سوانح الأيام - ايام من حياتي

فهرس الكتاب

رسالة من محمد حسين البرقعي إلى وزير الصحة

رسالة من محمد حسين البرقعي إلى وزير الصحة

وفي الأيام التي اشتد فيها مرضي أرسل ولدي رسالة إلى وزير الصحة السيد علي رضا مرندي، وهذا نصها:

باسمه تعالى

إلى مقام وزير الصحة المحتـــرم

أود أن أبين لكم بأن والدي آية الله السيد أبا الفضل البرقعي مضت عليه سبعة شهور في سجن (إيفين)، وقد ملأت جسمه جروح مختلفة، كما انحبس عنده البول، ومع الأسف لم يعتن به المسؤولون في السجن إطلاقاً، ولم يعالجوه، ومنعونا من إيصال الدواء إليه، وهذا الشيخ يبلغ من العمر 85 سنة ويتعرض لأمراض خطيرة، وبغض النظر عن التهم الموجهة إليه نطلب منكم كمسئول عن صحة الجميع أن تقدموا بشكل عاجل العلاج لهذا المريض، مع الشكر!

السيد محمد حسين ابن الرضا 23/1/ 1367 هـ. ش.[279]

كما أرسل ولدي رسالة لأحد زملائه وجاره في الغرفة في المدرسة الحجتية أيام طلبهم للعلم، وهو السيد «محمد محمدي ري‌شهري»[280]، وهذه رسالته: محمد محمدي ري‌شهري بسم الله الرحمن الرحيم

حضرة معالي السيد ري‌شهري وزير المخابرات والأمن في الدولة

كما تعلمون سابقاً بأن والدي الكريم حضرة آية الله البرقعي مضى عليه خمسة أشهر حبيساً في سجن (إيفين) بِـجُرم إعرابِه عن عقيدته القرآنية، وأودّ أن أخبركم بأنهم طول هذه المدة لم يتوانوا عن تعريضه لشتى أنواع الأذية والإهانة مع أنه يبلغ من العمر 85 عاماً، فقد ألقوه في سجن انفرادي ضيق جداً لا تتجاوز مساحته مترين في متر واحد، ولا يفتح باب غرفته إلا مرة واحدة في الأسبوع، ولم يسمحوا له بأي كتاب، حتى القرآن الكريم لم يرضوا بأن يكون معه، وجرحت ساقه في السجن ولم يعالج، وتحمل من العذاب والتعب الكثير، والأكل الذي يقدم له جاف جداً تتقطع نياط القلب دون أكله، وإذا اشتكى إلى موظفي السجن يرد عليه الموظفون بالضحك عليه.

وقبل أيام جاء مندوبون من قبل السيد المنتظري للاطِّلاع؛ فقامت إدارة السجن بنقله إلى موقع أحسن، وبمجرد خروج مبعوثي المنتظري قاموا بإعادته إلى سجنه الأول. كما أنهم يؤذونه برفع برودة المكان الذي هو فيه أو العكس مما يسبب متاعب لهذا العالم الهرم.

فتأمل معاناة هذا العالم المعمر وما هو ذنبه؟!

ما هو ذنب هذا العالم الذي أسهم في خدمة الثقافة الإسلامية بتأليف ما يربو على (200) مجلد في علم العقائد والفقه والرجال والحديث والتفسير وغيرها؟!

نعم.. إن الذنب الذي لأجله صالوا عليه هو نقده لأحاديث أصول الكافي، وحكمه على كثيرٍ منها بأنها مخالفة للقرآن الكريم. وذنبه الثاني: أنه أمر الناس بالالتجاء إلى الله وترك التوسل بغيره جلا وعلا، والتخلي عن التوسل بأضرحة الأئمة عليهم السلام. وذنبه الثالث: أنه يرى بطلان أخذ الخمس من أرباح الناس.. ومع كل هذا فإنه لم يكفر بالله ورسوله ص، بل وقف بقوة للدفاع عن الإسلام الأصيل في وجه أعداء الإسلام.

تلك كانت نماذج لأكبر الاتهامات التي وُجِّهت إلى السيد البرقعي. والسؤال: هل يصح للجمهورية الإسلامية التي بُنِیَتْ بدماء الآلاف من المسلمين المخلصين أن تتعامل مع عالم من علماء المسلمين بلغ من العمر 85 عاماً بهذه الطريقة، لأنه يتهم بنشر العقيدة الصحيحة؟!

وقد سمعنا بأنكم ممن يسعون لإبقاء آية الله البرقعي في السجن، وإفشال أي جهود لإخراجه، ولا أعلم مدى صحة هذه الإشاعات، لكنني أعرف أنكم -بحكم عملكم- لستم بعيدين عن هذه القضية، فهل يجوز في نظركم أن يتم حَبْس شخص باحث محقِّق بذل من عمره أكثر من ستين عاماً في التحقيق ووصل إلى ما وصل إليه من الآراء -سواء كانت خطأً أم صواباً- بسبب عقيدته؟! هل يجوز إيذاؤه بسبب عقائده الأصيلة فقط؟؟ مع أنه لم يؤسس تنظيماً مسلحاً ضد الجمهورية، بل لم يقد مظاهرة ضدها؟!

ونحن نعلم أن وسائل إعلامكم تتحدث عن الظلم الذي تعرَّض له السيد «المُدَرِّس»[281] وعرضت عنه أفلاماً ومسرحيات ونشرت مقالات عنه وعن أعدائه، أفلا تخْشَون أن يُعَدَّ آية الله البرقعي يوماً ما من العلماء المظلومين الذين ظلمتهم هذه الجمهورية، وأن يأتي يوم تنُشر فيه أفلام ومقالات ومسرحیات تحكي عيوب الذين ظلموه وتجبّروا عليه؟!

علماً أن السيد «المُدَرِّس» اختلف مع نظام الشاه البهلوي الخائن سياسياً، أما البرقعي فنزاعه معك اقتصر على المسائل الدينية فقط، فتوقيفكم له أسوأ بكثير إذ إنكم تملكون كل وسائل الدعاية والإعلام والنشر ومع ذلك تواجهون رجلاً أعرب عن عقيدته، بالقهر والحبس والتعذيب؟! ليت شعري! ألا يمكنكم أن تردوا على بعض الرسائل التي كتبها والتي لم تطبع ولا يمكن أن يجدها المرء في أي مكان فتفنِّدوا علمياً آرائه وأدلته؟! ألا يمكن لزملائكم في وزارة الإرشاد وفي الحوزة العلمية في قم وأهل المنابر أن يناقشوا أراءه بدلاً من التحريض عليه وسجنه؟!

لقد تحدثتم في بعض كتبكم عن سوء تعامل القساوسة ورجال الدين النصارى في القرون الوسطى، وكيف كانوا يحبسون من يتكلم بما يخالف عقائدهم، وقد عنَّفتُم عليهم بشدة، فهل يليق بكم بعد ذلك أن تحذو حذو أعدائكم في التعامل مع مخالفيكم؟!

معالي السيد (ري شهري) أرجو أن تقبلوا كلام أخ ناصح لكم، وألا تستمروا في نفس الطريق التي انتهت بمن قبلكم إلى المسالك المذمومة وإلى لعنة التاريخ.

ولا تنسوا العفو والتسامح مع مخالفيكم الذين لم يحملوا السلاح ضدكم، وأن تتركوا أسلوب التصفية والقتل؛ لأن رضا الله تعالى والذكر الحسن مرتبط بمسلك اللين والعدل، ولا تنسوا بأنكم جلستم في مجالس أناسٍ قبلكم لم يحسنوا السلوك مع مخالفيهم وهم اليوم لا يُذكرون إلا بالمذمة!

وأختم رسالتي لكم بكلام الله حين أنذر عباده بقوله: ﴿وَسَكَنتُمۡ فِي مَسَٰكِنِ ٱلَّذِينَ ظَلَمُوٓاْ أَنفُسَهُمۡ وَتَبَيَّنَ لَكُمۡ كَيۡفَ فَعَلۡنَا بِهِمۡ وَضَرَبۡنَا لَكُمُ ٱلۡأَمۡثَالَ ٤٥ [إبراهيم:45].

وأنا في انتظار جوابكم العاجل، وأرجو أن تقبلوا مرارة كلامي بحلاوة قلوبكم.

جاركم القديم أثناء طلبكم العلم / محمد حسين برقعي. 13 رجب 1408 هـ.

وقد نُشر شيء من مضامين هذه الرسالة في العدد 125 من نشرة (حامل رسالة النهضة)، بتاريخ: 31 /1/1367 هـ .ش.[282] في الصفحة السادسة، وفي دورية (خبرنامه) بتاريخ أرديبهشت 1367 هـ. ش.[283] في الصفحة التاسعة.

***

[279] يوافق 12/4/1988 م.(المُنَقِّح) [280] ري‌شهري: محمد بن إسماعيل المحمدي الري شهري، نسبة إلى مدينة الري جنوب العاصمة الإيرانية طهران، حيث ولد فيها عام 1946م، وقد تولى عدة مناصب بعد الثورة أهمها: رئيس محكمة الثورة العسکرية، وكان أوّل وزير للأمن بعد الثورة الإيرانية، ثم شغل منصب المدعي العام للبلاد، ثم منصب المدّعي العامّ الخاصّ بعلماء الدين. [281] السيِّد المُدَرِّس: هو آية الله السيد حسن بن إسماعيل الطباطبائي المعروف بالشهيد المُدَرِّس، ولد في أصفهان سنة 1287هـ ق/1870م، ودرس فيها وفي النجف، وجمع بين العلم والسياسة، وعرف بمواقفه المناهضة لظلم واستبداد دولة الشاه رضا خان البهلوي. حاول الشاه تصفيته عن طريق الاغتيال مرتين فباءت محاولتَيْه بالفشل، فقام بحبسه ثم أمر بقتله في السجن سنة 1350هـ /1931م. (المُنَقِّح) [282] الموافق لـ 20 /4/1988 م. (المُنَقِّح) [283] يوافق شهر نيسان 1988 م. (المُنَقِّح)