سوانح الأيام - ايام من حياتي

فهرس الكتاب

سجن البرقعي بتهمة انتحال مذهب أهل السنة

سجن البرقعي بتهمة انتحال مذهب أهل السنة

من جملة ذلك ذكرياتي: أنني ذهبت يوماً لتحصيل حقي من كتبي التي باعتها إحدى المكتبات الواقعة أمام جامعة طهران التي وضعتُ کتبي عند صاحبها لیبیع الکتب، وللأسف قام موظفو الحكومة بمصادرة كتبي التي كانت في المكتبات لئلا تصل إلى أيدي المسلمين وليبقى المسلمون غافلين عن الحقائق، ولم يكن موظفو الدولة يعرفونني، فقالوا لأصحاب المكتبات: إذا جاء البرقعي إليكم لتسوية حسابه فأخبرونا، ولما رآني صاحب المكتبة تركني مباشرة وأخبر موظفي الحكومة بالهاتف، فجاء رجلان من الحرس الثوري إلى المكتبة بعد زمن قليل، وطلبوا مني أن أذهب معهم إلى الشرطة!

سألتهم: ولماذا؟!

قالوا: لا ندري، ولكن نحن مأمورون بأن نأخذك.

في الحقيقة قدّرت أنني رجل مسنّ لا أستطيع الهرب، فقلت لنفسي: لا بأس بالذهاب فأنا لم أذنب، فأخذاني معهما بسيارتهما إلى الشرطة. ثم سألتهما في السيارة: بأي جرم أخذتماني؟

فقالا: لا تتكلم وإلا قتلناك!!

ولما وصلنا إلى المركز رأيت كتبي التي صادروها من مكتبات البلد وقد وضعوها في زاوية الغرفة، وأمروا بحبسي في «سجن إيفين». فسألتهم عن سبب سجني، قالوا: ستعلم لاحقاً!!

على كل حال: حوّلوني إلى «سجن إيفين» وسجنوني وحدي في مكان طوله ذراعين مدة خمسة عشر يوماً مع أني كنت مريضاً ومتعباً، فحاولت الحديث معهم فلم أتمكن من تغيير شيءٍ!

نقلوني بعد خمسة عشر يوماً إلى السجن العام، فبدأت بالتكلم مع سجناء السجن العام، وكنت أوضح الإسلام الحقيقي، وذكر معايب وخبايا القائمين على الحكومة، وكنت أرجو أن يحصل لهم الحد الأدنى من الفائدة، وهو ألا يأخذوا نظرة سيئة عن الإسلام بسبب تصرفات هذه الحكومة، وألا يحسبوا أعمالهم على الدين الإسلامي.

تأثر كثير من السجناء بكلامي معهم، وقد كان كثير منهم من المنجرفين مع «منظَّمة مجاهدي خلق»[224] والشیوعیین، فكنت أرد على أفكار أحزابهم أيضاً، وهو ما جعل الحراس يفرحون، واستطعت أن أقيم الجمعة في السجن، وكنت أسعى إلى بيان حقائق الدين في خطبي، وأتذكر يوماً أنني كنت مشغولاً بالدعاء في آخر الخطبة فقال أحد الحراس: ادع للإمام. فأجبته: ما دعوت للشاه ولن أدعو للخميني أيضاً.

وبعد مضي خمسة وعشرين يوماً أخبروني أن القاضي الشرعي طلب حضوري عنده، فذهبت إلى القاضي وسألته: لأي شيء سجنتموني؟ قال: لأن أهل قم يقولون بأنك سنّي!

قلت: أولاً: هل حبستم جميع أهل السنة فأكون واحداً منهم.

وثانياً: كيف أصبحت سنياً وأنا لم أقلد أحداً من علماء أهل السنة؟!

وأمر آخر: إذا كنتم تقولون إن أهل السنة والشيعة إخوة، فكيف تعذبون أو تسجنون الناس بسبب مذاهبهم؟! ما هذا الظلم في الحكومة الإسلامية؟!

من المهم أن أذكر أنني رأيت رجلاً يعمل في السجن كنت أعرفه جيداً، وكان يدرس في قم، وهو يعرفني معرفة تامة، وهو آية الله محمدي كيلاني[225] ولكنني عندما كنت في السجن تجاهلني وكأنه لا يعرفني[226].

وبعد مدة قبضوا على الأستاذ الفاضل المحقق المجاهد السيد «مصطفى حسيني طباطبائي» وكان يقيم صلاة الجمعة في شمال البلد في منزل أحد الأصدقاء، وبعد ختام صلاة الجمعة أرسلوه إلى السجن، كل ذلك بمساعي رجل دين من أهل تجریش (منطقة قریبة من طهران).

وبعد أسبوع أو أسبوعين أطلقوا سراحه مع تعهد وكفالة كما فعلوا بي تماماً، حيث أطلقوني بكفالة السید طباطبائي، فلما ذهبت إلى منزلي رأيت أن شرطتهم فتشوا منزلي ضاربين بدستورهم عرض الحائط؛ بل أخذوا كل شيء أرادوه!! ومن جملة ما أخذوا بعض الكتب المخطوطة، وبعض الأوراق التي فيها مطالب الناس، وكذلك كراسة عناوين الهاتف وأشياء أخرى كانت على المنضدة وغيرها، مع أن كل ما أخذوا لا يتعلق بحكومة الجمهورية ولا تستفيد منه شيئاً.

وإلى الآن مضى على ذلك سنون، وبلغتهم طلبي في استرداد الأشياء التي أخذوها مني من كتب ومؤلفات مخطوطة وغير ذلك فلم يعطوني شيئاً منها، فعلمت أن قصدهم الأذية وتعذيب الناس فقط.

كما أنهم عينوا مجموعة من القضاة الجهال وقليلي الخبرة بالشرع لتعذيب الناس، وقد رأيت ولاة الأمر یصدرون أحكاماً من تلقاء أنفسهم.

عندما كنت في السجن كتب ولدي الصغير إلى بعض المسؤولين كتاباً فلم يجب أحد، فأرسل رسالة إلى السيد بازرگان، فرد عليه بجواب جاء فيه:

[224] منظَّمة مجاهدي خلق (ومعناها بالعربية: مجاهدو الشعب) منظمة سرية ماركسية - إسلامية(!!) كانت نشطة ضد نظام الشاه، بدأت بالستينيات من القرن العشرين إسلامية-شيعية التوجُّه ثم حدث فيها انقلاب فكري في السبعينيات نحو الفكر الماركسي اليساري، فصارت تجمع بين الأفكار اليسارية الماركسية وتُلّبِّسها بلباس الشعارات الإسلامية الشيعية!!، وانتهجت ضد نظام الشاه نهج الاغتيالات ولم تحظَ بتأييد زعيم الثورة آية الله الخميني، لكنها حظيت في حينها بتأييد آية الله طالقاني وبضعة علماء دين آخرين وكانت تعتبر الدكتور علي شريعتي مُنَظِّرَهَا الفكري، وبعد انتصار الثورة لم تصوِّت لصالح الجمهورية الإسلامية ولا لدستورها، وقد تعرَّضت المنظمة إلى قمع شامل وإقصاء من قبل النظام الإسلامي الجديد، فأعلنت الثورة المسلحة ضد نظام الجمهورية الإسلامية منتهجةً أسلوب الاغتيالات والتفجيرات الإرهابية الكبيرة والعديدة، فاعتبرها النظام فئة باغية محاربة فقام بتصفية شاملة وممنهجة لها حيث تم اعتقال الآلاف من أتباعها وأُعدم المئات منهم وحكم على الآلاف بالسجن، وفي آخر عهد الحرب العراقية-الإيرانية شاركت قوات المنظمة التي كانت قد ارتمت في أحضان نظام البعث العراقي زَمَنَ صدام حسين، في حملة عسكرية مع القوات العراقية ضد قوات الدولة الإيرانية، وباءت الحملة بالفشل فقامت الدولة الإيرانية على إثر ذلك بإعدام كل من كان ينتمي لتلك المنظمة ممن كان لا يزال في السجون. ولا تزال بقايا هذه المنظمة موجودة في معسكرات خاصة بها في العراق ممنوعة من ممارسة أي نشاط عسكري أو سياسي، ويتم الآن دراسة ترحيلها من العراق إلى بعض الدول الغربية. (المُحَقِّق) [225] كيلاني: هو محمد محمدي دعويسرائي، مشهور بـ(محمدي كيلاني)، ولد سنة 1929م، أصبح في حكومة الجمهورية الإيرانية عضواً في مجلس فقهاء الدستور، ثم عضواً في مصلحة تشخيص مصلحة النظام. [226] سمعت ابنتي بعد مدة تقول: إنه اتصل على منزلنا مراراً وقال لي: راقبي أباك؛ كيلا يفعل شيئاً يكون سبباً للقبض عليه. (البرقعي).