [البقرة:120].

يقول الرسول الأكرم ص: «مَنْ طَلَبَ الْهُدَى في غَيْرِ الْقُرْآنِ أضَلَّه اللهُ» (بحار الأنوار/جديد، ج 92، ص25).

يقول الإمام الباقر ÷: «إِذَا حَدَّثْتُكُمْ بِشَيْ ءٍ فَاسْأَلُونِي مِنْ كِتَابِ اللهِ» (أصول الكافي ج1/كتاب فضل العلم، باب الرد إلى الكتاب والسنة).

يقول رسول الله (برواية الإمام الصادق ÷): «مَا وَافَقَ كِتَابَ اللهِ فَخُذُوهُ وَمَا خالَفَ كِتَابَ اللهِ فَدَعُوهُ». (المرجع السابق، باب الأخذ بالكتاب والسنة، الحديث 1).

يقول رسول الله ص: «مَا جَاءَكُمْ عَنِّي يُوَافِقُ كِتَابَ اللهِ فَأَنَا قُلْتُهُ، وَمَا جَاءَكُمْ عَنِّي يُخَلِفُ كِتابَ اللهِ فَلَمْ أَقُلْهُ» (المرجع السابق ، الحديث 5).

يقول الإمام الصادق ÷: «كلُّ حديثٍ لا يُوَافِقُ كِتَابَ اللهِ فَهُوَ زُخْرُفٌ» (المرجع السابق/الحديث3).

إن المسلم يطلب الهداية من القرآن، وكل حديث يُروَى عن الرسول أو أحد الأئمة فإن كان يخالف القرآن نعرض عنه؛ لأنه يخالف القرآن، وبالتالي فهو مكذوب.

منشورات مسجد حي وزير دفتر.

***

الحاصل أنني في الأيام التي مُنعت فيها من إمامة الجماعة في المسجد شاهدت بعض أولئك الأوباش السفلة الجهلة الذين يتظاهرون بولاية أهل البيت، أخذوا يجتمعون كل ليلة مع بعض المعممين يضربون صدورهم وينوحون مع بعض المدائح، وهم يقولون طول الوقت: (علي..علي) إلى آخر الليل.. كل هذا ليثبتوا لنا أن الحق مع علي ÷، ولكنهم لم يعلموا أن وقوعهم في اتهام الناس والفحش والإساءة لهم والتلاعب باسم (علي) عداوة للإمام علي؛ لأنه÷ برئ من هذا كله، ولأن الذي يتولى عليّاً ÷ يقيم أصول دينه وفروعه بعيداً عن البدع المحدثة.

[110] شهر خرداد هو الشهر الثالث في السنة الإيرانية ويقع بين 21 أيار إلى 20 حزيران. (المنقِّح). [111] كان النظام أيام الشاه ينص على منع إعدام أي شخص يصل إلى رتبة المرجعية.