سوانح الأيام - ايام من حياتي

فهرس الكتاب

البرقعي بعد ترك إمامة المسجد

البرقعي بعد ترك إمامة المسجد

وبهذا تركت إمامة المسجد بعد سبع وعشرين سنة، وقد أخذوه مني غصباً، وها أنا جالس في منزلي فهل توقف سرّاق الدين وحماة البدع عن إيذائي؟!

أبداً.. لم يتوقفوا! بل استمرّوا فهجموا بعد شهرين على منزلي واقتلعوا باب الدار، ودخل آخرون من داخل المسجد وكسروا الباب السفلي؛ ففزِعَتْ زوجتي فزعاً كبيراً.. ومَرِضَتْ على إثر ذلك، ثم ماتت وتركت جواري إلى جوار ربها، فرحمها الله رحمةً واسعةً، فقد تحمَّلَتْ كثيراً من الأذى.

وفي هذه الأيام وبسبب كلام المُعَمَّمين ضدي أصبح كثير من الناس يسيؤون جداً تعاملهم معي، فصار الجزَّار يمتنع عن بيع اللحم لي، والخباز مثله، وبعضهم يضرب باب منزلي أنصاف الليالي، ويقضّون مضجعي، ويزعجون أهل بيتي.. وإذا سألتهم قالوا: جئنا لنناقشك، وأحياناً يرسلون من يدخل منزلي متظاهراً بالسؤال ويسرقون بعض ما أكتب.. ونحو ذلك، حتى أجبروني على ترك منزلي المتواضع - وكان من الأوقاف- فذهبت إلى رئيس الشرطة وقدمت شكوى، وقلت له: حتى اليهود والنصارى وغیرهم من الکفار يأمنون في دورهم، وهؤلاء في هذه الدولة يأتون فيكسرون باب منزلي.. فما هذه الدولة؟!

فقام رئيس الشرطة بإرسال مسؤول ليحقق في مسألة كسرهم الباب، فتم كتابة تقرير يبين أن الباب تم كسره، ولكن للأسف ذهب ثلاثون شخصاً من المتدينين المُعَمَّمِين من مُدّعي «ولاية الإمام علي» إلى رئيس الشرطة وشهدوا بأن هذه الدار لم يكن لها باب أصلاً!! ولأنهم كانوا قدّموا رشوة فقد قُبِلت شهادتهم الحمقاء، وهي شهادة زور.

أخيراً تركت المنزل الوقفي الذي كنت راضياً به، فأخذت الأثاث إلى منزل أحد أقاربي، ثم استأجرت منزلاً في شارع جمال زاده في الطابق الثالث مقابل كنيسة المسيحيين، وكنت أنظر من النافذة إلى الشارع فأرى أهل التثليث يروّجون للتثليث بكل حرية.. وأنا ليس لي الحق بأن أتكلم بين المسلمين عن التوحيد الذي يقرره القرآن الكريم!

وبطبيعة الحال فإن حكومة الشاه لم تكن ساخطة على ما يجرى لي؛ لأنهم لا يريدون أن يوجد في طهران أي مسجد يوقظ الناس أو يعرفهم بحقائق الإسلام، فالحكومة كانت تدعم انشغال الناس بالخرافات المذهبية، والشاه بنفسه يروج لهذه الخرافات فكان يقول: العباس أمسك ظهري.. ويقول: التقیت بإمام الزمان.. ونحو هذا الكلام.

وعلى كل حال: ذهبتُ مضطراً وسكنت في شارع جمال زاده، ولكن حتى بعد انتقالي لم أكن بمأمن من أيدي العوام الذين يحرّكهم الشيوخ وقُرَّاء المراثي، ومع الأسف كان الناس يذهبون ويأتون أفواجاً إلى كنيسة النصارى شيوخاً وشباباً بنين وبنات، ولم يكن أحد من الناس يتعرض لهم، ولكن بمجرَّد أن يأتي أحد إلى منزلي فإن عليه أن يتوقع خطر الخرافيين.

للأسف لم أكن حُرّاً في الوقت الذي كان فيه اليهود والنصارى أحراراً.. كانت كتبي ممنوعةً وكانت كتب اليهود والنصارى؛ بل حتى كتب الشيوعيين مسموحاً بها.. وكانت كتب الشعراء والصوفية والشيخية المليئة بالخرافات غير ممنوعة، ولكن كتبنا ممنوعة!

وحتى التفسير الذي ألفته واسمه «قبس من القرآن» أُوقِف طبعه بأمر الحكومة، مع أني اقترضت من أجل طباعته خمسين ألف تومان، ثم بأمر من شيوخ الخرافة أرادوا أن يحوِّلوا جميع أوراقه المطبوعة إلى مصنع الورق ليعيدها في تجليد كتب أخرى فاضطررت للاستشفاع ببعضهم لكي يتراجعوا عن إرسالها إلى مصنع الورق.

وعلى كل حال تركت المسجد والمنزل، وغادَرَتْ زوجتي هذه الدنيا بعد أن تحمَّلت سوء معاملة كثير من الناس والصبر على كلامهم الفاحش.. رحمة الله وبركاته عليها.

ولم يقتصر الأمر على هذا، بل انفضَّ عنا زملاؤنا أيضاً! وحتى أهلنا ابتعدوا عنا، ومنهم أصهاري الذين ابتعدوا عني ليحافظوا على مكانتهم، لاسيما مرتضى صابر طوسي، وهو شيخ من أهل مشهد كان شديد التعصب لعقائدهم، موغلاً في الخرافة، وليس له أدنى استقلال في تفكيره أو قدرة على الاستدلال، وهو في الأصول مقلد للآخرين، وهو الآن من المخالفين لي، مع أنه قبل هداية الله لي كان من أشد المريدين لي، ولكنه بعد ذلك كتب رسائل ونشرها يظهر فيها مخالفتي، وبهذا بقيت لوحدي مع الله عزَّ وجلَّ الذي فوضت أمري إليه.

ثم في هذه الأيام أخذوني عدة مرات إلى السافاك وإلى مدير الشرطة، وحققوا معي، وبيَّنت لهم أنه ليس لهم عليّ أي مأخذ.

وبالجملة: في تلك الأيام تآلب عليّ رجال الدين وتجار المذهب، وحرَّضوا حكومة الشاه والناس ضدي حتى أخذوا مني المسجد، وفي تلك الأيام أنشدت هذه الأبیات (مترجمة):

حينما نوّر البرقعي طريق الحق، عَلِمَ أنه سيجعل أهل الضلالة أعداءً له

لا شك أن سلوك طريق الحق صعب .. وهو طريق وعر .. مليء بالأشواك

ولكن من أراد النعيم والعِزِّة عند الله فعليه أن يتحمل المشاق

رفع قُرَّاء المراثي المُضلِّلون للعوام والمُتلبِّسون زوراً بلباس أهل العلم عقيرتهم بلا حياء

وجاؤوا بحميرهم وتوحَّدوا في مسعاهم ضدنا

وأُغلِق المسجد بفعل أهل الشر ومُثيري الفتنة وبقُوَّة الشرطة وبالرشوة بالذهب والفضة!

وافتُتح فيه حانوت لتنويم الناس وأصبح مركز عبادة الحق خرباً

وأصبحت قاعدة الدين والقرآن خربةً وحلَّ محلَّها مكانٌ لرواية أكاذيب كل كتاب

قال البرقعي في نفسه: أيُّها اللبيب لقد ربحت تجارتك ولم تخسر مما قمت به.

لا تحزن فإن ما خسرته هنا قد ربحته في سبيل الحق

كل ما يأتي عليك فإن الله سيجعل لك منه مخرجاً فليس في فعل الحق لهو ولعب فاثبت ولا تتردد

إن صاحب المسجد ينظر إليك بعين رحمته فإن ذهب المسجد فصاحب المسجد معك

فاثبت على ما أنت عليه فإن ذهب المسجد فلا يهم ذلك

لقد أصبح المسجد دكاناً للكسب وأصبح المسجد زاويةً للصوفية

الأصل في المسجد أن يكون مكاناً لتجمُّع عبيد الحق. والمسجد مكان لدراسة القرآن والبحث فيه.

ليس المسجد مكاناً لكل «شِمر» و «سِنَان» وليس المسجد مكاناً للمدائح وقُرَّاء المراثي.

قراءة مراثي وقراءة مراثي وقراءة مراثي أصبح قارئ المراثي زميلاً في العمل لـ

«شِمر» و «سِنان»

طهِّر دين الله من البدع. واقتدِ في ذلك بالإمام الهُمام الذي قيل عنه لا فتى إلا هو.

ليس الإمام من يجعل الدين حانوتاً إنما الإمام هو الذي يعمل في حديقة الأزهار العطرة

لم تستلم المسجد بسبب أهل الفتنة والشر والفساد. كما لم يكن ذلك الإمام (الإمام علي) إماماً لأهل الزور.

لم يأكل ذلك الإمام من هذا المال الحرام. لم يأخذ من الخُمس أو سهم الإمام.

لم يكن ذلك الإمام إمام الفاسقين الجاهلين. بل كان إمام العلم والفضل والمعرفة.

لم تدعُ الآلهة الزائفة في دعائكَ، كما لم يدعُ ذلك الإمام أحداً سوى الله.

إن رُبَّان سفينةِ عالَمِ الإمكان واحدٌ (الله تعالى). إن قاضي الحاجات في العالَم واحدٌ فردٌ.

إن الأرض والهواء والماء كلها خاضعة له. إن الوجود كلَّه تابعٌ لأمره.

أعرِض أيُّها البرقعي عن الحُسَّاد الدنيئين الجاهلين. واثبت على الحق وكن حذراً.

***

- وقلت لأعدائي قصيدةً عنوانها (بلِّغوا رسالتنا للأعداء):

لتكن السعادة قرينةً لعدوِّنا. وليكونوا في عزٍّ كل يوم وليلة.

كل من اتَّهمنا بالكفر فلا تردّ عليه وليكن بين الناس مؤمناً.

من وضع في طريقنا شوكاً فيا ربّ انثر في طريقه الورود.

من حفر في طريقنا حفرةً فاجعل يا رب طريقه بستاناً من الزهور.

من أنكر علمنا وفضلنا، ندعو الله أن يزيد في مُلكه وماله.

كل من قال: إن البرقعي مجنون، فقل له: نحن مجانين فلتكن أنت واعياً ذكياً!

لسنا من أهل الحرب ولا الظلم ولا الزور. فليكن الحَكَم بيننا القادر الجبّار في يوم الحساب.

***

- كما أن الله ألهمني هذه الكلمات، عندما كنت في أشدِّ حالات ضعفي:

لا تحزن فأنا وَلِيُّكَ إن كنتَ وحيداً لا رفيق لك فأنا ظهير كل من لا ظهر له فلا تغتم ولا تحزن.

لا تحزن فأنا وَلِيُّكَ إن أصبحت وحيداً فأنا صديقك ومُعينك.

لا تيأس إن ذهب العالَم من يدك فلا تجعل لليأس سبيلاً إليك.

لا تيأس فأنا وَلِيُّكَ فأنا الحق وأنا مُدَبِّر العالَم معك.

اصرف نظرك عن الجميع إن لم يكن لك أنيس في هذا العالَم في الليل والنهار.

لا تحزن فأنا وَلِيُّكَ فأنا مُؤنسك ومُمدك بمددي في كل مكان.

ليس للحق بديل فحتى لو لم يكن للحق سوق رائجة

لا تحزن فأنا وَلِيُّكَ أظهر الحق فأنا رواج سوقك.

ما من أحد يُنقذك فإن لم يكن لك فرج

لا تحزن فأنا وَلِيُّكَ وأنا الذي أجعل لك من كل ضيق مخرجاً ومن كل عسر فرجاً

إذا أتعبك الهمُّ والأذى والظلم فتوجه إليّ: فأنا من سيحميك فلا تغتم فأنا حسبك.

إن حزنك وغمَّك ليس من ذُلِّكَ إن ألمك وغمَّك ليس بل حكمة وليس بلا سبب.

لا تحزن فأنا وَلِيُّكَ أنا أدرى بمصلحتك وأنا غافر ذنبك وأنا حافظك.

إذا اقتلع السفهاء باب دارك وباب مسجدك

لا تحزن فأنا وَلِيُّكَ واعلم أنني سأحفظ آثارك وأُبارك في أعمالك

كان هذا لولا أنني أُحِبُّ سماع صوتك في التضرع والبلاء

لا تحزن فأنا وَلِيُّكَ أنا أطلب تضرُّعك وابتهالك في الليل المظلم

فكن عبداً حُرَّاً فإذا نفر الأراذل منك وانفضُّوا من حولك فلا تغتم.

لا تحزن فأنا وَلِيُّكَ إني رفيقك وإني مُراقب لجهادك.

إن دمعت عينك أو حزن قلبك بسبب تفرُّق الناس عنك فأن أمسح دموعك وأُطيِّب خاطرك ... فلا تحزن فأنا وليّك وناصرك

وإن كان قلبك حزيناً وثقُل الحِمل على قلبك وثقُل همُّك واشتدَّ ألمك

لا تحزن فأنا وَلِيُّكَ فأنا الذي يدفع كل غمٍّ وحزن ويشفي كل صدر.

كن مع الله وإن لم يشترِ أحد دلالك فكن ضاحكاً

لا تحزن فأنا وَلِيُّكَ ناجِ الله في سرِّك فأنا قريب منك سميع لك

بُح لي بمكنونات صدرك وإن ظُلِمْتَ وتعرَّضتَ لجور الأعداء واضطهادهم

لا تحزن فأنا وليّك وأنا القاضي بالحق والعدل ونصير المظلوم

إن سعيك أيُّها البرقعي هو في سبيل ذو المنن إن كان سعيك لأجله

لا تحزن فأنا وليّك أنا أقبل سعيك وأنشر أفكارك.

***